منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

“أين عالميتك ! :The World is yours !”|أفكار في التوجيه (المبدأ 6) 

مصطفى شقرون

0

“أين عالميتك ! :The World is yours !”|أفكار في التوجيه (المبدأ 6) 

بقلم: مصطفى شقرون

سألت فتيات أحرزن شهادة الباكالوريا قبل أسبوعين في لقاء توجيهي في المدينة التي أقطن فيها : كم نسبة العرب من مجموع المسلمين ؟ فكانت الأجوبة تدور حول التسعين بالمائة..

وقد استغربن حينما علمن بأن النسبة تقارب ٪15 فقط!

هدف السؤال أن يفرقن بين الإسلام العالمي وبين لغة “بعض” المسلمين.. والتركيز على عالمية الإسلام..

ولدن في بلد مسلم أهله.. وهذه منحة ومسؤولية كبرى.. من لم يحملها حق حملها.. واكتفى بظنه أنه ناج لأنه ولد مسلما.. كان ظلوما جهولا..

{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (الاحزاب، 72)

– الأصل أن مقامك حيث أقامك الله..

– والأصل كذلك -بعد الاستخارة والحاجة- أن تغير مقامك.. إذا لم تتوفر في مقامك الأول شروط العدل والحرية..
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء : 97-98]..
أو للاعتبار.. { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْاخِرَةَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ } [العنكبوت : 20]..

– والأصل كذلك أن دينك عالمي.. وأن العالم ينتظرك لتبليغ الوحي الذي أتاك من غير حول منك ولا قوة..

كونك مسلمة بنيتي.. يعني أنك عالمية !.. لا تنسي هذا أبدا..
وكونك مسلما بني.. يعني أنك عالمي !.. لا تنس هذا أبدا..

فلا تجعل دينك مغربيا.. ولا عربيا.. ولا بربريا..

لا تضع طائرك في قفص..

إن بحثت عن العمل.. فابعث طلبك إلى ما وراء مدينتك.. بل إلى ما وراء بلدك.. بل إلى ما وراء قارتك…

لا تجعل حدودا في رأسك..

لا تحاصر نفسك…

لا يتطلب الأمر مالا دائما.. بل اجتهادا وتحصيلا فقط.. وتجربة.. وبحثا..

وقبل ذلك وبعده.. إذنا من الله تعالى..

إن كانت شهاداتك تناسب مشغلا أو شريكا في سريلانكا أو في اليابان أو في نيوزيلاندا.. فسيتكلف بتمويل سفرك وإقامتك..

لا تجعل بينك وبين العالم سدا..

فإن لم يكن، ففي بلدك إلى حين.. وواصل البحث الرقمي الذي لا يكلف كثيرا..

ونفس الأمر في الدراسة إذا ما توفرت الإمكانيات.. وإلا فابحث عن منحة.. فإن لم تأت.. فادرس واعمل في بلدك.. واعتبره بلدا من البلدان.. وأعد المال والعدة لذلك.. وواصل البحث… فإن أذن الله.. أرسلك إلى حيث تنفع خلقه.. أو أقامك حيث أنت.. حيث تنتفع لتنفع خلقه..

وللوالدين : لا تمنعوا أبناءكم إذا ما سنحت لهم الفرصة وآنستم منهم رشدا -وإن لم يكن مكتملا لعامل السن-.. ولم تمنعهم من ذلك قلة يد.. فإنما السفر تجربة تزيد في العمر أضعافا..

لا تمنعوهم بدعوى أنهن فتيات..إن آنستن منهن رشدا -وإن لم يكن مكتملا لعامل السن-.. فقد يكون في بلدهن الأول فساد أخلاقي أكبر من بلد المهجر.. حصنوهن هنا..

ولا بدعوى أن يبقوا ليؤنسوكم.. فهذا تملّك.. أناني أحيانا.. مخالف لسنة الله التي تنهي فترة الصحبة الأولى بين الوالدين (الطينيين) وأبنائهم بالموت أو بالزواج أو بغيرهما..

فالمؤنس الله.. والرازق الله..
والتزاور وارد..

لا تفهم من كلامي أني أدفعك للهجرة دفعا.. إنما أدفعك لتوسيع مجال نظرك.. ومجال بحثك.. فقط.. حتى تتوسع اختياراتك.. وتتحرر..

ومن الاختيارات الممكنة الرجوع إلى البلد الأصلي إذا ما توفرت الشروط التي انعدمت يوم قررت الرحيل عنه..

