الحنين لرسولنا الكريم (قصيدة)
الحنين لرسولنا الكريم (قصيدة)/ أَبُو عَلِيٍّ الصُّبَيْح
الحنين لرسولنا الكريم (قصيدة)
بقلم: أَبُو عَلِيٍّ الصُّبَيْح
يا ســـاهـرَ الـلـيـلِ فى البيــــداء مُتَّجِهًـا
نحــــو السمـــاء نَجِـيَّـا والفـــؤادُ حَـمِي
حُـرِمتُ عُمـري أبًـا يحـنـو ، ولم أرَهــا
أمي فعـشتُ غـريـب الـرُوح فى اليَـتَـمِ
فاسكُب حنــانَـك واجعـل فــى مَـراشِـفـه
دفْءَ الأمـان وطهـِّـرني مـن الــوَغَــمِ
فــى الغــــار حيْـــرانَ والأفـكـارُ آخـــذةٌ
أسـبــابَ لُـبِّك عــن بُـعْـــدٍ ومــن أَمَــمِ
حـتى الجـلامـيــدُ رَقَّـــت مــن تـاثُّــرِهـا
لمّـا تَـرَقــرق جَفـنُ العـيْـــن بالـسَجـَـمِ
ظمآنَ تهفــــو لنُـــور الحق مُبتَهــــــلًا :
ياراعِىَ الكَـــوْنِ أكْـــــرِمْ راعِىَ الغَنـــــمِ
أطيـــارُ نَجــواكَ فى البَــرِّيـة انطـلـقَـت
فأشـــرق الحــقُ فـــى قُـدْسِـيَّـة الـنَغَــــمِ
يـأتـيـكَ (جـبـريلُ) بالآيــاتِ يَغــرِسُهـــا
فى نفسِك البِكـرِ ، فاهـتـزَّت مع الـزَخَــمِ
فـى مُعجِــزٍ مـن بَـيــان القــوْلِ مُتَّـسِـقٍ
أنـوارُهُ تُرشــــد الدنـيـــــا إلى السَـلَــمِ
إقــــــــرأ (محمدُ) باسْــــــم الله مُبتَــدِئًا
ياخالـــــقَ الإنــــــسِ والتعليـــــمِ بالقلمِ
لم تَكتب الـوحىَ ، يا أُمِّىُ ، بل نُقِشَت
فى القـلـب آيـاتُـهُ كالمَاس فى السِّيَــمِ
لِنَجوَاكَ مِن نَجوَى الفُؤَادِ نَدِيمُ
وَصَبٌّ , على سورِ الضّريحِ , سَدِيم
أتَيتُ أبَا الزَّهرَاءِ أستَنهض الخُطَى
لَعَلّي بِأعتَابِ المَقَامِ أقِيم
مَلَاذٌ كَأركَانِ الدُّعَاءِ مَلَاذُهُ
وَرُكنٌ كَغُفرَانِ الذُّنُوبِ كَريم
أنَاخَ لَهُ الرَّحمَنُ لِلعَرشِ سُلَّماً
سَمَاهُ وَمَا اجتَاحَ السَّمَاءَ زَعِيم
دَنَا فَتَدَلَّى قَابَ قَوسَينِ حَسبُهُ
رَأى مِن حَبِيبٍ مَا رآهُ كَلِيم
هُوَ النّورُ لَا يُحصي سَنَاهُ مَديحُنَا
وَمَا قيلَ , لَو جادَ المَدِيحُ , رَقيم
وَمَا هُوَ دُونَ المَدحِ حَتَّى كَأنّهُ
إذَا عُدَّ خَيرُ الخَلقِ فَهوَ أدِيم
فَمَا اختَصَرَتْ عِشقِي حُرُوفُ قَصِيدَتي
تَنَاثَرَ مِنهَا العِقدُ وَهوَ نَظِيم
مَضَى عَدلُهُ حَتَّى استَنَارَتْ بِنُورِهِ
شُمُوسٌ وَلَاذَتْ عَن سَنَاهُ جَحِيم
تَحَنَّى لأَبنَاءِ العَبِيدِ تَوَاضُعاً
حياءً يَغضُّ الطّرفَ وَهوَ عَظِيم
وَهَمَّ بِتَروِيضِ النُّفُوسِ وَقَلَّمَا
تَبَنَّى شُيُوخَ العَالَمِينَ يَتِيم
فَمَا فَزَعَتْ أمٌ بِوَأدِ رَضِيعَةٍ
وأنَّ خُدُورَ الُأمَّهَاتِ نَؤوم
