تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية
” من أجل تفكير مغاير”
عبد العزيز قريش[1]∙
إن كل ما يقوله المعلم ويفعله في الفصل يؤثر على تعلم التلاميذ، والبحوث التي تمت في العشرين سنة الماضية تشير إلى تأثير سلوك المعلم ليس على تحصيل التلاميذ فقط وإنما على مفهوم الذات والعلاقات الاجتماعية وقدرات التفكير. إن سلوك المعلم الذي يشجع وينمي تفكير التلاميذ
آرثر كوستا Arthur L. Costa
تمهيد:
يلعب تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية دورا وظيفيا حيويا في رفع درجة فهم المفاهيم والمعارف والنظريات، وبصفة عامة الموارد التعليمية التعلمية، وإثارة الاهتمام والحافزية التعلمية، وتعزيز التعلم النشط. ومن بديهية تسييل الأفكار أن الممارسين البيداغوجيين الذين يملكون هذه الكفاية المهنية؛ يؤثرون بشكل كبير وبدرجة عالية على فعل التعلم لدى متعلماتهم ومتعلميهم على مستوى مساعدتهم على تطوير فهم عميق ودائم للمواد والموارد والأنشطة التي يتم تدريسها.
وتسييل الأفكار مفهوم غير شائع في الحقل التعليمي التعلمي رغم رجوع تاريخ تطوير استراتيجياته إلى ستينيات القرن الماضي مع أعمال “وليام ج. ج. جوردون William J.J. Gordon”. وقد بدأ الرجوع إليه مع الثورة الرقمية والتكنولوجية والذكاء الاصطناعي، الذي تعتمد أساسا على العديد من أنواع التفكير، انطلاقا من التفكير المنطقي إلى التفكير الإبداعي مرورا بالتفكير الناقد. وهو ما يموقع تسييل الأفكار موقعا متقدما في طرح مساحة كبيرة لمرونة وحرية التفكير بإبداعية فائقة في حل المشكلات والوضعيات الإشكالية، والجمع أو الربط بين الأفكار غير المرتبطة وغير المتقاطعة أو ذات الصلة فيما بينها.
واستحضارا لأهمية تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية على مستوى التعليم أو التدريس، أو على مستوى التعلم بمعنى مستوى الإنتاج. لابد من تحديد مفهوم التسييل ليستقيم فهم سيرورته في إنتاج الأفكار الإبداعية، ومقاربة المشاكل والإشكاليات.
في المفهوم:
“التسييل” لغة من الدخلة المعجمية ” س ي ل ” ومشتقاتها ومزيداتها؛ وتعني لغويا: جرى؛ يقال: (سال يسيل سيلا وسيلانا جرى وأساله وماء سيل وضعوا المصدر موضع الاسم أو السيل الماء الكثير السائل …)[2] وقيل كذلك: (سال الماء والشيء سيلا وسيلانا: جرى، وأساله غيره وسيله هو. وقوله عز وجل: <وأسلنا له عين القطر> قال الزجاج: القطر النحاس وهو الصفر …)[3]. وقيل في السيل في أحد معانيه: (ماء المطر الجاري بسرعة فوق وجه الأرض)[4]. والتسييل مصدر سيّل وهو مزيد الثلاثي “سال” بتضعيف الياء، لاستكناه معاني ظلال “التسييل”، التي تفيد التكثير والمبالغة وكأني بالأفكار تنحصر عند المتعلمات والمتعلمين والممارس البيداغوجي كل على حدة، فتصير إلى الكثرة والمبالغة عندما يتم تسييلها فيما بينهم جميعا، وتتعدى الواحد منهم إلى الآخر. ويتوجهون إلى تكثير الأفكار عبر استراتيجيات التسييل في قاعدتهم المعرفية وفي معمارهم الفكري. كما أجد في ظلال معاني هذه الكلمة تصيير الأفكار التي تكون جامدة في أدمغة وأذهان المتعلمات والمتعلمين والممارس البيداغوجي إلى سيلانها؛ فتصبح لينة مرنة سائلة نتيجة تطويع طبيعتها الصلبة بالتفكير المرن، فيسلبها تلك الطبيعة لخدمة فعلي التعليم والتعلم لاختصار هذا الفعل في تعلم المتعلم/ة بشكل مختلف. وأغلب هذه الظلال يحتويها التعريف الاصطلاحي للتسييل.
والتسييل مقابل “Fluidité” في اللغة الفرنسية، من الفعل الفرنسي “Fluidifier”؛ وتعني من بين ما تعني: (1 ـ جودة ما هو سائل، سهولة تدفق المادة، السائل بشكل موحد: سيولة الكريم. و2 ـ جودة حركة المرور التي تتدفق بانتظام. 3 ـ وضعية سوق موسوم بحرية عوامل الإنتاج ورأس المال والعمل، لنشاط أو خدمة الآخر أو الوضع في السوق الذي يتطابق فيه العرض بسهولة مع الطلب أو الطلب مع العرض، في مقابل اللزوجة. والسيولة هي أحد شروط المنافسة النقية والكاملة. 5 ـ إمكانية تدفق السائل في الأنابيب؛ عكس اللزوجة المطلقة للسائل)[5].
والتسييل اصطلاحا يختلف من مجال إلى آخر، يمتاح دلالته الاصطلاحية من وظيفته في مجال الاشتغال، ما يقعد في دلالته الاصطلاحية بعض سماته اللغوية كتحويل المادة من حالة صلبة إلى حالة سائلة لكي يمكن تسييلها. وعليه؛ يمكن أن نأخذه في بعد تربوي وآخر اقتصادي، وهما في الواقع بالنسبة للمتعلم/ة يسيران في نفس سياق الهدف من فعل التعليم والتعلم؛ من حيث نعلم المتعلم كيف يمكنه الاستفادة من البعد التربوي لينقله إلى البعد الاقتصادي بمنطق الاندماج الاقتصادي والمهني في المجتمع عندما يرشد. ففي البعد التربوي نجد التسييل يعني: <القدرة على التفكير بطريقة مرنة وخلاقة وغير مقيدة لإبداع أفكار جديدة ومبتكرة غير تقليدية وغير كلاسيكية لحل المشكلات بخلق روابط وصلات ووصولات بين الأفكار التي تبدو غير مترابطة، وغير ذات صلة>. وهناك من أفاد أن تسييل الأفكار يعني تحويلها من التجريد والتعقيد إلى التبسيط والوضوح والتحديد؛ حيث تصبح معه المفاهيم والنظريات والمعلومات والمعارف والبيانات وغيرها من المعطيات واضحة ومفهومة ومستوعبة من قبل المتعلم/ة. ومن هذا البعد التربوي يمكن أن ننقل التسييل إلى البعد الاقتصادي الذي يرى فيه أهل المجال الاقتصادي عملية تحويل نشاط فكري أو معرفة أو تقنية أو أصل أو سلعة … إلى دخل نقدي، بمعني آخر التسييل في هذا البعد الاقتصادي هو بالأساس تحويل شيء ما إلى مصدر ربح أو دخل؛ أي تحويلها إلى أموال. إن التسييل بهذا المعنى ينطوي على إيجاد طرق وسبل لتوليد منافع مالية من شيء قد لا يكون لولا تلك القيمة النقدية الفورية. حيث يعتبر تحقيق الدخل عنصرا أساسيا ومهما للعديد من الشركات ومنشئي المحتوى، لأنه يسمح لهم بتمويل مشاريعهم وأنشطتهم مع تحقيق الأرباح والحفاظ على الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع والأنشطة مع اعتبار تحقيق توازن بين تحقيق الدخل وتجربة المستخدم لكيلا يبرد اهتمام المستخدمين وحماستهم، وتحافظ على حافزيتهم ورضاهم على الخدمة أو المنتج.
والتسييل بما يفيد كفاية وقدرة ومهارة المتعلم/ة على تحويل تعلماته وموارده ونشاطاته وكفاياته وإمكاناته المتنوعة إلى دخل مالي أو مادي معين عبر التسريق والترويج التجاري، بخلق الحاجة عند المستهلك للخدمة او المنتج أو المنتوج، بمعنى آخر خلق المتعلم/ة صاحب مشروع بدل المتعلم/ة طالب وظيفة، هو الذي يتوخاه التسييل المعرفي إن صح هذا التعبير، واستقامت دلالته على هذا التحويل. ويوظف هذا المفهوم بشكل واسع وشائع في الأعمال التجارية والتسويق عبر الإنترنت والوسائط الاجتماعية وتطبيقات الهاتف المحمول ومواقع الويب وغيرها من المجالات التي تسعى فيها الشركات إلى تحقيق إيرادات من منتجاتها أو خدماتها. ومنه؛ للتسييل بعدان أحدهما تربوي تكويني والآخر اقتصادي تجاري، ويكونان في عدة سياقات أو مجالات عدة.
