التشريعات والقوانين|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
التشريعات والقوانين|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
يمكنكم تحميل الكتاب من الرابط التالي :
“الاقتصاد الإسلامي وأثره في ترسيخ مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية”
قبل بدء الحديث عن القوانين والتشريعات الإسلامية، لابد تقرير حقيقة جوهرية ثابتة في نفس كل مؤمن مخلص قوي الإيمان، وهي أن المال مال الله تعالى، وما الناس إلا خلفاء أو وكلاء قيمون عليه، وعليهم أن يتصرفوا فيه وفق هذا المنهج السلوكي التربوي الرباني، يقول تعالى:
(آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) الحديد: 7.
(وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) النور: 33.
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) النساء: 5.
لم يكتف التشريع الاسلامي بتقديم نماذج إنسانية وبشرية حية للعدل، لئلا يقول الناس، إن أولئك كانوا صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولن نتمكن من مجاراتهم، كما أنه لم يترك مسألة دفع الأموال وإخراجها مسألة شخصية، من شاء أخرج المال، على سبيل الصدقة، ومن ولم يشأ لم يخرج من ماله شيئًا، لا؛ فالأمر هنا ليست بالخيار وإنما هناك فروض في مال المسلم واجب عليه إخراجها كالزكاة، يخرجها الفرد طائعًا مختارًا، أما إن أبى فتؤخذ منه عنوة وبالقوة، وبجانب الزكاة المفروضة في الأموال هناك زكاة الفطر والنذور والكفارات، ومن أجل ذلك عمد الإسلام إلى سن القوانين وفرض التشريعات المالية التي تحفظ للفقير كرامته وتعينه على قضاء حوائجه، فقد روي عن الصحابي الجليل، أبو زر القفاري، قوله: عجبت لرجل لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه. ولكي لا تحدث تلك الفتنة وضع الإسلام القوانين الصارمة المستنبطة من القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة، فكانت الزكاة هي أعظم التشريعات وأوسع أبواب الرزق والتوسعة على الفقراء والمساكين، ومع اتساع هذا الباب إلا أن الزكاة لم تكن هي الباب الوحيد من أبواب البذل والعطاء في سبيل الله فبالاضافة إلى الزكاة كمورد رزق للمحتاجين نجد: زكاة الفطر، الصدقات، والكفارات، والنذور، الوقف، الهدية، والهبة، والإنفاق في سبيل الله دون حد وغيرها من أبواب البر والخير المشرعة دومًا أمام الخيرين وأهل الخير.
أولا: الزكاة:
لم يتهاون الإسلام في ضبط شؤون هذه الشعيرة التعبدية، وإنما تشدد فيها وفي ما يتصل بها من جمع: (عن أبي حميد الساعدي قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجلا من أهل اليمن على زكاتها، فجاء بسواد كثير فإذا أرسلت إليه من يتوفاه منه، قال: هذا لي وهذا لكم فإن سئل من أين لك هذا؟ قال: أهدي لي، فهلا إن كان صادقا أهدي له وهو في بيت أبيه أو أمه، ثم، قال: لا أبعث رجلا على عمل فيغتل منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة على رقبة بعير له رغاء أو بقرة تخور أو شاة تيعر ثم قال اللهم هل بلغت فقال بن الزبير لأبي حميد أنت سمعت هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: نعم). وللنظر إلى الجانب اللين من شخصية نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، وهو يوصي الصحابي معاذ بن جبل: (عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل، حين بعثه إلى اليمن، إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) ، ولعل التدرج، هنا، لا يخفى على ذي بصيرة، ولكن الجزء الأهم، في هذه الوصية، هو تلك المشاعر النفسية النبيلة التي نلمسها في قوله، صلى الله عليه وسلم، إياك وكرائم أموالهم، فمن المعروف أن الزكاة، في البدء، تخرج طوعًا واختيارًا، ولكن على المسلم أن يقدم أطيب ما لديه دون اكراه من أحد.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي دومًا ما تقترن بالصلاة في آي القرآن العظيم، وفي ذلك دلالة على المكانة السامية التي تتبوأها هذه الشعيرة في التشريع الإسلامي، فنحن قد نجد الصلاة والصوم في ملل أخر غير ملة الإسلام أما الزكاة، بصورتها التي بينها الإسلام، فلا نظير لها في جميع الأديان، سماوية كانت أو غير سماوية، فهي تشريع إسلامي صرف، قال تعالى:
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة: 60.
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة: 103.
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج: 24-25.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) المؤمنون: 4.
