حب سيدي سعيد.. من بعيد
بقلم: عادل زروق
أحببت أن أكتب لكم عن عادات المسلمين في بعض مساجد الفلبين، وأحببت أن أشارك معكم ما تحدثني به نفسي خلال هذه الرحلة، فاعذروني على الإطالة، وتقبلوا مني هذه السطور.
الحمد لله وصل قاربنا بالسلامة إلى الميناء، وصلت إلى الفندق بعد أن فات موعد الغروب، توضأت وذهبت للمسجد، وكان ذلك بعد خروج وقت الصلاة للأسف، كانت الساعة تشير إلى السابعة وخمس دقائق، وموعد أذان المغرب في الفلبين على السادسة والربع.. ذهبت حمرة الشفق وذهب جمال الغروب، وفات الوقت الفاضل للصلاة، وبدأ سواد الليل يسود، وأسأل الله تعالى أن يتقبل الصلاة.
كان توقف القارب وسط البحر من أسباب التأخير، انطلقنا في رحلة الرجوع عصرا من شاطئ جوز الهند، ولم نصل إلى ميناء جزيرة كورون إلا بعد الغروب، تأخرنا بسبب عطل المحرك، ورجعت المسافة من الميناء إلى الفندق كلها مشيا، وللأسف تأخرت عن أداء الصلاة، والصلاة في وقتها رزق جميل، ويا سعد من فاز في عمره بالصلاة في أول وقتها.
أثناء المشي إلى المسجد الصغير، كنت أستغفر الله وأتأمل حالي مع الصلاة في هذه البلاد البعيدة، ومن كان لصلاته مضيعا فهو لغيرها أضيع، وخشيت على نفسي الضياع في رحلة هذه الدنيا. هنالك دعوت الله أن يرزقني حسن الخاتمة، وأسأله سبحانه أن يحفظنا جميعا في هذه الحياة المليئة بمسارات الضياع.
في طريقي إلى المسجد الصغير كنت أنظر إلى المحلات التجارية على امتداد الشارع، أغلب المتاجر في كورون تقفل أبوابها مبكرا، وهي عادة جميلة في هذه الجزيرة المعزولة، حتى أن سوق الخضر والفواكه يبدأ صباحا وينتهي الساعة الحادية عشر، ولا يبقى للمتأخرين مثلي إلا البقية، أو كما نقول بالدارجة “الشياطة”.. لأن صاحب المليح “باع وراح”.
أما بعد الثامنة مساءا، فلا يبقى بعد إقفال محلات البقالة البسيطة إلا مشاكل الليل، وبعض الوكالات السياحية وباعة الخمور، وفي أقصى الشارع تبقى الفنادق الفخمة تفتح أبوابها، وعلى جنبها تلك المطاعم الراقية التي لا تروقني ولا يروقني سعر وجباتها.
وإذا سألتني عن حياة الليل في جزيرة كورون فليس عندي فكرة، اللهم بعض الموسيقى التي لا تميز لحنها ومصدرها، ونباح الكلاب الضالة من بعيد، وصوت الدراجات النارية، وشخير جاري في الفندق.
وصلت إلى باب المسجد أخيرا، وسعدت لوصولي قبل أذان العشاء، وفي أي وقت من اليوم جئت، ستلقى رجالا يجلسون في صحن المسجد، وهي عادة جميلة عند المسلمين في الفلبين، يجتمعون في ضيافة المسجد دون حسيب أو رقيب.. خصوصا في رمضان، يجتمعون في الجامع وكأنهم في دار للضيافة، وعلى وجوههم فرح وأمان عجيب، اللهم لا حسد.
أكتب هذه الكلمات ولا زلت أذكر اليوم الذي منعني فيه إمام مسجد الحي، وهو رجل طيب أحبه وأحترمه، منعني بأدب أنا وأصدقائي من عقد الجلسات في رحاب بيت الله، وقال “أننا غادي نديرو ليه المشاكل”، وبذكائه وحكمته وطيبته طلب أن نساعده في ترتيب المصاحف، و ملء قوارير الشرب الكبيرة، وكلفنا بحمل الزرابي من هنا إلى هناك، المهم “سخسخنا” في سبيل الله.
كانت هذه خواطري أثناء المشي لأداء صلاة المغرب، كنت متعبا بعد يوم طويل من ركوب البحر والمشي في غابات الجزر المعزولة. اليوم لم أنل قسطي من الراحة، ومنذ الصباح كنت في سباق مع الوقت، والحق يقال، الاستيقاظ المبكر له فوائد، إلا أنه يجعلك آخر اليوم تعرف قيمة القيلولة.
عندهم في مساجد الفلبين عادة أخرى، وهي الترحيب والسلام بينهم عند دخول المسجد، يسلمون على بعضهم البعض يدا بيد، وأحيانا يتعانقون. ومن شدة العياء الذي أصابني اليوم، لم أرغب أن أسلم على المصلين واحدا واحدا، فسلام القول واللسان يكفي، وسلام القلب هو المقصود بإفشاء السلام، وصدق الطاهر الأمين حين خفف وقال أفشوا السلام بينكم تحابوا.
من كثرة تعبي اليوم، وددت لو أنني أتكلم لغة الفلبين، لأعلن لأهل المسجد سلامي ومحبتي من بعيد، دون أن أقترب من أحد، ودون أن أعانق أحدا أو أسلم عليه، وكما يقول المثل عندنا، “حب سيدي سعيد من بعيد”. كان ذلك مطلبي البسيط، نال مني التعب هذا اليوم حتى أصبحت أمنيتي أن أسلم على سيدي سعيد من بعيد، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
-يتبع إن شاء الله-