في سياقات التسييل:
- سياقات التسييل في بعده الاقتصادي:
*تسييل مواقع التطبيقات والويب:
يستثمر مالكو مواقع التطبيقات والويب حركة المرور الخاصة بهم بواسطة عرض الإعلانات، أو استخدام البرامج التابعة والخاصة، أو تقديم عضويات متميزة، أو بيع المنتجات والخدمات مباشرة على موقع الويب.
*تسييل الوسائط الاجتماعية:
تستثمر منصات الوسائط الاجتماعية قاعدة مستخدميها عبر عرض إعلانات تستهدف المستخدمين أو تقديم ميزات مدفوعة.
*تسييل المحتوى:
يستثمر مشيدو المحتوى عبر الإنترنت جمهورهم باستخدام البرامج الإعلانية أو الرعاية أو بيع البضائع، من قبيل استثمار مستخدمي YouTube والمدونين والمؤثرين في مثل هكذا أنشطة تجارية.
*تسييل تطبيقات الأجهزة المحمولة:
يحقق مطورو تطبيقات الأجهزة المحمولة الدخل من تطبيقاتهم بتوظيف الإعلانات داخل التطبيق، أو عمليات الشراء داخله، أو تقديم إصدارات متميزة منه.
*تسييل البيانات:
قد تستثمر بعض الشركات البيانات التي تجمعها في دخلها ببيعها إلى جهات خارجية أو استخدامها لتحليلات الأعمال أو توظيفها في قواعد الاستخبارات …
*تسييل العقارات:
يولد وينتج الدخل من خلال تأجير أو بيع أو رهن العقارات. فضلا عن تسييل معطياتها لدى الشركات العقارية التي توظفها في الشراء والبيع …
وفي المقابل نجد التسييل في سياقات مختلفة في عملية التدريس على سبيل المثال:
- سياقات التسييل في بعده التربوي:
بصفة عامة؛ تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية مفهوم لم يعتده الممارس البيداغوجي بعد، لأنه غير شائع وعتاد في الفعل التعليمي التعلمي، وإن كان ممارسا بطريقة أو أخرى خاصة في بيداغوجيا حل المشكلات أو في توظيف تقنيات التنشيط خاصة منها العصف الذهني وفيليبس 6×6 دون علمنة وهيكلة المفهوم ومتطلباته ومعطياته النظرية والعملية. فكثيرا ما تعمل جماعة القسم تحت إشراف الممارس البيداغوجي على تحويل الأفكار المجردة أو المصورنة المعقدة إلى مفاهيم أكثر وضوحا ومفهومة في مختلف المواد الدراسية في التعليم الثانوي التأهيلي بالخصوص، دون التعليم الابتدائي الذي يكاد لا يتعاطى مع المفهمة سواء كفعل فلسفي تأسيسي أو كفعل ديداكتيكي أو كفعل إجرائي يتطلب الوقوف عند المفاهيم وتبسيطها للاستيعاب والتوظيف من قبل المتعلم/ة.
ومنه؛ لابد للممارس البيداغوجي وهو يتعاطى تسييل الأفكار في تدريسه دون وعي منه ومعرفة بماهية التسييل، أن ينقل ممارسته تلك إلى معرفة علمية ومهنية مفهومة وواعية، لكي يمارسها عن علم ودراية. فغياب معرفة موضوع الاشتغال أو آليات الاشتغال، تؤدي إلى غموض وضبابية الاشتغال ونتائجه. وبالتالي يكون تسييل الأفكار في سياقين كبيرين هما: سياق تربوي بطبيعته، وسياق تربوي اقتصادي بهدفه.
1 ـ سياق تربوي بطبيعته:
ويتجلى في:
ـ زيادة الفهم:
عبر تسييل الأفكار؛ يجعل المدرسون المفاهيم المجردة والمصورنة أكثر واقعية وملموسة من خلال تحليل بنياتها الفكرية والمفهومية، وشرحها وتوضيحها وتبسيطها. ما يساعد المتعلم/ة على فهمها واستيعابها وتخزينها بشكل منسجم وأفضل. ويضفي على الاشتغال ومجالاته التحفيز والتشويق والجاذبية بالنسبة المتعلم/ة الذي يقبل عليها وهو يعرف مسبقا من خلال الممارس البيداغوجي قدرته على فهمها بكل وضوح وبساطة مع إمكانية التوظيف.
ـ تقليل التعقيد:
بعض المفاهيم إن لم نقل أغلبها في منظومتنا التربوية والتكوينية معقدة ببنائها الفكري وبطبيعة الاختلافات والتباينات نحوها؛ خاصة عندما تكون مترجمة وذات امتداد أفقي وعمودي في مجالات معرفية متنوعة أو في المجال المعرفي الواحد، فيصعب استيعابها وفهمها فضلا عن توظيفها. فيعمل تسييل الأفكار على تفكيك بنيتها إلى عناصرها الأولية أو سماتها الأساسية، ووظائفها؛ لكي يبسطها للمتعلم/ة، ويوضحها ويشرحها ويفسرها. ومن ثمة، يمكن للمتعلم/ة أن يستوعبها ويفهمها ويوظفها كبنية أو كمكونات وعناصر أولية. فيفهم المفاهيم كيانا كاملا أو مكونات في نسق تفاعلي معين مغلق على ذاته منفتح على غيره. ومنه؛ تسييل الأفكار له دور مهم في تفكيك المفاهيم المعقدة لغاية التبسيط والفهم والاستيعاب والتوظيف. فكلما كان المفهوم واضحا ومفهوما كلما أقبل عليه المتعلم/ة تعلما وامتلاكا وتفعيلا.
ـ تعزيز التعلم النشط:
تكون المفاهيم والأفكار والنظريات والمعلومات والمعارف والمنهجيات والتقنيات في التسييل واضحة ومفهومة بالتبسيط؛ تخلق الحافزية عند المتعلم/ة والتشويق، فيقبل على التعلم بحيوية ونشاط وبهدفية وغاية معينة. ما يقوده إلى المشاركة في الأنشطة التعليمية التعلمية بالتعاطي مع متنها التعليمي التعلمي، ومنهجياتها، ونتائجها بمساءلتها واستكشاف غامضها ومعرفة مجهولها واستخلاص النتائج منها والعبر والحكم للتعلم. فيكون نشيطا في الحجرة الدراسية، ما يعزز التعلم النشط والتعلم الذاتي.
ـ تشجيع الإبداع:
تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية هو أساسا لخلق أفكار جديدة غير تقليدية، وطرق غير اعتيادية في القضايا المختلفة، من خلال خلق ارتباطات ـ في العادة غير ممكنة بين قضايا غير متقاطعة ـ لإيجاد الحلول أو الإضافات النوعية، وهو ما يثير اهتمام المتعلم/ة بالموضوع، وحفز على الاستفادة مما يمتلكه من معرفة وخبرة وتجربة، واستثماره في إبداع الأفكار والرؤى فضلا عن الطرق والمنهجيات إزاء التقنيات. فتسييل الأفكار يخلق عند المتعلم/ة تفكيرا غير مألوف يتسم بالمرونة والجانبية والإبداع والابتكار، لذا تركز التجارب التعليمية التعلمية الناجحة على تسييل الأفكار أثناء التدريس بتنويع تقنيات وطرق التنشيط في تساوق تنويع أنماط التفكير مع التركيز على ربط الأفكار بالتجريب والنفعية والهدفية.
ـ تحسين كفاية وكفاءة الاحتفاظ:
من بديهيات العملية التعليمية التعلمية ونظرياتها المتنوعة، أن فهم المعرفة ومتعلقاتها المنهجية والتقنية والإجرائية يؤدي إلى سهولة تخزينها والاحتفاظ بها مادام المتعلم/ة هو الذي اشتغل عليها بمعية وإشراف الممارس البيداغوجي. وسهولة استدعائها لتوظيفها لأنه يرمزها بشفرات معينة خاصة منها الحدثية واللغوية والبصرية. فكلما سيلت الأفكار في إطار فعل التعلم واضحة ومفهومة وباستراتيجيات فاعلة وجيدة، كلما سهل حفظ المعرفة ومعطياتها واستيعابها، من حيث سهولة الاحتفاظ بها، وتشبيكها بمعرفة ومفاهيم أخرى، ومد الجسور والروابط بينها. فتسييل الأفكار يعود المتعلم على غزارة المعارف المبتكرة، وعلى إدامة انتاجها. ما يساهم بشكل إيجابي في تحسين كفاية الاحتفاظ بها في الذاكرة طويلة الأمد بالخصوص حسب علم النفس المعرفي وبكفاءة عالية.
