منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التوظيف السياسي للخطبة الدينية

الدكتور محمد الناسك

0

 

ملخص:

مرت الخطابة عند العرب بخمس مراحل مهمة، ظلت فيها للخطابة أهميتها الكبيرة ودورها الرائد، باعتبارها وسيلة لتعبئة الجماهير والتأثير فيهم، وعبر لم تتغير الخطابة كثيرا على مستوى الشكل، لكنها تغيرت بشكل جذري على مستوى المقاصد والأهداف، ففي العهد الجاهلي كان القصد هو التفاخر بالآباء والأنساب، أما المقاصد في العهد النبوي وزمن الخلافة الراشدة فكانت هداية الناس وتحقيق مصالحهم في العاجل والآجل، ولذلك فهي تختلف بشكل يكاد يكون جذريا عن أهداف ومقاصد السلطة في زمن الملك العاض، أما مقاصدها اليوم فهي أسوأ حالا وأحوج إلى إصلاحات جذرية.

تمهيد:

الحمد لله رب العلمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فقد كانت الخطابة وجها من وجوه النشاط الفكري عند الجاهليين، وكان للخطيب عندهم مكانة سامية، لقوة فصاحته وقدرته على البيان، والتزامه الدفاع عن قومه والذب عن أهله بلسانه والتكلم باسمهم، فهو والشاعر لسان القبيلة ووجهها.

وقد كان الشاعر أرفع قدرا من الخطيب، فلما صار الشعر أداة للتكسب، وسلعة مقابل ثمن، أنف منه الأشراف، وتجنبه السادة، فنبهت عندئذ الخطابة، حتى صار للخطيب شاو كبير، وارتفع شأنه على شأن الشاعر. وفي ذلك يقول الجاحظ: “كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم…فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر.”[1]

وكان العرب يحبون في الخطيب أن يكون جهير الصوت، شديد التأثير في نفوس سامعيه يسحرهم بلسانه ويأخذ بألبابهم ببيانه، فأصبحت الخطابة علامة على المكانة الرفيعة والمنزلة السامقة، وصارت في ساداتهم وأشرافهم الذين يتكلمون باسمهم في المحافل والمجامع العظام. “وكانوا يجعلون مثل هؤلاء الخطباء ألسنتهم الناطقة إذا تفاخروا أو حضروا المجالس أو تفاوضوا في أمر، أو أرادوا تأجيج نيران الحروب، أو عقد صلح، أو البث في أي أمر جلل.”[2]

وقد اقتضى النظام الاجتماعي والسياسي في الجاهلية أن يقيم العرب للخطابة وزنا خاصا في المفاوضات التي تكون داخل القبيلة للنظر في شؤونها التدبيرية في السلم والحرب، كما في المفاوضات التي تكون بين القبائل، أو بين القبائل والملوك، حتى أصبح اتخاذ القبيلة خطيبا وشاعرا من الأعراف الراسخة، والعلامات البارزة.

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبه:

ولما جاء الإسلام لم يخرج عن هذا النظام، فكما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان شاعرا يذب عنه وعن الإسلام والمسلمين، اتخذ ثابت بن قيس بن شماس خطيبا يرد على خطباء الوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أن التحول الكبير الذي أحدثه الإسلام في المجتمع العربي باعتباره دعوة جديدة تحتاج إلى وسائل الدعاية والإقناع جعل للخطابة في الإسلام مكانة غير مسبوقة، وزادت الحاجة للخطباء في ميادين الدعوة، ومجالات الحجاج والمناظرة، وفوق المنابر، بل إن الخطبة صارت في الإسلام ركنا من أركان عدد من العبادات، كالجمعة والعيدين وغيرهما، وأصبحت وسيلة مهمة من وسائل الدعوة والتربية والتعليم.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بنفسه في المشاهد العظيمة والمناسبات الدينية. فقد خطب صلى الله عليه وسلم في الجمع والأعياد والاستسقاء والخسوف وفي الحروب والصلح. وقد كان له عليه السلام هدي خاص في خطبه، ومنهج واضح في مواعظه.

يجعل بصر المتلقي شاخصا نحوه، سمعه حاضر، ونفسه متشوفة مشفقة. لسحر الأسلوب، وقوة المضمون، وعظمة الشكل، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: ” صبحكم ومساكم”، ويقول: ” بعثت أنا والساعة كهاتين”، ويقرن بين إصبعيه السبابة، والوسطى…”[3]

وعن أبي وائل، قال: خطبنا عمار، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ” إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرا”[4]

وعن أبي وائل أيضا، قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم؟ قال: “أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا”.[5]

في هذه النصوص الثلاثة السالفة الذكر يجتمع هديه عليه السلام في الخطبة، شكل مؤثر، ومضمون قوي، وبيان ساحر. فبالرغم من أن أمره صلى الله عليه وسلم كان ينفذ فورا وبأدنى إشارة، إلا أنه كان عليه السلام حريصا في خطبته من حيث الشكل الإلقائي على ما من شأنه أن يأخذ بمجامع القلوب، ويسبي الأرواح، ويخطف الأبصار لما جبل عليه – صلى الله عليه وسلم – من حب الخير للناس، وحرصه على هدايتهم، مع كونه مقتدى به في القول والفعل مصداقا لقوله تعالى: ” لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا “.[6]

