منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المسجد والاستتباع السياسي في عصر الديمقراطية وثورة الاتصالات

د. مصطفى عطية جمعة

0

نشر هذا المقال في كتاب “مؤسسة المسجد بين التأميم والتحرير” من إصدارات مجلة “منار الهدى” الكتاب الثالث.

قراءة وتنزيل المقال بصيغة pdf

مقدمة:

تُعَدّ علاقة المسجد بالسياسة والسلطة من القضايا الشائكة والدائمة في المجتمع المسلم ، قديمه وحديثه ؛ لأنها ترتبط بأمرين أساسيين : الأول : كون المسجد – منذ نشأته وإلى يومنا هذا – موطن أداء الشعائر وتلقي العلم الديني والاستفتاء، وتلقي الخطاب الإسلامي المباشر من الدعاة . والثاني : وجود السلطة في المجتمع ، سواء كانت سلطة عادلة أو ظالمة ، وحاجتها دائما إلى دعم سلطانها بخطاب ديني مصاحب لتوجهاتها ، في مقابل جماعات معارضة ومذاهب مختلفة ، ضد السلطة الحاكمة ، وتحتاج إلى تأصيل من المنظور الديني وتأثير لدى الناس وهذا لن يتحقق إلا عبر المساجد والتجمعات والأندية .

تثار القضية الآن ، وعالمنا العربي والإسلامي يعيش أجواء عديدة ، فالشعوب أضناها الاحتلال ثم الاستبداد، وتتوق للحريات والديمقراطية ، وتأمل في وجود سلطات نزيهة منتخبة ، تكفل لها حياة كريمة ، وتحسن إدارة موارد الوطن ، وتقيم الحريات وتحفظ حقوق الإنسان ، ويكون هناك نواب فلا نهضة مع شعب مقهور مكبل ، ولن يتقدم شعب ويستغل موارده إلا بوجود رقابات مسبقة من نواب منتخبين في مجالس تشريعية ومحلية وسلطة قضائية. مما يستلزم وعيا لدى المسلم ، بوصفه مواطنا في الدولة ، يحدد من اختياراته من سيمثله في الانتخابات ، وسيتابع أداءه ، وسيراقب تنفيذ خطة السلطة ، وفي حالة غياب بعض حقوقه أو حرياته سيطالب بها ، أي لابد أن يتسلح بثقافة سياسية تستمد معينها وقيمها من الدين ، وسيوفر المسجد له – مع مصادر أخرى – هذا الوعي ، بشكل حي ومباشر ، لأن المسجد يتحقق فيه ما لا يتحقق في مصادر المعلومات الأخرى ، إنه موطن العبادة ، والنقاش والإفتاء وجها لوجه مع إمام المسجد ورواده .

ومن هنا ، تأتي أهمية هذا الموضوع ، حيث يناقش دور المسجد في عصر التحولات الديمقراطية ، وثورة الاتصالات ، في مجتمعات عربية ومسلمة ، تراوحت توجهات حكوماتها ما بين تيارات علمانية أو تقليدية ، وتعدد تكوين نخبها ما بين ثقافة تقليدية متوارثة ، وأخرى غربية وافدة ، وثالثة جمعت بين الثقافتين ، و بين التزام بالإسلام عقيدة وأخلاقا وسلوكا والرغبة في إحياء شعائره ، مع التسلح بالعلوم والفنون العصرية ، في مجتمع يتوق للتقدم والنهضة .

الأمر في مجمله يثير أسئلة وقضايا ، تحتاج إلى فتاوى ونقاشات ، فلم يعد عقل المسلم مسلّما بكل ما يتلقاه ، بل يحتاج إلى نقاش فاعل ، لن يجده إلا مع إمام المسجد وعلماء الدين الذين يقيمون حلقات دروسهم ، ويقدّمون علمهم ، في أروقة المساجد ، فتتجدد وظيفة المسجد ، ويتعاظم دوره العلمي والاجتماعي وأيضا السياسي ، فلن يكون كهنوتيا كما أريد به من بعض المتغربين ، ولن ينتهج نهجا معتادا كما رغب التقليديون ، ولن يخضع لأهواء ذوي السلطان ، وقادة التيارات السياسية والمذهبية ، وإنما سيكون مستقلا ، يقدم العلم مجردا ، يضيء الدرب لأهل  الحي والقرية والمدينة والعاصمة ، غير سامح لأي مستغل أن يعتلي منبره ، ولا صاحب هوى أن يتخذه سبيلا .

سيكون المنهج المستخدم قائما على الوصف في دراسة القضايا ، وعرض آراء المفكرين والباحثين ، بغية استنباط رؤية جامعة مشتركة . و سـأعرض ما توصلت إليه الدراسات المعاصرة ، موضحا التحديات ، عارضا للتغيرات الاجتماعية والفكرية، غير متقيد بقطر ما ، ولا مثل محدد ، فإننا نرى أن الظروف التي تمر بها الدول العربية والإسلامية وإن اختلفت مواقعها وظروفها ، ولكن الهموم متقاربة ، والقضايا مشتركة، والأمل يحدو الجميع في المزيد من تحقيق الآمال ، مستلهمين بهدي الإسلام ، تواقين إلى أن يخرج من الجدران إلى الحياة .

وسيكون النقاش في أطر عامة بغية الوصول إلى نقاط وضوابط ، تجعل رسالة المسجد في عصرنا حيّة بناءة، وتلزم إمام المسجد بتحصيل ثقافة عميقة متجددة ، غير منحاز لهوى أو سلطان .

 المبحث الأول: المسجد عبادة وتعلم وتلاق:

المسجد بيت الله تعالى ، المكان المختص بعبادة الله سبحانه ، ففيه يتوجه المسلم بالعبادة والدعاء والرجاء ، عملا بقوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }[1] ، وفي الآية تأكيد على إخلاص النية لله تعالى بين جدران المسجد ، فلا مجال للشرك بالله ، على نحو ما يذكر ابن كثير ، حيث كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم يدعون لغير الله ويشركون ، وهذا تشريف للمسجد بإضافته إلى الله سبحانه وتعالى[2]، فشددت الآية على إخلاص النية والقصد عند إتيان المساجد كونها الملتقى الروحي والتعبدي للمسلمين أينما سكنوا وأينما تواجدوا ، ولأن صلاة الجماعة في المساجد تثاب بسبع وعشرين ضعفا عن صلاة الفرد، فإن الكثيرين يهرعون إلى المساجد ، نشدانا للثواب المضاعف ، وأملا في الاستزادة الروحية والعلمية . والمساجد مكان أيضا لأمور تعبدية تفيد عموم المسلمين، فتجوز فيها قسمة الأموال . ويجوز وضع الصدقات فيها على رسم الاشتراك بين المساكين وكل من جاء أكل ، ويجوز حبس الغريم فيها ، وربط الأسير والنوم فيها ، وسكنى المريض فيها ، وفتح الباب للجار إليها ، وإنشاد الشعر فيها إذا عري عن الباطل[3]. فعلينا أن نقصد المسجد أينما حللنا أو رحلنا ، مصداقا لقوله تعالى : وَأقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَاْدعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ {٢٩} يَا بَنِى ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ {٣١ }[4]

فإقامة الوجه تعني التوجه إلى بيت الله تعالى في مكة المكرمة[5] ، وأن نعمل لربنا مخلصين له الدين والطاعة، دون أن نخلط عملنا بشرك، ولا شريك[6] فالتوجه للكعبة المشرفة ، في دلالة على الوحدة في القبلة، مثلما تجمعهم وحدة في العقيدة . فعندما يقف المسلمون في المسجد للصلاة، متحدي القبلة والقلب ، متوخين الإخلاص ، راجين الفوز برضوان الله ، فهم يدخلون في حالة من التلاقي البشري على مدار اليوم ، ومع حركة الشمس والقمر والليل في الكون .