فتسييل الأفكار في الفعل التدريسي يهدف إلى تمليك المتعلم/ة القدرة على خلق وإبداع الأفكار القابلة للتحويل المالي أو المادي، بمعنى نفعية الأفكار. وهنا ندخل من الوساع إلى السياق التربوي الاقتصادي بسلاسة.
2 ـ سياق تربوي اقتصادي بهدفه:
ويتجلى في:
ـ الدورات التدريبية المدفوعة عبر الإنترنت:
تسييل الأفكار يمكن المتعلم/ة من الاستفادة من جدة أفكاره ضمن مشاريعه البحثية، بجانب تمكين الممارس البيداغوجي من إنشاء مواقع ومنصات للتعليم والتدريب، وبيع دورات عبر الإنترنت أو ندوات عبر الإنترنت أو تدريب معين في مستجد ما محدد على منصاتهم الخاصة. وهو ما عمل به الكثير من المتعلمات والمتعلمين في الولايات المتحدة الأمريكية بجانب الكثير من هيئة التدريس هناك، ولعل تصفح “كوكل” يظهر مدى انتشار هذه الظاهرة في العالم. وأما نحن في العالم العربي فنبيع في الأغلب ” التفاهة ” مجانا مقابل تكثير المشتركين والمشاهدة، حتى ألفينا الجهال ينشرون جهلهم على الملإ بافتخار واعتزاز! فهؤلاء النجباء والنخبة الفكرية يستثمرون في خبراتهم وتجاربهم ومعرفتهم عبر تطوير محتوى تعليمي عالي الجودة، وتقديمه لطالبيه من متعلمات ومتعلمين وغيرهم مقابل رسوم.
ـ الكتب والمنشورات:
تسييل الأفكار يلعب دورا مهما في تأليف الكتب، وبناء المحاضرات والدروس والأنشطة التعليمية؛ من حيث يساعد المتعلم/ة المكون تكوينا جيدا بمعية الممارس البيداغوجي الإبستيمي الباحث الطموح، استنادا إلى أفكارهم أو منهجياتهم التعليمية/التعلمية أو أبحاثهم، على كتابة الكتب على مختلف تخصصاتها، أو الكتيبات، أو أدلة التدريس، أو الإرشاد، أو المقالات وغيرها، وبيعها على شكل مطبوعات ورقية أو مطبوعات رقمية. ونحن نعيش في عصر رقمي مع ذكاء اصناعي ولجه الكل، يستثمر فيه بما يعود عليه بالدخل. ويغطي جانبا منه علميا إنتاج المتعلمات والمتعلمين في العالم. ونحن في المغرب نعيش تجربة تأليف الكتب المدرسية الموازية للكتب الرسمية الوزارية من قبل مجموعات الأستاذات والأساتذة طلبا للتعليم والدخل معا.
ـ المؤتمرات وورشات العمل المدفوعة:
تسييل الأفكار يلعب دورا محوريا في ورش العمل والمؤتمرات، لما يعطيه للمشاركين من جديد الأفكار والمقترحات والرؤى والتوجهات وغيرها وفق أهداف تلك الورشات والمؤتمرات. وفيها يتم دعوة الممارس البيداغوجي والمتعلم/ة ذوي الخبرة والتجربة والمعرفة والكفاءة المعترف بها له من جهة، ومن جهة أخرى المعترف بها في مجال معين؛ لقيادة مؤتمرات أو ورشات عمل أو ندوات مدفوعة الأجر للمتعلم/ة أو الممارس البيداغوجي أو المهني أو المؤسسات المشاركة فيها. فكم من مؤتمر أو ورشة تدريب قادها مكونون شباب منهم من في عقده الثالث. وكم من منها قادها أطفال كورشات الأعمال اليدوية. وكذا البرامج التي تقدم إلى الأطفال الصغار يقدمها الصغار لأن الطفل عن الطفل ألحن. ويمكن إيراد مثال آخر كالمعرفة الموسيقية تباع عبر ورشات للعزف على الآلات الموسيقية ومن أطفال صغار في العالم أما الأغاني فحدث ولا حرج.
ـ الاستشارة والنصح والتوجيه:
إن من يمتلك القدرة على تسييل الأفكار من بناء خبرة عميقة وغنية، وتجربة ناجحة تمكنه من خلق مراكز خدمية للاستشارة التربوية والتوجيه التربوي أو الاستشارة المهنية في تكوين المقبلين على مهنة التدريس، يقدمها المؤسسات التعليمية أو المنظمات في مجال التربية والتعليم والتكوين مقابل رسوم معينة أو ما يسمى الاستشارة التربوية والمهنية المدفوعة. وهذا ما درجت عليه مراكز الاستشارة والخبرة في المغرب، حتى بعض الأطباء يقدمون استشاراتهم الطبية بالمقابل. وأصبحنا في الواقع امام تحصيل كل خدمة مكتملة بالمقابل المالي حتى وإن سألت أحدا عن موقع ما في المدينة. وهذه طبيعة عصر التقنيات والماديات والرقميات، بمعنى عصر تسليع كل شيء بما فيه البشر.
ـ المنتجات التعليمية:
تسييل الأفكار قاعدة أساسية في إكساب المتعلم/ة معرفة واسعة وخبرة وتجربة متينة، تساهم في تخليق الإبداع والابتكار في سحنته التعلمية، بجانب تكوين ممارس بيداغوجي مبدع ومبتكر، يمكنه أن يطور تلك الأفكار الواردة من متعلميه ومنه لتصنيع منتجات مادية أو تشييد منتجات رقمية متعلقة بالتعليم والتعلم، ويعمل على بيعها للمستهلك وطالبيها، من قبيل: الألعاب التعليمية، وأدوات التدريس المتخصصة، وبرامج التعليم المبرمج، وتطبيقات الهاتف المحمول … ونحن نقف كل يوم على منتج تعليمي تعلمي أساسه تسييل الأفكار بين المتعلمات والمتعلمين في المدارس، وبين الطالبات والطلبة في الجامعات ومراكز الأبحاث، يتم تقيمها من خلال الأنترنت ومواقع المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية. وما انتشار المعرفة الرقمية إلا نتاج مجموعة من المنتجات التعليمية الرقمية المبثوثة عبر الشبكة العنكبوتية.
ـ برامج التدريب الشخصية والدعم التربوي والمهني:
إن تسييل الأفكار في التدريس مهنة وعملية تعليمية تعلمية، يبني عند المتعلم/ة والممارس البيداغوجي خبرة بالمجال المعرفي والمنهجي والأداتي والإجرائي تحت تنوع الموارد المعرفية والخبراتية، بما يكون فوارق طبيعية بين المتعلمات والمتعلمين بمعطيات وعوامل متنوعة ليس المجال مجالها ذكرها والتفصيل فيها، وكذا فوارق بين الممارسين البيداغوجيين أنفسهم، بما يسمى في منحى من مناحي الممارسة المهنية ” معرفة التجربة ” وهي المعرفة المكتسبة شخصيا من قبل كل واحد منهم وخاصة بهم. ومنه؛ يمكن تقاسمها في شكل خدمات تدريب أو توجيهات شخصية للمتعلم/ة أو غيره من الزملاء والراغبين في الاستفادة منها مقابل رسوم معينة.
فنحن في المغرب نعيش زمن برامج التدريب الشخصية والدعم المهني والدعم التربوي عبر مراكز التدريب والدعم ومراكز ومكاتب المصاحبة من خلال المدرب “Coach” في المجالين التربوي التعليمي والمهني التكويني بالمقابل المالي، وهذه الظاهرة استفحلت مع ضعف المنظومة التربوية والتكوينية وناتجها التعليمي التعلمي ومردوديتها الداخلية والخارجية. وهنا يلعب أصحاب الخبرة والتجربة والمعرفة دورا رئيسا في تدبير هذه المراكز والمكاتب، بما يفيد قيمة المعرفة والخبرة والتجربة في حياة الفرد، التي تمكنه من الاندماج في المجتمع وصنع موقع له في عالم شديد التنوع والاختلاف والمنافسة. فيه فرصة عمل تعد ترفا اجتماعيا يحظى به الفرد.
