نشر هذا المقال في كتاب “مؤسسة المسجد بين التأميم والتحرير” من إصدارات مجلة “منار الهدى” الكتاب الثالث.
مقدمة:
كان المسجد أول مؤسسة أنشأها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة؛ لتكون رسالة إلى عموم المسلمين حول محورية وظيفته في حياتهم، فبرجوعنا إلى سيرة النبي صلى الله عليه و سلم[1] كانت أولى خطواته في “قباء” هي بناء المسجد، وأول عمل قام به صلى الله عليه وسلم في المدينة كان بناء المسجد. وهذا الأمر لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، وإنما هذا منهج أصيل لا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل وظيفة المسجد؛ لأن المساجد الآن كثيرة، لكنّ الكثير منها غير مفعّل، ولا يقوم بالوظائف المنوطة به.
وقد كانت للمسجد زمن النبي صلى الله عليه وسلم وظائف في غاية الأهمية، ولم يقتصر في وظيفته على الأبعاد الروحية والتعبدية، بل شمل أبعادا أخرى تربوية توجيهية، واجتماعية وثقافية وصحية وإعلامية وسياسية وعسكرية، ومركزًا لإدارة كل شئون الناس وتسيير مصالحهم الدنيوية وحل مشكلاتهم اليومية، وغير ذلك من المهام التي غابت اليوم في مساجدنا بعد أن صارت أماكن للصلاة فقط دون امتداد وظيفتها إلى الإطار المجتمعي العام…. فالمسجد مؤسسة إسلامية شاملة شمول اﻹسلام.
وقد اقتضى منهج الدراسة أن يتم تناول الحديث في هذا الموضوع ضمن مبحثين وخاتمة:
المبحث الأول: الوظائف الأساسية للمسجد التي لا ينبغي أن تغيب في مسجد من المساجد
المطلب الأول: الوظيفة التعبدية (الحفاظ على إيمان المسلمين)
المطلب الثاني: الوظيفة التربوية التوجيهية (المسجد مركز دعوة ومنبر توجيه)
المطلب الثالث: الوظيفة الاجتماعية
المطلب الرابع: الوظيفة التعليمية التثقيفية
المبحث الثاني: الوظائف المتغيرة بتغير الزمان والمكان
المطلب الأول: القضاء في المسجد
المطلب الثاني: الوظيفة الإعلامية للمسجد
المطلب الثالث: الوظيفة العسكرية
المطلب الرابع: الوظيفة الصحية.
المبحث الأول: الوظائف الأساسية للمسجد
المطلب الأول: الوظيفة التعبدية (الحفاظ على إيمان المسلمين):
أهم وظيفة للمسجد هي الحفاظ على إيمان المسلمين، وهذا هو الأساس الرئيسي الذي اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرسه في نفوس أصحابه في مكّة، وفي نفوس الأنصار في بيعتي العقبة، إنه الإيمان بالله.
ولقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم المساجد أمارات تدل على إسلام أهل البلد، ومما يدل على ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار”[2].
وهذا دليل على ما للمساجد من أثر بالغ في الإسلام، حيث يعتبر وجودها وعمارتها بالأذان والصلاة صورة حية للمجتمع الإسلامي، كما يعني فقدها أو فقد عمارتها بعبادة الله تعالى ابتعاد المجتمع عن الإسلام، وتلاشي مظاهره من واقع المجتمع.
وفي هذا المعنى يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى وجوب الإمساك عن القتال إذا رأوا مسجدا أو سمعوا مؤذنا، كما أخرج الترمذي وأبو داود رحمهما الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم: “إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا”. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب[3].
والمسجد كما يظهر من اسمه أي مكان السجود لرب العالمين، والرضوخ الكامل له والطاعة المطلقة لكل أوامره، فهذا المكان يحفظ على المسلمين دينهم؛ لأجل هذا كانت حياة المسلمين تدور في مجملها حول محور المسجد، والصلاة في المسجد، ولا تقبل الأعذار في التخلف عن هذه الصلاة إلا في ظروف ضيقة ومحدودة جدًّا.
وأهم الأعمال الصالحة التي تؤدَّى في المساجد صلاة الجماعة، وقد رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تأمر بصلاة الجماعة وتبين فضلها، ولن أستوعب ذكر هذه الأحاديث لأنها مبيَّنة في مواضعها من كتب السنة والفقه، وإنما سأقتصر على ذكر بعض الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع.
فمن الأحاديث التي تبين وجوب صلاة الجماعة ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار”[4].
فهذا التهديد بالتحريق يدل على أن من ترك صلاة الجماعة فهو آثم، وهذا يدل على الوجوب لأن المستحب لا يعاقب تاركه.
وكذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: “هل تسمع النداء بالصلاة؟” فقال: نعم، قال: “فأجب””[5].
فهذا يفيد بأن من سمع الأذان لا يعذر بترك الصلاة مع الجماعة في المسجد، وهذا دليل على الوجوب لأن المستحَب لا يُلزم المسلمُ بفعله.
ومن الأحاديث التي تبين فضيلة صلاة الجماعة في المسجد ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة” ، وفي رواية أخرى لهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة”[6] .
ولقد كان تأثر المسلمين بهذه الأحاديث والآثار وأمثالها شديداً، ومواظبتهم وحرصهم على حضور الجماعات في المساجد مستمرة على مدى الزمان.
فالوظيفة الأولى للمساجد هي أنها أماكن عبادة، فيها يؤدي المسلمون صلواتهم وجُمعهم أو جماعاتهم، ويقرءون القرآن ويذكرون الله[7]. وصدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ اَ۬للَّهِ مَنَ اٰمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَأَقَامَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَي اَ۬لزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اَ۬للَّهَ فَعَس۪يٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَنْ يَّكُونُواْ مِنَ اَ۬لْمُهْتَدِينَۖ ﴾[8].
وعمارة المساجد تعني تشييدها وإقامتها وبنيانها، وبالتالي عمارتها بالعبادة والاجتماع فيها للجماعة، وبقراءة القرآن والذكر، والاعتكاف وهذا هو المعنى الأهم في العمارة.
إن مهمة المساجد هي كما بين سبحانه وتعالى بقوله ﴿ فِے بُيُوتٍ اَذِنَ اَ۬للَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اَ۪سْمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالَاصَالِ رِجَالٞ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَإِقَامِ اِ۬لصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ اِ۬لزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوْماٗ تَتَقَلَّبُ فِيهِ اِ۬لْقُلُوبُ وَالَابْصَٰرُ ﴾[9]. ومن الآية نرى أن الله تعالى أذِن أن ترفع بيوته بتعظيمها، ورفع شأنها بالتقديس والتطهير وإقامة الشعائر الدينية فيها بعد رفع قواعدها وبنيانها.
وذِكر الله فيها “عام” يشمل الصلاة نفسها، والأذان، وقراءة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والتضرع إلى الله تعالى. ولذا حث الدين الإسلامي على ارتياد المساجد وحضور الجماعة؛ فجعل ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله – من كان قلبه معلقا بالمساجد، أي بالتردد عليها، وإقامة الصلاة فيها وعمارتها. فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه”[10].
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من غدا إلى المسجد وراح، أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح “[11].
كل هذا لما فيه من اتصال العبد المؤمن بخالقه جل وعلا، ولما فيه من القوة الروحية التي يفتقر إليها الإنسان، واستمرار الصلاة في المسجد إمداد للجماعة الإسلامية بالقوة التي لابد منها لإصلاح المجتمع.
إلى جانب هذا تشتمل الصلاة على عدة أسرار وحكم بالغة، حيث تتكرر خمس مرات يومياً لتكون “حماماً” روحياً للمسلم يتطهر بها من غفلات قلبه وأدران خطاياه. وليس أثر الصلوات مقصوراً على جانب واحد فقط، بل هناك عدة جوانب منها النفسي، والجسمي، والعقلي.