ومن الاختيارات أن تكون دعوتك وانتاجاتها عالمية.. رقميا.. وإن لم تبرح مكانك..

إنما أذكرك بأنك خلقت لتكون خليفة الله في الأرض..
كل الأرض..
لا في بلدتك..

1- كان رسول الله يحب مكة حبا جمّا.. وقد تأثر كثيرا عند فراقها..

فقد روي أنه وقف صلى الله عليه وسلم عند خروجه بالحَزْوَرَة في سوق مكَّة، وقال: «والله إنَّكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخْرِجتُ منكِ ما خَرَجْتُ»

لكنه دعا وقد حلّ بالمدينة : “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد!” برغم ظروف صعبة أعقبت قدومه..

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ وعك أبو بكر، وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله.. والموت أدنى من شراك نعله. وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته، يقول: “اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء!”

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد! اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة!”

أعيد دعاءه: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد!”

وكان يدعو قائلا: “اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة!”

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان الناس إذا رأوا أول الثمر؛ جاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: “اللهم بارك لنا في ثمرنا!، وبارك لنا في مدينتنا! وبارك لنا في صاعنا! وبارك لنا في مدنا! اللهم إن إبراهيم عبدك، وخليلك ونبيك وإني عبدك، ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة، ومثله معه”.

قال : مدينتنا..

وعن أنس رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة؛ أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها؛ من حبها”.

2- ومما اختُص به الأنبياء -وهم قدوة البشر في أكثر الأمور- أنهم يدفنون حيث يموتون..

ففي سنن الترمذي أنه : لَمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اختلَفوا في دفْنِه، فقال أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: سمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا ما نَسِيتُهُ، قال: ما قبَضَ اللهُ نبيًّا إلَّا في الموضِعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدْفَنَ فيه؛ فدفَنوه في موضِعِ فِراشِه.

3- وهكذا دفن أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه في بلاد الروم.. فصار قبره مزارا منورا بعد قرون.. إثر إسلام القسطنطينية.. ودفن عدد من الصحابة والتابعين الدعاة المجاهدين في الحبشة وآسيا وأوروبا وأفريقيا والأمريكيتين..

3- وهكذا كان حال العلماء -على قلة وسائل السفر المريحة- في زمانهم..

فالشافعي مثلا.. ولد في غزة، وانتقلت به أمه إلى مكة وعمره سنتان وهاجر إلى المدينة المنورة طلباً للعلم ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد بعد أن جاوز الثلاثين، ثم عاد إلى مكة ثم إلى بغداد للمرة الثانية ثم سافر إلى مصر وقد قارب الخمسين وتوفي فيها بعد خمس سنين.

نظم رحمه الله في السفر قائلا :
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى
وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ:
تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ،
وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد

وهكذا هو حال أغلب العلماء الذين لا حد جغرافي لهمتهم ولأرواحهم..

وقد استغربت في زياراتي لبلاد بعيدة.. كيف يحرص بعض الناس على دفع تأمين ليدفنوا في بلدهم الأصلي.. وأبناؤهم -الذين سيزورون قبرهم- ولدوا في بلدهم الثاني ولم يعد لهم قرباء كثيرون على قيد الحياة في بلدهم الأصلي.. بالإضافة إلى وجود مقابر ودفن على طريقة الإسلام في بلدهم الثاني..

هو اختيار.. لا دخل لي فيه.. لكن السؤال المطروح.. أليست هذه أرض الله كذلك.. بل ربما كانت أعدل.. بل حتما هي كذلك..

وقد مازحت أحدهم يوما وقلت له.. ستدفن في بلدك الأصلي.. ومن يضمن لك أنه لن يضطرك يوما مقاول بناء مشارك لرجل سلطة ظالم على الإفراغ لاقتطاع جزء من مقبرة قديمة.. في أرض كانت فلاحية يوم دفنت فيها.. ؟..

ربما رجع الرجل الستيني عن قراره.. وعلم أن أرضه هي البلد الذي عمل فيه.. وربى ابناءه فيه.. ودرسوا فيه وطببوا فيه.. بعدل ورحمة.. وأم الناس للصلاة فيه.. ودعا إلى الله فيه..

ولله الأمر من قبل ومن بعد..

اللهم أنت أعلم بما في أنفسنا، فسيّرنا إليك حيث تشاء..

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.