الأسباب الأربعة لانهزام الأمة الخائن والخائف والمتخلف والمخالف في ذكرى غزوة أحد |سلسلة خطبة الجمعة
الشيخ عبد الله بنطاهر التناني
الأسباب الأربعة لانهزام الأمة الخائن والخائف والمتخلف والمخالف في ذكرى غزوة أحد
سلسلة خطبة الجمعة
للشيخ عبد الله بنطاهر التناني
الحمد لله الذي بين لنا بغزوة “أحد” الخائن المتخوف، وفضح بها المنافق المرجف، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الهزيمة من أخلاق الفارِّ المتخلف، كما جعل الانتصار من خَلَاق و(نصيب) المجاهد المتعفف، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي انهزم مَنْ لأوامره رافض ومخالف، وعن تعاليم شرعه منشق ومنحرف، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حاربوا كل كافر مسرف، وعلى التابعين لهم بإحسان من كل صادق لم يخالف.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
إن السيرة النبوية هي مصدر قدوتنا في السـراء والضـراء، فهي شرع وشريعة؛ لأنهﷺ المثل الأعلى والقدوة الحسنة في كل شيء، فكن من شئت وابن من شئت فستجد في المصطفىﷺ مثلك الأعلى، فهوﷺ نموذج عملي لجوانب الحياة كلها.
دعونا نرجع بكم إلى هذه السيرة العطرة، من خلال هذا الشهر الذي نحن فيه شهر شوال، الشهر العاشر من الشهور الهجرية الإسلامية، لنجده قد حمل إلينا في طياته أحداثا عظيمة من السيرة النبوية؛ ففيه وقعت أربع غزوات كبرى من غزوات النبيﷺ هي: غزوة بني قينقاع ضد اليهود في السنة الثانية من الهجرة، وغزوة أحد ضد كفار مكة في السنة الثالثة، وغزوة الخندق ضد كفار مكة أيضا في السنة الرابعة وقيل الخامسة، وغزوة حنين ضد كفار الطائف في السنة الثامنة، وفيه أيضا تزوج الرسولﷺ بعائشة رضي الله عنها.
فتعالوا بنا اليوم لنكشف الستار عن أسباب الهزيمة في الأمة من خلال غزوة أحد، وقد عشنا في هذا العصر هزائم نكراء نالت من الأمة على جميع الأصعدة؛ فنقصت من قدرها، وأصبحت دماء أهلها مهدرة، وحقوقهم مهضومة، وأعراضهم منتهكة، واقتصادهم منهوكا.
فأحد هو: جبل بالمدينة المنورة يبعد عن المسجد النبوي بحوالي أربع كلمترات، أما الغزوة التي أضيفت إليه فهي تلك المعركة التي هاجم فيها ثلاثة آلاف من المشركين على المدينة، مجهزين بأحدث الأسلحة آنذاك ليثأروا لقتلاهم السبعين في غزوة بدر، ولما علم الرسولﷺ بذلك شكل على الفور مجلسا للشورى، فأشار إليه الشيوخ بالبقاء في المدينة، فإذا ما دخل العدو إليها قاتله الناس جميعا، الرجال والنساء من فوق السطوح وحتى الأطفال، فمال الرسولﷺ لهذا الرأي الاستراتيجي الذي يجعل العدو مكشوفا فيهاجمه المسلمون من حيث لا يدري، وهو ما يسمى اليوم بحرب الشوارع.
ولكن الشباب -وهم الأغلبية-، بحرارتهم الإيمانية، وفي ثقة بالنفس عالية، رفضوا هذا الرأي واعتبروه ذلا وانهزاما، لم يرضوا بالبقاء حتى يعقر العدو أبناءهم في عقر دارهم كحال المسلمين اليوم، فقالوا: يا رسول الله؛ ما رضينا قط بعدو يدخل علينا المدينة ونحن في ذل الجاهلية، أفنرضى به اليوم ونحن في عزة الإسلام؟! كلا يا رسول الله؛ يجب أن نخرج لمواجهة العدو قبل أن يدخل المدينة؛ ورغم أنهﷺ يميل إلى الرأي الأول، البقاء والمواجهة داخل المدينة، تنازل عن رأيه وأخذ برأي الأغلبية.