ومعلوم أن الإسلام لم يغير معتقدات الشعوب التي آمنت به دينا فقط ، وإنما قام بإعادة تشكيل الحياة الاجتماعية كلها بما في ذلك أنماط السلوك وأنساق القيم والعلاقات القائمة بين الناس ، ورؤيتهم للعالم وتعاملهم معه ، وقامت على دعوته وشريعته خلافة زاهرة دامت أكثر من ألف عام. فدين الإسلام – حسب التصور العلماني في بحوث الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع – ليس نشاطا يحدد العلاقة بين الإنسان والخالق، وإنما هو أسلوب حياة ، ويتجاوز المسلمين أنفسهم – كأفراد – ليوحّدهم كمجتمع، و ما الاختلاف في المجتمع المسلم وتعدد الفرق والمذاهب ووجود ديانات أخرى، إلا دليل على حرية العقيدة والعبادة[7]، وأن المجتمع المسلم على امتداد تاريخه كان حارسا لحريات هؤلاء ، وفي حالة الجهل الاجتماعي بأحكام الإسلام في التعامل مع الديانات المخالفة ، وتسييد الرأي والمذهب الواحد ، يتعاظم التعصب ويشتد المقت.

ربما نجد بين أظهرنا بعض المتهاونين بالدين ممن مال إلى ” العلوم العقلية ، ورأى أنها أحق بالفضيلة ، و أولى بالتقدمة ، استثقالا لما تضمنه الدين من التكليف، واسترذالا لما جاء به الشرع من التعبد والتوقيف .. ، فالعقل يمنع أن يكون الناس هملا أو سدى، يعتمدون على آرائهم ، وينقادون لأهوائهم المتشعبة … ولو تصور هذا المختل أن الدين ضرورة في العقل، وأن العقل للدين أصل ، لقصر عن التقصير ، وأذعن للحق ولكن أهمل نفسه فضل وأضلَّ “[8] . وهو ما يصدق على من اتخذ علوم الغرب وفلسفاته العقلية والمادية منطلقا له ، مقصيا الدين عن حياته وفكره، فتكون النتيجة استحكام الهوى والمنفعة والنظرة المادية في الحياة ومع الأحياء.

إننا لا يمكننا فصل التجربة الحضارية الإسلامية بين ما هو ديني و غير ديني، فالإسلام ثقافة وحضارة معا ، ونظام قانوني شامل ، ونسق اقتصادي وطريقة للعمل وأسلوب للحكم والإدارة ، وتستمد مظاهر السلوك اليومي معينها وإرشادها من شريعة الإسلام[9]. ولن يجد المسلم إلا المسجد وإمامه كي يتعلم أمور دينه ودنياه، خصوصا لدى الشرائح الاجتماعية البسيطة والفقيرة .

نذكر هذا ، في ضوء الهجمة الإعلامية الشرسة ، التي تطارد المسلم في صباحه ومسائه ، وأثّرت بالسلب أكثر من الإيجاب ، والكل يعلم أن ما يُبَث إعلاميا في حاجة إلى مزيد من الضبط والتمحيص ، فكثير من المعلومات والمفاهيم والقيم المبثوثة في الإعلام ، فيها كثير من المغالطات والمخاطر ، غير بريئة من التوجيهات السياسية والفكرية ، مما أدى إلى تضرر الحياة الفردية والجماعية للمجتمع المسلم ، جراء التوظيف غير الراشد لحرية التعبير . في حين أن حرية التعبير في المنظور الإسلامي واسعة المفهوم ، تقوم على مبدأ تحرر الفرد من سلطة أمثاله من البشر ، بل من كل المخلوقات ، ومن كل صور النقص التي ترد عليه كالخوف والذل ، لأنها مقيدة بالعبودية الخالصة لله تعالى ، ملتزمة بتعاليم الإسلام وضوابطه ، وفي التصور الإسلامي القائم على الخير والصدق والاعتدال والمصلحة، مع تفصيل في الحالات الفردية وعلاج لها[10].

فالإسلام يجعل المسلم مستمتعا بحياته في ظل المباحات الشرعية الواسعة والشاملة ، وصور الانتفاع المختلفة بما في الكون من طاقات ومخلوقات ، ضد ما يسمى حرية التعبير في الفكر الغربي ، التي يشوبها الغموض والغبش وفيها مغالطات ومزالق تتناقض مع مفاهيم الإسلام ، وهو قاصر عن تقديم حلول إيجابية للجسد والروح معا[11].

وهنا يأتي دور المسجد ، بوصفه البيت الأول للمسلم ، لأنه يشكل مركز ترابط الجماعة المسلمة ، وهيكلها المادي الملموس ، فلا تكتمل حياة أية جماعة مسلمة تتعايش في مكان ما ، إلا بوجود المسجد بين بيوتها وأبنيتها ، يتلاقون فيه للعبادة والاستفتاء في شؤون الدين ، وأيضا للتحاور والتلاقي ودعم الروابط بينهم ، والبعض يفضل أن يكون المسجد موطنا لتباحث شؤون الجماعة المسلمة ، سواء كان شأنا اجتماعيا أو أسريا أو سياسيا ، فالمسجد ضرورة دينية واجتماعية وأيضا سياسية بالنسبة لكل مسلم على حدة ، وأيضا للجماعة كلها، فهو بيت الله وبيت الجماعة وبيت الفرد على حدة[12] ، وهذا ما جعله موطنا فريدا ، يجد الفرد فيه مكانا لصلاته وأيضا لخلوته الروحية ، وملتقى مع أفراد الحي ، ووجهاء القوم .

لقد تميّز المسجد في الإسلام منذ إنشائه بأمور عديدة ، فقد كان على رأس المباني التي شارك الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بنفسه في إقامتها ، فكان ينقل الحجارة مع الصحابة ليرغّبهم في العمل . والمسجد – من حيث الكثرة العددية – هو البناء الأكثر انفرادا في تاريخ وواقع الإسلام ، وتتوقف رقعته على عدد مرتاديه في الحي والمدينة ، لذا تنوعت المساجد تنوعا بيّنا في المساحة والشكل والتخطيط والعمارة ، واعتبر عند غالبية الباحثين في تاريخ العمارة الإسلامية وفنونها أفضلَ المنشآت على الإطلاق التي يتجلى فيها التعرف بصدق على نشأة فن الهندسة والتخطيط والبناء والزخرفة عند المسلمين ، ثم متابعة تطور العناصر المعمارية المختلفة خلال العصور المتتابعة ، مثل العقود والأعمدة والتيجان والدعائم والقباب والمقرنصات والمآذن ، ووحدات الزخرفة الإسلامية النباتية والهندسية والحيوانية[13].

وكان الخليفة بنفسه أو من ينوب عنه من أهل العلم والفضل هم وحدهم المؤهلين لإمامة المسلمين في الصلاة في المساجد الجامعة ، خاصة في يوم الجمعة ، فيمكن القول إن إطلاق صفة ” الجامع ” نتيجة اجتماع أهل المدينة المسلمين لأداء هذه الفريضة ، وسماع خطبتها[14]، مصداقا لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[15] .