والزكاة حق المال وهي عبادة من ناحية، وواجب اجتماعي مستحق من ناحية أخرى، كما أنها تمثل الطهارة والزيادة؛ طهارة للنفس وابراء لذمة مؤديها عندما يخرجها بنية التقرب إلى الله تعالى، وباعتبارها حق الجماعة في عنق صاحبها، ولتكفل الكفاية للفقير المحتاج، فالإسلام يأبى أن تكون هناك فوارق طبقية بحيث تعيش فئة في بحبوحة وترف، بينما يعيش غيرهم في ضيق وشظف، وعلى الفرد، في الإسلام، أن يسد حاجته من كده وعرقه، فإن عجز فمن مال الجماعة، وهذا حق وواجب توجبه تشريعات العقيدة الإسلامية، ليست بمنة أو تفضل من أحد . والزكاة تحمل في ثناياها العديد من الأبعاد، الدينية العقدية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية..، فهي تنعكس على جميع أفراد المجتمع بالنفع والخير الوفير، من خلال ما تحققه من توازنات مالية واقتصادية وتنموية، وفوق كل هذا وذاك فهي قيمة إنسانية وشعيرة دينية يتحقق بها التطهر من الأدران الحسية والمعنوية وسمو بالروح إلى أعلى عليين.
ـ الإبداع والإبتكار: يمكننا القول بأن بين تلافيف وخلايا العقول المفكرة تكمن العديد والكثير من الأفكار المفيدة للفرد والمجتمع، ومن تلك الأفكار يتولد الإبداع والإبتكار؛ وبناء عليه أود أن أطرح، في هذه الدراسة، فكرة مختصرة يمكن تطويرها والاستفادة من نتائجها الاقتصادية، وخلاصة الفكرة هي: “أنه بلإمكان الاستفادة من بعض مصارف الزكاة، غير المستخدمة اليوم، كسهم المؤلفة قلوبهم، والغارمين، وابن السبيل، في مجالات تمويل الأفكار الابداعية الخلاقة التي يبدعها الشباب من ذوي العقول المفكرة والهمم والطموحات العالية”، فهناك العديد من أصحاب المشاريع والأفكار الاستثمارية النيرة والمخترعات الحديثة التي يمكن أن تفيد المجتمع المسلم وتعود عليه بالخير الوفير، ولا تحتاج إلا لمن يقدم لها التمويل، والاستثمار في مثل هذا النوع من الاستثمارات يعد من الاستثمارات المأمونة والقليلة المخاطر وهي ذات عائد أكثر وأوفر حظًا من سواها، فضلاً عن أنها تخضع لكثير من البحوث والدراسات حتى أتبتت جدواها المادية المرجوة منها، كما يمكن للجهة الممولة (ديوان الزكاة) أن يخضعها لمزيد من الدراسات والتمحيص حتى تطمئن القلوب لعملية التمويل، كما يمكنهم استشارة أهل الخبرة والاختصاص في كل مجال من المجالات العلمية وهم كثر ليبدوا رأيهم ووجهة نظرهم العلمية الدقيقة زيادة منهم على الحرص وإمعانًا في الطمأنينة القلبية. ولعل الناظر إلى الغرب وما فيه من تطور تقني وعلمي، اليوم، يشهد ما تغدقه المؤسسات المالية من أموال لا تحصى ولا تعد نظير الفوز بفكرة أو اختراع جديد، وتشير العديد من البحوث والدراسات إلى أن هناك الكثير من العقول التي تجوب العالم، شرقًا وغربا، باحثة عن الجديد ومستهدفة المختراعت العلمية والأفكار الاستثمارية ذات العائد المالي الكبير؛ لتظفر بها قبل الآخرين، فهم في سباق دائم وتطلع لا ينقطع للجديد المبتكر، إذ أنهم يتطلعون إلى المستقبل بعيون مفتوحة وقلوب مستبصرة ويعملون ليلاً ونهارًا وبلا كلل ولا ملل في سبيل الجمع بين صاحب المال وصاحب الفكرة أو الاختراع، وعلى صاحب الفكرة أن يبذل الكثير من الجهد ليكون مقنعًا ولينال التمويل، لمشروعه أو فكرته، من صاحب المال، فأصحاب رأس المال يتسمون بالجبن والخوف على أموالهم فلا يخرجونها إلا إذا اطمأنت قلوبهم إلى وجود العائد، بل والعائد المغري الذي يسيل له لعاب المستثمر، وهذا هو الأسلوب المتبع في الحصول على التمويل في كثير من أنحاء العالم. وربما كان من المفيد، هنا، أن نذكر بجهود المخترع الأمريكي الذي قام، في العام 1803م، بمجهودات ضخمة في سبيل تصميم آلة تعمل باالبخار، ونجح في مسعاه ولكنه فشل في الحصول على التمويل اللازم لاختراعه من الفرنسيين، حيث كان يقيم في فرنسا، فلما يئس منهم توجه بمشروعه إلى بلاده، فصادف هوىً في نفوس الأمريكان المولعين بكل جديد فما كان منهم إلا أن وفروا له الأموال اللازمة لمشروعه الاستثماري العظيم، والذي لاقى نجاحًا منقطع النظير، وقد ندم الفرنسيون كثيرًا فيما بعد على تفريطهم في ذلك المشروع أيما ندم، ولكنه ندم حيث لا ينفع الندم.
