منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(3) أدوار العلماء في ثوابت الأمة للدكتور عصام البشير

(3) أدوار العلماء في ثوابت الأمة للدكتور عصام البشير / عبد العزيز ثابت  

0

(3) أدوار العلماء في ثوابت الأمة

للدكتور عصام البشير

من إعداد الأستاذ: عبد العزيز ثابت  

في إطار نشر موقع منار الإسلام لمضامين محاضرة ” دور العلماء في الحفاظ على ثوابت الأمة “ التي ألقاها الشيخ الدكتور عصام أحمد البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبر منصة بيان للتدريب والبحث العلمي يوم السبت 5 يونيو 2021 الموافق لـ 24 شوال 1442 على الساعة التاسعة مساء بتوقيت ماليزيا، الرابعة مساء بتوقيت مكة المكرمة، وبعد نشرنا للحلقة الأولى التي تضمنت ثلاث مسائل دققت المقصود بكل من العلماء والأمة، وحاجة الأمة للعلماء، ونشرنا للحلقة الثانية المركزة على مظاهر التشكيك في ثوابت و مصادر الوحي، ننشر اليوم حديث فضيلته عن أدوار العلماء الرئيسية، فمتابعة طيبة.

الدور الأول: دور العلماء في الدفاع عن ثابت الحكم الرشيد في الأمة

هنالك إشكاليات متعلقة بدور العلماء فيما يتعلق بالقضايا الساخنة للأمة، كيف نحافظ على ثوابتها؟ هنالك الثوابت المتعلقة بأن نقيم أمة الوطن، أن نقيم الأوطان على قاعدة الشرعية، الشرعية أعني بها هنا إرادة الأمة، كيف يبذل العلماء دورا متعاظما بإحياء هذا الثابت المتعلق بإعلاء قيمة مصدرية الأمة، أن الأمة مصدر السلطان من حيث إرادتها في اختيار الحاكم الذي تراه أهلا لأن يقودها، و العقد الاجتماعي الذي يتراضى عليه الناس، و أن تنعقد بيعة حرة رضائية دون قهر، و أن تتأسس الحياة على التلازم بين الحقوق و الواجبات، و أن يكون الحاكم أجيرا و خادما للأمة، و أن يعلي العلماء من قيمة إنسانية الإنسان، كرامة الإنسان، حرية الإنسان، مساواة الإنسان المساواة العادلة، الشورى، البر و القسط، استكفاء الأمناء و تقليد الصلحاء. هذه القيم التي يثبت بها العلماء ثابت الحكم الرشيد في الأمة، ونحن نلاحظ اليوم كيف أن الأمة اختطفت، صودرت إرادتها. و الآن العلماء بدل أن يتكلموا عن حرمة الخروج على الحاكم، ينبغي أن يركزوا على ثابت قد اختل، أن الذي يخرج اليوم ليست الشعوب، و إنما الذي خرج هو الحاكم، الحاكم خرج على الأمة، خرج على مصدرية حياتها المتمثل في  الشريعة، خرج على إرادة الأمة في حق اختيار من تراه أهلا لقيادتها، خرج على الأمة فيما يتعلق بحقوقها و واجباتها، خرج على إرادة الأمة في إبعاد الصلحاء و الأمناء ، خرج على الأمة في أنه جعل منهج الطغيان و الجبروت و الاستبداد و الفساد هو الذي أصبح يحكم واقع المجتمع، ففي الحقيقة الحاكم هو الذي خرج على الأمة. فالدفاع عن الثابت هنا هو كيف نعيد للعلماء أوجهم في زمن صاروا فيه لقمة للساسة، فعلماء الأمة بين قتيل وطريد وشريد، وثرواتها تنتهك وعقولها يحجر عليها، و كفاءاتها تغادر الأوطان، حتى البيئة، بيئة الأوطان لم تعد صالحة. وهنا العلماء ينبغي أن يحرروا مفهوم الثابت في مثل هذه القضايا في ضوء اختلالات المعاني الكثيرة.