واتخذ المسجد – بوصفه ملكا للجماعة المسلمة كلها – أغراضا عديدة ، فقد كان دارا للقضاء ، وكان القضاة – في بداية عهد القضاء في الإسلام – يجلسون في المسجد يصدرون أحكامهم ، وعلى أعوان الدولة الواقفين خارج المسجد التنفيذ، فكأن القاضي يعد المسجد عنوانا لاستقلاله واستقلال أحكامه القضائية ، وابتعاده عن سلطان الحاكم ، وبعضهم كان يأبى أن يأخذ راتبا من الدولة، ويحتسب عمله وجهده عند الله تعالى[16]، مما جعل الناس يشعرون بالأمن والطمأنينة لحياد القاضي ، وأجلّوا المسجد وجالسيه و متقاضيه .

وهناك من المستشرقين من يرى أن لفظة ” المدينة ” آرامية الأصل، ويطلق على المكان الذي يكون فيه القضاء ، وهذا يعني أن المدينة في الأصل اللغوي السامي ثم العربي يعني أنه مركز حضري يحوي بيت العبادة ويجتمع فيه المؤمنون للصلاة الجامعة ، ويصدر فيه قاضي الجماعة أحكامه[17].

كما صار المسجد معهدا للعلم والتعليم ، وتشهد مساجد العواصم الإسلامية الكبرى بأن كبار علماء الإسلام تعلموا وعلّموا بين جدرانها ، وكثير منهم كانوا يترفعون عن الأجرة أو الرواتب والعطايا من الحاكم ، مفضلين استقلالهم المادي الذي يدبرونه من أعمال خاصة بهم ، وأملا في المثوبة الربانية ، وهذا زاد من احترام الناس لهم ، وساعد على نشر العلم[18]، لأن المساجد مدارس مفتوحة لمن شاء من العامة والخاصة في الجماعة المسلمة .

لذا حرص المخطط المعماري المسلم على أن يكون المسجد الجامع في قلب (وسط ) المدينة الجديدة أو معسكر الجيش أو الحي ، وبجانبه دار الإمارة وبيت المال[19] ، وهذا يدل على كون المسجد معلما محوريا في حياة المجتمع ، ليس للصلاة فقط ، وإنما لسائر شؤون القضاء والتعليم والتلاقي اليومي وخطبة الجمعة .

مما دفع بعض المستشرقين إلى تشبيه المسجد الجامع في المدينة الإسلامية بـــ”الأجورا / الفورم ” ( مركز التجمع والحكم ) في المدينة اليونانية والرومانية ؛ ولا يعني أن المسلمين قد اقتبسوا من اليونان والرومان مثل هذا التخطيط ، بل العكس ، ففكرة وجود الجامع في قلب المدينة فكرة إسلامية عربية بحتة ، تأسيا بما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في يثرب حين بنى مسجده ومساكنه فيها لدى وصوله وبداية استقراره[20].

علما بأن المساجد الجامعة تعددت وكثرت ، في المدينة الواحدة ، بحكم زيادة عدد السكان ، وصعوبة استيعابها لكل أهل المدينة ، وفي المقابل كثرت المساجد الصغيرة والزوايا تسهيلا على المسلمين عند أداء فرائض الصلاة اليومية[21].

المبحث الثاني: المساجد والاستتباع السياسي:

تتوقف علاقة المسجد بالسياسة على ما يدور في المجتمع ذاته ، فالمسجد ليس بناء منعزلا عما يدور خارج جدرانه ، ولا ينبغي له أن يظل مقتصرا على الوعظ والعبادات دون التطرق والتأثر بما يدور في المجتمع المحيط به .

فالسؤال الشائك حول مدى جواز استخدام المساجد في السياسة ، أي الدعاية السياسية لحزب سياسي ما ، أو طائفة ، أو مذهب ، أو سلطة حاكمة ، أو جماعات معارضة . فالسياسة لها أبعاد كثيرة ، ودائما ما يحتاج السياسي إلى الدين وعلمائه ، بالنظر إلى تجذر الدين في المجتمع الإسلامي وترسخه في الوجدان الفردي والجمعي كمرجعية أساسية في التكوين الثقافي ، وفي مركبات الهوية لدى المسلمين ، فالحضارة الإسلامية تبدأ وتنتهي بالإسلام ، لأنها تأسست على عقيدته، وانطلقت من نصه المقدس ( القرآن ) ، واستنت بشريعته ، واصطبغت بقيمه .

ومعلوم أن مؤسسات إنتاج الخطاب الديني في عصرنا تشمل المؤسسات الرسمية مثل الأزهر ودار الإفتاء ( أو ما يشابههما من مؤسسات دينية رسمية ) ، وكذلك مساجد الأوقاف ، والمساجد المستقلة ( الأهلية والتابعة للجمعيات والهيئات )، ولكنها لا تلتزم بالضرورة بسياسة الوزارة، بل تخضع لاتجاهات الأئمة وميولهم السياسية أحيانا ، كذلك يتوقف على مستوى الداعية وتكوينه العلمي. ومن الصعب التنسيق بين هذه المؤسسات لتوحيد الخطاب الديني كما يتصور البعض ، وربما يصل الأمر أحيانا إلى عدم انسجام وتناقض في الفتاوى الفقهية[22].

فالمسجد أحد المقومات الثقافية الهامة للمجتمع ، وتكشف في الوقت ذاته عن قوة الإسلام ومدى تمسك المسلمين به ، فهو ليس مجرد مكان عام للعبادة ، وإنما هو مكان للراحة والاسترخاء وعقد الزواج ، وأحيانا يلجأ إليه الطلاب للاستذكار[23].

فدائما ما يلجأ المسلم لإمام المسجد يسأله فيما يعنّ له من قضايا حياتية أو اجتماعية وأيضا سياسية . في الوقت الذي يجد إمام المسجد نفسه أن لا مناص من التطرق إلى أمور سياسية ( ولو من باب التلميح ) ، إما بتكليف من أولي الأمر أو بطلب من الناس أو بما يمليه عليه ضميره ، وإحساسه بأهمية توعية الناس في قضية ما .

فمن الثابت والمستقر في منظومة الحكم الإسلامي وإبان دولة الخلافة الإسلامية التي امتدت قرونا طويلة ، أن سلطة الدولة – ممثلة في صلاحيات الخليفة – تقتصر على حماية العقيدة كما يفهمها من مصادر الدين مباشرة ، دون رقابة أو سيطرة على ضمائر الناس ، ووفقا لأحكام الشريعة ، التي حددها إجماع الأمة الإسلامية بواسطة مجتهديها ، إلا في حالتين: الرّدة ، والإخلال بالنظام العام ، الذي يؤدي إلى الفوضى[24]. والإخلال بالنظام العام لا يعني التحكم في الرأي والمعتقد والاختيار ، والتوجيه القسري للناس ، وإنما هو مؤطر بحدود القانون والشريعة .