فمناجاة العبد ربه، والتذلل إليه، واعترافه بخطاياه، وطلب العفو والمغفرة، وترك الدنيا جانباً عند الدخول إلى المسجد أمور تُدخل إلى النفس طمأنينة وراحة.
ومفتاح الصلاة الطهور: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمْتُمُۥٓ إِلَي اَ۬لصَّلَوٰةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُۥٓ إِلَي اَ۬لْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُۥٓ إِلَي اَ۬لْكَعْبَيْنِۖ وَإِن كُنتُمْ جُنُباٗ فَاطَّهَّرُواْۖ ﴾[12]. وهكذا فإن اشتراط التطهر للصلاة في الثوب والبدن والمكان أمر لا تتم الصلاة إلا به، وفي هذا من النظافة ما يجلب الصحة للإنسان.
ولا يأمُر القرآن بمجرد الصلاة، ولكنه يأمر بإقامتها. وتعبير الإقامة له مدلول كبير، فيه حضور القلب، وإعمال الفكر، وصفاء الروح، وخشوع الجوارح، وطهارة النفس والبدن، وهو الجو الذي يتيح للمسلم أن يصل إلى غايته، فيتسامى بالنفس فوق دوافع الجسد، ويحررها من أسرار شهواتها ويطهرها من الإثم والعدوان، ويسد فيها منافذ الشيطان، ويكيف سلوكها، ويطبعه بطابع القرآن.
إن إبراز ملامح التفاف المسلمين حول المقاصد الإسلامية، ووحدة العقيدة والكلمة، هو هذا التوارد على الصلوات المكتوبة جماعة في المسجد؛ حيث ترسخ العقيدة الإسلامية في القلوب، وتتعمق روح التعاون، وتتقوى عرى التكافل في حياة المسلمين، وتنبثق الأخلاق الكريمة وتنتشر، بل وتتزايد في ظل الإخاء، والتسامح، والتساوي الذي يظهر أنه لا عنصرية ولا طبقية في الإسلام، بل الجميع سواسية عند الله لا تفريق بينهم إلا بالتقوى. ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم “[13].
المطلب الثاني: المسجد مركز دعوة ومنبر توجيه:
لقد نوّر المسجد قلوبا، وعمر أفئدة، وأزال عنها غبش المعاصي، وانتزع منها جذور الزيغ والضلال، وجعل منها بحول الله تعالى وقوته أجيالا مؤمنة تقية نقية، مجاهدة صامدة، قانتة مطيعة، عمرت الأرض بالطاعة والخير، ونشرت الإسلام في آفاق واسعة ونواحٍ عديدة من المعمورة؛ فكانت قرآنا يمشي على الأرض، ينير للناس مناهج الحق، ويهديهم سبل الرشاد، وكانت رسلَ هدايةٍ تغزو القلوب بالإيمان، وتغرس فيها بذور التقوى، والإصلاح وغراس الطاعة كلها: طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اُ۬للَّهَ وَأَطِيعُواْ اُ۬لرَّسُولَ وَأُوْلِے اِ۬لَامْرِ مِنكُمْۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِے شَےْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَي اَ۬للَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِۖ ذَٰلِكَ خَيْرٞ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاًۖ﴾[14] .
فمن المسجد الحرام انطلقت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تهز أرجاء مكة بقوة ألفاظها، وسلاسة معانيها، وقوة نفاذها في الأعماق، تعرب عن صدق وإخلاص وأمانة، وتنبع من جنان عامر بالنور، دوّى بها المصطفى الحبيب عليه أزكى صلاة وأفضل تسليم قائلا بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله في أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه: “إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا أو نار أبدا”[15].
ولما أمر عليه الصلاة والسلام بإعلان نبوته، والجهر بدعوته، والصدع بالحق إذ نزل عليه قول الحكيم الخبير: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُومَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ اِ۬لْمُشْرِكِينَۖ ﴾ [16]. ارتقى المصطفى المختار الصفا وصاح بأعلى صوته: “واصباحاه”، وهي صيحة يصيح بها العربي حين يحس بخطر داهم يوشك أن يحيط بقومه أو عشيرته، ثم أخذ ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني كعب، لبطون قريش كلها حتى اجتمعوا فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب: تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِے لَهَبٖ وَتَبَّۖ ﴾[17] “[18].
أما خطبته في أول جمعة صلاها بالمدينة فأجتزئ منها هذه العبارة: “وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا ما أحسن الله إليكم،… ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾[19]. وسماكم المسلمين. ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾[20] ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفِه ما بينه وبين الناس. ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه. الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” [21] .
ثم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطب تذكر بالله وتدعو إلى حبه والتحاب فيه، والتنفير من الدنيا، وبيان العلم الشرعي وفضله وبثه في الناس من جيران وغيرهم، ثم تلك الخطبة الجامعة العظيمة في حجته التي ودع فيها الناس، وأعطاهم فيها دروسا عظيمة قيمة، تحمل وصايا كثيرة نافعة في البعد عن الظلم، وترك الربا، والإيصاء بالنساء، وغيرها مما ينير للأمة الإسلامية في كل قرونها المقبلة طريقا هاديا يرضاه الله ورسوله، ويفوز سالكوه بخيري الدنيا والآخرة.
وهكذا عمر خلفاؤه الراشدون الأئمة الحنفاء المهديون منابر المساجد، مرشدين وموجهين، ومتحسسين حاجة الأمة المسلمة إلى ما يرقق قلوبها، ويوضح لها معالم الحق، ويسيرها على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. وسارت على هذا النمط الأجيال المؤمنة تستخدم منابر المساجد للإرشاد، والتوجيه، والإنذار، والتحذير، وبيان الأحكام، وغرس العقيدة الصحيحة، وعلاج ما في المجتمع من أدواء وعيوب، واستئصال شأفة الحقد والحسد وكل خلق ذميم، والحث على المنهج الصحيح، والسلوك المستقيم حتى يعيش المجتمع المسلم نقيا صافيا متوادا متراحما، متكاتفا متعاطفا، يحس فرده بما يقلق جماعته، وجماعته بما يزعج فرده ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”[22]،” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعت إليه سائر الأعضاء بالسهر والحمى”[23] .
أما في مجال الدعوة وتخريج الدعاة فحدث ولا حرج عن المساجد، ولا سيما الحرمين الشريفين؛ فمنها تخرج عباقرة الصحابة ونحارير التابعين ومن بعدهم من القرون. وصحابة رسول الله كانوا رسله إلى الآفاق يعلمون الناس دينهم، ويمحقون معالم الشرك وآثار الوثنية، ومستنقعات الفجور والمعاصي، وتلاهم على هذا النهج الخير والدرب النير أساتذة كبار، ومشايخ أمناء في شتى العصور والأجيال، فعمر بن عبد العزيز ومالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهم ممن نشروا الدعوة بألسنتهم الصريحة في الحق، وكتبهم المجدية النافعة التي ملأت مكتبات العالم وأثرتها إثراء جما، ولا سيما في عصرنا هذا بعد أن نشطت حركة التحقيق والنشر.
المطلب الثالث: الوظيفة الاجتماعية:
ينفرد المجتمع الإسلامي بنظامه الخاص، والعلة الرئيسية هي” أنه مجتمع من صنع شريعة خاصة، جاءت من لدن إله، فهذه الشريعة التي وجدت كاملة منذ نشأتها غير مدرجة تدريجاً تاريخياً … هذه الشريعة هي التي أوجدت المجتمع، وأقامته على أسسه التي أرادها الله لعباده، لا التي أرادها بعض هؤلاء العباد لبعض، وفي ظل هذه الشريعة تم نمو الجماعة الإسلامية. ووجدت ارتباطات العمل والإنتاج والحكم، وقواعد الآداب الفردية والاجتماعية ومبادئ السلوك وقوانين التعامل … ووسائل مقومات المجتمع الخاصة التي تحدد نوعه، وترسم له طريق النمو والتطور”[24].