الدور الثاني: العلماء وضرورة التحرر من ضغط الحكام وأهواء العوام.

مما يعين على أن يلعب العلماء دورا في الحفاظ على الثوابت، ثوابت الأمة الحقيقية في الحرية والكرامة والشورى والعدل وغير ذلك، أن يتحرر العلماء من ضغطين، لا يستطيع العلماء أن يدفعوا عن الثوابت الصحيحة إلا أن يتحرروا من ضغطين: من ضغط الحكام ومن أهواء العوام. فيمن يقع ارتهان ما يتعلق بأن يكون المفتي يفصل فتواه ورأيه وفق ما يشتهي الحاكم، وهذا يفقد مصداقيته عند الله وعند الناس، يصبح مقطوع الرحم، لا موصولا لا بحبل من الله ولا بحبل من الناس، وهذا أشبه بأحبار بني إسرائيل الذين بدلوا دينهم وحرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا. وهنالك من يقف أمام الحكام ولكنه يخضع لأهواء العوام، الجماهير. لا يريد أن يخالفهم حتى لا تقل شعبيته، وحتى لا تنطفئ نجوميته، وغير ذلك من الأسباب. فالعالم لا يستطيع أن يدافع عن ثوابت الأمة وعن قضاياها إلا أن يكون حرا مستقلا، حرية يتحرر فيها من ضغط الحكام ومن أهواء العوام: {فاحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}.

الدور الثالث: العلماء والدفاع عن مقدسات الأمة.

من ضمن الثوابت التي يحتاج أن يلعب فيها العلماء دورا ما يتصل أيضا بمقدسات الأمة، وعلى رأسها القضية الكبرى، قضية أرض النبوات ومحور الرسالات، ديار أيوب ومحراب داوود وعجائب سليمان ومهد المسيح ومهاجر الخليل ومنتهى الإسراء ومبتدأ المعراج. هاته التي يجد الناس اليوم ليس هنالك أقوى من المقاومة بكل فصائلها هي التي عبرت عن ضمير هذه الأمة وحافظت على ثابت الأمة في هذه القضية ومن ورائها هذا الحشد وهذه الكوكبة من العلماء الربانيين الذين وقفوا وينبغي أن يقفوا لإزالة هذا التلبيس على الأمة تارة بحجة التطبيع مع الكيان الصهيوني وتارة بحجة ما يسمى بتوحيد الأديان. أولا مصطلح الأديان هو ليس دقيقا، الدين واحد هو الإسلام، بمعنى الإسلام الاستسلام، المعنى الواسع: {وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}، {وأنا أول المسلمين}، {وأنا من المسلمين}. هذا بالمعنى الواسع، وفي الإسلام بمعنى مجموعة الشرائع التي بعث الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم والتي جاءت خاتمة للرسالات وجبت الكتب التي قبلها. الدين كله واحد، الذي بعث الله به نوحا هو الذي بعث به النبي عليه الصلاة والسلام وإبراهيم وموسى وعيسى: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}، نعم هنالك شرائع لذلك قال: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}. الدين واحد والشرائع متعددة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى). والدعوة الباطلة التي تستخدم في هذا السياق لإذابة هذا الذي يسمونه بين الأديان بالدعوة الإبراهيمية، {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما}، والأمة ورثت ميراث إبراهيم عليه السلام، هذه هي الأمة المسلمة، قال الله تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذي آمنوا}. فينبغي أن تصحح هذه المفاهيم، نحافظ على المقدسات وكذلك يحافظ العلماء أو يردوا التلبيس الناشئ في الأذهان والذي تروج له محطات ودول ومؤسسات ويعتبر هذا من فرائض الوقت ومن واجبات الساعة المتعينة على العلماء في مثل هذه المسألة.

الدور الرابع: وجوب توجيه طاقات الأمة نحو القضايا الكبرى.