فليس للحاكم / الخليفة / الوالي أي سلطة تشريعية في المجال السياسي ، ولا أي سلطة روحية في المجال الديني ، فله اختصاصات تنفيذية أساسها منع أي انتهاكات في حقوق الأفراد التي ترتكز على قيم ثابتة مثل : المساواة ، الحرية ، حرمة الشخص والمسكن والملكية[25]. فمن أهم واجبات الحاكم أن يحفظ حريات الناس في ارتياد المساجد ، ويكون حائلا لمن يقوم باستغلالها ، أو يمنع ممارسات الشعائر فيها . قال تعالى :     وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرابِهَا أُوْلَئِكَ مَاَ كَاَنَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوَهَا إِلَّا خَاَئِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزىٌ وَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }١١٤ { وَللهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثُمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللهِ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }١١٥}[26]

وقد سعى الشيخ محمد عبده ( 1849-1905 ) إلى إقامة حوار موضوعي بين النظام السياسي الإسلامي والديمقراطية الغربية، وأكد على أهمية تصحيح المفاهيم السياسية الإسلامية وتحويلها من مفاهيم دينية محضة إلى دينية مدنية ، بمعنى أن تأخذ الطابع الدستوري القانوني بتأصيل ديني ، ونبّه إلى أن الخليفة أو الحاكم في النظام الإسلامي ليس بمعصوم وهو غير مستأثر بالحقيقة الدينية ، وأن شرعية الحاكم تعود إلى الأمة التي تنصبه وتخلعه إذا رأت ، فسلطة الإسلام وعلمائه ليست كالكنيسة في العصور الوسطى ، كما أن النظام الإسلامي في جوهره يقترب مع النظام الغربي في مبدأ الفصل بين السلطات ،خاصة السلطة الدينية ، ممثلة في العلماء والمؤسسات[27].

إن قضية المسجد والسياسة تثار عادة في أوقات الاستقطاب السياسي ، وما يستتبعه من صراع ولغط سياسي ، وهذا أمر حادث منذ القدم ، فالمسجد هو المكان الذي يضم جمهور المسلمين في خطبة أسبوعية جامعة ، بجانب لقاءاتهم اليومية خلال الصلوات والدروس والعظات .

وتتعاظم الأزمة ، عندما يشتد ضغط السلطة الحاكمة ورغبتها في نقل رسائل بعينها إلى الناس ، تزداد رقابتها على ما يقال في المساجد من خطب ، وتجمعات وندوات ، وتتمثل السلطة المعاصرة  في وزارة الأوقاف المشرفة على شؤون المساجد، والهيئات العامة أو الجمعيات التي تتبعها مساجد ومراكز إسلامية ، حين نجد مظاهر عديدة للتحكم والسيطرة على شؤون المسجد ، مثل : فرض موضوعات بعينها على الخطيب ، وأحيانا إلزامه بنص خطبة معمم على جميع الخطباء ، ومنع التطرق إلى أي شأن سياسي يخالف توجهات السلطة الحاكمة . ويمتد الأمر – كما رأينا في كثير من الدول ذات الحكم الشمولي والعسكري– إلى إغلاق المساجد عقب صلوات الجماعة، وإغلاق الزوايا أيام الجمع ، فلا يجد الناس إلا المساجد الكبرى والجوامع للصلاة فيها ، حيث يكون الخطباء قارئين أو حافظين لما وصلهم من خطب أو بالأدق تعليمات في خطاب شرعي . وتتعاظم المشكلة ، عندما يتم منع أية تجمعات للشباب والمصلين لتدارس شؤون السياسة والمجتمع من منظور الدين . كما يتم منع أي شخص من الخطابة والتدريس في المسجد بخلاف المعينين من قبل الوزارة .

وبالطبع هناك أشكال كثيرة من الرقابة لما يحدث ، تبدأ من رقابة مرشدي الأمن وعملائه المنبثين في المساجد ، مرورا بموظفي الأوقاف المكلفين بإعادة الاستماع إلى شرائط التسجيل التي يسلمها الخطيب بعد صلاة الجمعة ، وتنتهي بالعقوبات الإدارية التي تطال من يخرج عن النص ، وقد تمتد إلى عقوبات أمنية .

ويواكب هذا الأمر ، أن تكون رؤوس المؤسسة الدينية ( الوزير ، مفتي الديار ، رئيس الجامعة الإسلامية ، شيخ الأزهر ، العلماء والدعاة والرسميون ) متماشينَ مع خط السلطة ، مروّجين لتوجهاتها ، وتدور فتاواهم في دائرة ما هو مباح سلطويا وحكوميا ، فتتناغم النخب الدينية مع الوعاظ والدعاة ، ويتوحّد الخطاب .

المشكلة عظيمة ، لأنها تمنع جموع الشعب من معرفة حكم الشرع الحنيف في كثير من القضايا الحياتية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والمستجدات على الساحة ، خصوصا إذا لاحظ أن الخطاب الديني يروج لسياسات الدولة ، ويمتدح كل ما تقوم به الحكومات ، فيما يسمى ” استئناس المؤسسة الدينية ” ، أو بالأدق إخضاعها . وبمرور الوقت يتحوّل الخطيب إلى مؤدٍ ، والواعظ إلى موظف ، وتسود حالة من فقدان الثقة لدى أغلبية الناس ، مما يلجئهم إلى دعاة مستقلين ، بعضهم مؤهل شرعيا ، وآخرون هواة متحمسون أو متكلمون ، في منابر مختلفة ؛ مثل القنوات الفضائية ، وشرائط الكاسيت ، ومواقع الشابكة المختلفة.

والبعض رأى أن اهتمام الناس بالدين إنما هو نوع من ” الهوس الديني ” ، والتي تعبر في بعض أوجهها عن شيوع الفساد والتردي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويظهر أزمة الفكر في العالم العربي المعاصر بين تيار سلفي يعوّل على النقل الحرفي من التراث في مواجهة تيار علماني تنويري يشدد على العقل بمرجعيات غربية ويعادي الدين ومؤسساته ومنابره[28] ، ولا شك أن التحليل السهل ، الذي يحصر الأزمة في وجود تيار سلفي يتبنى مقولات تراثية حرفية ، ولا يقرأ الخطاب الديني إلا في منظور أحادي ، آخذا على الدين كونه متعدد التأويلات والتفسيرات ، وأن هذه التأويلات خاضعة للأهواء ، وينسى أن التأويل لنصوص الإسلام له ضوابطه النصية والشرعية ومن يخرج عنها فلا يعتد بكلامه . ومن الخطأ كذلك تصوّر أن العلمانية هي الحل، ويقيم صراعا غير مبرر مع الدين ، متصورا أن الإسلام مثل كهنوت المسيحية في أوروبا ، وأن تراجع العلمانية سببه افتقاد المسلم المعاصر لليقين العلمي ، فاضطر إلى الاحتماء بالتراث والتقاليد والدين والقبيلة والأعراف . وتناسى أن الخطاب الإسلامي فيه المعتدل وهو الغالب ، وفيه المتطرف وهو النادر ، ومن المهم الاستناد إلى مرجعية الإسلام في مجتمع إسلامي يشكل الدين عموده الفقري في تكوينه الثقافي والاجتماعي والفكري ، وأهمية التركيز على القيم والأفكار الإيجابية التي يطرحها الدين ، مما سيكون له أكبر الأثر حضاريا .

إن هذه النظرة نتيجة غزو الفكر العلماني للأقطار الإسلامية في العصر الحديث ، ورغم أن العلمانية – كمشروع – نادت بنزع التوترات المجتمعية التي تعود إلى أسس دينية أو إثنية أو طائفية أو فئوية ، ترسيخا لقاعدة المواطنة وجعل أبناء المجتمع سواسية أمام القانون ، لهم نفس الحقوق والواجبات ، واعترافا بالتنوع والتعايش بين ثقافات عديدة ، ولكن الواقع الذي تم رصده ، إقصاء متعمد من العلمانيين للدين عن الحياة العامة ، معممين النموذج الغربي والأصولية العلمانية ، دون تضمين الدين ولا استيعابه في منظومة الحياة ، رغم أنه يشكل جوهر الحياة الإنسانية عامة وثقافة المجتمع المسلم خاصة ، وأساس في بنيته الثقافية[29].