إن من أسباب تقدم الغرب العناية بمن اخترع أو ابتكر ما ليس له مثيل ولم يسبق إليه، وأيضًا يحتفون بمن أجاد في عمل مفيد، حيث كانوا يعقدون مجلسًا، كل أربع أو خمس سنوات، يتكون من العارفين والعالمين المستبصرين بحقائق العلم والعلوم، لينظر في كل جديد ومبتكر فإن وجدوا في تلك المخترعات المقدمة إليهم ابداعًا وابتكارًا جديدًا منحوا صاحبه جائزة، وبذلك تطورت لديهم العلوم وتكاثرت الجوائز .
فليت المسئولون عن أموال الزكاة، وأصحاب رؤوس الأموال، ينهجون هذا النهج بتقديمهم الجوائز والحوافز للمبدعين وأن يعملوا على تبني الأفكار الجديدة والمبتكرة ليزدهر الاقتصاد وتعم الفائدة على المجتمع المسلم
ثانيًا: زكاة الفطر:
تعتبر من الفروض الواجبة الأداء في التشريع الإسلامي، وقد شدد الفقهاء في إخراجها قبل صلاة عيد الفطر، لكي تمنع الفقراء من ذل السؤال في هذا اليوم: (عن بن عمر، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين).
ثالثًا: الكفارة: يقول تعالى:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة: 89.
رابعًا: النذر:
يقول تعالى:(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) الإنسان: 7-10.
خامسًا: الصدقات:
يقول تعالى:(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) البقرة:271.
سادسًا: الديات: يقول تعالى:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء: 92.
سابعًا الدَّين:
للديون أهمية كبرى في تشريعات العقيدة الإسلامية ويكفي أن أطول آي القرآن العظيم قد وردت في شأن الدين يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) البقرة: 282.
وفي صحيح البخاري: (عن جابر، رضي الله عنه، قال: أصيب عبد الله وترك عيالا ودينا فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا من دينه فأبوا فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فاستشفعت به عليهم فأبوا، فقال: صنف تمرك كل شيء منه على حدته عذق بن زيد على حدة واللين على حدة والعجوة على حدة ثم أحضرهم حتى آتيك ففعلت، ثم جاء، صلى الله عليه وسلم، فقعد عليه وكال لكل رجل حتى استوفى وبقي التمر كما هو كأنه لم يمس وغزوت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، على ناضح لنا فأزحف الجمل فتخلف علي فوكزه النبي، صلى الله عليه وسلم، من خلفه، قال بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا استأذنت، قلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس. قال: صلى الله عليه وسلم، فما تزوجت بكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، أصيب عبد الله وترك جواري صغارا فتزوجت ثيبا تعلمهن وتؤدبهن، ثم قال: ائت أهلك. فقدمت فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني فأخبرته بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي، صلى الله عليه وسلم، ووكزه إياه فلما قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، غدوت إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم) . وأيضًا ورد في سنن أبي داود: (عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله، عز وجل، همك وقضى عنك دينك قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل، إذا أصبحت وإذا أمسيت، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله، عز وجل، همي وقضى عني ديني) .
ثامنًا: الميراث:
هو نظام إسلامي يمثل أرفع وأرقى الأساليب في تفتيت الثروة وتوزيع الأموال بين أقارب المتوفي، يقول تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء: 11.
تاسعًا: الهدية:
هي أسلوب محبب إلى النفس البشرية يعمل الناس، من خلاله، على التقارب والتآلف في ما بينهم، يقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: (عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت) ، كذلك جاء موطأ الإمام مالك: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) .
عاشرًا: الهبة:
هي عبارة عن أعطية تمنح للأقارب والمعارف، على سبيل التودد والاستحباب، يقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: (عن بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال: النبي، صلى الله عليه وسلم، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ليس لنا مثل السوء) ، وكذلك جاء في صحيح البخاري: (عن عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته) .
الحادي عشر: الوصية:
هي أشبه بالهبة، غير أنها تؤول للوصي بعد وفاة الموصي، يقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: (عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: عادني النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلت أوصي بمالي كله قال لا قلت فالنصف قال: لا، فقلت: أبالثلث؟ فقال: نعم والثلث كثير) .
الثاني عشر: في سبيل الله:
إنها الصدقات والأموال التي يخرجها الناس، في شتى ضروب الخير، بنية التقرب إلى الله تعالى، يقول تعالى:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة: 264-265.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال: 3-4.
ومع كثرة أبواب انفاق المال، في الإسلام، إلا أنه لم يسمح، يومًا، بالتبطل والكسل والاعتماد على ما يخرجه الناس من صدقات وهبات وزكاة أموالهم، وغيرها مما ينفق في سبيل الله، وإنما دعا الناس إلى العمل بجد واجتهاد، وحببه إلى نفوسهم من أجل اكتساب الرزق والعيش بكرامة وعدم سؤال الناس حيث يقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم:
(عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، يقول، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه) .
(عن بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف والمسألة، اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة) .
(عن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) .