وقد كانت جل خطبه – عليه السلام – تتعلق بذكر الموت والاستعداد للآخرة، والحض على طاعة الله والتحذير من معصيته، فما ترك خيرا إلا ودعا أمته له، ولا شرا إلا وحذر أمته منه بما أوتيه من جوامع الكلم، مع دوام الاستشهاد بكلام الله تعالى، فعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان، قالت: ” لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا، سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأها كل يوم جمعة على المنبر، إذا خطب الناس “.[7]

وهذا نموذج لخطبة له – عليه السلام – جامعة لكل ما سبق ذكره من هديه صلى الله عليه وسلم، كما حفظتها لنا كتب السنة النبوية، على خدامها رحمات الله ورضوانه.

أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة:

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ” أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان، ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا، وأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك، فلينظرن يمينا وشمالا، فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام عليكم وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته.[8]

وعلى هذا النهج النبوي سار الخلفاء الراشدون في خطبهم، مستنين بسنة نبيهم، ومقتفين أثر من بعثه الله رحمة للعالمين. وسنقف تباعا بإذن الله تعالى على خطبة واحدة لكل واحد من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، لنرى قوة في الخطاب، واستقامة في المنهج، ووضوحا في الرؤية، وصحة في القصد.

خطبة أبي بكر رضي الله عنه لما ولي الخلافة:

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف الأنصار والمهاجرون في سقيفة بني ساعدة حول أي منهم يملك حق ترشيح خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب فيهم الصديق خطبة بليغة جعلت الأنصار يسلمون بأحقية المهاجرين في أن يكون الخليفة منهم، وبعد مبايعة الصديق بالخلافة قام في الناس خطيبا، فعن معمر، قال: وحدثني بعض أهل المدينة، قال: خطبنا أبو بكر فقال: ” يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني، وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت – أو قال: شاعت – الفاحشة في قوم إلا عمهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله“.[9]

ومن خلال هذه الخطبة الصديقية يمكن أن نرصد الملاحظات التالية:

1- التواضع، وعدم الاستعلاء، أو ادعاء الأحقية بالمنصب الجديد لشرف، أو سابقة، بل هو ترشيح الناس واختيارهم.

2- رد الأمر للناس الذين اختاروه، لأنهم أصحاب هذا الشأن أصالة، فوضوه إليه، وأنابوه عنهم، فهو يطلب منهم دوام الحضور، والتنبه، بل والتدخل إذا اقتضى الأمر ذلك إما بالتقويم وإما بالعون والنصرة.

3- ثم هو رضي الله عنه يدعو الناس إلى الصدق، ويحذرهم من الكذب، لأن الإمام أحوج ما يكون إلى صدق الناس في نصحهم له، كما أن كذب الناس على الإمام بمدحهم له بما ليس فيه ونسبتهم له ما ليس منه، وقلب الحقائق بين يديه خوفا أو طمعا، مقدمة طبيعية لفساد العباد واضطراب أحوال البلاد.

4- ثم وضع الصديق بعد ذلك بين أيدي الناس مذهبه في الحكم من إقامة العدل، وتنظيم الجهاد، وإعلان الحرب على الفواحش.

5- يعلم الصديق يقينا أن شرعيته في الحكم مأخوذة من مبايعة الناس له، وأن الناس ما بايعوه وأطاعوه إلا طاعة لأمر الله الذي فهموه من كتاب الله وسنة رسوله، ولذلك لم يفته أن يربط طاعة الناس له بطاعته لله ورسوله، فإن هو خالف أمر الله وأمر رسول الله – وحاشاه أن يفعل – فلا طاعة له عليهم لأن شرط البيعة انخرم.

خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولي الخلافة:

لقد مات أبو بكر رضي الله عنه وهو متمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولي الأمر من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما إن بويع حتى قام في الناس خطيبا واضعا بين يدي الناس منهجه في الحكم، فعن الشعبي قال لما ولي عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وترقبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون، على الله لا تخفى منكم خافية، إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله، ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف“.[10]

وفي خطبة الفاروق رضي الله عنه هذه بدأ كصاحبه متواضعا خافض الجناح فإذا كان أبو بكر قد قال وليت عليكم ولست بخيركم فإن عمر يرى نفسه دون أبي بكر حيث نزل مرقاة في المنبر.

ثم دعا الناس – رضي الله عنه – إلى التمسك بالقرآن الكريم- تلاوة وعملا – لأن هذه الأمة ما شرفت إلا به.

كما دعا الناس إلى دوام المحاسبة، لأن محاسبة المرء لنفسه أهون عليه من حساب الله له، ومن حاسب نفسه في هذه الدار بشدة سهل عليه الحساب في دار القرار، كما حذرهم من يوم العرض على الله.

ثم قام في خطبته رضي الله عنه ببيان الخط الفاصل بين وجوب طاعة الخليفة، ووجوب معصيته ألا وهو طاعته لله تعالى، فمن أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله وجبت معصيته.

وختم خطبته – رضي الله عنه – ببيان منهجه في التعامل مع المال العام، إذ أنزل نفسه منه منزلة ولي اليتيم الذي إذا استغنى استعف، وإذا افتقر أكل بالمعروف.