ـ التكامل والتعاون والشراكة في المجال الصناعي:
في المجال الصناعي يعد تسييل الأفكار منبع الاختراعات والاستكشافات الجديدة، التي تعتمدها الصناعات في تطوير منتجاتها، وفي بعض الأحيان أو في الأغلب تنظم الشركات الصناعية التي تعتمد على تسييل الأفكار دورات تدريب أو إعادة تدوير المعرفة المهنية والأكاديمية للعمال والتقنيين وحتى الإداريين من أجل ربطهم بالجديد من جهة، ومن أجل تحسين كفاءة أدائهم المهني، فتلتمس ذلك في الممارس البيداغوجي المحنك الذي يشاركها ويشاطرها تطوير برامج التدريب والتكوين لديها، ويتم تعويضه عن خبراته وخدمته في مجاله. وكثيرا ما تستعين الشركات الصناعية بهيئة التكوين في معاهد ومراكز التكوين المهني، والمعاهد العليا للتكنولوجيا في إجراء هذا التطوير على برامجها التدريبية والتكوينية أو على منتجاتها ومصنوعاتها. فالمعرفة الآن أصبحت قوة اقتصادية هائلة أهم من الثروات المعدنية والموارد الأولية. فهناك مراكز للتكوين المهني ومكاتب دراسات تقدم خدماتها المعرفية بالمقابل المالي. وتبيع مشاريع اختراعاتها واستكشافاتها تحت براءة الاختراع للشركات لإنتاجها.
ـ ملكية فكرية:
تسييل الأفكار يسمح للممارس البيداغوجي تقديم طلب براءات اختراعاته أو حقوق النشر والطبع لما أنتجه بيداغوجيا من استراتيجيات وبرامج تدريس الفريدة أو تكوينية أو برامج للجودة أو التقنيات التعليمية المبتكرة والمخترعة أو مواد التعلم الأصلية … ومنه؛ يكسب إيرادات من حقوق الملكية الفكرية هذه المنتجات والمخترعات. وكم من كاتب روائي يعيش فقط من مدخول ملكيته الفكرية، التي تتسابق عليها دور النشر والطباعة والتوزيع في العالم خاصة إن كان مرموقا لا مغمورا. علما بأن هناك من يتقن فن إخراج المغمور إلى المرموق، بإنعاش منتجاته الفكرية الإبداعية بالدعاية والإشهار من خلال توظيف الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، وخلق هالة لأعماله وإن كانت هزيلة. هناك من يركبون على جهد المغمورين للاستثمار فيها بجني الأموال الطائلة. وهم ينتمون إلى عالم السمسرة الفكرية أكثر منه إلى عالم الفكر والتنوير وبناء الإنسان.
وفي إطار هذه السياقات؛ قبل تحويل الأفكار إلى العملية التعليمية التعلمية، لابد للمارس البيداغوجي وللمتعلم/ة من أن يتبع القوانين والأنظمة والقانون الداخلي للمؤسسة التعليمية بما يخصها حتى يلتزم تسييل الأفكار بقوانين الملكية الفكرية وحقوق النشر، وبأدبيات البحث العلمي والإنتاج الفكري وأخلاقياته. ويوصي خبراء التربية والتكوين في مجاله باستشارة السياسات المؤسسية، والتماس المشورة القانونية إذا لزم الأمر، وإبلاغ جميع الجهات والأطراف ذات الصلة بالموضوع لاتفاقها على منهج معين في تدبير سيولة الأفكار في الفعل التعليمي وسلامتها القانونية، لكيلا يتهم أحد بالسرقات الأدبية والسطو على مجهودات الآخرين ويتابع قضائيا.
ـ في كيفية سيولة وتدفق الأفكار في الدرس المدرسي:
تكوين وتقدير الممارس البيداغوجي المتعلم/ة على كيفية سيولة وتدفق الأفكار في الدرس المدرسي بشكل سلس وفعال ومترابط، أمر مطلوب وضروري ومستلزم، لتطوير مهارات التفكير وكفايات الاتصال والتواصل، ونسج العلاقات البينية الصحيحة. ولتنمية مهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي لديه عبر توظيف مجموعة من الاستراتيجيات منها مثالا لا حصرا:
ـ تخطيط وهيكلة الدرس المدرسي بوضوح:
التخطيط الجيد والمعقلن والمضبوط، وواضح المعالم ومنظم الأفكار، ومحدد المفاهيم الأساسية والثانوية. والمهندس مفصليا وتفصيليا، في مراحله وفقراته وزمانه، المضمن لكل تفاصيل متنه التعليمي منطقيا ومنهجيا، والتي يريد تغطيتها. المبتدئ بمدخل أو مقدمة مشوقة وجذابة ومحفزة للتعريف بالموضوع وأهميته، والمقسم إلى أقسام واضحة وجلية للمتعلم/ة، يقارب كل قسم منها مبحثا أو جانبا معينا من المتن التعليمي أو تيمة تعليمية معينة. والخاتم باستخلاص ملخص أو استنتاج عام يسجله المتعلم/ة في دفتر الدروس أو يخزنه في ذاكرة لوحه الرقمي. هو ـ أي التخطيط والهندسة التربوية للدرس المدرسي ـ الذي يساعد على سيولة وتدفق الأفكار عند المتعلم، ويغذي عقله بمزيد من منتجات تفكيره وإبداعاته وابتكاراته بمنهجيات واستراتيجيات مختلفة ومرنة. والدرس المخطط والمهندس يسهل مهام المتعلم/ة ويساعده على تفعيل مناشط تفكيره. فقد يوحي له مثلا بطرق جديدة في تناول الدرس ككل أو جزء منه أو مرحلة من مراحله …
ـ التنظيم المنطقي للأفكار:
إن تبيان تنظيم الأفكار منطقيا وموضوعيا للمتعلم/ة أثناء التعليم والتعلم من قبل الممارس البيداغوجي بتوظيف الترتيب أو الروابط والأسباب المنطقية والحجج الواقعية أو التاريخية أو بالروابط اللغوية الدالة على الترتيب والابتداء والتأخير أو على الاستنتاج بعد وضع المقدمات والانطلاق من البديهيات أو التجربة والاختبار والموصلات المنطقية أو غير ذلك؛ يساعد المتعلم/ة على تسييل الأفكار وتنظيمها والخلوص إلى جديدها. فتوظيف الممارس البيداغوجي مثلا: الموصلات المنطقية[6]، التي هي هياكل لغوية ترصف الأفكار بخيط ناظم عبر علاقات معينة فيما بينها، يتوصل من خلالها المتعلم/ة ضمن تفاعلية المثلث البيداغوجية بسيولة وتدفق الأفكار لأنها تجلي له أساسيات العلاقة المنطقية القائمة بين الفكرة الأولى والتي تليها، والتي تليهما في تسلسل منطقي يحكم بنيات الأفكار الكلية والعامة؛ ما يسهل على المتعلم/ة فهمها واستيعابها وتوظيفها، خاصة تلك الأفكار الجديدة التي يتغياها تسييل الأفكار. وبالمقابل تعزز وتمتن الموصلات المنطقية تماسك النصوص وانسجامه باستمرار تطور مفاهيمها ومعارفها، من حيث انبثاق الأفكار الجديدة من الأفكار السابقة عليها، التي تشكل قاعدة الانطلاق في التفكير والتحليل والاستكشاف والاستنتاج في سيرورة مستمرة دائمة. وهو ما يؤدي إلى تسييل الأفكار عند المتعلم. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه عند توظيف الممارس البيداغوجي الروابط المنطقية عليه أن يجيد استخدامها بشكل سليم، لكي تستقيم سيولة وتدفق الأفكار وبناها، وتوالدها بدون خلل يحورها أو يصرفها عن المعنى الأصلي المراد. فسلامة توظيف الموصلات المنطقية ذات أهمية عظمى في بناء الأفكار والنصوص وغيرها؛ حيث عند أي خطإ في التوظيف أو خلل صغير أو بسيط، يتغير المعنى الكامل للنص. ولتحقيق سلامة التوظيف والتحقق منها؛ هناك طرق للتأكد من استخدام الرابط الأنسب والأسلم في كل حالة، كاستبدال الموصلة الموظفة بأخرى من نفس الفئة، والاطلاع على استقرار معنى الجملة أو الفكرة ومدى الاحتفاظ على نفس الدلالة؛ فإن ضاع أو عدل أو تغير المعنى أو الفكرة، نستنتج أن الموصلة المستخدمة في البداية لم تكن مناسبة ولا منسجمة مع بنية الفكرة أو نصها، وبالتالي يطلب تغييرها واستبدالها بالتي هي أنسب.
