منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(2) شعب الله المختار أم ـ شعب القتل والدمار ـ 

د. مصطفى العلام

0

3 ـ “شعب الله المختار” في الديانة المسيحية والإسلام .

وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين والمسيحيين هم أيضا ينتسبون إلى نبي الله إبراهيم، لكن اليهود يعدون انتسابهم إليه بمثابة عهد مقدس بين الرب وشعبه المختار خاص بهم هم وحدهم دون غيرهم من الشعوب. ويعتبرون أيضا أن هذا الانتساب حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش ، وذلك من أجل توظيفها في الصراع الدائر بينهم وبين المسلمين على ملكية الأرض المقدسة هناك. » هذا التزوير له علاقة مباشرة بالعقائد اليهودية السائدة، بالوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة وما يتطلبه ذلك من أدوات للصراع لتحقيق الغلبة والتفوق وإضفاء الشرعية أمام الرأي العام والخاص ، لكسب المعركة الكبرى في المنطقة وخارجها . » [11]

أ ـ المسيح عليه السلام يسميهم ” أولاد الأفاعي”:

لم يكن السيد المسيح ليقبل اعتقادا كهذا، يقوم على الانتساب الجسدي لإبراهيم ولم يكن ليقبل بهذه الخصوصية، خصوصية العهد بين الرب وشعبه المختار. لقد جاء ـ عليه السلام ـ لمحاربة هذا الاعتقاد وتسفيه أحلام أصحابه، وكذلك كان يفعل ” يوحنا المعمدان”  الذي حاول أن يصحح لليهود هذه الفكرة قائلا لهم كلما رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ. . » انجيل متى،الإصحاح 3 : 7-8-9

حاول المسيح عليه السلام دعوة اليهود إلى التوبة إلى الله والابتعاد عن هذا الاعتقاد الخاطئ بأفضلية شعب الله المختار عن غيرهم من الأغيار، وأكد لهم أن الانتساب إلى إبراهيم الخليل إنما يتم بالأعمال لا بالأقوال(أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. . » إنجيل يوحنا الإصحاح 8: 39-40
كما أن السيد المسيح – عليه السلام – كان يبين لبني إسرائيل أن الادعاء بأنهم وحدهم من ينتسب إلى إبراهيم عليه السلام وأنهم بذلك اختارهم الرب ليكونوا شعبه المختار،أمر لايمكن أن يجنبهم الظلمة الخارجية، حيث يكون البكاء وصرير الأسنان. »فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ». إنجيل متى الإصحاح 8 :10-11-12

ب ـ نظرة المسلمين إلى فكرة شعب الله المختار

إن المتأمل في سور القرآن الكريم ليجد إشارة واضحة إلى أفضلية بني إسرائيل على العالمين في سور وآيات. لكن أغلب المفسرين يرون أن هذه الأفضلية إما محصورة في عالم ذلك الزمان، وإما لكثرة الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم وليس لشيء يخصهم، ومن هذه الآيات نذكر مايلي:

ـ ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾سورة البقرة، الآية 47. يفسر الإمام القرطبي هذه الآية بالقول« (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) يُرِيدُ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمْ، وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ عَالَمٌ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ الْعَالَمِينَ بِمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم«  [12]. وقد أشار الإمام ابن كثير أيضا إلى أن هذه الأفضلية مرتبطة بالزمن الذي عاشوا فيه، وأضاف أن الأفضلية المطلقة تبقى لأمة خاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول ابن كثير في تفسيره «وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ: بِمَا أُعْطُوا مِنَ الْمُلْكِ وَالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ عَلَى عَالَمِ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ عَالَمًا. ورُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ نحوُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خِطَابًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٠] وَفِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ(١) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَة القُشَيري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ”. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ تُذْكَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾» [13]

وقد أشارت آيات أخرى لهذه الأفضلية أيضا نذكر منها:

ـ يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الجاثية، الآية 16﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
ـ ـ يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الدخان الآيات ، 30-31-32﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ .مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ.وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾

وردا على مزاعم دعاة فكرة شعب الله المختار، فإن الحق سبحانه وتعالى ينفي هذه الفكرة لأن البشر كلهم ملك لمالك السموات والأرض وما بينهما، وأنهم كلهم خلق الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء  وإليه المصير، يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآية 18 ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ وفي تفسير هذه الآية من سورة البقرة يقول الإمام القرطبي « قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَوَّفَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ الْعِقَابَ فَقَالُوا: لَا نَخَافُ فَإِنَّا أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ… (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أَيْ كَسَائِرِ خَلْقِهِ يُحَاسِبُكُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيُجَازِي كُلًّا بِمَا عَمِلَ.

(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أَيْ لِمَنْ تَابَ مِنَ الْيَهُودِ. (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) مَنْ مَاتَ عَلَيْهَا. (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فَلَا شَرِيكَ لَهُ يُعَارِضُهُ.(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أَيْ يَئُولُ أَمْرُ الْعِبَادِ إِلَيْهِ في الآخرة » [14]

خاتمة:

إن كل الدلائل تشير إلى أن ادعاء ” شعب الله المختار” لايتناسب مع جماعات صهونية ليست لها مقومات لتشكيل شعب، مادام أغلب أفرادها أتوا من دول متعددة ولايزالون يحملون جنسياتها ويتوفرون على جوزات سفرها. كما أن الحركة الصهيونية توظف فكرة شعب الله المختار لاحتلال أرض وتهجير شعب فلسطيني أعزل ، وقتل أطفاله ونسائه، أمام مرآى ومسمع عالم غربي تقوده الولايات المتحدة يتستر على هذه الجرائم الصهيونية، مما يتسبب في فقدانه المصداقية الأخلاقية والسياسية المطلوبة، وأمام حكومات بعض الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني مما يتسبب في فقدانها هويتها العربية الإسلامية الأصيلة.


الهوامش

[11] جمال البذري:النبي إبراهيم-رؤية معاصرة لشخصية إبراهيم الخليل خارج منظور الصهيوني-الدار العربية للطباعة ،بغداد     1989م ص19

[12] ـ الإمام القرطبي : الجامع لأحكام القرآن( النسخة الإلكترونية)

[13] ابن كثير:  تفسير القرآن العظيم. ( النسخة الإلكترونية)

[14] الإمام القرطبي : الجامع لأحكام القرآن( النسخة الإلكترونية)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.