خطبة عثمان بن عفان رضي الله عنه لما ولي الخلافة:

وبعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بايع أهل الشورى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهل أثر فيه المنصب الجديد كبرا أو استعلاء، أو تعلقا بالدنيا، أو اغترارا بها؟ هل جعله المنصب الجديد يستخف بالناس، أو يحتجب عنهم، أو يزدريهم؟ هل أقام بهذه المناسبة “السعيدة ” الحفلات الصاخبة، والمهرجانات العظيمة، أم أنه استعظم المسؤولية، واستثقل الحمل فعلته الكآبة، وحضرت في كلامه الآخرة. هلم بنا لنرى منظر الخليفة الجديد بعد أن بويع بالخلافة.

فعن بدر بن عثمان عن عمه قال:
لما بايع أهل الشورى عثمان، خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال:

 إنكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم، صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور. اعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلاً، ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة، فإن الله قد ضرب لها مثلاً، وللذي هو خير، فقال عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} إلى قوله {أَمَلاً[11]} وأقبل الناس يبايعونه”[12]

من خلال النص السابق يمكن أن نلاحظ جملة من الأمور التي تلقي الضوء على شخصية عثمان، لنعلم أمام أي شخصية فذة نحن، فهو رضي الله عنه يخرج وقد علته الكآبة لخطورة الموقف، كما أنه ذكر في خطبته أمورا يحرص الناس على إغفالها في هذه المناسبات والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- تصوير الدنيا تصويرا دقيقا ومنفرا منها في آن، مع بيان أن الإنسان مجرد عمر وأيام، كل ما مضى يوم مضى بعضه.

2- بيان حقيقة الدنيا وأنها دار غرور، مع تحذير المتلقي من أن يكون هو المغرور.

3- الدعوة إلى الاعتبار بمن مضى، كيف غرتهم الدنيا ثم طوتهم، فالعاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ به غيره.

4- الدعوة إلى رمي الدنيا حيث رمى الله بها، مع بذل الوسع في الاستعداد للآخرة، فالباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا.

5- لم يتعرض عثمان رضي الله عنه لتصوره للحكم في هذه الخطبة، لكنه في خطبة أخرى صرح بأنه متبع وليس مبتدعا وهو التزام صريح بمنهج من سبقوه بإحسان.

خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما ولي الخلافة:

لقد كان قتل عثمان سوط فتنة عمياء، واضطرابات هوجاء، وبويع علي بن أبي طالب في زمن تحكمت فيه الأهواء، وسلت فيه السيوف، ولم يعد الوازع الديني بتلك القوة التي كان بها من قبل، أما وازع السلطان فقد انتهى أو كاد، فهل يستغل علي هذه الظروف ليتجاوز كل الضوابط والقواعد والأحكام، ويأخذ زيدا بذنب عمرو حتى تستقر له الأوضاع، وتنقاد له الأعناق، كلا، فعن علي بن الحسين قال: أول خطبة خطبها علي رضي الله عنه حين استخلف حمد الله وأثنى عليه، فقال:

” إن الله عز وجل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حرما غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين. والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم وهو الموت، فإن الناس أمامكم، وإن ما خلفكم الساعة تحدوكم، تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر الناس أخراهم. اتقوا الله عباده في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه، ” واذكروا إذ أنتم مستضعفون في الارض “.[13]

فمن خلال هذه الخطبة نرى أن الإمام علي رضي الله عنه قد سطر منهاجا واضحا ومضيئا للظروف التي بويع فيها، يمكن إجماله فيما يلي:

1- إرشاد الناس إلى التمسك بكتاب الله تعالى، باعتباره كتاب هداية وإرشاد، بين الله فيهخير وأمر بالتزامه، كما بين فيه الشر وأمر باجتنابه، فزمن الفتنة وأوقات الاضطراب لا تسوغ الخروج عن هدي الله تعالى ومخالفة أمره.

2- دعا الإمام الناس إلى القيام بفرائض الله تعالى لأنها وسيلتهم إلى الجنة دار القرار، كما أنها أفضل ما يملأ به المؤمن وقته في دار العبور.

3- الابتعاد عن حرمات الله تعالى، مع بيان أن حرمة المسلم هي أشد الحرمات عند الله تعالى، فلا يجوز التعرض له بأذى إلا بما يجب، وهو موقف وسط بين من امتنعوا عن قتال البغاة وبين من أسرفوا في سفك دماء المسلمين بغير حجة ولا برهان. وهو موقف ينم عن فهم عميق للشريعة المحمدية.

4- التنبيه على خطورة المسؤولية لأنها تكليف قبل أن تكون تشريفا، كما أن الإنسان مسؤول عن أمور قد لا تخطر له ببال، وهو ما عبر عنه رضي الله عنه بقوله: “فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم”.