وبناء على ذلك خرجﷺ لمواجهة العدو بسفح جبل أحد، بجيش قوامه ألف مقاتل، مقابل ثلاثة آلاف من المشركين؛ ولكن قبيل بداية المعركة خان المنافقون -وهم ثلاثمائة- فرجعوا، ظنا منهم أن المسلمين سينتهي أمرهم في هذه المعركة وهم قلة لا يتجاوزون سبعمائة، رجع المنافقون خائنين وخائفين ومتخلفين عن المشاركة، يقودهم رئيسهم عبد الله بن أبي وهو يقول مُعْرِضاً عن المشاركة ومُعَرِّضاً بالنبيﷺ: “عصاني وأطاع الولدان، علام نقتل أنفسنا؟!”، يقصد بذلك حين قبلﷺ رأي الشباب لأنهم الأغلبية؛ وهذه هي حالة المنافقين الخائنين أدعياء الإسلام، دائما يتحينون الفرص ليضربوا ضربتهم القاضية المتخاذلة الجبانة، ولا يوجد داء أخطر على الأمة عبر التاريخ من المنافقين الأدعياء، الذين يدَّعون الإسلام وهو منهم براء، والأمة المسلمة ما تعاني إلا من أمثال هؤلاء، لأنهم يحاربون الإسلام باسم الإسلام، ولا نخاف على الإسلام من أعدائه بالقدر الذي نخاف عليه من أدعيائه.
وبسبعمائة مقابل ثلاثة آلاف بدأت غزوة أحد فوقعت عبر مرحلتين:
● المرحلة الأولى: مرحلة وحدة الصف وامتثال الأوامر؛ التي بدأت حينما اختار الرسولﷺ خمسين من الذين يُجيدون الرمي بالسهام والنبال، وحدد لهم مكانا يسمى إلى الآن “جبل الرماة”، يحمون ظهر الجيش لئلا يباغته العدو من حيث لا يشعر، ثم أمرهم بأوامر صارمة؛ ألا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم، وألا ينزلوا منه على أي حال؛ سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، ورغم هذا التفوق الكبير لجيش المشركين انتصر عليهم المسلمون في هذه المرحلة من المعركة.
● المرحلة الثانية: مرحلة الاختلاف وعصيان الأوامر؛ التي بدأت بمخالفة الرماة الخمسين، الذين أمرهم الرسولﷺ بعدم مغادرة مكانهم على أي حال، حتى تأتيهم منهﷺ أوامر جديدة؛ فقد خالفوا أوامرهﷺ فنزلوا حين رأوا أن المشركين قد فروا وانهزموا، وأن المسلمين يجمعون الغنائم فيستأثرون بها دونهم، فذكَّرهم رئيسهم بأوامرهﷺ فلم يسمعوا، ونصحهم فلم ينتصحوا، فأخلوا المكان الاستراتيجي الذي حدده لهم النبيﷺ فماذا كانت النتيجة؟!
لقد دارت المعركة ضد المسلمين بعد أن كانت لصالحهم، حيث هاجمهم المشركون من الخلف، من ذلك الموقع الاستراتيجي؛ فاختلط أمرهم، واستشهد منهم سبعون، من بينهم أسد الله حمزة عم النبيﷺ، وكسرت أسنانهﷺ، وجرح في رأسه ووجهه بضربات العدو، وأصيب بنزيف دموي حتى فقد القدرة على القيام، كل ذلك بسبب مخالفة الخمسين أوامر الرسولﷺ.
ومن خلال هذه الأحداث نتعلم أن المنافقين في هذه الغزوة خانوا وخافوا فتخلفوا، وأن الرماة المسلمين خالفوا؛ كما نتعلم أيضا أن من كانوا سببا في هزيمة الأمة عبر التاريخ هم هؤلاء الأربعة: الخائن والخائف والمتخلف والمخالف.
• فالخائن هو المنافق الذي يضرب ضربته في الوقت المؤلم من حيث لا يشعر الناس.
• والخائف هو المستأسد على الضعفاء من أهله والجبان أمام الأقوياء من عدوه فيكون كما قيل: “إذا خرج فَهِدَ وإذا دخل أَسِدَ”، أو كما قيل: “أسد علي وفي الحروب نعامة”.
• والمتخلف هو كل من تخلف عن المشاركة والدفاع عن الحق حسب قدرته ومسؤوليته «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
• والمخالف هو من ترك أوامر قائده فيحدث الفوضى في مجتمعه وأهله وبلده ووطنه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛
حينما نلقي نظرة على وقائع الواقع اليوم نجد أن الهزيمة والأضرار التي تتخبط فيها الأمة المسلمة اليوم؛ سواء اجتماعية كانت أو اقتصادية أو إعلامية أو أخلاقية أو دينية أو خروب أهليه إنما جاءتنا من الأربعة: الخائن والخائف والمتخلف والمخالف؛ فلينظر الإنسان مم خلق؟ والمتتبع لمأساة الأمة المسلمة يرى ذلك واضحا في مركبات أحداثها؛ والواقع لا يَكْذِب ولا يُكَذَّب {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}…
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…