ـ التسلسل اللولبي للأفكار:
من شأن تقديم الممارس البيداغوجي في درسه المدرسي منهجية تحديد أفكار المتعلم/ة، وترتيبها حسب الأولويات باستخدام العناوين الرئيسة والثانوية والفرعية والنقاط؛ يسهل فهم واستيعاب المتعلم/ة الأفكار والتمييز بينها حسب الأولوية، مما يسمح بتطور المفاهيم، وتوارد الأفكار وتجددها. وهنا تظهر لولبة الأفكار مقابل تركيمها وترصيدها عند المتعلم، ما يشكل قاعدة أساسية من المعطيات والمعارف والنظريات والسياقات بجانب المنهجيات والطرق والاستراتيجيات والتقنيات التي يوظفها المتعلم/ة في خلق الأفكار وتواردها عليه، خاصة إن سبر غور التفكير العميق والتأمل والتبصر في مجالات التفكير ومشاكلها وإشكالياتها وقضاياها. وللحقيقة أن لولبية المعرفة من جهة، وامتلاك أنماط التفكير من جهة أخرى تساهمان في خلق زوبعة ذهنية لدى المتعلم كلما طرحت عليه مشكلة أو إشكالية أو قضية تتطلب حلا. ما تتوارد عليه مجموعة من الأفكار تقليدية وأخرى جديدة ومبتكرة، فيغربلها ليبقي على الجديد القابل للتطبيق.
ـ استخدام الأمثلة والقياسات:
من شأن تقديم الممارس البيداغوجي الأمثلة الملموسة والمحسوسة وضرب القياسات والتشبيهات للمتعلم/ة توضح الأفكار المجردة، وتجليها عنده بوضوح، سواء في شكلها المصورن أو شكلها المحسوس، مما يجعل معه المفاهيم والأفكار أكثر ضبطا وتحكما، وذات واقعية عنده ـ أي المتعلم/ة ـ، ومفهومة في التعلم والتطبيق، فيسهل تخزينها وحفظها واستثمارها في تسييل الأفكار، حين يقف أمام مشكل ما، أو وضعية مشكلة يتعلم منها كيفية تسييل أفكاره حين مقاربته للمتن التعليمي. فكم من مشكل وجد حله من خلال قياسه على غيره تشابها لا تطابقا. وهذه الأمثلة والقياسات تؤدي إلى فهم المتن التعليمي، ووضوحه وترسيخه، وتطبيق نتائجه عمليا مع تمكين المتعلم/ة من امتلاك مجموعة متنوعة من التعلم، ومن التقويم والمتابعة والتعليق والاستدراك … وتنشئ بيئة تعليمية تعلمية محفزة للمتعلم/ة وفعالة، تعمل على إجراء اتصالات ملموسة بالمفاهيم، بينما توفر القياسات طريقة موضوعية لتتبع التقدم وتحفيز مشاركة المتعلم/ة في التعلم الخاص به.
ـ التكرار والتعزيز:
أكدت الدراسات والبحوث التربوية التي أجريت على تقنيتي التكرار والتعزيز، أن دورهما في توضيح المفاهيم والأفكار والمعطيات والمسلكيات مهم جدا، وعلى تعزيز الرئيسية منها بشكل واضح، من حيث يديم التكرار والتعزيز فهم المتعلم/ة واستيعابه وحفظه فضلا عن ترسيخه في التجربة الفردية للمتعلم/ة. وهو من مداخل تسييل الأفكار بتكرارها وتعزيزها، ما يخلق الجديد منها. فعلى الممارس البيداغوجي تعليم المتعلم/ة كيف يستثمر في التكرار والتعزيز ليوسع قاعدة معماره الفكري الوظيفية المولدة للأفكار الجديدة والمشيدة على قديمها، المخزنة في الذاكرة والتجربة والخبرة والمعرفة. وعليه أن يطالبه بتلخيص ما تم تقديمه وتغطيته من المتن التعليمي والأفكار في نهاية الدرس المدرسي، بتحديد النقاط الرئيسية وتجميع الأفكار التي تمت مناقشتها وتداولها دوريا وبتردد معين، حسب مراحل الدراسة وزمنية هندستها؛ ليعزز فهم المادة الدراسية. المنشئ الحقيقي لسيولة وتدفق الأفكار.
ـ التفاعل والمناقشات:
تلعب المناقشات والتفاعل البيني بين مجموعة القسم دورا محوريا في تبادل الأفكار ومناقشتها وتطويرها وتصحيحها، وتركيزها وتبنيها، بحيث تعد مساحة تخليق الأفكار، وتشجع على التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، فضلا عن التفكير الموضوعي والمنطقي وحتى التفكير العاطفي الذي يمنح المتعلم/ة شجاعة المشاركة بحماس وإبداء رأيه وإظهار أفكاره والدفاع عنها، وتعديلها كلما تبين له خطؤها. فعلى الممارس البيداغوجي أن يدرج كفاية المناقشة في درسه المدرسي ويعمل على تفعيلها بين جماعة القسم ويغطيها بتفاعل المتعلمات والمتعلمين؛ لأن المناقشة تؤدي الى الاستجابة لأفكار الآخرين، وتحفز المتعلم/ة على التعلم التعاوني والاطلاع على آراء وأفكار الآخرين ووجهات نظرهم المختلفة، والقبول بالرأي الآخر في إطار القبول بالاختلاف والتنوع في الأفكار وفق تنوع المراجع والمصادر والكفايات التي يعتمدها المتعلم/ة في المناقشة، وحسب مكتسباته وثقافته وطريقة تفكيره. فالممارس البيداغوجي معني بتقديم وجهات نظر مختلفة بخصوص تيمته التعليمية التعلمية، التي خاضت فيها العقول المختلفة بزوايا رؤية ونظر متنوعة. ما يساعد المتعلم/ة على تعرف وجهات نظر مختلفة في ذات الموضوع، ويعمل على تطوير تفكيره النقدي بمناقشة مجموع الأفكار الواردة في الموضوع، ويملكه الانفتاح على آراء الآخرين، وإقناعه بضرورة الاختلاف لأجل التطور الإنساني والكوني. فلولا الاختلاف والتنوع والمناقشة والحوار لما تقدمت المعرفة في مجالاتها. ولانسد أفق المتعلم/ة وطموحاته ومنتظراته.
ـ استخدام المعينات السمعية والبصرية:
يؤدي توظيف المعينات السمعية والبصرية دورا في توليد الأفكار وتحسين التفكير، من حيث تحفز المتعلم/ة على الإبداع. فالوسائل السمعية والمرئية، من قبيل مثل الصور والرسوم البيانية وخرائط المفاهيم أو حتى مقاطع الفيديو أو الأفلام الوثائقية … توفر معلومات سمعية ومرئية للمتعلم/ة، تلهمه الأفكار الجديدة أو الاستعارات أو القياسات أو مفاهيم مبتكرة ترتكز على عناصر سمعية ومرئية فيزيقية ملموسة، وعلى روابط معينة ضمن إطار من الفهم والوضوح. يمكن للمساعدات السمعية والبصرية تبسيط المفاهيم المعقدة من خلال تسهيل الوصول إليها. ومن خلال تمثيل المعلومات بشكل سمعي أو مرئي أو هما معا، يمكنك فهم العلاقات بين العناصر المختلفة بشكل أفضل، مما قد يؤدي إلى أفكار أوضح وفهم شامل أفضل. فهي في الجانب المعرفي تكسب المتعلم/ة المفاهيم، والحقائق، والمبادئ، والقوانين، والنظريات في زمن أقل من زمن الطريقة التلقينية. وتساهم في فهما واستيعابها عبر توضيح وتجلية معاني الكلمات المجردة إن تعالقت مع المحسوس؛ فالألفاظ ترمز إلى الخبرات المختلفة وإلى الأشياء والذوات الفيزيقية كذلك، فهي دون ذلك لا تدل على شيء، ولا تفيد معنى، فهي جوفاء مالم ترتبط بخبرة أو تجربة أو معرفة مباشرة، أو ترتبط بخبرة أو تجربة أو معرفة بديلة أو بالشيء ذاته. فمثلا: في الطريقة التلقينية يتفتح عقل المتعلم/ة على الخيال بشكل كبير، وعلى عدة احتمالات عند تدريسه الحيتان الكبيرة كالقرش، فتصوره للحوت قد يدخل شكلا مخالفا لشكله. بينما عند تقديم شريط وثائقي عن القرش وهو يسبح في مياه المحيطات، وعن تفاصيل حياته في البحر، أو تقديم صورة فتوغرافية له على الأقل؛ يكون هناك اختلاف في فهم الموضوع بين من شاهد الشريط ومن لم يشاهده ولقن فقط عن الموضوع. ولعل تجربة بسيطة يمكن إجراؤها في الحجرة الدراسية مع المتعلمين عبر مجموعتين ضابطة وتجريبية. تلقن الأولى عن القرش وتشاهد الثانية القريش. ثم في التقويم الاختباري نقدم مجموعة من الحيتان والأسماك للمجموعتين، ونطالبهما بتحديد وتعيين وفرز القرش عن باقي المخلوقات المقدمة لهما. ونحلل النتائج، فسنجد هناك اختلافا لصالح المجموعة الضابطة.