هنالك أيضا في التيارات الفكرية أو الدعوية حملة لصرف الأمة عن القضايا الكبرى للانشغال بالقضايا الأخرى، إما قضايا خلافات تاريخية أو خلافات معاصرة لا أثر لها، وينبغي للعلماء هنا وهم يحمون عرين الثوابت أن يوجهوا طاقات الأمة نحو القضايا الكبرى. و أما القطعيات، المحكمات، الثوابت، كما ذكرنا، ثوابت العقيدة، ثوابت الشريعة، ثوابت القيم، ثوابت المقاصد، ، ثوابت الأحكام، ثوابت الأمة، أرضا و موارد و ثروات و قيم و شرعية، و كذاك هذا التثبيت لهذه الثوابت بكل صورها و أشكالها، تجميع طاقة الأمة نحو هذه التوابث، و أن يسع بعضنا بعضا في قضايا الخلاف الجزئي أو الفرعي المبني على ظنيات الأحكام أو مسائل الاجتهاد أو المسائل التي تتعلق بتعلق الزمان و المكان و العرف و الحال، فلا ينبغي أن تقوم معارك على الفروع و الأصول مضيعة، على الجزئيات و الكليات منتهبة، على صغائر المسائل و كبريات القضايا تتعرض لهذا التحدي الشائك، فأيضا على العلماء نقل طاقات الأمة نحو هذه القضايا هذا واجب و مفروض عليهم و هو من الواجب الذي يتعلق بالحفاظ على ثوابت الأمة.

الدور الخامس: العلماء والتصدي لمخطط تمزيق الأمة.

وأخيرا من الثوابت المهمة أيضا الحفاظ على الأمة التي يراد لها أن تنتقص من أطرافها، إما تنتقص من أطرافها في مصادر هدايتها ورشدها وإما أيضا في كيانها العضوي، إما في عالم المباني وإما في عالم المعاني. ولذلك اليوم محاولة تجزئة الأمة، تجزئة ما هو مجزأ، تقسيم ما هو مقسم، تفتيت ما هو مفتت، إما على أساس عرقي، يقولون الصراع الذي في غرب السودان في دارفور صراع بين عرب وزرقة، أو الذي في شمال إفريقيا بين عرب وبربر، أو في العراق بين عرب وأكراد وتركمان، أو في الخليج بين عرب وفرس. العروبة عندنا إما صراع عرقي لغوي وإما صراع مذهبي وإما صراع ديني بين أقليات غير مسلمة أو أغلبية مسلمة، هذا كله محاولة تفتيت بناء الأمة وأقطار الأمة كما انتقصت من أطرافها بعد مراحل في تاريخها. حتى الدولة التي جزأها الاستعمار وقسمتها الاتفاقيات يراد لها كذلك تقسيم ما هو مقسم وتجزئة ما هو مجزأ. العلماء هم كذلك لهم دور أيضا في الحفاظ على ثوابت الأمة في هذه القضية، فعلى العلماء أن يدققوا في مفهوم العروبة الجامعة، فالعروبة عندنا ليست عرقا، العروبة عندنا اللسان، من تكلم بها فهو عربي، سيبويه لم يكن عربيا وإنما عربه اللسان. الذي خدم التفسير من بين من خدم التفسير الزمخشري عربه اللسان، من زمخشر قرية من قرى خوارزم. الذي خدم الحديث من الأئمة إذا ذكرنا البخاري والترمذي و …، عربهم اللسان. الذي خدم الفقه، على رأسهم أبو حنيفة، عربه اللسان. فإذن نحن نتحدث أن تاريخ الأمة مليء بالذين كانوا أصلهم عرب و الذين عربهم اللسان و الذين كانوا من الموالي و الذين كانوا من الأعاجم، هذه الأمة تنوعت، من عظمتها أنها لم يكن لها مركز حضاري واحد في عواصمها، كانت في المدينة المنورة و كانت دمشق و كانت بغداد و كانت الكوفة و كانت تمبوكتو و كانت خراسان، مناطق تنوعت، المراكز الحضارية بالنسبة للأمة و العواصم بالنسبة للأمة، و كذلك الأعراق، كان العرب و الهند و الفرس و الترك و المغول و الحبش و البربر، كل هؤلاء كانوا مزيجا، و لذلك التفاضل ليس بالأقوى و إنما بالأتقى. فالعلماء عليهم أن يصدوا هذه الغائلة التي تحاول أن تمزق الأمة إما على أساس عرقي أو أن تحاول أن تمزق الأمة على أساس ديني، الأقليات المسلمة، غير المسلمة، عاشت في كنف الحضارة، وحقوقها كانت مرعية. والإمام علي لما ذكر لمالك الأشتر في مصر قال له: “الناس صنفان: إما أخ لك في الإسلام وإما نظير لك في الخلق”، يعني أخوك في الإنسانية. لما جاءت قضية الأسلمة والتعريب، هنالك شعوب أسلمت وتعربت مثل دول شمال إفريقيا، وهنالك شعوب تعربت لسانا ولم تسلم دينا كأقباط مصر، وهنالك شعوب أسلمت ولم تتعرب كالهند والفرس والترك والمغول والحبش والبربر، وهنالك شعوب عاشت في كنف الحضارة الإسلامية ولم تسلم ولم تتعرب مثل الآشوريين والكلدانيين. إذن نحن نتحدث عن أمة ذات رسالة واحدة لكن في طياتها تحمل التنوع الفكري والحضاري والعرقي، وكل هذا المزيج شكل عامل إثراء وخصوبة في مسيرة الأمة. اليوم لهذا التنوع الذي كان عامل ثراء وخصوبة، يراد له أن يكون أداة تمزيق للأمة، ولذلك واجب العلماء هنا أن يقوموا برحلة التصدي وأن يحافظوا على هذه القضية المتعلقة بثابت الأمة.