وحري بالمسجد أن يقوم بدوره في بناء هذا المجتمع، لأنه مركز التوجيه والإشعاع، ومقر التخطيط لبناء المجتمع، ومنبر الهداية والإرشاد لجميع من دخله من المسلمين دون تفريق بينهم.
إن من أول ما دعا إليه الإسلام عدم التفرقة بين المسلمين فقيرهم وغنيهم، عربيهم وعجميهم، ولم يفضل أحداً على أحد إلا بالتقوى قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ﴾[25].
وما من مكان يتجلى فيه هذا القانون الاجتماعي بصورة جلية مثل المسجد، إذ يقف الجميع في صف واحد في الصلاة، وقد ذابت وانصهرت جميع الفوارق التي تميز بعضهم عن بعض.
إن وحدة المجتمع الإسلامي وتكاثفه وقوته مستمدة من عدة أمور منها؛ عدم التفريق بين الأجناس والطبقات والأعمار، لذا أصبح هذا المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. وليس هذا في الصلاة فحسب بل حتى في المعاملات الشرعية والشخصية، والاجتماعية في الحياة.
إن المسجد هو المكان الطبيعي الذي يجمع المسلمين لغرض واحد، وبنية خالصة خلف إمام واحد، لا يتخلفون عليه، هذا الاجتماع الذي يوحي بالتآلف والوحدة هو السبيل إلى السيطرة على طبائع النفوس ونزعاتها، فبداخل المسجد يتربى المسلم على تطهير نفسه، وتصحيح عقيدته في القرب من ربه، سراً وعلانية، وفي داخل المسجد يتربى المسلم على الاتصال بإخوانه المسلمين والسؤال عنهم… وتقوية الروابط الاجتماعية بينه وبينهم، مما يجعله يهتم بجميع شؤونهم، وفي اجتماع المسلمين في المسجد يشعر الجميع بالقوة والانتماء للجماعة مما يجعل الفرد منهم يشعر بالطمأنينة، ويحس بالراحة النفسية والكرامة والأمان.
ويتجسد خارج المسجد هذا الشعور الاجتماعي في تعامل المسلمين وتفاعلهم في شكل أمة واحدة، بفعل ما اكتسبوه من القيم والفضائل في المسجد.
إن اعتياد المسجد والتردد عليه ينعكس على سلوك الفرد في مجتمعه، وبذلك يحمل الفرد المسلم في دخيلة نفسه روح الجماعة التي يقف معها بين يدي الله مما يجعله يسعى إلى الحفاظ على كيان المجتمع الذي هو جزء منه. وما الأمة إلا تلك المجتمعات المكونة من الأفراد. والأمة الإسلامية هي الجديرة بأن تسمى أمة لما يربط بين أفرادها بعضهم البعض، ومجتمعاتها بعضها البعض من الروابط والقوى التي منشأها الدين الإسلامي “والأمة هي المجموعة من الناس تربط بينها آصرة العقيدة وهي جنسيتها وإلا فلا أمة، لأنه ليست هناك آصرة تجمعها. والأرض، والجنس، واللغة والنسب، والمصالح المادية القريبة لا تكفي واحدة منها، ولا تكفي كلها لتكوين أمة إلا أن تربط بينها رابطة العقيدة”.[26] وليس أدل على هذا القول من قوله تعالى﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[27]. وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾.[28]
وكان المسجد مدرسة للأطفال “ولم يكن المسجد مقصوراً على الذين تجب عليهم الصلاة شرعاً من الرجال بل لقد حرص الإسلام على رعاية الأطفال، فلقد كانوا يأتون المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرعى شئونهم ويتلطف بهم. وكان يجوز في صلاته (أي يقصر) إذا سمع بكاء الصبيان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه”.[29]
ومن هنا نرى جواز حضور النساء الصلاة في المسجد، والجلوس لسماع الخطب والوعظ والإرشاد وتلقي علوم الدين وتعاليمه. وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: “إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها”[30].
كما خصص الرسول للنساء دروساً خاصة، وخاصة في العيدين حيث يكون جزء من الخطبة موجهاً لوعظ النساء وإرشادهن، وذلك لاستحباب خروجهن مع الأطفال في صلاة العيد.
ولقد جعل النبي المسجد بمثابة مكتب للخدمة الاجتماعية، وجميع التبرعات، ومعاونة المحتاجين، إلى جانب أداء الصلاة فيه. فعَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ …، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ… فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾[31] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[32] وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾[33] ، وقال:” تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ”. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ “[34].
ولئن كانت المؤسسات الاجتماعية “اليوم” تبذل قصارى جهدها للاهتمام بالفئات التي تحتاج إلى الرعاية والعناية الاجتماعية، من المعوقين والفقراء والمعوزين والمرضى والغرباء واليتامى ممثلة في دور الرعاية الاجتماعية، فإننا نرى المسجد النبوي قبل خمسة عشر قرناً من الزمان كان يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، كما كان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم مقام الجمعيات الخيرية في جمع الزكاة والصدقات من الموسرين والمنفقين، وتوزيعها على الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي الزكاة.
ولقد وُجدت في مؤخرة المسجد “الصفة”[35] يأوي إليها الغرباء والمعدمون، ويجدون فيها الطعام والشراب والكساء والمبيت، كما كانت “الصفة” هذه مكاناً لإقامة الذين حَبسوا أنفسهم لطلب العلم.
ويبدو لنا من الحادثة السابقة مدى تأثير الخطبة التي ألقاها الرسول في المسلمين، والتي يهيب فيها بالمسلمين التبرع، ومساعدة المحتاجين، ولم يتأخر أحد في تقديم ما جادت به نفسه استجابة لمطلب الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم تكن هذه الخطبة إلا واحدة من مثيلاتها في التأثير والاستجابة في مختلف شئون الحياة الاجتماعية والدينية والأخلاقية. ومن هذا نجد مبدأ التكافل الاجتماعي يتخذ طريقاً له في المجتمع الإسلامي من خلال المنبر بشكل لا يتحقق فيها لو كان في مكان غير المسجد.
ولهذا بقيت المجتمعات المسلمة قوية متماسكة في ظل مختلف الظروف، حتى بعد أن اندثرت الدولة، وانهارت النظم الإدارية التي كانت تنظم للناس أمور معاشهم؛ لأن كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي يحمل في أعماق روحه روح الجماعة التي تفرض عليه مد يد العون لأخيه المسلم دون أن يسأله من هو؟ أو من أين؟ أو ما إلى ذلك، بل يسارع إلى تفريج كربته لأنه يعلم أنه يدين بعقيدة التوحيد مثله سواء بسواء. ومن هنا جاءت عظمة هذا الدور الذي قام به المسجد. قال سيد قطب: “إن النظام الاجتماعي الإسلامي قد انبثق من العقيدة الإسلامية، وتكيف وجوده بالشريعة الإسلامية، يجب أن يظل دائماً خاضعاً في نموه وتجديده – للأصل الذي انبثق منه، وللشريعة التي كيفت وجوده، يجب أن تكون الشريعة الإسلامية هي المسيطرة على كل تطور في نظام المجتمع الإسلامي”[36].
وما دام المجتمع يؤمن بعقيدة التوحيد، ولا يرضى غيرها، بل جعلها نبراس حياته العامة والخاصة، واتسم بها سلوك الفرد والجماعة فإن عقيدة التوحيد هذه بكل إشعاعاتها، تسيطر سيطرة تامة على كل جوانب النظام الاجتماعي الإسلامي، وتحدد مقوماته وخصائصه وآدابه ومعاملاته وحقوقه وواجباته، والعلاقات والارتباطات في هذا النظام بكل صوره وأشكاله.