كَظِيمٌ وَلَا يَشكو غَمَامَةَ غَيظِهِ
وَمِن كُلِّ ضَيمٍ يَعتَريهِ سليم
تَنُثُّ خُطَاهُ السَّعدَ في كلّ وُجهَةٍ
وَيُمسحُ هَمَّا مَا سَلَاهُ سَقِيم
بَشَائِرُهُ حُورٌ وَنُورٌ وَنِعمَةٌ
وَجَنَّاتُ عَدنٍ مسكُهُنَّ شَمِيم
وَحُلمٌ كأحلَامِ الغَرِيبِ بِمَوطِنٍ
تُؤَثِّثُهُ الآمَالُ وَهوَ هَشِيم
مُضيءٌ بِوَجهِ الصُّبحِ شَمسُ هِدايَةٍ
وَفي لَيلِ تَيهِ التَّائِهِينَ نُجُوم
وَسِرٌ كَسِحرِ الكَونِ أبدَعَ خَلقَهُ
بديعٌ بَأسرَارِ القُلوبِ صَمِيم
وَلِلكَونِ آثارٌ تُثَاكِل بَعضَهَا
وَلِلبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ نَعِيم
سَقَانَا رَحِيقَ العَيش حَتَّى تَلَألَأتْ
دُمُوعٌ , وَطَابَتْ خِشيَةٌ , وَهُمُوم
لَهُ فِي مَنَافِي الرُّوحِ خَمسُون حُجَّةً
وَوَاحِدَةٌ سَكرَى عَليهِ تَحُوم
تَشُدُّ بِهَا الأهوَاءُ شَرقاً وَمَغرِباً
وَلَكِنَّها فيمَا يَقُومُ تَقوم
فَفِي كلِّ بَيتٍ رَحمةٌ وهدَايةٌ
وَفَي كُلِّ رَوضٍ للرِّيَاضِ نَسِيم
وَنَهرٌ كَأنهَارِ الجِّنَانِ تَسَابَقَتْ
لِتَنهَلَ مِمَّا تَستَطِيبُ كُرُوم
وَقَالُوا وَمَاقَالُوا وَللقَولِ فَصلُهُ
وَمَا كُلُّ مَن قَالَ المَقَالَ حَكِيم
وَكَم لاحَ في وجهِ الضّلَالِ كتابُهُ
وَلَحَّ عَلَيهِ جَاحِدٌ وَظَلُوم
فَوحي رَسُولِ اللهِ هَديٌ وَرَحمَةٌ
وَنُورٌ لمِصبَاحِ الصّباحِ عَميم
تَشيخُ حَضَارَاتٌ لِتَكشُفَ سِرَّهُ
وَتَشقَى بِتَفكِيكِ الرُّمُوزِ عُلُوم
وَمَا نَالَ مِن قُربِ ابتِهَالِي مَفَازَةً
وَإنِّي وَإن جُزتُ السَّحَابَ عَقِيم
هوَ الناصرُ المنصورُ مااشتدَّ عَصفُهَا
رماحٌ على أعتَابِهَا وَضَرِيم
بَكانَا وَمَا يَخشَى خُطُوبَ زَمَانِنَا
ولكنَّهُ بالنّازلاتِ عَليم
وآمَنتُ طَوعاً إذ سمعتُ نِدَاءَهُ
وَإنِّي بِمَا شَحَّتْ يَدَايَ ألُوم
وَأترَعُ أكوَاباً مِن الوَجدِ خِلسَةً
كَأنِّي وَكَأسُ المُنجِيَاتِ خَصِيم
فُطِمتُ عَلَى حُبِّ النَّبِيِّ تَقَرُّباً
وَمَا خَابَ في تَركِ الذّنُوبِ فَطيم
أُطَهِّرُ رُوحي في مَديحِ محمَدٍ
أصَلِّي كَأنِّي جَنبَهُ وَأَصَوم
أقَلِّبُ طَرفي في السَّمَاءِ أدِيرُهُ
لِيَلطُفَ رَبٌّ بالسُّؤالِ حَليم
فيا رَبَّ مُوسَى وَالحَبيبِ مُحَمَّدٍ
أتَيتُكَ أشكو مَا جَنَاهُ سؤوم
أجِرني فَبي غَمٌّ وَخَمسُونَ عِلَّةً
تُسَائِلُني ذَمّاً , كأَنِّي ذَميم
أَجِرني وَمَا حَقِّي أُجَارُ وَلَيتَني
جَليلٌ كَمَا صَيّرتَنِي وَرَحِيم
أَجِرنِي عَلَى حُبِّ الحبيبِ مُحَمَّدٍ
وَمَا خَابَ رَاجٍ بالحبيبِ أثيم
وأنبيكَ أنَّ المِخلَبَ الوثنيُّ من