لقد كانت الخطبة في زمن النبوة والخلافة الراشدة وسيلة للتربية، والتعليم، والتوجيه، والتواصل بين الحاكم والمحكوم، وكانت الخطبة النبوية تستمد قوتها من الوحي، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس باعتباره رسولا من الله إلى الناس كافة. أما في زمن الخلافة الراشدة فقد كانت خطب الخليفة تستمد قوتها من بيعة الناس واختيارهم، فهو يخاطبهم باعتباره مفوضا من لدنهم في تدبير شؤونهم، ومن شؤونهم القيام بإمامتهم في الجمعة والجماعات والأعياد…

الانكسار التاريخي وانحرف خطاب الواقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إلا أن الخطبة بعد وقت وجيز – أي بعد زمن النبوة والخلافة الراشدة – تحولت من وسيلة للدعوة والتربية والتعليم إلى أداة للدعاية السياسية، وادعاء المشروعية، وتثبيت الحكام قهرا، ولعن المخالفين وإرهابهم.

فما هي الأسباب الكامنة وراء تحول الخطبة الدينية من وسيلة إسلامية دعوية وتعليمية وتربوية، إلى وسيلة سلطوية دعائية تضليلية؟

 كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب يسأل أصحابه عن نفسه أخليفة هو أم ملك، وكان يستعظم أن يكون ملكا لعلمه أن الفرق بين الخلافة والملك جوهري، وأن الملك مذموم في كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: ” والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك، فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين، إن بينهما فرقا، قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا، ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر[14]“.

لقد انتقضت عروة الإسلام الأولى ألا وهي عروة الحكم كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لتنتقض عرى الإسلام عروة فكلما انتقضت عروة تشبت بالتي تليها وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة [15]“.

 وهكذا تحولت الخلافة ملكا عاضا بعد ثلاثين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء بعد الخلفاء الراشدين من يدعي الخلافة ويمارس عسف الملوك، فعن سعيد بن جمهان، قال: حدثني سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك ” ” ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، ثم قال لي: أمسك خلافة علي قال: فوجدناها ثلاثين سنة، قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ؟ قال: كذبوا بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك”.[16]

ومع تحول الحكم عند المسلمين من خلافة على منهاج النبوة إلى ملك عاض، وردة سياسة نتج عنها افتراق السلطان عن القرآن، تحولت الخطبة إلى أداة للدعاية والتضليل، والافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصار الناس يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ” خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى بني مرح قد دارت، وقد قتل بنو مرح، ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون أمراء يقضون لكم، فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم ” قال: يا رسول الله، فكيف نصنع؟ قال: ” كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم، نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب موت في طاعة خير من حياة في معصية الله عز وجل”.[17]

خطبة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:

كان معاوية بن أبي سفيان هو أول من حول الخلافة ملكا، وألغى بذلك كل ما قرره الإسلام من مبادئ الشورى والعدل، واختيار الناس الحر لمن يحكمهم، ونزا على الحكم بقوة السلاح، وسطوة النفوذ الذي اكتسبه من ولايته المديدة على الشام، مع قدر كبير من الدهاء، ثم ورثه بعد ذلك لابنه يزيد، بعد أن أخذ له “بيعة” الناس كرها، كما قال القائل[18]:

إن لله علي أن تبايعا تؤخذ كرها أو تأتي طائعا

ومما يحمد لمعاوية أنه كان صريحا في كلامه، وأقل ظلما ممن بعده، حتى أنسى الناس –أو كاد- بحسن سياسته، وبفساد من بعده، أنه أول من زرع بين المسلمين كل أنواع الفساد والاستبداد، الذي مازالت الأمة تدفع ثمنه غاليا إلى اليوم.

 قال القحذمي: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقاه رجال قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى كعبك. قال: فوالله ما رد عليهم شيئا حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

 ” أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة، ولقد رضت لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة، وأردتها على عمل عمر، فنفرت من ذلك نفارا شديدا، وأردتها مثل ثنيات عثمان، فأبت علي، فسلكت بها طريقا لي ولكم فيه منفعة: مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة، فإن لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية، والله لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يستشفي به القائل بلسانه، فقد جعلت ذلك له دَبْرَ أذني وتحت قدمي، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فاقبلوا مني بعضه، فإن أتاكم مني خير فاقبلوه، فإن السيل إذا جاد عَنّى، وإذ قل أغنى، وإياكم والفتنة، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعم.”[19]

ففي هذه الخطبة يبين معاوية بوضوح كيف استولى على الحكم بالقوة، ويعلن الردة السياسية صراحة، مع وضع مبادئ وأسس جديد ومخالفة تماما للذي مضى، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:

1- يرد معاوية هنا على الذي حاولوا مجاملته عندما قابلوه، ويخبر الناس علمه بعدم محبتهم لولايته، ولا سرورهم بها، وأنهم إنما خضعوا له كرها، بعد أن جالدهم بسيفه وتغلب عليهم.

2- يخبر معاوية الناس بحواره مع نفسه، وكيف عرض عليها عمل أبي بكر، وعمر، وعثمان فنفرت منه نفارا شديدا.

3- يخبر معاوية الناس عن منهج المتغلب بالسيف في الحكم، ويصفه بأنه:

أ- مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة.

ب- وأنه إن لم يكن خيرهم فهو خير لهم ممن سيأتي بعده، وستبدي الأيام صدق ما قال.