من هذا كله، يتضح لنا الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به المسجد باعتباره جزءاً من الدور التربوي الذي يمارسه عموم المجتمع الإسلامي. كما يتضح أن هذا الدور – الدور الاجتماعي – سار جنباً إلى جنب، وباتزان بديع مع الأدوار التربوية الأخرى التي كان يقوم بها المسجد في المجتمع الإسلامي.
كما أن للمسجد تأثير بالغ وشامل في حياة الشباب، ويمكن أن يقدم لهم ما عجزت عن تقديمه الأجهزة والمؤسسات الأخرى كالمنزل والمدرسة ووسائل الإعلام. وبالرغم من أن المسجد منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم مفتوح في وجه جميع المسلمين من مختلف الأعمار؛ فإن له دورًا شديد الخصوصية في حياة الشباب؛ ففي أجوائه الربانية تربى الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي قاد جيشًا فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من كبار الصحابة، وعمره وقتها 17 سنة، وغيره من شباب المسلمين.
وفى المسجد كان شباب الصحابة يقومون الليل ويتدارسون القرآن ويصلون، وفى النهار يصبحون فرسانًا وجنودًا في خدمة الدين، وكان المسجد في الماضي منبرًا لمناقشة بعض المشكلات والقضايا الخاصة بالشباب، وخاصة مشكلات الفراغ، وكيفية اغتنامه بكافة الوسائل المشروعة جدية وترويحًا، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على من اتخذوا اللعب المباح داخل المسجد سلوكهم التلقائي.
المطلب الرابع: الوظيفة التعليمية التثقيفية.
إن منابر المساجد ورحباتها المشرقة نورت عقولاً مؤمنة، ومحت بؤر شرك دامسة، خرجت دعاة مخلصين، وخطباء مفوهين، يأخذون بأزمة القلوب فصاحة ولسناً، ويمتلكون الألباب بلاغة وجزالة كلمات وروعة أسلوب، وبراءة استهلال، وحسن استشهاد.
أما عن الحرمين الشريفين فلا تسأل عن ضخامة إنتاجهما، ونوعية خريجيهما من القوة في العلم والجودة في الأسلوب، والتحقيق، وسعة الأفق، ووفرة الاطلاع ممن بثوا في العالم، فنشروا ما تعلموه، ونقلوه لأفراد المجتمعات ضبطاً وإتقاناً، وحفظاً وتبحراً، ونية خالصة، وحباً لبث العلم في شتى ضروبه للمتعطشين له والمقبلين عليه.
وامتدت تلك المراكز التعليمية إلى شتى المساجد الإسلامية؛ فدرس الحديث وعلومه، ونبغ فيها من نبغ من محدثين، وشراح حديث، ومصطلحيين، وجهابذة فطاحل في كل فروع السنة، خرجوا الأحاديث ونقوها، وبينوا صحيحها من سقيمها في المتون والأسانيد، وشرحوا الغريب وأعربوا العويص، وأثروا المكتبة الإسلامية بصنوف المؤلفات كالصحاح والسنن والمسانيد، وطبقات المحدثين، وكتب الغريب وغيرها، ثم دروس الفقه وأصوله وقواعده وتاريخ التشريع التي أخذت حيزاً كبيراً من المساجد تدريساً، وحفظ متون، ومناقشات مفيدة، وإفتاء وتأليفاً؛ حتى اتسعت دائرة هذه المواد، وتشعبت فروعها، وكثر روادها، ودرست على أرقى مستوى، فبرز فيها من برز، وتفوق فيها من تفوق، وجادت مراكزها بأعلام الفقهاء، ونوابغ الأصوليين، وشيوخ القواعد، وعلماء التشريع الذين ألفوا ودرسوا وأوجدوا نتاجاً علمياً وفيراً غصت به المكتبات، وخرجوا أجيالا مؤمنة متعلمة تدعو إلى الخير وتصد عن الشر.
ولا ننسى اللغة العربية وعلومها فقد درس النحو والصرف، وفقه اللغة، والبلاغة، وغيرها من علوم اللغة في فناءات المساجد المشرفة المباركة، وبرز فيها علماء متخصصون بذلوا جهودهم في إفادة أفراد المجتمع تلقيناً، وحفظاً، واستشهاداً، وشعراً، وإعراباً، واستشفاف ما في الكلام العربي من محاسن بديعية وبيانية، وأبعدوا حواشي الكلام ومتنافره، وما فيه من تعقيدات لفظية ومعنوية، واستخلصوا لشباب الأمة ألفاظها الجزلة، وأمثلتها السائرة، وأساليبها الرائعة، ومعانيها المستطابة المشوقة التي تطيب الأفئدة، وتستميل القلوب إلى هذه اللغة العريقة.
وما من علم تحتاجه الأمة المسلمة إلَّا وللمسجد فضل في تطويره ونشره، ورفع مستواه، وحث الناس على الاقتباس منه، والانتفاع من درره، سواء كان عملياً أو نظرياً، علوم دنيا أو آخرة. فالمسجد ركن ركين للعلم، ومعين قوي لا ينضب، ومنهل ينهل منه أفراد المجتمع ما يروي نهمهم، ويشبع رغباتهم، ويعطيهم قوة علمية، وشحنة إيمانية تدفع عنهم الشكوك والأوهام، وتحميهم من سموم الأعداء ونفثاتهم المحمومة المسعورة التي يحاولون بها الدس والتضليل، وذر الرماد في العيون السليمة لتنعكس مرئياتها ومفاهيمها، وتعشو أبصارها، وتشوش أفكارها، يحاولون بذلك إرضاء نزعاتهم ونزواتهم: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[37] .
فكان المسجد أعظم معاهد الثقافة لدراسة القرآن والحديث والفقه واللغة وغيرها من العلوم، وأصبحت كثير من المساجد مراكز هامة للحركة العلمية، وانصرف بعض فقراء المسلمين لطلب العلم في المسجد النبوي الشريف، حيث بنى الرسول صلى الله عليه وسلم “الصفة” وهي “مكان مظلل في شمالي المسجد يأوي إليه فقراء المسلمين الذين حبسوا أنفسهم لطلب العلم”.[38] ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد النبوي بالمدينة لتعليم المسلمين أمور دينهم، وتبصيرهم عاقبة أمرهم، حتى كان مجلسه تنافساً بين الصحابة رضوان الله عليهم، كلهم يبغي السبق إلى حضور هذا المجلس العلمي، والظفر بالإنصات إلى الدروس النبوية، وكان عليه السلام إذا صلى الصبح انصرف إلى موضوع الأسطوانة المسماة اليوم أسطوانة التوبة، إشارة إلى توبة أبي لبابة حيث يتحلق حوله أصحابه حلقاً بعضها دون بعض، وكان يحدثهم إلى طلوع الشمس.[39] كما كان الإمام مالك بن أنس يتبع خطى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقد ورد أنه كان يجلس في أول انتصابه للعلم بالمسجد[40].
كانت في المسجد النبوي الأسطوانة التي كان يجلس إليها الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إلى جانب غيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين جلسوا للتعلم في المسجد، ومن جاء بعدهم حتى إنشاء المدارس.