يَعِيثُ بِدينِ الحَقِّ وَهوَ نَمِيم
حَنَانَيكَ مَاحُكمُ الكِتَابِ إذَا انبَرَى
يَشُتُّ وَيَلغُو , بِالكِتَابِ رَجيمُ ؟
فُتِنَّا , وقَتلُ النَّاسِ مِن سورٍ بهِ
ومَا عَادَ يُحي العَظمَ وَهوَ رَمِيم
تَشَفَّعْ أبَا الزَّهرَاءِ فَالعُربُ شُتِّتَتْ
وَمَا هَمَّ في لمِّ الشَّتَاتِ شَكِيم
وصَلِّ عَلَى خَيرِ الأنَامِ مسلّماً
صَلاةَ شِفَاءٍ للقُلوبِ تَدُوم
إليكَ اشـرأبَّتْ عـيونُ الـوَعي
ومـن كُــلِّ جـرحٍ بـنا مُـوجِـعِ
لـتشكو إلـيكَ ضـياعَ الطَّريقِ
دَعـــيٌّ تــوَرَّثَ مــن مُـدَّعــي
لقد كانَ أمسُكَ نهجَ الخلاصِ
فـمـا بـالُ يـومِكَ لـم يَـسْـطُعِ
أتـيتَ لـتـجمعَ فيكَ الـرِّجالَ
فـصـاروا شُـتـاتًـا بـلا مَـرجـعِِ
فـى مَجْمَع الـرُسْـــلِ والأكـوانُ خاشــعة ٌ
والنـــورُ يســعَى بِـآىِ الـلّـهِ مـن قِـــــدَمِ
بـــوركتَ واسِـــــطة ً دُرِّيـــــة ًجَمَعَـت
بين المَحـاســن عِقــدًا غيـــرَ مُنفَصِــــمِ
ثــم ارتَقى مُعْــرِجًا كالبَــرقِ مُخْـتَــرِمً
سَبْعًـــــا طِبــــاقًا فمَـــا خَلَّـى لمُعـتَـــزِمِ
واجتـــاز فى العـــالَم العُلْـــوِىِّ أزمنـــة ً
شَـــتَّى ، طــــواها كَطىَّ الريــحِ للعَلَــمِ
حتـى انتهَـى بَعــدَ آيـــــاتٍ بهـــا عِبَـــرٌ
إلى مَقـــامٍ بقُــربِ العَـــرشِ لـم يُـــــرَمِ
نـــــورٌ تَـجَـلـَّى على نـــــورٍ فطهَّــــرهُ
وأوْرَد القلبَ نَـبْـعَ الـخـيـْـرِ والـعِـصَـمِ
وكـنـتَ رحـيمًا بمـنْ خـالفوكَ
وبـاسـمـكَ نـالـوا مـن الأورَعِ
صَـدَعتَ.. عليكم بركنٍ وثيقٍ
ولـكــنَّ صـوتَـكَ لـمْ يُــسـمَـعِ
ومـيـزتَ بيـنَ قـطـيـعٍ رعـاعٍ
وسـلّاكِ دربِ الــهدى الـمهيَعِ
ولــكنَّ قـومَكَ لــم يَـتْـبـعوكَ
كـــأن عــشـيـركَ مـــن تُــبَّــعِ
وتــلكَ الــجَزيرةُ قَفْرُ الظّلامِ
تَـهـاوَتْ عـلى بـابِـكَ الألمعي
فـهـزّ الـنَّـوافذَ مـنـكَ الـضِّياءُ
وقـالَ اهـتــزازُكِ مِـمّنْ معـي
مـحــمـدُ أسٌ لـهـذا الـوجـودِ
وإنْ نــالَ مـنهُ بــغــيٌ دَعــي
تـجـلى الـنّهـارُ على وجـنَتيهِ
وأجـلى الظلامَ من اللّا وَعي
وقـادَ المـشارقَ نـحوَ البزوغِ
لـنـشـربَ صفـواً مـنَ الـمنـبعِ
تـدورُ الـكـواكـبُ والـنّـيـراتُ
بــعينيهِ .. تهـفو الى الـمطلعِ
تـوَرَّثَ عـلمًا وحـلـمًا وجـاهًـا
مـن اللهِ ذي الـمـوردِ الأمـنـعِ
أعْجِـــزْ بها رحلَــة ً أكـــرِمْ بصــاحِبها
مَن صَــدَّقَ الـــوحْىَ لم يَــرْتَبْ ويَتَّـهِـمِ
قُـل للمُجــافي ، بِداعي العَـقـلِ مُسْتَـتِـرًا،
قد فَسَّـرَ العِلـمُ ما استعصَى على الفَهَـمِ