وهي في الجانب الحس حركي مهمة جدا؛ وهو الجانب الذي يرتبط عضويا بكفاية الفعل، والأداء الفعلي لمهمة أو مطلوب ما بسرعة وإتقان، ناتج عن المران والتطبيق والتدريب والممارسة المستمر للكفاية. فهذه الكفاية لا تكتسب فقط بالمعرفة وإنما بالاشتغال العملي؛ فلا يمكن للمتعلم/ة أن يتقن مثلا كفايات: الكتابة أو الرسم أو الغطس أو استعمال جهاز أو أداة معينة بمجرد قراءة كراس أو كتاب أو سماع شريط عنها؛ وإنما عبر خلفية معرفية وأرضية عملية ينخرط المتعلم/ة فيها بالممارسة المتكررة الموجهة من أستاذ خبير أو مدعمة بعرض تطبيقي وعملي من قبل خبير في مجاله، إلى أن يتقن الكفاية والاشتغال عليها وبها، فيكتسبها. فالمعينات السمعية والبصرية لا يستغنى عنها في تعليم وتعلم كفايات الفعل، الحاضرة في ابتكار الأفكار وتجددها.
وأما في الجانب الوجداني والانفعالي الذي يتعلق بمجموع توجهات المتعلم/ة وميولاته وتقديراته وعواطفه تجاه الآخر والأشياء والأفكار والقيم ومواقفه المختلفة نحوها، ونظرته لذاته وتقديرها، وارتباطاته الاجتماعية وعلاقاته البينية، ودوافعه الطبعية والتطبعية وسلوكه … فإن المعينات السمعية والبصرية وغيرها من الوسائل التعليمية، تلعب دورا مهما في تحقيق هذا الجانب. فالمتعلم/ة يتأثر بهذه المعينات وجدانيا وانفعاليا؛ من حيث تظهر عليه مثلا انفعالات الغضب أو السرور والفرح أو الخوف أو التوتر عند مشاهدته شريطا سينمائيا أو وثائقيا في موضوع ما، الأمر الذي يدفعه إلى هذه الانفعالات، وإلى تغيير تقديراته أو وجهات نظره أو أفكاره أو سلوكه، أو تعديلها وفقا للمكتسب الجديد الذي جاءت به هذه الوسائل التعليمية. فتتولد لديه الأفكار الجديدة ويسيلها في تفكيره وانشغاله التعلمي.
كما تساعده هذه المعينات على تذكر المعلومات وإدراكها وزيادة دافعيته نحو التعلم وتنمي ثروته اللغوية والمعلوماتية وتشبع خبرته وتجربته بمكتسبات الآخرين وتهجنها. وتزيده ثقة بنفسه وكفاءاته وكفاياته … وهذا يسيل الأفكار لديه بشكل كبير لأنها مصدر معرفة وخبرة وتجربة واسع بما تراكم في إنائه من خبرة وتجربة ومعرفة إنسانية.
هذا؛ وهذه الإطلالة وردت في سياق كون بعض الممارسين البيداغوجيين يذهبون نحو الطريقة التلقينية لسهولتها دون اهتمامهم بتطعيم دروسهم المدرسية بالوسائل التعليمية التي تبقى مخزنة في مخازن المؤسسات أو مكتباتها أو قاعات الوسائل التكنولوجية يعلوها الغبار، فكان ضروريا من تحفيزهم على تجديد درسهم المدرسي ونقل من التلقين إلى الوسائل التعليمية المختلفة خاصة منها الرقمية لعظم فائدتها وعائدها على التعليم والتعلم.
كما في سياق كيفية سيولة وتدفق الأفكار في الدرس المدرسي نجد المنظور والاستكشاف، والتنظيم والهيكلة، وتحسين وتجويد الذاكرة، والتواصل والمشاركة، والتفكير النقدي والابداعي، وتدوين الملاحظات والمشاهدات، والسرد والحكي والقص، وتقبل ردود الأفعال البناءة والتفاعل معها إيجابا، معالجة ردود الأفعال السلبية وتحويلها على فرص … التي من شأنها مساعدة المتعلم/ة على فهم الأفكار واستيعابها وتدفقها في الدرس بشكل أفضل وناجع.
ـ في بعض الاستراتيجيات والتقنيات الموظفة في تطوير سيولة الأفكار:
هناك العديد من الاستراتيجيات والتقنيات توظف في تسييل الأفكار من بينها:
* فيليبس Philips 6 × 6:
وهي تقنية تعتمد في مناقشة وطرح المواضيع وإنتاج العديد من الأفكار والآراء حولها، وذلك عبر الخطوات التالية التي يقوم بها الممارس البيداغوجي، ويمارسها المتعلم/ة:
يوزع الممارس البيداغوجي مجموعة القسم إلى مجموعات تضم كل واحدة منها 6 متعلمات ومتعلمين للتداول حول موضوع معين ومناقشته لمدة 6 دقائق، بمعدل دقيقة لكل عضو؛ ينتج خلالها أكبر قدر من الأفكار، من حيث تختار كل مجموعة منشطا ومقررا لها، وناطقا باسمها. يحاور كل واحد خلال دقيقته حول الموضوع وما أنتجه، مدونا كل ذلك في تقارير التي يناقشها أعضاء المجموعة منتجين تقريرا واحد يعرض على جماعة القسم للمناقشة والتداول والاستثمار ضمن مجموع التقارير المنتجة. وبهذه التقنية ينتج المتعلم/ة مجموعة من الأفكار جديدة ومبتكرة في وقت وجيز.
* لعب الأدوار:
لن تكون هذه التقنية مجرد تطبيق للحياة واقعيا، والمواقف الواقعية المعيشة، والعمل على تمثيلها وتجسيدها داخل مشاهد معينة فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى طرح مشكلة معينة لاستكشاف حلولها وإنتاج الأفكار حولها ووجهات النظر مختلفة كذلك، وتحليلها وإنتاج نص أو نصوص للعب الأدوار فيها وتمثيلها. فكثيرا ما ينتج لعب الأدوار أفكارا ونصوصا من خارج النص، ويغني ويثري النص الأصلي، وهذا ما يسمح للمتعلم/ة بالخروج من أنماط التفكير المعتادة لديه.
*الزوبعة الذهنية أو العصف الذهني:
تشرك هذه التقنية أكبر عدد من المتعلمين إن لم نقل كلهم في المناقشة لإنتاج واقتراح أفكار مبتكرة وجديدة بشكل جماعي، أو لإيجاد حلول لمواقف أو وضعيات مشكلة؛ بعدما يعرض الممارس البيداغوجي الموضوع أو الموقف أو المشكلة أمام جماعة القسم، وتوضيحه وتحديد عناصره. حيث يدلي كل متعلم/ة بأفكاره وآرائه ورؤاه واقتراحاته دون أي حكم قيمة عليها أو نقدها إلى أن يتم الاستماع لكل المساهمات ومناقشتها وتحليلها منطقيا وموضوعيا وعلميا. وعدم الحكم بقول الممارس البيداغوجي للمتعلم/ة ” لا تحكم ” أو ” أجل الحكم ” على أفكار زميلتك أو زميلك، يفسح لكل متدخل المساهمة في الموضوع دون تسفيه رأيه مع إحساسه بقيمة أفكاره، وتأجيل الحكم يعبر عن موقف متقدم منفتح على قبول الأفكار. ويبقي الممارس البيداغوجي على تدفق وسيولة الأفكار والتعبير عنها دون إيقافها أو حصر التعبير عنها من قبل المتعلم/ة، بل يعمل على إغناء النقاش حولها، وإثرائها بالجديد من الأفكار والتوجيهات المساعدة على توليدها، وعلى تجميعها وتدوينها، وتحليلها للخلوص إلى استنتاجات وقوانين وقواعد قابلة للاستثمار. ومنه؛ تتيح هذه التقنية إمكانية توليد عدد كبير من الأفكار بسرعة دون انتقادها في البداية. والهدف هو خلق جو يفضي إلى ظهور أفكار جديدة ومبتكرة، حين يشجع الممارس البيداغوجي بيئة منفتحة محتضنة للرأي والرأي الآخر، عبر توفير مناخ دراسي ملائم ومريح للمتعلم/ة، يتيح له التعبير عن أفكاره بحرية ودون خوف من الحكم، ويقدر تنوع الآراء ووجهات النظر ويشجع الاحترام المتبادل بين المتعلمات والمتعلمين.