“وكان من الطبيعي بالنسبة لتطور مفهوم العلم في الإسلام أن تنشأ البذرة الأولى دينية محضة، فالناس بحاجة إلى تفهم الدين الجديد، ومعرفة قواعده وأصوله، وفهم أهدافه ومراميه، ومن تم فالمكان المناسب لذلك هو المسجد[41]،
“فكان المسجد أول مدرسة جماعية منظمة عرفها العرب لتعليم الكبار والصغار، ولتربية الرجال والنساء.”[42]
ومن هنا نرى أن المسجد لم يكن للصلاة فقط، بل كان إلى جانب أداء الصلاة مكاناً للتعليم، ومدارسة القرآن الكريم، وتفهم معانيه على يدي رسول الله عليه السلام، وأصحابه الذين تعهدوا هذا العمل النبيل من بعده، وحرصوا على استمرار رسالة المسجد العلمية ابتغاء وجه الله، واتباعاً لسنة الرسول المعلم والمربي صلى الله عليه وسلم. منفقين على أنفسهم، أو تعولهم الجماعة المؤمنة، “ومن الثابت أن أهل العلم في القرون الأولى لم يتقاضوا رواتب من الحكومات فيما عدا ما نسمع عنه من الجوائز والصلات بين الحين والحين، وهذه ليست رواتب، وقد اعتمد العلماء على أنفسهم وعلى الجماعة في شئون معاشهم، ولا شك في أن الجماعة تكفلت بمعاش المعلمين”.[43]
ولقد كان من الطبيعي أن يكون المسجد هو مقر تعليم قراءة القرآن، والحديث الشريف، والتفسير، وأوامر الدين، ومن ينوب المسلمين نظراً لمكانة المسجد السامية التي أوجدها الإسلام. لذا فإنه لا يكاد يوجد مسجد يخلو من حلقات العلم والتعليم. وفي صحيفة همام بن منية:” أن عدد المساجد التي بنيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة مساجد، وأن أكثرها اتخذ مدارس للتعليم.”[44]
“وكان الحج يجمع المئات في أركان المسجد الحرام، يجلسون للفتاوى بتدريس العلوم، وكذلك فعل التابعون من كبار الفقهاء، وأصحاب الحديث، ورجال التفسير حتى ذكر أن المسجد الحرام كان يغص في عهد الأمويين، والعباسيين من بعدهم بحلقات العلم، هذا يفسر القرآن، وذاك يروي الحديث متصلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يفصل مسائل الفقه، أو غير بعيد منه إمام في العربية والشعر يتلو الشواهد ليثبت الحرف الأصيل بالكلمة الفصيحة، مستنداً إلى آية من كتاب الله، أو رواية عن رسول الله، أو منقول من عربي أصيل”.[45]
ويبدو لنا أن طلاب هذه الحلقات العلمية هم خليط من أفراد المجتمع الإسلامي، لا طبقية بينهم، ولا تفاضل، ولا يُرد أحد عن الاستماع إلى ما يدور أو يدرس، ولا يمنع أحد من المناقشة وإبداء الرأي والاستفسار عما خفي أو جهل. “وأي جامعة شعبية كالمسجد تسع الجميع في رحابها، في الليل والنهار في الصيف والشتاء، ولا ترد طالباً شيخاً كان أو صبياً، ولا تشترط رسوماً ولا تأميناً، ولا تضع قيوداً ولا عراقيل”.[46]
ولم تكن مدرسة المسجد مقتصرة على تعليم الفقه، وتفسير القرآن الكريم، ورواية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وشرحها، وتدارس بعض العلوم الإسلامية، بل درست فيه العلوم والمعارف الأخرى، كعلم الكلام وغيره. “ومع مرور الأيام كانت تعقد في المسجد حلقات لدراسة الكيمياء، والفيزياء، والهندسة، والفلك، والطب، وغيرها من العلوم ما تنهض به الجامعات الآن”.[47]
وغني عن البيان ذلك الدور الكبير الذي قام به المسجد منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل خدمة العلم والمتعلمين من أبناء الأمة الإسلامية، مما يجعل الإنسان المسلم يفخر به، خاصة في الوقت الذي لم تكن فيه مدارس نظامية، ولم يكن للدولة دخل في العلوم والمعارف التي تدرس، وجزى الله أهل العلم من علماء وفقهاء وأئمة خير الجزاء لما قاموا به من عمل جليل دون أن يسألوا من الناس أجراً، أو من الدولة مرتباً.
من هنا نستطيع أن نفهم بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن العلم في المسجد مثل ما روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”[48]. والتلاوة اليوم كثيرة في المسجد، أما المدارسة التي هي فهم النص، والانطلاق منه إلى حياة واعدة مشرقة مفعمة بالنهضة، والحركة فهي قليلة.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك، فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره”[49].
المبحث الثاني: الوظائف المتغيرة:
المطلب الأول: القضاء في المسجد
هل يجوز القضاء وفصل الخصومات بين الناس في المسجد؟
ذكر البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح الجامع، فقال: “باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء” حديث سهل بن سعد أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “قد قضى الله فيك وفي امرأتك”، قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم .. إلخ. [50]
والشاهد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين الرجل وزوجته في المسجد.
قال ابن قدامة في الشرح الكبير: “ولا يكره القضاء في الجامع والمساجد، فعل ذلك شريح، والحسن، والشعبي، ومحار ابن دثار، ويحيى بن يعمر، وابن أبي ليلى، وابن خلدة قاض لعمر بن عبد العزيز، وروي عن عمر وعلي وعثمان أنهم كانوا يقضون في المسجد، قال مالك: القضاء في المسجد من أمر الناس القديم، وبه قال مالك وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي: يكره ذلك إلا أن يتفق خصمان عنده في المسجد؛ لما روي أن عمر كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن: لا تقض في المسجد لأنه يأتيك الحائض والجنب والذمي، وتكثر غاشيته، ويجري بينهم اللغط والتكاذب والتجاحد، وربما أدى إلى السب وما لم تبن له المساجد”[51].
قال ابن قدامة:”ولنا إجماع الصحابة بما قد روينا عنهم، وقال الشعبي: رأيت عمر مستندا إلى القبلة يقضي بين الناس؛ ولأن القضاء قربة وطاعة وإنصاف بين الناس، ولا نعلم صحة ما رووه، وقد روي عنه خلافه. وأما الحائض فإن عرضت لها حاجة إلى القضاء وكلت أو أتته في منزله، والجنب يغتسل ويدخل، والذمي يجوز دخوله بإذن مسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مسجده مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك من حوائجهم، وكان أصحابه يطالب بعضهم بعضاً بالحقوق في المسجد، وربما رفعوا أصواتهم، فقد روي عن كعب بن مالك قال: تقاضيت ابن أبي حدرد ديناً في المسجد حتى ارتفعت أصواتنا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلي “ضع من دينك الشطر”، فقلت: نعم يا رسول الله، فقال: “قم فاقضه”[52].”[53].
فتبين بما تقدم من الأحاديث والآثار جواز القضاء في المساجد، وأن ذلك من فعل السلف الصالح، رضوان الله عليهم.
وما دام الأمر جائزاً فيعني أن القضاء خارجه يجوز، بل استحبه الشافعي وغيره، وقد توفرت في زماننا بنايات خاصة بالمحاكم، وتغيرت الإجراءات، واكتفى الناس بها عن المساجد، وهذا شيء جيد صيانة لبيوت الله عن أمور كثيرة، ولكن إذا وافق أن كان القاضي في المسجد ففصل في المسألة في وقتها في المسجد فإن ذلك من الجائز كما تقدم.
والخلاصة أنه قد علم أن القضاء في ذلك الزمان هو مجرد سماع قول الخصمين، ثم الفصل بينهما بكلمة أو كلمتين، وتنتهي القضية بدون مجادلات، ورفع أصوات، وتسجيل توقيعات، كما في هذه الأزمنة، وقد يكون سبب حكمهم في المسجد عدم توفر بناء خاص بالمحاكم، حيث إن القاضي يجلس في بيته، وقد يضيق بالخصوم المنزل، فيحتاج إلى الجلوس في المسجد، وقد يكون العذر هو تمكن المرأة والضعيف من الوصول إليه للإدلاء بالحجة، وسماع الدعوى، وتحذير الكاذب من امتهان المسجد بالحلف الفاجر.
وأما في هذه الأزمنة؛ فقد خصصت محاكم مهيأة للجلوس فيها، وإحضار الخصوم، وتيسر للمظلوم والضعيف الوصول إلى القاضي، وعلى هذا تنزه المساجد عن هذه المرافعات، والجدال والنزاع، حتى يعرف للمساجد مكانتها وشرفها[54].
المطلب الثاني: الوظيفة الإعلامية للمسجد.