وقد تأثر كثير من العلمانيين العرب بهذه النزعة الإقصائية للدين ، صحيح أنهم لم ينادوا بإغلاق المساجد والمؤسسات الدينية ، وإنما تعاملوا مع الدين بحصره – قيما وعبادات وتعاملات – داخل جدران المساجد ، فهناك من احتفى بالدين كداعم للسلطة السياسية الحاكمة ، وضد تيارات إسلامية معارضة خصوصا التوجهات المحافظة ، وآخرون أعلوا الصوفية وقدّموها كنموذج ديني يحتذى ، وهناك من انتقى علماء دين بعينهم ليكونوا في طليعة المناصب الرسمية لأنهم يتبنون خطابا مهادنا مبررا مع الدولة ، وهم أقرب للموظفين منهم للعلماء  فيما يسمى التوظيف الكهنوتي، وهناك من المعارضة من استخدم الدين في دعم دعاويه[30].

كما أن العلمانيين العرب يتجاهلون عن عمد الرؤى الفقهية السياسية الحديثة التي بدأت بالتقريب بين التراث السياسي الإسلامي والأنظمة الغربية ، بهدف عصرنة الموروث الإسلامي ، وبين اجتهادات سياسية إسلامية ، أعادت قراءة التراث السياسي قراءة جديدة ، في ضوء نظام الدولة الحديثة على النمط الغربي ، حيث أكدت على

الحريات وحقوق الإنسان وترسيخ فكرة المواطنة والشورى ، كما تبنت المؤسسية أو ما يعرف بدولة المؤسسات ،

ونادت بالتعددية مؤصلة الفكرة شرعيا وعمليا ، واجتهدت في تحديد سلطات الحاكم والحكومة[31].

وبناء على ذلك ، ينبغي أن يكون للمساجد والمؤسسات الدينية رؤيتها الواضحة في تقديم خطاب ديني ضد التأويلات العلمانية للدين والمجتمع ، والاطلاع على ما توصل إليه علماء الدين المعاصرون من اجتهادات ، فلا معنى للاستسلام لهذا الإقصاء المتعمد للدين ومؤسساته وعلمائه ودعاته عن الحياة العامة، وإفساح المجال لما يسمى بالتأويل العلماني للدين ، بما يسمى ” الدين المدني “[32].

المبحث الثالث: السياسة و السياسة الشرعية:

بالنظر إلى علم السياسة نجد أنه مجال معقد لكونه يرتبط بحياة المجتمع سواء كان المجتمع مجتمعا بدائيا أو متطورا. ويرجع هذا التعقيد إلى كون السياسة تتصل بمن يستطيع أن يمتلك القوة ومن ثم تكون له السلطة التي ستعمل على إيجاد أرضية اجتماعية و اقتصادية وثقافية تستند عليها. وفي المجتمع المسلم ، فإن المدخل الأول لترسيخ السلطة هو الدعوة للسلطان / الخليفة / الوالي على المنابر، بوصفها – منذ القدم – عنوان التواصل المباشر بين السلطة ، والمؤسسات الدينية التي يمثلها المسجد في كافة المدن والقرى .

ففي ميدان السياسة تعتبر فكرة التنظيم في السلطة مع فكرة الإقناع الحجر الأساسي لتطور السياسة لأنهما يشكلان وجهي العمل السياسي الذي يدفع إلى المزيد من الجهد للتجديد  من وسائله، ذلك أن نشاطات الإنسان في تغير مستمر والصراعات الناتجة عنها تفرض مزيدا من التنظيم ومزيدا من محاولات الإبداع الفكري لترسيخ فكرة الإقناع بزيادة درجات التعاون البشري داخل المجتمع الإنساني . يضاف إلى ذلك أن السياسة تهتم بإشكالية الدولة كتعبير عن القوة الجماعية للمجتمع المنظم وذلك من خلال دراسة تشكيلات مؤسسات الدولة ووظائفها والصلاحيات المنوطة بها للقيام بنشاطاتها بهدف المحافظة على صيرورة المجتمع ، وفي سلوك القائمين بالعمل السياسي ودراسة شخصيتهم ودوافع أعمالهم وتصرفاتهم[33] .

أما السياسة الشرعية فهي نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم فعلمها من علم الشريعة .. ؛ غايتها مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق ، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح: تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها ، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علما بمقاصدها ووضعها مواضعها وحسن فهمه فيها : لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة([34]).

في ضوء هذا ، على الخطاب الديني أن يكون متوجها نحو القضايا العامة ، التي تشكل وعي المسلم ، وما يستجد

في العالم من حوله ، فليس من المعقول أن يظل خطاب المسجد بعيدا عما يراه ويسمعه ويقرأه المسلم في وسائل الإعلام والمعلومات ، ويكتفي الأئمة بالخطاب التقليدي ، وهذا لا يعني التقليل من دور تثقيف المسلمين في علوم الدين مثل :التفسير والحديث الشريف.. إلخ، وإنما ينبغي أن يكون هناك ربط بين رؤية الدين وواقع الحياة .

فنحن نعيش في زمن تداخلت فيه الحدود ما بين المحلي والعالمي ، وباتت هناك مستجدات كل يوم ، بل كل لحظة في حياة المسلمين ، كثير منها يتصل بالسياسة وشؤون الحكم. والنظر في حال الأمة وكونها مستهلكة للتقنية الحديثة، وأنها عالة على المجتمعات الأخرى ، وسوء إدارة الدولة[35]مما يستدعي طرح أسئلة عديدة حول العلاقة بالآخرين والهوية الذاتية ، وإدراك الحدود الاجتماعية والثقافية الحامية للفرد في مواجهة الآخر الحضاري والمختلف عنه ثقافيا ، فالمسلم في حاجة إلى الأمن الوجودي ، الذي يدفعه للتفاعل الإيجابي[36]. وهذا يستتبع المقارنة بين حال الأمة فيما مضى أيام ازدهارها الحضاري ، وبين حالة التبعية والانهزامية المعيشة الآن ، بجانب حاجة المسلمين إلى فتاوى ورؤى[37]، تصحبها نقاشات قد تمتد ، وهو لن يتحقق إلا في المسجد مع الإمام المؤهل شرعيا .

المبحث الرابع: رسالة الداعية والمسجد في عالم اليوم:

نطرح السؤال الآتي : كيف تكون رسالة المسجد ؟ هل يتم تجنيبه السياسة وشؤونها، أم ينخرط فيها ؟ وما موقف العالم الداعية ؟

الواقع أن هناك آراء عديدة في هذا الشأن، منها ما يمنع على العموم ، ولعل هؤلاء من العلماء المقربين من السلطة السياسية الحاكمة ، وإن كانوا في الواقع يستخدمون المسجد سياسيا من خلال تكريس السلطة السائدة ، أي أنه يمنع الأمر على المعارضين ويبيحه للنافذين. و من يؤيد هذا الاختيار فباعتبار أن الخطيب / الفقيه / العالم الشرعي صاحب دعوة ورسالة وتثقيف وتوعية ، ولابد أن يجاهر بالحكم الشرعي ، بكافة السبل ، فهذا واجب عليه .

فالأمل أن يخرج العالم الفقيه من دائرة فقيه السلطة بما فيها من سكوت عن الظلم والفساد والاستبداد ، وللأسف يتبعه بعض الأئمة والخطباء في المساجد ، حيث يقوم العالم بتقديم تأويلات لقرارات وأحداث تخالف

المقاصد الكلية للشريعة ومصلحة البلاد والعباد . فلابد من دعم سلطة الفقيه بوصفه عالما مستقلا ، يتمتع بالعلم والسلوك النزيه ، ويستهدف الحياد والعدالة والنصح لله والتواضع للخلق[38].