*خطط عامة للاستنباط والتركيز على الخيارات:
وهي تقنية تساعد على التفكير خاصة التفكير الناقد والتفكير الإبداعي باعتماد خطوط أربعة إرشادية لاستنباط الخيارات وأخرى للتركيز على الخيارات وهي:
أ ـ خطوط إرشادية لاستنباط الخيارات، وهي:
ـ خط الإرشاد الأول: ” لا تحكم ” أو ” أجل الحكم “؛ لتشجيع المشاركة والمساهمة بالأفكار ولو كانت أفكار مجنونة، ولتقبل الأفكار على اختلافها وتنوعها …
ـ خط الإرشاد الثاني: ” الكثير من الخيارات ” أو ” البحث عن الكمية “؛ للتفكير بالكثير من الأفكار والآراء والرؤى، لأن الكثرة تؤدي إلى الخيارات الكثيرة وإلى البحث عن الأفضل …
ـ خط الإرشاد الثالث: ” حرية الانطلاق “؛ وتعني القبول بالأفكار الجامحة والبعيدة والمجنونة والمضحكة والسخيفة في رأي بعض الناس. لأنها تكشف عن المدى المتسع للأفكار ورحابتها …
ـ خط الإرشاد الرابع: ” البحث عن المجاميع ” (ويدعى هذا عادة لعبة ” امتطاء الظهر ” أو ” بناء فكرة على أخرى ” فعند استخدام أي أدوات لاستنباط خيارات، فإنه من المفيد البحث عن طرق لجمع فكرة معينة مع أفكار أخرى لمساعدتنا في الإتيان بإمكانات جديدة. يقول الناس في العادة ” إن شيئا ما يقود إلى شيء آخر ” فهذا الخط الإرشادي يذكرنا بأن نحاول في فكرة واحدة لكي تقودنا إلى فكرة أخرى)[7] …
ب ـ خطوط إرشادية للتركيز على الخيارات، وهي:
ـ خط الإرشاد الأول: ” الحكم الإيجابي ” و(يعني اختبار الخيارات من موقف إيجابي وبطريقة متوازنة، باحثين عن كلا الإيجابيات ” نقاط القوة والطرق التي تجعل الفكرة جيدة ” والسلبيات ” نقاط الضعف أو محددات الفكرة “. وأن تكون إيجابيا وبناء في الحكم على الخيارات، يعني أن تبدأ بتحديد ما هو جيد بخصوصها والتعبير عن اهتماماتك بطريقة إيجابية. فبدلا من أن تقول: إن ذلك مكلف جدا، أو: ليس لدينا نقود، حاول أن تسأل: كيف نستطيع تغطية ذلك؟ فالحكم الإيجابي يعني عدم استخدام ” التعبيرات القاتلة ” مثل: إن ذلك لن ينجح، لا جدوى من ذلك. فهذه التعبيرات توقف المناقشة وتتعارض مع التفكير المبدع والناقد)[8].
ـ خط الإرشاد الثاني: ” استخدم عقلك ” أو ” كن متفحصا “؛ ويعني هذا أن تفكر بعناية ضمن خطة معينة، من حيث (النظر إلى المعلومات والإمكانات بعناية قبل اتخاذ القرارات أو الأفعال. وفي أي من هذه المواقف، فإن من المفيد القيام ببعض التفكير المدروس والدقيق مسبقا، وبذلك قد نمنع المعضلة قبل وقوعها. فالتفكير الناقد يساعدنا في أن نبقى بعيدين عن المواقف الصعبة التي ربما نقع فيها لولا ذلك)[9].
ـ خط الإرشاد الثالث: ” ابحث عن أفكار جديدة “؛ حيث يتم البحث عن الأفكار الجديدة من بين الخيارات المستنبطة. ذلك أن المتعلمات والمتعلمين يراجعون (كافة الخيارات التي استنبطت. فإنهم بحاجة للبحث عن تلك الأفكار الجديدة والمثيرة، إنهم بحاجة أن يبحثوا عن كثب خيارات وإمكانات جديدة)[10].
ـ خط الإرشاد الرابع: ” ابق على المسار ” أو ” انظر إلى أين أنت ذاهب؟ “؛ حيث يبقى المتعلم/ة على المسار الذي يسير تحت سقفه وبين ضفتيه، حتى لا يخرج عن الموضوع أو يفقد البوصلة أو لا يحقق الهدف. فهو يوجب اليقظة في المسير. وإلا في حالة الخروج عن المسار يجب التصحيح والتعديل والملاءمة بسرعة ودقة للعودة إلى المسار. كمن تجنح به السيارة عن الطريق، فيكون فطنا ويقظا يرجعها إلى الطريق بسرعة ودقة حتى تعود بسلامة ويدرئ المخاطر عنه وعن السيارة.
وتبعا للخطط العامة للاستنباط والتركيز على الخيارات؛ نجد عدة أدوات وآليات لتحليل وتنقية وتطوير الأفكار والخيارات منها مثالا: أداة ” ALoU ” أو ” م م ت م ” التي تعني: ” المزايا، المحددات، التغلب على المحددات، الملامح الفريدة “. وأداة التركيز على الخيارات ” ت ث م ” التحليل الثنائي المقارن، والتفكر التأملي من أجل التفكر …
*طرح الأسئلة المفتوحة: (التساؤل يساعد التلميذ على جمع البيانات، ومعالجتها بحيث يكسبها معنى، ويتبين ما بينها من علاقات ثم يستخدم هذه العلاقات في مواقف جديدة ومختلفة)[11]؛ فطرح أسئلة مفتوحة تستوجب إجابات مفكر فيها ومدروسة، غير تلك الأسئلة المغلقة التي يجيب عنها المتعلم/ة من داخل النص وبدون تفكير أو بكل بساطة بـ “نعم” أو “لا”. فالأسئلة المفتوحة إذن تشجع المتعلم/ة على توسيع أفكاره وإغنائها وشرح أفكاره بالتفصيل، لأن الإجابة عنها تتطلب التفكير العميق ومن خارج النص أو من أعماقه ومستوراته السيميولوجية ومكنوناته الضمنية أو من كنايته ومجازه. فــ (منذ بداية خبرة الطفل بالمدرسة يتعلم أن يستمع ويستجيب لما يقوله المعلم. ويتأثر سلوك الأطفال بما يتضمنه حديث المعلم وتساؤلاته من إشارات ضمنية من هذه الإشارات الضمنية مستوى التفكير، فإن كانت تساؤلات المعلم أو أسلوبه في العرض يتضمن دعوة للتفكير التباعدي [الذي هو بكل بساطة التفكير في حل مشكلة عبر طرح عدة حلول متعددة التوجهات والاتجاهات من ذات المصدر دون الاقتصار على حل واحد. بالبحث عن إجابات صحيحة متنوعة خارجة عن العادة والمألوف؛ بمعنى مبتكرة وجديدة][12]* تكون إجابات التلميذ ذات مضمون تباعدي عند مقارنتها بإجابات تلاميذ يستخدم مدرسوهم أسلوب التقرير والتذكر، وحيث يتضمن حديث المعلم صيغا تعبر عن العمليات المعرفية العليا يكون أداء التلاميذ على اختبارات التفكير الناقد أعلى)[13].
فطرح الأسئلة بصفة عامة والأسئلة المفتوحة أداة رئيسة لخلق التفاعل البيني بين الممارس البيداغوجي والمتعلمات والمتعلمين، وفيما بين هؤلاء ضمن إطار جماعة القسم والفعل التعليمي التعلمي. فهي تثير انتباه المتعلم/ة إلى موضوع الدرس، وتدربه على ممارسة التفكير فعليا، وتقيس مدى ودرجة فهمه للتعلمات والأنشطة والموارد، وتحدد نقاط القوة والضعف في الدرس وعند المتعلم/ة من خلال التقويم، وكذا تعرف حاجات المتعلم/ة والتحديات التي اعترضته واحتمالات تجاوزها تعليما وتعلما. ومنه تعتبر الأسئلة خاصة منها الأسئلة التي تفتح التفكير عند المتعلم/ة، فالأسئلة الحالية في أغلب الدروس المدرسية تزود المتعلم/ة بالمعلومات والمعارف والموارد التعليمة المقررة قي المناهج الدراسية، دون الذهاب في الغالب إلى الأسئلة المحفزة للتفكير. وعليه؛ على الممارس البيداغوجي إثارة الأسئلة التعليمية التعلمة المتعلقة بالقدرات العليا للتفكر من التحليل والتركب والتقويم والابتكار لتجود أداء المتعلم/ة في عملية التعلم. وهذه الأسئلة تقود إلى ابتكار وإبداع الأفكار وتسييلها في الفعل التعليمي التعلمي.
هذا؛ ونسجل أن هناك العديد من الاستراتيجيات والتقنيات الموظفة في تطوير سيولة الأفكار تطول الورقة بذكرها وتفاصيلها. لذا؛ ففي ما ذكر الاستئناس، ومحل التأمل، ودعوة للتفعيل.