إن المجتمع الإسلامي – وهو في طور التكوين – في حاجة إلى معرفة كثير من الحقائق والأمور التي تكشف لأفراده حقيقة هذا التكوين.
وإذا علمنا أن الرسالة المحمدية رسمت الطريق لقيام هذا المجتمع الإسلامي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل الأوامر من ربه عن طريق الوحي. إذا علمنا هذا يتبين لنا أهمية الوسيلة التي تصل بها هذه الأوامر إلى الناس في ذلك المجتمع. ولن تكون هناك وسيلة أقوى وأنجح من المسجد … إذ أن المسلم يرتاد المسجد في اليوم والليلة خمس مرات، ويجتمع المسلمون جميعاً في المسجد يوم الجمعة، وفي المسجد تملى الأوامر، وتبلغ إلى المسلمين على هيئة آيات يتلوها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أحاديث يبلغها إليهم، أو توجيهات وإرشادات يشير إليها صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي هذا الدور الإعلامي إلى جانب إقامة الصلاة فيه، وإلى جانب الأدوار التربوية الأخرى، سواء الاجتماعي، أو التعليمي، أو الصحي، أو العسكري، أو الخلقي.فمن الحق أن يقال إن الأحاديث النبوية الكريمة، وإن الخطب قد أتت على هذه الأهداف “الجادة” جميعها .. بحيث تحققت هذه الأغراض تماماً من خلال الوسيلتين.
ونظراً لأنه لا توجد وسائل إعلام –كالتي تعرف اليوم– فلقد أدى المسجد دوراً إعلاميا كبيراً، إذ لا يوجد مكان يجتمع فيه الناس اجتماعاً موقوتاً كالمسجد.
ولقد ألف المجتمع الإسلامي آنذاك تلقي الأوامر والأخبار والتوجيهات في المسجد، سواء قبل الصلاة أوبعدها مباشرة، كما ألف النداء في وقت غير وقت الصلاة، إما لأهمية الأمر أو خطورته. قال الشيخ القرضاوي: “وكان كلما جد أمر يستدعي اطلاع المجتمع عليه أو أخذ رأيه فيه نودي أن: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، فيجتمع المسلمون بالمسجد، ويتم الغرض الذي نودي على الناس بالاجتماع من أجله، إن إعلاماً أوتوجيهاً أو شورى في المسجد نفسه، وتذاع الأنباء التي تهم الأمة”[55].
ومن دور المسجد الإعلامي إعلان النكاح فيه، كما أُثر ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يعقدون فيه عقود زواجهم امتثالاً للحديث الشريف: “أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف”[56].
ولا يفوتنا أن نوضح أن إعلان الحدود في ساحة المسجد أو بالقرب منه بعد الصلاة يعتبر من الإعلام، وله أكبر الأثر في حياة المجتمع؛ لما في ذلك من التذكير والاتعاظ، والتشهير بالذي أقيم عليه الحد، ليرتدع من رآه أو سمع به. وكذلك القول في الصلاة على الميت في المسجد حيث إنه إعلام بوفاة أحد ما.
وهكذا يتبين لنا الدور الإعلامي الذي كان يؤديه المسجد في المجتمع الإسلامي الأول، وهو دور له أهميته وأثره في بناء المجتمع الإسلامي على الخطة والقواعد التي رسمتها التربية الإسلامية المستمدة أهدافها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
المطلب الثالث: الوظيفة العسكرية:
المسجد مكان لقيادة الأمة، فزعماء الأمة الإسلاميّة كانوا دائمًا في زمان ازدهار الأمة الإسلاميّة، سواء أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، أو في أيام الخلفاء الراشدين، أو في أي عصر من عصور النهضة والحضارة الإسلاميّة كانوا دائمًا يرتبطون بالمسجد ارتباطًا قويًّا، إنها مأساة حقيقية ألا يدخل زعماءُ الأمة المساجد إلا في المناسبات..
وسياسة الأمة الإسلاميّة كلها منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تُدار من داخل المسجد، فتسير الجيوش من داخل المسجد، وقرارات الحرب من المسجد، والمعاهدات من داخل المسجد، واستقبال الوفود في داخل المسجد.
كل هذا يبين الوظيفة العسكرية “أو السياسية والحربية” حيث أدى المسجد دوراً إيجابيا وفعالاً في هذا المجال، في الوقت الذي لم يكن فيه تنظيم عسكري يضم الجيش أو الشرطة وما إلى ذلك، مما ظهر بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما هنالك أن تحديد مسؤولية قيادة الجيش في رجل من المسلمين كانت تقام في المسجد، ويخرج المسلمون معه ملبين داعي الجهاد في سبيل الله.
ولقد كان المسجد الثكنة الأولى في الإسلام، ومقر القيادة العسكرية والحربية آنذاك. حيث اتخذ النبي من مسجده مقراً للقيادة، يعد فيه الخطط ويعقد مجالس الجهاد، ويصدر الأوامر وينصت إلى آراء المستشارين، وكان يحشد أصحابه في المسجد، ويشحنهم بطاقات مادية ومعنوية ويحرض المؤمنين على الثبات وينهاهم عن الفرار، ويحذرهم من الفرقة والنزاع، ويأمرهم بالطاعة والضبط ويشيع فيهم الألفة والنظام.
وكانت الغزوات والسرايا تنطلق من المسجد وتعقد الأعلام والبنود في المسجد للمجاهدين. “وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمعون في المسجد حين يداهمهم الخطر، ويعود المجاهدون من الغزوات والسرايا إلى المسجد وتضمد جروح المصابين، ويتعلم المسلمون أحكام الجهاد في المسجد”. [57]
ولم تكن مهمة المسجد محصورة في إعداد الجيش وتسييره وعقد الألوية والبنود على القادة. بل كان مكان استقبال الوفود التي تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن من شئون الدولة أو إعلان الإسلام، أو طلب عقد معاهدة أو معونة، فكان أشبه بقاعة الاستقبال الرسمية، مفتوحة ومهيأة لجميع الوافدين. وقد استقبل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران[58].
كما ساهم المسجد في بناء الجيش الإسلامي وعقد الأولوية وحث المسلمين على الصبر وملاقاة العدو والحرص على إعلاء كلمة التوحيد، كذلك كان مركزاً ومقراً لإدارة شئون الدولة أو الولاية، وكان المنبر أشبه بالعرش، يلقى منه بيان الخليفة لسياسة الدولة، ويلقي فيه خطبته الأولى، ويبين فيها سياسته في الحكم. “وفي المسجد تذاع القرارات الهامة التي تتعلق بالصالح العام، ويستقبل الخليفة السفراء، ويدير شئون الدولة”[59].