المقاصد الكلية للشريعة ومصلحة البلاد والعباد . فلابد من دعم سلطة الفقيه بوصفه عالما مستقلا ، يتمتع بالعلم والسلوك النزيه ، ويستهدف الحياد والعدالة والنصح لله والتواضع للخلق[39].

وهناك من يتوقف موقفا وسطا ، لا يمنع على إطلاقه، ولا يجوّز على إطلاقه، كما يذكر الشيخ القرضاوي ، فهو يمنع منه ما كان على وجه تذكر فيه أسماء محددة وتفاصيل جزئية، على وجه الطعن والتجريح والتشهير للأفراد والهيئات، فهذا لا ينبغي أن يعرض المنبر لمثله، ولا يجوز أن يسلك سبيل المهاترة والتعصب الحزبي. إنما يتعرض لكل ما يخالف الشريعة، وإن كان من سياسة الحكومة، فالمسجد قد أقيم لتأكيد شرع الله، لا لتأييد سياسة حكومة معينة. وقد كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محور أنشطة الجماعة المسلمة كلها، للعبادات وللتعلم، ومنتدى للأدب، وبرلمانًا للتشاور، ومجمعًا للتعارف، وفيه يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذه الوفود، وفيه يلقي خطبه وتوجيهاته في أمور الحياة كلها : دينية واجتماعية وسياسية. ولم يكن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فصل بين ما يسميه الناس الآن دينًا وما يسمونه سياسة. فكان المسجد في العهد النبوي مركز الدعوة، ودار الدولة[40].

فالإسلام يقدم السياسة الصحيحة، بوصفه دينا ودولة ، وليست السياسة المعنية هنا تلك الممارسة الفاسدة التي أطلقها البعض على الذين يتقنون فن التهريج والمكر والكذب على الشعوب، ولكنها في مفهوم الإسلام تعني استصلاح الناس بإرشادهم إلى ما يحقق سعادتهم في عاجلهم وآجلهم. فهي سياسة شرعية مبنية على أصول ثابتة من القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسير الخلفاء الراشدين، تتوخى مصلحة الأمة . هذا الفهم يناقض بوضوح ما يسعى البعض لترويجه من أن الدين والسياسة من نسيجَين مُختلِفَين ومِن معدَنَين مُتنافِرَين، فالدين الذي هو في الأساس دعوة أخلاقية. ومن واجبه أن يكون عنصرًا فاعلاً ومؤثرًا في توجيه الرأي العام نحو حقائق الإسلام ومنهجه الرائد في إقامة مجتمع الكفاية والعدالة والحرية والتنمية والريادة، وأن يبرز رأي الإسلام في كافة القضايا المعروضة على الساحة، وأن يقوم بتبصير الرأي العام بالمواصفات الأخلاقية والعلمية والإدارية ومعايير الكفاءة التي يجب أن تتوفر فيمن يتقدم لتمثيل الأمة في مواقع الحكم المختلفة، وأن يذكِّر بأصول المنافسة الشريفة بين الأفراد والتيارات المشاركة في العمل السياسي، وأن يوضح الضوابط الشرعية للدعاية الانتخابية، والقواعد الشرعية للممارسة السياسية، وأن يشارك في تقديم النموذج الإسلامي الذي يدعو إليه، وبذلك يكون الداعية مشاركًا لمجتمعه مهتمًا بقضايا أمته، متواكبًا مع تطلعات جماهيره ومستمعيه. أما العمل الحزبي فهو الذي يجب أن يتجنبه الداعية في المسجد وعلى المنبر وفي الدرس المسجدي، فلا يصح أن يدعو في خطبته أو في درسه المسجدي لحزب بعينه أو لمرشح بعينه، حتى لو كان هو نفسه مرشحًا[41].

إن المشكلات تنشأ عندما تحاول السلطة السياسية أو السلطة الدينية – التابعة لها – توظيف الوازع الديني لتحقيق أهداف سياسية ، فتسييس الدين يمثل إضافة القداسة على السياسة ، ويعمل على تحويل الدين إلى إيديولوجيا سياسية ، ومن ثم يصبح وسيلة للتحكم ، مما يؤدي إلى سلب الدين قدرته على أن يكون هاديا روحانيا للأفراد ومرشدا لهم في الحياة ، خصوصا إذا كان عالم الدين يدافع عن سلطة غاشمة مبررا أفعالها[42]، وهذا لا يعني فصل الدين عن الدولة ، وإنما أن يكون الدين مرشدا للناس في حياتهم الاجتماعية والسياسية ، والإسلام لم يعرف أبدا التمييز بين السياسي والديني[43]، لأنه دين شامل ينظم الحياة داخل المسجد وخارجه .

وبعبارة أخرى ، نفصل الخطاب الديني الوعظي عن الاستغلال السياسي ، فلابد أن يكون هذا الخطاب معلّما ومربيا وهاديا ، لا يرتبط بأشخاص ولا سلطات ولا مؤسسات ، لغاية نفعية خاصة .

ومن هنا يمكن أن نقرر أن مهمة الداعية والعالم في المسجد ، تكون بتقرير  مجموعة من الضوابط والإرشادات المتعلقة بالشأن السياسي :

  • إن رسالة المسجد تبدأ من خلال إقرار مبدأ تحييده عن الصراع ، شأنه شأن باقي مؤسسات الدولة ، مثل المدارس والمعاهد والمرافق العامة ، فليس المطلوب من المؤسسة الدينية الرسمية ( الأزهر مثلا في مصر ) أن يلعب دورا سياسيا ، ولا أن يكون نصير الحكومة ضد من يعارضها ، ولا أن ينحاز إلى حزب ضد حزب ، على أن يبتعد عن أي صراع سياسي[44].
  • تقع المسؤولية على المؤسسة الرسمية فينبغي أن تكون ذات استقلال علمي وسياسي ، تعين الحكومات بالرأي الشرعي فيما يستجد من قضايا ، وتعدّ الأئمة والدعاة إعدادا علميا وتمدهم بالفتاوى العلمية حول ما يطرأ على المجتمع من تغييرات وما تتخذه الحكومات من قرارات. وهذا لا يتعارض مع ما يشيعه بعض العلمانيين من رفض الدولة الثيوقراطية ( الدينية ) ، التي يحكمها رجال الدين ، وتتدخل في عزل وتعيين الحكام ، مثل الحال في أوروبا في العصور الوسطى ، فالإسلام لا يعرف هذا النظام السياسي ، والفكر السياسي الإسلامي الحديث ينتصر لمفهوم المواطنة القائم على مساواة الناس في الوطن الواحد وعدم التمييز بين المواطنين[45].
  • إن المسلم – أيا كانت شريحته الاجتماعية ومستواه الثقافي – في حاجة إلى المسجد لتثقيفه شرعيا وسياسيا ، فالشرع لا يفصل السياسة عن الدين ، وإنما يجعل الدين موّجها ومرشدا للسياسة والساسة .
  • على إمام المسجد أن ينتصر دائما لرأي الشرع ، وإن تعارض مع توجهات الحكومة وسياستها ، فالحكومة متغيرة ، والشرع ثابتة مبادئه وأحكامه وقيمه.
  • من المهم بمكان رفض أي توجهات تجعل العامة يتعلقون بشخص الفقيه والعالم والداعية كشخص ، فبعض الدعاة يتمتعون بتأثير كبير على الناس، مما يجعل أتباعهم يتعصبون لما يبثه هذا الداعية من آراء ، قد تكون أحادية النظرة ، أوتقتصر على مذهب فقهي واحد ، مما يؤدي إلى تشتت الانتماء بين الدعاة كأفراد، وبين المشروعات والمبادرات المجتمعية العامة ، التي ينتفع بها الفرد في معاشه ومتطلباته اليومية ، دون أن يتعسكر العامة ويخاصموا غيرهم ، بدعوى انتصارهم لرأي الداعية الشهير الذي يتبعونه . فينبغي أن يتم ترسيخ مبدأ أن اختلاف الفقهاء والدعاة رحمة ، ولابد من احترام التعددية الفكرية ، والانتصار لما ينفع الوطن والأمة[46].
  • إن دور الإمام والخطيب سياسيا يتوقف عند توعية الناس بحقوقهم السياسية والانتخابية ، وحسن اختيار ممثليهم في المجالس المنتخبة ، ومراقبة أدائهم، وأيضا مراقبة تطبيق القوانين والسياسات ، أي يكون المسلم فاعلا في مجتمعه، مواطنا ومنتخِبا ومراقبا .