ـ في بعض المحطات المنهجية الأدائية لتطوير سيولة الأفكار:
*محطة المقارنة والتشابه: إجراء المقارنة مشابهة أو مخالفة تساعد في خلق أفكار جديدة من الأفكار والمفاهيم المتشابهة أو المختلفة. فمثلا: علاقة هشاشة التربة بانزلاقات الطرق المعبدة، تخلق مشكلة تستوجب إجاد حلول مبتكرة غير اعتيادية لعدم انزلاقها مرة أخرى، وحفاظا على المال العام؛ إن وجد حل دائم ونهائي للمشكلة. فمقارنة فكرة ما بأخرى تبين مدى جدتها أو قدمها، وتعطي مؤشرات على عائدها في حالة كانت تقليدية مجربة. وفي هذه المحطة تسيل الأفكار في الفعل التعليمي التعلمي.
*محطة التعامل مع المشكلة بشكل غير مباشر: في بعض الأوقات، يتطلب حل مشكلة أو مقاربة موضوع ما تعاملا وتعاطيا غر مباشر، لأن الحل المباشر قد يعقده أو يخلق مشاكل أخرى أو يكون أمرا صعبا. ومنه؛ يمكن تسييل الأفكار أن يشجع التعامل مع المشكلة بشكل جانبي، والبحث عن حلول غير متوقعة ومبتكرة. فمثلا: يمكن لنا أن تكون لدينا علاقة بنية بين اثنين متشنجة جدا ومشحونة بصواعق عدة، قابلة للانفجار في أية لحظة بالتدخل المباشر فيها. فتكون مقاربتها مثلا بالقضاء أو الحكماء أنجع وأنجح من التدخل الشخصي فيها.
*المقارنات الشخصية: يتقاسم أعضاء جماعة القسم معارف التجربة، أو تجاربهم وخبراتهم الشخصية، أو ذكرياتهم، أو طموحاتهم، أو آراءهم من خلال وصلها بالمشكلة المطروحة والمراد حلها. ما يخلق تفاعلات بين تلك المعارف والتجارب، ويثير ارتباطات وأفكار غير متوقعة، ومبتكرة ومولدة وجديدة قابلة لحل المشكلة.
*محطة التجزئة: يمكن تقسيم المشكلة إلى شظايا وأجزاء صغيرة، والبحث في حلولها الجزئية، أن يولد أفكار جديدة ويسيلها في عملية تجميعها لتشكيل حل شامل للمشكلة. فالتجزئة تسمح بتوارد الأفكار وسيولتها أثناء التفكر فيها، وهذا يغني ويثري حصلة الأفكار وتراكمها وترصيدها.
*محطة تشجيع التنوع: أو ما يعرف بالمقاربة متعددة التخصصات، من حيث الجمع بين الأشخاص من خلفيات متنوعة، وبمهارات وكفايات وقدرات وتجارب وخبرات مختلفة ومتنوعة، يمكنها إغناء عملية التفكير المؤدي إلى المزيد من الأفكار المبتكرة، وتسييلها ف الفعل التعليمي التعلمي.
*محطة توظيف السيميولوجيا: يمكن للسيمولوجيا أن يساهم في الوقوف على الاستعارات أو الكنايات أو الصور لوصف مشكلة ما أثناء استكشافها من زاوية جديدة أو من منظور آخر. فالسيميولوجيا من شأنها توليد أفكار جديدة لأنها تتعاطى مع الجوانب الرمزية من المشكل أو الموضوع.
*محطة رسم المخططات أو الرسوم بيانية: يمكن للمخططات والرسومات البيانية مساعدة المتعلم/ة على تصور المشكلة وفهمها واستيعابها بشكل أكثر وضوحا وشفافية، وتحديد الحلول المحتملة من خلال توليد الأفكار وتسييلها أثناء التعليم والتعلم.
*محطة عدم النقد أو تأجيله: لقد مر معنا قيمة عدم النقد أو تأجيله، بمعنى عدم الحكم أو تأجيله في المرحلة الأولى من مقاربة المشكلة أو الموضوع موضوع الدراسة؛ للسماح للأفكار بالتدفق بحرية وسلالة وتفعيلها في حل المشكلة أو دراسة الموضوع.
عبر هذه المحطات وغيرها كثيرة، يمكن للمتعلم/ة تحسين سيولة أفكاره ورؤاه وآرائه، وتشجيع إبداعه وابتكاره في مواجهة المشكلات والقضايا والمواضيع من زوايا ومنظورات مبتكرة جديدة. فتسييل الأفكار من خلالها مفيد في تحفيز وتحميس جماعة القسم نحو الإبداع الجماعي وتوليد حلول جديدة ومبتكرة وسيولتها عند المتعلم/ة أثناء تعلمه.
ـ سيرا في سياق الختم:
تسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية فعل يتكئ على تعليم مهارات التفكير المتنوع، وتمليك المتعلم/ة كفاية التفكير من خلال بناء عدة موارد وتعلمات عنده. وتأسيس منظومة علامات الاستفهام لديه لمقاربة كل ما يرد عليه من المعرفة والمواقف وقيم وسلوك وأفكار ومفاهيم وقوانين ومبادئ … وغيرها؛ لمساءلتها سؤالا نقديا متفحصا مولدا أفكارا ورؤى وتوجهات جديدة ومبتكرة، تساهم في حل المشكلات والقضايا الإشكالية، وتصحيح المغالطات والتحيزات التي تقع في سياق التعامل مع الأخر المتحرك أو الآخر الجامد.
فهذا الفعل من حيث هيكلته المعرفية والمنهجية، وتصريفه العملي والإجرائي في الفعل التعليمي التعلمي، يعد جديدا بشكل ما عن الممارسة الصفية في المؤسسة التعليمية من حيث علمنته والتدريب عليه مهنيا. ولكنه قديم يمارسه الفعل التعليمي منذ زمن قديم، ويتضح بشكل بارز وواضح في مادة التعبير الشفهي والكتابي فضلا عن باقي المواد الدراسية. لذا؛ تشكل هذه الورقة حافزا للممارس البيداغوجي بصفة خاصة على مقاربته من منطلق التحسيس بالموضوع، والدعوة إلى إغناء وإثراء تجربته بالجديد من الثقافة التربوية والبيداغوجية التي لها مفعول مؤثر على ناتج التعلم.
فتسييل الأفكار في العملية التعليمية التعلمية يغطي مبحثا كاملا من خلال الاستراتيجيات التعليمية، وتعليم أنماط التفكير خاصة التفكير التباعدي والناقد والإبداعي. كما يجد موضعا متقدما في المؤسسات الصناعية والإنتاجية، وكذا في المجال التكنولوجي والرقمي والافتراضي، وفي مراكز البحوث ومكاتب الدراسات التي تقوم تسييل الأفكار في تميزها وتنافسها. وعليه؛ أتمنى أن أجد لهذا المبحث مكانا في مناهج وبرامج التكوين المهني للممارس البيداغوجي وموقعا عمليا وإجرائيا في العملية التعليمية التعلمية معلن ومسيج بالقوانين والتشريعات والتوجيهات والإرشادات الرسمية.
المراجع:
*العربية:
ـ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، د.ت، د.ط.
ـ ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي/مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، 1417/1997، ج6.
ـ جبران مسعود، الرائد، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1981، ط4، ج1.
ـ دونالد ج. ترفنجر وكارول ناسات، أسس التفكير وأدواته، تر.: منير الحوراني، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة، 2002، ط1.
ـ د. صفاء يوسف الأعسر، تعليم من أجل التفكير، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1998.
*الأجنبية:
_ Le petit Larousse illustré, Larousse, Paris, France, 2014.
هوامش
[1]∙ باحث في علوم التربية
[2] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، د.ت، د.ط، ج3، ص.:410.
[3] ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي/مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، 1417/1997، ج6، صص.: 457 ـ 458.
[4] جبران مسعود، الرائد، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1981، ط4، ج1، ص.: 853.
[5] Le petit Larousse illustré, Larousse, Paris, France, 2014, pp. :504-505.
[6] ليس المجال للتفصيل فيها، وإنما تنظر في كتب الاختصاص لمن أراد التوسع.
[7] دونالد ج. ترفنجر وكارول ناسات، أسس التفكير وأدواته، تر.: منير الحوراني، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة، 2002، ط1، ص.:51. وكذلك للاطلاع على تفاصيل هذه الخطط والاشتغال بها في نفس المرجع: صص.:45 ـ 58.
[8] نفسه، صص.:52 ـ 53.
[9] نفسه، صص. :53 ـ 54.
[10] نفسه، ص.:55.
[11] د. صفاء يوسف الأعسر، تعليم من أجل التفكير، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1998، ص.:15.
[12]* ما بين المجال الرياضياتي المغلق هو إضافة من الورقة.
[13] د. صفاء يوسف الأعسر، تعليم من أجل التفكير، مرجع سابق، ص.:17.