ج- وأنه لا يحمل السيف على من لا سيف له، وفي ذلك إشارتان:

– الأولى: أن من خرج عليه بالسيف فلن يتردد في القضاء عليه.

– الثانية: أن من بعده لن يترددوا في حمل السيف حتى على من لا سيف له.

ج- ومن الأسس التي وضعها معاوية أيضا، أن حرية التعبير والاعتراض على الحاكم، لم تعد حقا مكتسبا كما كانت زمن الخلافة الراشدة، بل صارت منة من الحاكم، يهبها للناس تفضلا ما لم تقترن بفعل.

د- وأنه لا ينبغي للناس أن يحملوا الحاكم على ما يريدون – فذاك زمن قد ولى – بل ينبغي لهم أن يقبلوا منه بعض ما يجود به عليهم.

ه- ويختم معاوية خطبته – بعد أن أُمم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم – بالتحذير من الفتنة، التي لا تعني سوى الخروج على الحاكم.

هكذا وضع معاوية أسس الحكم العاض الذي أمم المنابر، وصادر حرية التعبير، واعتبر الاعتراض على الحاكم فتنة، تفسد المعيشة، وتكدر النعم.

لا شك أن الذين عاصروا معاوية قد شعروا بحجم التراجع، وبمقدار النكوص على المبادئ الأساسية، والمقاصد العظيمة التي جاء بها الإسلام، وسار على نهجها الخلفاء الأعلام، أبو بكر وعمر وعلي وعثمان. إلا أن الملوك الذين سيتغلبون على الحكم بعد معاوية سيجعلون الناس يتحسرون على زمانه، ويحنون إلى دهائه.

خطبة عبد الملك بن مروان:

مات معاوية بن أبي سفيان وترك ملكا جالد الناس عليه بسيفه مجالدة، بعد أن ورثه لابنه الفاسق الفاسد، الذي انتهك الحرمات، وسفك الدماء، وانتهك الأعراض، وقتل أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحل مدينته، فسلبهم الله هذا الملك وأخذه منهم بنو مروان، إلا أنهم لم يكونوا أقل منهم جرما، قولا، وفعلا، فهذا عبد الملك بن مروان الذي غدر بابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص، فذبحه بيده، وقتل ابنا الزبير، وضرب الكعبة بالمنجنيق، يباهي – في خطبه – بجرائمه، مهددا ومتوعدا كل من تسول له نفسه التشوف إلى ملك اغتصبوه بحد السيف، وأخذوه بسفك الدماء المحرمة.

 قال ابن جريج عن أبيه: حج علينا عبد الملك سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطبنا فقال: أما بعد فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من المال ويوكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف – يعني عثمان – ولا الخليفة المداهن – يعني معاوية – ولا الخليفة المأبون – يعني يزيد بن معاوية – أيها الناس إنا نحتمل منكم كل الغرمة ما لم يكن عقد راية أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه حقه، قرابته وابنه، قال برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا، وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أضعها في رأس أحد إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب[20].

ففي هذه الخطبة يسطر ابن مروان جملة من التراجعات عن الأسس التي وضعها الملك الأول معاوية بن أبي سفيان، بل إن بعض الحقوق التي كان معاوية يمن بها على الناس منا أصبحت مجرد مداهنة لا تليق بالحاكم الجديد. وفي هذه الخطبة عدد من الملاحظات نجملها فيما يلي:

1- لا ذكر هنا لا لأبي بكر، ولا لعمر، بل القصة تبدأ فقط مع عثمان باعتباره أمويا، فالملك أصبح علامة أموية، لا يستحق من سبقهم ذكر، ولا يسمح لأحد أن يكون بعدهم، فالملك كما قال عبد الملك عقيم.

2- نزه عبد الملك نفسه هنا عن كرامة عثمان، ومداهنة معاوية وقد صدق في ذلك، لأنه سيأكل في هذا المال وحده، ولن يسمح لأحد بمشاركته عكس ما فعل معاوية الذي كان يشتري ولاء الناس له بأموال المسلمين. أما تنزيهه لنفسه عن رعونة يزيد فلا دليل على ذلك، بل إن عبد الملك إنما أكمل ما بدأه يزيد.

3- سفك الدماء – منذ معاوية بن أبي سفيان – أصبح هو السمة البارزة لبني أمية، وعبد الملك هنا يصرح بها أمام الملأ في أشهر الحج وفي بيت الله الحرام بقوله: وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف.

4- الاستشهاد بقتل عمرو بن سعيد بن العاص لما طالب “بحقه” في الملك، لأن مؤتمر بني أمية في الجابية رتب “البيعة” لعمرو بعد خالد بن يزيد ومروان بن الحكم، فمن قتل صاحب “حق” وقرابة، لن يتردد في قتل من هو دونه.

5- عقد الراية واعتلاء المنابر أصبح شأنا مروانيا خالصا، لا علاقة للأمة به، من قريب أو بعيد، لأن الأمة في نظر هؤلاء مجرد قطيع يسوقونه كما يشاؤون، دون أن يملك حق الاعتراض.