ومن هنا نرى أن الخطبة التي كانت تلقى في الجمع، وفي مناسبات أخرى كتولي الخليفة أمر المسلمين كان لها الأثر الكبير في نفوس المسلمين، لذا فإن أكثر الخطب وخاصة خطب الولاة وقبلهم الخلفاء الراشدون كانت تلقى في المسجد نظراً لأهمية هذا الأمر، واختيار المسجد لإلقاء الخطبة فيه ضمان للنتائج المترتبة على الخطبة، والمتعلقة بما فيها من الأوامر والنواهي والتوجيهات، “وخاطب أبو بكر الناس في المسجد، وأمرهم بالتجهز للغزو، وأن يخرج كل من هو من جيش أسامة إلى معسكره بـ(الجرف)؛ فخرجوا كما أمرهم”.[60]
إن الأثر الذي يتركه المسجد في نفوس المسلمين عظيم وكبير سواء كان أثراً دينياً أو اجتماعياً أو علمياً أو سياسيا أو خلقياً أو غير ذلك، وليس أدل على هذا القول من استمرار المسجد كمركز إشعاع ديني وروحي ونفسي على الرغم من المحن التي تعرض لها المسلمون في مختلف العصور. “لما تولى بنو أمية الخلافة، أصبح مقر الخلفاء في مكان سكناهم، وبقي المسجد مركز الإشعاع الروحي الذي يؤجج روح الجهاد”.[61]
ولقد أحس القادة المسلمون بمكانة المسجد في الإسلام، وخاصة من الناحية العسكرية، بل ربما اعتبره البعض رمزاً لسيادة الإسلام في البلدان التي ضمت المسلمين حيث كانوا يشرعون في بناء المسجد في كل بلد يفتحونها ليكون مقراً للدولة الإسلامية الجديدة، ومنطلقاً لتعليم الدين الإسلامي، “وإنشاء المسجد ظاهرة معروفة في خطط القواعد الإسلامية الأولى ولم يكن إتباعها وليد الصدفة بل كان أثراً من آثار السياسة الموضوعة لإنشاء الأمصار الإسلامية في البلاد المفتوحة، وهي سياسة ترجع إلى عصر عمر ذاته”[62]. حيث أُمر أن يتخذ في كل بلد يُفْتَحُ مسجد للجماعة وللقبائل مساجد، “وكما أن العواصم الإسلامية الجديدة تعتبر رمزاً لظفر الإسلام، فكذلك المساجد الجامعة كانت تعتبر رمزاً لسيادة الإسلام الروحية، ومبدأ للدين الجديد، والرسالة الجديدة”.[63]
المطلب الرابع: الوظيفة الصحية:
لقد اعتنى الإسلام بالمسلمين من جميع نواحي الشخصية الإسلامية، الروحية والعقلية والجسدية، ولقد ظهرت عنايته هذه بتوجيهاته، وأهدافه التربوية التي اتصفت بالشمولية والتكامل والتوازن.
فمن الأمور التي اهتم بها الدين الإسلامي “النظافة” في الملبس والبدن والمكان، وفي ذلك ما فيه من الصحة الجسدية من الأمراض والأوبئة وفيه من الصحة النفسية ما يجلب للنفس الراحة والطمأنينة والهدوء. وفي النظافة استئناس الآخرين، وعدم نفورهم، لأن النفس تنفر من الأقذار والأدران أشد من نفورها من أي شيء آخر مهما عظم. وأثنى القرآن على أهل مسجد قباء والمسجد النبوي بحرصهم على التطهر. قال تعالى: ﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ[64].
والصلاة ليست عبادة روحية فحسب، إنها نظافة وتطهر، وتزين وتجمل، اشترط الله لها تطهير الثوب والبدن والمكان من كل خبث مستقذر، أوجب التطهر بالغسل والوضوء. قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [65].والمقصود عند تهيئكم للصلاة لا بد أن تتزينوا.
ومن السنة أن يغتسل المصلي ويتطيب، ويلبس أحسن ما عنده، ولا يمضي إلى المسجد في ثياب مهنته، خاصة إذا كانت مهنته تترك أثراً في الثياب. كما استحب للمصلي أن يتسوك عند كل صلاة باعتبار السواك مطهرة للفم،
فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة “[66]. ويبدو لنا من الحديث حرص الإسلام على استخدام السواك وذلك لما فيه من الفائدة الصحية للبدن عن طريق تنظيف الفم والأسنان. وعموما فهذه الفوائد الصحية من آثار الوضوء والسواك تعود على الجسد بالصحة أو الوقاية من المرض.
وهناك جانب نفسي يعود على النفس من التردد على المسجد، وفي داخل المسجد، وقبل هذا أثناء تأهب المصلي للذهاب إلى المسجد، وفي الصلاة راحة نفسية عظيمة. “ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة”.[67]
والصلاة التي تذهب الهم والحزن ويجد فيها المصلي الراحة النفسية التي ينشدها من همومه وضيق صدره إنما هي الصلاة التي تتم بخشوع وتضرع إلى الله بعد اكتمال شروطها وواجباتها حتى يصل العبد إلى درجة الاتصال، بخالقه، قال تعالى: ﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾[68].
وذِكر الله له أثر كبير في تربية النفس وتعديل السلوك، فالذي يذكر الله ويتصور عظمته وجلاله يخشع قلبه، ويحسب لملاقاته كل حساب، فلا يصدر عنه من الأفعال إلا كل خير، ومن ذلك لا يتسرب إلى نفسه القلق والاكتئاب، وما شابه ذلك من الأمراض النفسية.
ويظهر لنا مما سبق مدى اهتمام الإسلام بالصحة الجسدية والنفسية من خلال الصلاة، ولذا فقد حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الصلاة كما أرادها الإسلام لما وجدوه من الفائدة الكبرى في صحة أجسادهم، وراحة نفوسهم بأدائهم لها.
ومن ذلك يتبين الدور الصحي الذي يؤديه المسجد في المجتمع الإسلامي. كما كان يقوم على عهد رسول الله مقام المستشفيات العسكرية التي يمرض فيها الجرحى والمرضى من آثار المعارك والغزوات التي كانت تدور بين المسلمين وأعدائهم، “فقد كان بالمسجد خيمة السيدة رفيدة الصحابية التي كانت تقوم بتمريض الجرحى، وتضميد جروحهم، وأيضاً خيمة لبنى غفار، وكذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تضرب خيمة بالمسجد لسيدنا سعد بن معاذ لما أصيب في “أكحله” يوم الخندق ليكون قريباً منه فيرعاه ويعوده”[69].
هكذا كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقراً لتمريض أصحابه الذي استفادوا منه في صحتهم الجسدية والنفسية، وهي من نتائج أداء المسلم للصلاة، والتجهز لها بالغسل، واللباس، والطهارة، والسواك، ومناجاة الرب، والاعتراف بالذنوب والخطايا، وطلب العفو والمغفرة، والتضرع بقبول التوبة، والمعاهدة على الإخلاص في العمل، وعدم العودة إلى ارتكاب الخطأ واقتراف الذنب.
خاتمة:
تقلصت وظائف المسجد وضعفت، وكاد تأثيره أن ينحصر في مجال العبادات فحسب، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها:
– ضعف إمكانيات الدعاة من الناحية الفكرية والإعداد العلمي، وتهميش دورهم، وعدم الأخذ برأيهم، وتراجع مكانتهم الاجتماعية كما كانت عليه من قبل.
– تضاؤل الموارد المالية للمسجد، خاصة المساجد الأهلية التي تعتمد أساسًا على التبرعات.
– عدم فهم بعض الناس لدور المسجد، وأهميته الاجتماعية والسياسية والثقافية، والنظر إليه على أنه مكان للعبادة وإقامة الشعائر الدينية فقط.
– قلة الكوادر المؤهلة لإدارة المساجد، وتقديم خدمات متنوعة من خلالها، تجسيدًا للدور التنموي للمسجد.
– الغزو الثقافي ومحاولة طمس الهوية الإسلامية من ناحية، والإساءة إلى الشريعة الإسلامية، وربط الإسلام بالإرهاب، ونشر العديد من المفاهيم الخاطئة ضد الإسلام ومبادئه من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من ضعف وتضاؤل الأداء الوظيفي للمسجد في المجتمع المعاصر مقارنة بدوره في عهد النبوة، فقد ظهر في هذه الأيام اتجاه نحو تحقيق رسالة المسجد الأولى بإنشاء المسجد، والمدرسة، وقاعة المحاضرات والمستشفى في مبنى واحد؛ حتى يمكن لأفراد المجتمع أن يمارسوا شعائرهم الدينية، ويحققوا مصالحهم الدنيوية في مكان واحد، وإن كان الأمر ما زال في حاجة إلى تدعيم أعمق وأشد لدور المسجد الوظيفي، وإدخال بعض التعديلات عليه حتى يتمكن من أداء دور إيجابي وفعال يتناسب مع متطلبات المجتمع المعاصر، وحتى يتحقق ذلك ويعود المسجد إلى أداء وظائفه لا بد من العمل على تقوية دور المسجد، وتدعيمه في المجتمع عن طريق: ربط الدين بالعلم، والالتحام بمشكلات المجتمع، وتفعيل دور المسجد في المجال السياسي والثقافي، والاهتمام بالشباب وقضاياه، وذلك من خلال تزويد المسجد ببعض الملحقات كإنشاء فصول تقوية لطلاب المدارس، ومحو أمية، ورعاية طلاب العلم والمعرفة؛ لمسايرة التقدم العلمي والتكنولوجي السائد في العالم المعاصر، وتركيز خطبة الجمعة على برامج التوعية والإرشاد، وبناء صالات وأماكن مخصصة بالمسجد للشباب لممارسة هواياتهم، وقضاء أوقات الفراغ فيها، ومن هنا يستطيع المسجد أن يحافظ على توازن الشباب ويصنع للمجتمع رقيه وتقدمه.