لقد وضعت الظاهرة الإسلامية الصاعدة في العقود الأخيرة الإسلام ضمن التجاذبات السياسية ، حيث جعلته مرجعية تشريعية وقانونية ومجتمعية ، والتفت حولها جماهير غفيرة ، وتأسست أحزاب وحركات تتبنى الرؤية الإسلامية في الإصلاح الاجتماعي والسياسي ، مما جعل الدين في قلب المعادلة السياسية ، واشتعل النقاش حول شكل الدولة ونظامها السياسي ومصادر قوانينها ، وهذا أفسح المجال لدخول علماء الدين والدعاة إلى حلبة النقاشات السياسية[47]، وأرى أن هذه ظاهرة صحية ، فقد باتت الشريعة مطلبا جماهيريا ، مما يعزز من مبادئ الإسلام كمرجعية قانونية وأخلاقية للوطن ، ويكمن التخوف من الاستغلال السياسي للدين ، وهو ما يُمنَع عبر تأكيد الاستقلالية للدعاة والمنابر على السواء .

  • على الداعية في المسجد وخارجه أن ينأى برأيه الشخصي السياسي عن المنبر الذي يعتليه ، فيكون خطابه مرتكزا على القيم والمبادئ الشرعية ، دون الانتصار لحزب أو مرشح أو تيار سياسي ما .
  • إن هذا الأمر ، يتطلب حسن إعداد إمام المسجد والخطباء والدعاة ، وإمدادهم بثقافة شرعية في شقها السياسي ، ليقوم بدوره في توعية الناس .

وعلى الفقيه والداعية أن يطوّر خطابه الفقهي ويجدد أسلوبه البلاغي ، غير مكتف بالإجابة عن أسئلة الأفراد البسيطة ، إلى معرفة حاجات المجتمع التي تتطلب إصلاحا ، في ضوء المقاصد الكلية للشريعة والاستفادة من تجارب الأمم والثقافات والحضارات المختلفة ، وإبداع حلول جديدة وأسس منهجية تفكيرية عصرية[48].

   و ختاما، تظل القضية مرهونة بالتطبيق العملي ، الذي يتوقف على وعي الإمام بدوره الذي يتجاوز أسئلة الفرد إلى متطلبات المجتمع والوطن ، كما يتوقف على دعم استقلال المؤسسة الدينية الرسمية و قطاع المساجد ، بغية أن يكون الإسلام مرجعية قيمية وتشريعية وحضارية.

المصادر والمراجع:

أولا : الكتب :

  • أدب الدنيا والدين ، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي، تحقيق : مصطفى السقا ، سلسلة التراث ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة ، 2009م .
  • الأزهر الشيخ والمشيخة ، حلمي النمنم ، سلسلة إنسانيات ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2012م .
  • الإسلام بين العلم والمدنية ، الشيخ محمد عبده ، سلسة كتاب الهلال العدد 114 ، دار الهلال ، القاهرة ، 1960م .
  • الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين ، محمود إسماعيل ، مؤسسة الشراع العربي، الكويت، ط1 ، 1993م.
  • تفسير القرآن العظيم ، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ، تحقيق : سامي بن محمد السلامة ، دار طيبة للنشر ، الرياض ، 1422هـ ، 2002م .
  • جامع البيان في تأويل القرآن ، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1420هـ ، 2000م .
  • الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ، دار الفكر، بيروت .
  • دراسات في علم السياسة ، سويم العزي ، منشورات الأكاديمية العربية ، الدنمارك ، دون تاريخ .
  • الدين ووظائفه السياسية ( مصر – الهند – أمريكا ) ، سكوت دبليو. هيبارد ، ترجمة : فاطمة نصر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 2013م .
  • صور من الخطاب الديني المعاصر ، أحمد أبو زيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 2007م .
  • الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن قيم الجوزية ) ، تحقيق : نايف بن أحمد الحمد ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع.
  • فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ، عبد الرزاق أحمد السنهوري ، ترجمة : نادية عبد الرزاق السنهوري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2013 م .
  • المساجد ، حسين مؤنس ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، العدد 37 ، 1981م .
  • هوية الثقافة العربية ، أحمد أبو زيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2013م .

ثانيا : الدوريات والمجلات ومواقع على الشبكة :

  • حرية التعبير بين المفهوم الشرعي والمفاهيم المعاصرة ، محمد بن عبد الله بن إبراهيم الخرعان ، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت ، العدد 48، 1422هـ ، 2002م.
  • خطباء المساجد والحديث عن السياسة ، فتوى للشيخ يوسف القرضاوي ، على موقعه على الشبكة: http://qaradawi.net/component/content/article/1577.htm
  • الداعية.. والمسجد.. والعمل السياسي ، د. عبد الرحمن البر ، على موقع : مركز الدين والسياسة للدراسات:

http://www.rpcst.com/articles.php?action=show&id=1441

  • الظاهرة الإسلامية المتحولة إلى حزبيات .. دولة الدين وإغواء السلطة ، رضوان السيد ، بحث بمجلة التفاهم ، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عمان ، العدد 40 ، 1434هـ ، 2013م .

– الفقه السياسي الإسلامي المعاصر ، اتجاهاته وقضاياه ومشكلاته ، حسان عبد الله ، بحث منشور في مجلة التسامح، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عمان ، العدد 25 ، 1430هـ ، 2009م .

– المؤسسات الدينية الإسلامية والزمن الإصلاحي .. التجديد والطهورية ، مسفر بن علي القحطاني، بحث منشور في مجلة التفاهم، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عُمان ، العدد 40 ، 1434هـ ، 2013م .

-المسجد في الإسلام ، محمد توفيق بلبع ، بحث في مجلة عالم الفكر ، الكويت ، سبتمبر 1979م.

 

* ـ موجه فني اللغة العربية ، وخبير مناهج في وزارة التربية ، وأستاذ منتدب في كلية التربية الأساسية ، قسم اللغة العربية ، التعليم التطبيقي ، الكويت.

[1]ـ سورة الجن ، الآية 18.

[2]ـ تفسير القرآن العظيم ، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ، تحقيق : سامي بن محمد السلامة ، دار طيبة للنشر ، الرياض ، 1422هـ ، 2002م ، ج8 ، ص244 .

[3]ـ الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ، دار الفكر ، بيروت ، ج19 ، ص23.

[4]ـ سورة الأعراف ، الآيتان  29 ، 31.