خطبة أبي العباس السفاح:

سقطت دولة بني أمية أمام ضربات أنصار بني العباس، بعد أكثر من تسعين سنة من الحكم، والمظالم، وسفك الدماء، وقتل العلماء، واضطهاد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقامت على أنقاضها دولة بني العباس، فلم يأت بنو العباس للناس بخير، بل نافسوا بني أمية في الظلم، والعسف، والجور، وسلب الأمة حقها في اختيار من يحكمها، وقد كان أول من اكتوى بنار ظلم بني العباس هم بنو أمية، الذين تم الانتقام منهم بشكل يتنافى مع كل الأعراف العربية، والأحكام الشرعية، وتفوق بنو العباس على بني أمية بادعاء الحق في الملك، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا سعوا إلى تضليل الناس عندما مزجوا بين “شرعية” حد السيف وادعاء الحق بالنسب. رغم أنهم يعلمون يقينا أنه لا سند لهم فيما يقولون من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عباس، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن، ” كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال: أصبح بحمد الله بارئا “، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.[21]” 

 فهلم بنا نستمع لأبي العباس السفاح وهو يعطي ويمنع، فيما ملكه بحد السيف وقوة القهر، فقد صعد أبو العباس السفاح المنبر حين بويع له “بالخلافة”، فقام في أعلاه، وصعد عمه داود بن علي فقام دونه، وتكلم أبو العباس، فقال:
“الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه تكرمة، وشرفه، وعظمه، واختاره لنا وأيَّده بنا، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها، وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، وأنشأنا من آبائه وأنبتنا من شجرته، واشتقنا من نبعته، جعله من أنفسنا عزيزًا عليه ما عنتنا، حريصًا علينا، بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابًا يتلى عليهم، فقال عز من قائل فيما أنزل من محكم القرآن: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أ هْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[22]}. وقال: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[23]}، وقال {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[24]}، وقال: {مَا أَفَاء َ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[25]}، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[26]}، فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا، تكرمة لنا، وفضلًا علينا، والله ذو الفضل العظيم.

 وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! بم، ولم، أيها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، وبصرهم بعد جهالتهم! وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا، ورفع بنا الخسيسة، وأتم بنا النقيصة، وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر، ومواساة في دينهم ودنياهم، إخوانًا على سرر متقابلين في آخرتهم، فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما قبضه الله إليه قام بذلك الأمر من بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم، فعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصًا منها، ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها وتداولوها بينهم، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وولي نصرنا والقيام بأمرنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإني لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله.

 يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك، ولم يثنكم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم، حتى أدركتم زماننا، وأتاكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير”[27].

ولأن هذه الخطبة طويلة، لدرجة أنها تحتاج في تحليلها لبحث خاص، فسوف أكتفي بذكر بعض الملاحظات التي أرى التنبيه عليها ضروريا في هذا المقام، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- مبالغة أبي العباس في مدح أهل بيته بأوصاف لا تليق إلا بالمؤمنين مجتمعين، كقوله أنهم هم أهل الإسلام وكهفه وحصنه والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له.

2- الربط بدون مسوغ بين الحق في الملك وبين نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم بطلان ذلك بدليل الحديث السابق الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى. بل سياق كلامه يوحي أنه لولا بنو العباس لضاع الإسلام.

3- اتهام كل من يخالف بني العباس فيما يدعونه بأنهم سبأية ضلال، وهو يقصد بذلك العلويين الذين كانوا بدورهم يرون أنفسهم أقرب لرسول الله وأولى بالحكم من غيرهم، وكانوا مع بني العباس صفا واحدا أمام الأمويين، فلما آل الأمر لبني العباس تفوقوا على بني أمية في ظلم بني عمومتهم، حتى قال شاعر العلويين:

 ألا ليت ظلم بني أمية دام لنا وليت عدل بني العباس في النار.

4- اتهام بني أمية بما هم أهله، من وثوب على الحكم دون حق، مع الاستئثار بمال الله من دون الناس، والإسراف في الظلم والعسف والجور. إلا أن أبا العباس أغفل أنه يسلك سبيل المجرمين من بني أمية حذو النعل بالنعل، كلما جاءت طائفة إلى الحكم لعنة أختها. أما أمة الإسلام فقد تحولت إلى صفر كبير في شؤون الحكم.

5- دعوة إلى الاعتبار بما آل إليه حال بني أمية، بعد أن أملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم، فهل اعتبر بنو العباس بذلك؟ كلا، ولذلك كان أخذ الله لهم أسوأ من أخذ بني أمية، عندما آل أمر بني العباس إلى سلطة صورية يتحكم فيها أمراء العجم، وفي ذلك قيل:

خليفة في قفص بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له كما تقول الببغا

.!!!قبل أن يفعل التتار بدولتهم ما فعلوا

وفي جميع الأحوال كانت الأمة ومازالت هي التي تدفع ثمن عبث هؤلاء غاليا.

6- ينسب أبو العباس السفاح لله تعالى أمورا أجملها بقوله: رد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وولي نصرنا والقيام بأمرنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، قبل أن يختم خطبته بقوله: فاستعدوا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير. فهل هذه صفات شخص يمكن أن تقوم به للدين قائمة، أو يكون للأمة به شأن؟. إنما كان للأمة شأن، وللدين قيام بمن وصفه الله تعالى بقوله: ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[28]“.