ملحق المصادر والمراجع:
- أصول التربية الإسلامية، علي، سعيد إسماعيل، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة،1978م.
- أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، النحلاوي، عبد الرحمن، دار الفكر، دمشق،1403ه.
- البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى 1408هـ -1988 م.
- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل، يحيى بن أبى بكر بن محمد بن يحيى العامري الحرضي، دار صادر – بيروت.
- تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة، القاهرة ،1964م.
- سنن ابن ماجه، ترتيب وتحقيق وترقيم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت.
- سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت.
- صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، ،1379ه.
- صحيح مسلم، تحقيق وترقيم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت،1375ه.
- العبادة في الإسلام، القرضاوي، يوسف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ،1393هـ.
- فقه الدعوة إلى الله، محمود، علي عبد الحليم، بدون ذكر الناشر،1413ه.
- الكامل في التاريخ، عز الدين ابن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م.
- المساجد، مؤنس، حسين، سلسلة عالم المعرفة، الكويت،1401ه.
- منهج القرآن في التربية، قطب، محمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1399ه.
- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، أبو الحسن نور الدين الهيثمي، دار الكتب العلمية.
- نحو مجتمع إسلامي، قطبسيد، دار الشروق، بيروت ،1398ه.
الوسيط في رسالة المسجد العسكرية، الخطاب شيت محمود، طبعة1401
[1]– ما من شك أنه لا سعادة في الدنيا ولا الآخرة إلا باتباع خطوات النبي صلى الله عليه و سلم ، وبالترتيب الذي فعل لأنه صلى الله عليه و سلم كان مؤيدا بالوحي.
[2]– صحيح مسلم، تحقيق وترقيم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة ، بيروت،1375ه، باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار، 1/288 ،رقم الحديث 382 .
[3]– سنن أبي داود ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت.كتاب الجهاد ،3 / 98، رقم الحديث 2635.
[4] – صحيح البخاري، دار المعرفة ، بيروت، ،1379ه، 2 / 125، باب الأذان، رقم الحديث 644.
[5]– صحيح مسلم، كتاب المساجد، 1/452 ، رقم الحديث 653 .
[6]– صحيح البخاري، باب الأذان ،2 / 131 ، رقم الحديث 647 و 645.
[7]-بحوث مؤتمر رسالة المسجد، 1395هـ، ص222 .
[8]-التوبة 18.
[9]– النور 36.
[10]– صحيح البخاري ، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد ،1/ 133.
[11]– صحيح البخاري، كتاب الآذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح، 1/ 133.
[12]– المائدة 6.
[13]-الحجرات 13.
[14]– النساء 59.
[15]– الكامل في التاريخ، عز الدين ابن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م، 2 / 40 – 41. والرائد: من يرسله قومه في طلب الكلأ والماء .
[16]– الحجر 94.
[17]– المسد 1.
[18]– صحيح البخاري ، كتاب التفسير: سورة تبت يدا أبي لهب وتب، 6 94- 95. والكامل في التاريخ، 2/ 40.
[19]– الحج 78.
[20]-الأنفال 42.
[21]– البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى 1408، هـ – 1988 م، 3 / 213.
[22]– صحيح البخاري ،كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، 1 / 123.
[23]– صحيح البخاري ، باب رحمة الناس والبهائم، 7 / 77 .
[24]– نحو مجتمع إسلامي ، قطب سيد ، دار الشروق، بيروت ،1398ه، ص 63.
[25]-الحجرات13.
[26]– سيد قطب، نحو مجتمع إسلامي ، بيروت، دار الشروق، الطبعة الثالثة، ص85.
[27]– آل عمران110.
[28]– الأنبياء92.
[29]– ” صحيح البخاري ، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، 1/ 173.
[30]– صحيح البخاري، باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره، 7/ 38.
[31]– النساء 1.
[32]– النساء 1.
[33]-الحشر 18.
[34]– صحيح مسلم ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار،2/ 703.
[35]-“والصفة مكان مظلل في شمالي المسجد يأوي إليه فقراء المسلمين”. تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن ، مكتبة النهضة، القاهرة ،1964م ، ص421.
[36]-سيد قطب ، نحو مجتمع إسلامي، ص 138.
[37]– سورة التوبة 32.
[38]– تاريخ الإسلام، ص 421.
[39]– بحوث مؤتمر رسالة المسجد، 1395هـ، ص 242.
[40]– مؤتمر البحوث، 1395، ص 243.
[41]– أصول التربية الإسلامية ، علي، سعيد إسماعيل ، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ،1978م. ص13.
[42]– أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، النحلاوي عبد الرحمن، دار الفكر، دمشق،1403ه. 1302.
[43]– المساجد، مؤنس، حسين ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت،1401ه.ص36.
[44] – فقه الدعوة إلى الله ، محمود، علي عبد الحليم ، بدون ذكر الناشر،1413ه. ص45.
[45]-مجلة رسالة المسجد، 1398هـ، ص15.
[46]– العبادة في الإسلام ، القرضاوي، يوسف، مؤسسة الرسالة ، بيروت، ،1393هـ.ص226.
[47]– منهج القرآن في التربية، قطب، محمد ، مؤسسة الرسالة،بيروت، 1399ه، ص49ــ50.
[48]– سنن أبي داود ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت،2/ 71.
[49] – سنن ابن ماجه، ، ترتيب وتحقيق وترقيم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة ، بيروت،باب فضل العلماء والحث على طلب العلم،1/ 82.
[50]-رواه البخاري باب التلاعن في المسجد.
[51] – الشرح الكبير على متن المقنع، ابن قدامة المقدسي، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، 11/397 .
[52]– صحيح مسلم، باب استحباب الوضع من الدين، 3/1192، رقم الحديث 1558.
[53]– الشرح الكبير لابن قدامة ج 11 / ص 397.
[54]– فصول ومسائل تتعلق بالمساجد ج 1 / ص 67.
[55]– مجلة رسالة المسجد، ص48. العبادة في الإسلام ، القرضاوي، يوسف، ص233.
[56]– العبادة في الإسلام ،ص227.
[57]– الوسيط في رسالة المسجد العسكرية، الخطاب شيت محمود ، طبعة 1401ه ،ص 42.
[58]– أصول التربية الإسلامية ، علي، سعيد إسماعيل، ص101.
[59]– تاريخ الإسلام، ص422.
[60]– الوسيط في رسالة المسجد العسكرية، ص136.
[61]– الوسيط في رسالة المسجد العسكرية ، ص140.
[62]– أصول التربية الإسلامية ، ص 95.
[63]-المرجع السابق ص 95.
[64]– التوبة 108.
[65]– الأعراف 31.
[66]– موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ، ابن حجر الهيثمي ،تحقيق حسين أسد دار، الكتب العلمية. 1/ 255.
[67]– بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائلـ يحيى بن أبى بكر بن محمد بن يحيى العامري الحرضي ـ دار صادر ، بيروت، 2/ 302.
[68]– الرعد 28.
[69]– مجلة البحوث، 1395، ص 225.