[5]ـ جامع البيان في تأويل القرآن ، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1420هـ ، 2000م ، ج12 ، ص380 .

[6] ـ السابق ، ج12 ، ص381 .

[7]ـ هوية الثقافة العربية ، أحمد أبو زيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2013م ، ص28، 29.

[8]ـ أدب الدنيا والدين ، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي ، تحقيق : مصطفى السقا ، سلسلة التراث ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،  2009م ، ص73 .

[9]ـ هوية الثقافة العربية ، ص30 ، 32 .

[10] ـ حرية التعبير بين المفهوم الشرعي والمفاهيم المعاصرة ، محمد بن عبد الله بن إبراهيم الخرعان ، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، العدد 48 ، 1422هـ ، 2002م ، ص355 ، 256 .

[11] ـ السابق ، ص357 .

[12] ـ المساجد ، حسين مؤنس ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، العدد 37 ، ص30.

[13]ـ المسجد في الإسلام ، محمد توفيق بلبع ، بحث في مجلة عالم الفكر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، سبتمبر 1979م ، ص18 ، 19 .

[14] ـ السابق ، ص56 .

[15]ـ سورة الجمعة ، الآية 9.

[16]ـأ المساجد ، حسين مؤنس ، ص31 .

[17]ـ المسجد في الإسلام ، ص56 . والرأي المذكور للمستشرق ليفي بروفنسال .

[18] ـ االمساجد ، حسين مؤنس ، ص32 .

[19] ـ المسجد في الإسلام ، ص40 .

[20] ـ السابق ، ص42 .

[21] ـ السابق ، ص58 .

[22]ـ صور من الخطاب الديني المعاصر ، أحمد أبو زيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 2007م ، ص31-33.

[23] ـ هوية الثقافة العربية ، ص 32 .

[24] ـ فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ، عبد الرزاق أحمد السنهوري ، ترجمة : نادية عبد الرزاق السنهوري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2013 م ، ص177.

[25] ـ السابق ، ص193 . وقد يعتد البعض بوقائع وفترات في تاريخ الخلافة الإسلامية تميزت بالظلم والاستبداد ، ومن أناس تسمّوا بالخلفاء ، فهذا تشويه غريب للقب كريم نبيل اغتصبوه لأنفسهم ، واستغلوا القوة والبطش وحاشية المنافقين والطامعين، ولكن الشريعة الإسلامية لم تسمح بسلطة مطلقة للحاكم بل قيدتها وحددتها . ص192 .

[26] ـ سورة البقرة ، الآيتان 114 ، 115.

[27] ـ الإسلام بين العلم والمدنية ، محمد عبده ، سلسة كتاب الهلال العدد 114 ، دار الهلال ، القاهرة ، 1960م ، ص124-126 . أشار في الأصل الخامس إلى هذا تحت عنوان: السلطان في الإسلام .

[28] ـ الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين ، محمود إسماعيل ، مؤسسة الشراع العربي، الكويت ، ط1 ، 1993م ، ص151 ، 152 . ويرى أن الهوس الديني اكتسح منجزات العلم المعاصر ، وزاد من تطرف المجتمع ، وأن الدين له طبيعة ” ميتافيزيقية ” ، ويقدم ألغازا في إطاراته المرجعية ، تخضع لتأويلات حسب الأهواء والمصالح ، فالمفسرون الثيوقراطيون أنفسهم لا يتفقون حول تفسير آيات القرآن الكريم وكذلك شراح الأحاديث النبوية الشريفة. ص153 . كما يرى أن مؤسسة الدولة مثل الأزهر ومساجد الأوقاف تجنح للاعتدال المرادف لتبرير وتكريس الأمر الواقع ، ويغيّر من فتاويه حسب توجهات الدولة . ص155 .

[29] ـ الدين و وظائفه السياسية ( مصر – الهند – أمريكا ) ، سكوت دبليو. هيبارد ، ترجمة : فاطمة نصر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 2013م ، ص54 . ادعت الأصولية العلمانية أن الدين يعادي بالضرورة الطبيعة التضمينية للمجتمع المفتوح ، ذلك أن التأويلات المختلفة للعقيدة الدينية تشكل جوهر الرؤى المتنافسة للأمة والهوية القومية .

[30]ـ السابق ، ص56 ، 57 . يلاحظ أن التأويل المتزمت للدين يدعم النظام السياسي الطبقي التراتبي ، والحفاظ على الكيانات الاجتماعية والفئات المتمتعة بامتيازات ومكانات ، في الوقت الذي تدعم فيه التأويلات المنفتحة للدين النزعات التقدمية . ص58 .

[31] ـ انظر تفصيلا : الفقه السياسي الإسلامي المعاصر ، اتجاهاته وقضاياه ومشكلاته ، حسان عبد الله ، بحث منشور في مجلة التسامح، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عمان ، العدد 25 ، 1430هـ ، 2009م ، ص240 ، و ص247-249 .

[32] ـ السابق ، ص55 ، والمقصود بالدين المدني ، هو الدين المنفتح مع العلمانية المتسامحة ، نوع من الالتقاء بين الدين والعلمانية دون إقصاء ، ولكنه في الحقيقة ، يقصر الدين على العبادة والأخلاق دون النظر للجانب التشريعي والفقهي المميِّز للإسلام .

[33]ـ دراسات في علم السياسة ، سويم العزي ، منشورات الأكاديمية العربية ، الدنمارك ، دون تاريخ ، ص3.

[34] ـ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن قيم الجوزية ) ، تحقيق : نايف بن أحمد الحمد ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ، المجلد الأول، ص7 ، 8 .

[35] ـ صور من الخطاب الديني المعاصر ، ص76 ، 77 .

[36]ـ السابق ، ص168 .

[37] ـ السابق ، ص100

[38] ـ المؤسسات الدينية الإسلامية والزمن الإصلاحي .. التجديد والطهورية ، مسفر بن علي القحطاني ، بحث منشور في مجلة التفاهم، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عُمان ، العدد 40 ، 1434هـ ، 2013م ، ص91 ، 92 .

[39] – المؤسسات الدينية الإسلامية والزمن الإصلاحي .. التجديد والطهورية ، مسفر بن علي القحطاني ، بحث منشور في مجلة التفاهم، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عُمان ، العدد 40 ، 1434هـ ، 2013م ، ص91 ، 92 .

[40]ـ خطباء المساجد والحديث عن السياسة ، فتوى للشيخ د. يوسف القرضاوي ، على موقعه: http://qaradawi.net/component/content/article/1577.html

[41]ـ الداعية.. والمسجد.. والعمل السياسي ، عبد الرحمن البر ، على موقع : مركز الدين والسياسة للدراسات: http://www.rpcst.com/articles.php?action=show&id=1441

[42]ـ الدين ووظائفه السياسية ، ص131 .

[43]ـ السابق ، ص132 .

[44]ـ الأزهر الشيخ والمشيخة ، حلمي النمنم ، سلسلة إنسانيات ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2012م ، ص257 ، 258.

[45]ـ السابق ، ص259 .

[46]ـ المؤسسات الدينية الإسلامية والزمن الإصلاحي .. التجديد والطهورية ، ص93 .

[47] ـ الظاهرة الإسلامية المتحولة إلى حزبيات .. دولة الدين وإغواء السلطة ، رضوان السيد ، بحث بمجلة التفاهم ، وزارة الأوقاف ، مسقط ، عمان ، العدد 40، 1434هـ ، 2013م ، ص112 ، 113 .

[48]ـ المؤسسات الدينية الإسلامية والزمن الإصلاحي .. التجديد والطهورية ، ص92 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.