خطبة أبي جعفر المنصور العباسي:

بعد هلاك أبي العباس السفاح استولى على السلطة أخوه أبو جعفر المنصور، وقد خطب الناس يوما بمكة فقال:

” أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده؛ وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه؛ فقد جعلني الله عليه قفلا، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم؛ وإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني؛ فارغبوا إلى الله وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول:” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[29]
أن يوفقني للرشاد وللصواب، وأن يلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم[30].”

في هذه الخطبة نلحظ تحولا خطيرا – في كلام السلطان – إلى جبرية بغيضة، تنسب فساد الحكم وغياب العدل إلى الله جل وعلا، لتخلي ساحة الحاكم من الخطأ أو التقصير، فالحاكم الظالم أصبح زورا سلطان الله في أرضه، لا يجوز للناس سؤاله ولا محاسبته، فإذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت أشار عليهم بأن ارغبوا إلى الله وسلوه أن يوفقني للرشاد وللصواب، وأن يلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم.

نظرة سريعة على حال الخطابة في العقود الأخيرة:

لقد قتل الاستبداد كل أنواع الإبداع، وساهم في انتشار الجمود، فأمم المساجد، واحتكر المنابر، وحاصر الخطباء، وجعل في المساجد جواسيس يحفظون على الخطباء أقوالهم، ويحصون عليهم أنفاسهم. وتنافست الأنظمة الجبرية في ذلك، فمنهم من يرسل الخطبة مكتوبة لا يجوز للخطيب الخروج فيها عن النص، ومنهم من يفرض على الخطباء تسجيل خطبهم، ومراجعة الجهات الأمنية، ومنهم من يكتفي بالمراقبة عن قرب، واستدعاء كل من “تجاوز” الحد للتحقيق، فمر على الناس زمن يجترون فيه خطب الأقدمين، يقرؤونها بحذافيرها حتى ” شوهد بدهشة في صحف استنبول عام 1967، خبر تلاوة الخطبة في مساجد بعض المناطق النائية في إفريقيا، باسم عبد الحميد[31].” وفي المغرب وجد من يقرأ الخطبة بالدعاء بالنصر للمرابطين على الموحدين. ووجد من العامة من يحفظ خطب السنة، لكثرة تكرار الخطباء لخطب مصنفة على عدد جمع السنة، كخطب ابن نباته.

خاتمة:

إن الاستبداد الذي جثم على صدور المسلمين قرونا عديدة قد شل تفكيرهم، وعطل قدراتهم، واستنزف مواردهم المادية والبشرية، بل وجلب لهم الاستعمار الأجنبي، الذي هو خراب بحق على كل المستويات، وقلب الأمور عندما جعل الدين في خدمة الدولة، رغم أن الدولة ما أقيمت في الإسلام إلا لخدمة الدين، وتبليغ رسالة رب العالمين.

 إن الأمة الإسلامية لن تتقدم ولن تتطور إلا بالإبداع، – في كل المجالات ومنها الخطابة – والإبداع لا يكون إلا مع الحرية، والحرية والاستبداد نقيضان لا يلتقيان. ولذلك حرص المستبدون عبر العصور على تكميم الأفواه، وتأميم المساجد، ومحاصرة المنابر. وجعلوا ذكر اسم السلطان في الخطبة ركنا من أركانها، وعلامة من علامات “السيادة”، حتى إنك لتجد في الدولة العثمانية – مثلا – في بداياتها الخطيب مجبرا على ذكر اسم الحاكم العثماني، متبوعا باسم السلطان السلجوقي، ثم السلطان العباسي. وقد حاول الفقهاء التعايش مع هذا الوضع بأن صيروا البدعة المحظورة واجبا، حفاظا على حياة وسلامة الخطباء، يقول العدوي – رحمه الله تعالى – في حاشيته:” وذكر السلاطين والدعاء لهم بدعة، لكن بعد إحداثه واستمراره في الخطب في أقطار الأرض – بحيث يخشى على الخطيب غوائله – صار راجحا أو واجبا، ما لم يكن مجاوزة في وصفه[32]“.

وللخروج من حالة التأزم المذكورة آنفا، لا بد من جملة من الإجراءات التي يتوجب على الأمة اتخاذها لتستعيد سالف مجدها، وأهمها:

1- التخلص من الاستبداد، واستعادة سيادة الأمة، وحقها في اختيار من يحكمها، والقيام بواجبها في مراقبة الحكام، وأطرهم على الحق أطرا.

2- تصحيح الوضع المقلوب بجعل الدولة خادمة للدين، لا مستخدمة له، وهو شرط ضروري باعتبار المسلمين أصحاب رسالة يرومون تبليغها للعالمين، لا عالة على هذا العالم في كل شيء، كما هو الوضع اليوم.

3- إصلاح التعليم وتأهيله ليكون قادرا على الاستجابة لحاجيات الأمة، في جميع المجالات، لأن مما أفسده الاستبداد خلال العقود الأخيرة التعليم عموما، والمؤسسات العلمية العريقة كالقرويين والقيروان والأزهر خصوصا، ولا مجال للحديث عن تجويد الخطابة وتطويرها، أو تجديد الخطاب الديني عموما في ظل منظومة علمية متخلفة، تخرج آلافا من أشباه المتعلمين.