الدور السادس: العلماء وتحرير عقول الأمة من الارتهان للتاريخ والغرب.

وأخيرا كيف يحافظ العلماء أيضا ويصدوا الغائلة على عقول الأمة، العقول التي اغتربت؟ كما تحتل الأوطان تحتل العقول إما بالارتهان للتاريخ أو الارتهان للغرب والمسخ الحضاري، العلماء هنا كيف يحرروا ارتهان العقول من المسخ أو السلخ أو النسخ، حتى تكون عقول قادرة على أن تكون محررة وتخدم دينها وأمتها؟ وكذلك الانطلاقة بهذا التحدي لمساحات أخرى تتعرض لسهام كبرى، خاصة إفريقيا جنوب الصحراء، وهي قارة الإسلام، وإن شاء الله قارة المستقبل. كيف يوجه العلماء أيضا وهي تتعرض لكيد التنصير وكيد التشيع، كيف يحافظ الأمة على معاقد الهوية الدينية والشرعية والعقدية، هي وأيضا في المناطق الأخرى في أندونيسيا وفي غيرها، كل ما يهدم ثوابت الأمة في المبنى والمعنى، الذي يرتبط بالأصل أو الذي يتصل بالعصر. أعتقد أنه تحد يواجه العلماء، كل بقدره ووعائه، وعلى العلماء أن يتخذوا من الوسائل ويبدعوا من الإمكانات ما يعينهم على التصدي لهذه التحديات الكبرى مستعينين في ذلك بالله سبحانه وتعالى وعلى تعاونه ووحدة صفهم. والله نسأل أن يسدد الخطى وأن يمنحنا وإياكم توفيقا على مراقي الفلاح. أكتفي بهذا القدر وأردته أن يكون خواطر من هنا وهناك حتى تعين على إدارة حوار نحو دور العلماء في الحفاظ على ثوابت الأمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

يتبع في الحلقة الرابعة إن شاء الله تعالى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.