مقدمة:
صلى الله وسلم على من أرسله ربه رحمة للعالمين. وجعله أمانا لأهل الأرض فلا يعذبهم ما كان فيهم، قدوة يقتدون به وسنة يتبعونها. يوجههم في حياتهم، ويرشدهم لما فيه خيرهم دنيا وأخرى. حريص عليهم. من حرصه أن هداهم لما يحفظ صحتهم. حيث هي أمانة من ربهم، وبها عمارة الأرض وتحقيق العبودية لله رب العالمين. حق للناس أن يكتبوا توجيهاته صلى الله عليه وسلم بماء الذهب، وأن يحفظوها، ويعملوا بها، فلم تزدها الأحداث إلا مصداقية. فقد آن للبشرية أن تجثو بين يديه تتعلم منه صلى الله عليه وسلم. وآن للمسلمين أن يقدموا كنز سنته للعالمين، خدمة للبشرية ورحمة بها. نقف في هذه المقالة على جملة من التوجيهات النبوية المتعلقة بالصحة. في محاور أربعة :النظافة والطعام والشراب والتداوي والتعامل مع الوباء.
أولا: هديه صلى الله عليه وسلم في النظافة:
أولت السنة النبوية الطهارة عناية بالغة. حتى جعلتها نصف الإيمان. وقرنت بين طهارة البدن وطهارة القلب. عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطهور شطر الإيمان ».[1]
وجعلت النظافة سببا لنيل الدرجة العظيمة. تلك الدرجة التي تشرئب إليها أعناق المؤمنين. إنها درجة المحبوبية عند الله تعالى. عن صالح بن أبي حسان ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : « إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود ؛ فنظفوا – أراه قال : أفنيتكم – ولا تشبهوا باليهود.«[2]
لم يكتف التوجيه النبوي بالتنبيه إلى أهمية النظافة على سبيل الإجمال، وإنما فصل التفاصيل، ودقق الدقائق. يظهر هذا من خلال التوجيهات التالية:
- المواظبة على الوضوء: فالوضوء يطهر أعضاء معينة تكون عرضة للأوساخ التي قد تسبب أمراضا للإنسان. فضلا عن آثاره الروحية والنفسية… عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات ؟ ” قالوا : بلى، يا رسول الله. قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط ».[3]
- المبالغة في الاستنشاق: لقد أصبح شائعا أن كثيرا من الميكروبات تدخل جسم الإنسان عن طريق الأنف. فلا غرو أن يأتي التوجيه النبوي مشددا على المبالغة في الاستنشاق. عن عاصم بن لقيط بن صبرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا استنشقت فبالغ، إلا أن تكون صائما ».[4]
- السواك: وهو تطهير الفم بما تيسر من أدوات التنظيف. وقد كانت سنته صلى الله عليه وسلم أن يبدأ به إذا دخل بيته. وفي هذا ذوق عال وحس راق، فهو عليه السلام سيكلم أهله، وقد كان خير الناس لأهله. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك[5]. وانظر إلى رحمته صلى الله عليه وسلم كيف أشار إليهم من طرف خفي إلى ضرورة السواك خوفا من أن يفرض عليهم فلا يطيقون. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»[6].
- تقليم الأظافر: عن أبي هريرة قال : « خمس من الفطرة : تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان »[7]
ثانيا: هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام والشراب:
جاءت التوجيهات النبوية في الطعام والشراب شاملة، نافعة، ماتعة، بدءا من التأكيد على أكل الطيبات، إلى بيان الكيفيات، فالتحذير من سيء العادات.
- أكل الطيبات: والطيبات ما أحله الشرع. والشرع لا يحل إلا ما ينفع الناس ، ولا يحرم إلا ما يضرهم .عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟»[8]
- عدم الإسراف: أوصى صلى الله عليه وسلم بالاعتدال في كل شيء، ونبه إلى أن الإسراف في الأكل والشرب شر من الشر. عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس »[9].
- تغطية الطعام وحفظه: احترازا مما قد يصيبه من شر الشيطان، أو ما قد يقع فيه من الهوام والميكروبات. التي قد تؤذي صحة الإنسان. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «…أغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله ؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم ، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم ».[10]
- عدم النفخ في الطعام والشراب: عن ابن عباس، قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام والشراب» [11].
[1] – صحيح مسلم – كتاب : الطّهارة- باب : فضل الوضوء . رقم الحديث: 223
[2] – سنن الترمذي – أبواب الأدب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم – باب : ما جاء في النّظافة رقم الحديث: 2799
[3] – صحيح مسلم – كتاب : الطهارة – باب : فضل إسباغ الوضوء على المكاره رقم الحديث: 251
[4] – مسند أحمد – مسند المدنيّين – رقم الحديث: 16380
[5] – صحيح مسلم – كتاب : الطّهارة – باب : السّواك- رقم الحديث: 253
[6] – صحيح البخاري – كتاب : الجمعة – باب السّواك يوم الجمعة.رقم الحديث: 887
[7] – سنن النسائي – كتاب الزّينة – من السّنن الفطرة – رقم : 5044
[8] – صحيح مسلم – كتاب الزكاة – باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتزيينها – رقم 1015
[9] – سنن ابن ماجه – كتاب الأطعمة – باب : الاقتصاد في الأكل وكراهة الشّبع- رقم: 3349
[10] – صحيح البخاري – كتاب : الأشربة – باب تغطية الإناء.- رقم: 5623
[11] – 1- مسند أحمد – ومن مسند بني هاشم – مسند عبد اللّه بن العبّاس – رقم: 2817