4- الاهتمام بالجانب التربوي، واستحضار أهمية الربانية فيمن يتصدون للخطابة، والتعليم، والوعظ، والارشاد، لأن التأثير في الناس يحتاج إلى الصدق، والناس أحوج إلى القدوة الصالحة.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


لائحة المصادر والمراجع:

– القرآن الكريم.

– محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، 1422ه، الطبعة الأولى.

– مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

– أبو عبد الله الحاكم، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990، الطبعة الأولى.

– أبو عيسى الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1975، الطبعة الأولى.

– أبو داود، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، صيدا، المكتبة العصرية.

– النسائي، السنن الكبرى، تحقيق حسن عبد المنعم شلبي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 2001، الطبعة الأولى.

– ابن ماجه بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق فؤاد محمد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية.

– أبو القاسم الطبراني، المعجم الصغير، المحقق محمد شكور محمود الحاج أمرير، بيروت، 1985، الطبعة الأولى.

– أبو بكر البيهقي، دلائل النبوة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ه، الطبعة الأولى.

– معمر بن راشد، الجامع، حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1403، الطبعة الثانية.

– ابن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990، الطبعة الأولى.

– علي الصعيدي، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، تحقيق أحمد حمدي إمام، مصر، مطبعة المدني، 1987، الطبعة الأولى.

– أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، بيروت، دار التراث، 1387ه، الطبعة الثانية

– ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق، تحقيق روحية النحاس، دمشق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1984، الطبعة الأولى.

– ابن كثير، البداية والنهاية، بيروت، مكتبة المعارف، 1988، الطبعة السابعة.

– أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، تحقيق مفيد محمد قميحة، بيروت، دار الكتب العلمية،

-أحمد زكي صفوة، جمهرة خطب العرب، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1923، الطبعة الأولى.

– أبو عمرو عثمان الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون.

– الدكتور جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 19993، الطبعة الثانية.

– حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 2001، الطبعة الخامسة عشر.

– يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سلمان، استنبول، مؤسسة فيصل للتمويل، 1988.


 1 أبو عثمان عمرو الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة-مصر، مكتبة الخفاجي، 1997، الطبعة السابعة، ج 3، ص 241

 2 الدكتور جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1993، الطبعة الثانية، ج 8، ص 772. 2

 3صحيح مسلم – كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة – حديث:‏1481‏ [3]

 4 صحيح مسلم – كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة – حديث:‏1483‏ [4]

 5 صحيح البخاري – كتاب العلم باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة – حديث:‏70‏ [5]

 6سورة الأحزاب، الآية 21 6

 7صحيح مسلم – كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة – حديث:‏1488‏ [7]

 8دلائل النبوة للبيهقي – باب أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حديث:‏779‏ [8]

 9جامع معمر بن راشد – باب لا طاعة في معصية حديث:‏1306‏.9

 10ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق، تحقيق روحية النحاس، دمشق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1984، الطبعة الأولى ج44 ص 263/264

11 سورة الكهف الآية 45/4611

 12 أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، بيروت، دار التراث، 1387ه، الطبعة الثانية ج 4 ص 24312

 13 تاريخ الطبري ج 4 ص 43613

 14 الطبقات الكبرى لابن سعد – طبقات البدريين من المهاجرين ومن بني عدي بن كعب بن لؤي – ذكر استخلاف عمر رحمه الله حديث:‏3641‏.

15 المستدرك على الصحيحين للحاكم – كتاب الأحكام حديث:‏7084‏. 15

16 سنن الترمذي الجامع الصحيح – الذبائح أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء في الخلافة حديث:‏2203‏. [16]

17 المعجم الصغير للطبراني – من اسمه الفضل حديث:‏750‏. [17]

18هذا البيت مجهول قائله، وهو أحد أبيات سيبويه الخمسين التي لم ينسبوها إلى قائل معين، وقد رواه وقال عقب روايته: ” هذا عربي حسن “

19 أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، تحقيق محمد مفيد قميحة، بيروت-لبنان، دار الكتب العلمية، 1983، الطبعة الأولى، ج 4، ص 171

20 ابن كثير، البداية والنهاية، بيروت، مكتبة المعارف، 1988، الطبعة السابعة ج 9 ص 64.

21 صحيح البخاري – كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته – حديث:‏4191‏. [21]

22 سورة الأحزاب الآية 33. 22

23 سورة الشورى الآية 2323

24 سورة الشعراء الآية 214.24

25 سورة الحشر الآية 7.25

26 سورة الأنفال الآية 41.26

27 أحمد زكي صفوة، جمهرة خطب العرب، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباني وألاده، 1933، الطبعة الأولى، ج 3، ص 1-3. [27]

28 سورة الأنبياء الآية 10728

29 سورة المائدة الآية 3.29

30 العقد الفريد، ج 4، ص 18630

31  يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سلمان، استنبول، مؤسسة فيصل للتمويل، 1988، ج 2 ص 156

32 علي الصعيدي العدوي، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، تحقيق أحمد حمدي إمام، مصر، مطبعة المدني، 1987، الطبعة الأولى، ج 2 ص 150

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.