تقرير الندوة العلمية الدولية: الإسراء والمعراج: ذكرى وتذكرة
د. فاطمة اسويطط
تقرير الندوة العلمية الدولية
الإسراء والمعراج: ذكرى وتذكرة
د. فاطمة اسويطط
من السنن الحسنة التي درج عليها موقع منار الإسلام إحياؤه للمناسبات الدينية، واستضافتُه للعديد من المشايخ والدكاترة والباحثين الذين يسهمون في تنوير الرأي العام حول العديد من القضايا الفقهية والعلمية.
وقد نظم الموقع ندوة علمية دولية بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، اختار لها عنوان: ” الإسراء والمعراج ذكرى وتذكرة” وقد أطرها ثلة من الدكاترة والباحثين المهتمين بالسيرة النبوية وبالعلوم الشرعية.
استهلت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وبكلمة لمسيرة الندوة ترحمت فيها على أرواح شهداء زلزال تركيا وسوريا، والدعاء بالشفاء العاجل لكل المصابين، وأبرزت الهدف من إحياء مثل هذه المناسبات الدينية من أجل استنباط العبر والدلالات، خصوصا وأن دلالة المكان تحيلنا على ما يعانيه المسجد الأقصى من انتهاكات واعتداءات يومية من قبل الصهاينة الغاصبين.
ومن أجل إذكاء روح الانتساب لخير أمة أخرجت للناس، ومن أجل التجديد في طرح وإعادة قراءة المحطات البارزة في تاريخ المسلمين وتنزيلها بما يتوافق مع واقع الحال.
المداخلة الأولى أعطيت للمتدخل الدكتور أحمد الإدريسي المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، وقد تناول في مداخلته المعنونة ب: “اليقين والثبات على الحق طريق الارتقاء”.
محورين: الأول وضح فيه أن الثبات على الحق درب الصالحين، لتجاوز الفتن والابتلاءات، وفي المحور الثاني تحدث عن حادثة الإسراء والمعراج وكيف زرعت الأمل في زمن بدأ اليأس يدب إلى نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، وأكد على أن دلالات الذكرى يمكن أسقاطها على الواقع الحالي لتغيير ما بالأمة من هوان.

اختارت الباحثة والحقوقية الأستاذة رجاء الرحيوي لمداخلتها عنوان: “الإسراء والمعراج من تحرير الإنسان إلى تحرير العمران”.
حيث تناولت الموضوع في نقطتين الأولى: بواعث تحرير الإنسان ونظرا لارتباط دلالة المعجزة بالمكان أوضحت في الثانية الآثار المترتبة عن تحرير هذا الإنسان من كل المعيقات الذاتية والموضوعية وعلى رأسها ذهنية النفوس القاعدة، وذهنية الاستسلام لأمر الواقع، وأبرزت أن التحرير العمران والأوطان وعلى رأسها المسجد الأقصى وباقي فلسطين الأبية يتطلب الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية لإعادة الثقة في موعود الله تعالى بالنصر والتمكين لدينه .

ومن الأردن شارك الدكتور محمد سعيد بكر عضو علماء الأردن، بدأ مداخلة تحت عنوان: “الإسراء والمعراج بين التكليف والتشريف”، بشكر الساهرين على مثل هذه الملتقيات العلمية، موضحا أن عناية الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم كانت عناية شاملة جامعة منذ بداية تبليغه للدعوة، وخصوصا عند عودته من الطائف، وما لقيه من أذي من مشركي قريش، فجادت المنحة والالتفاتة الربانية بهدايا كبيرة ومتنوعة من خلال رحلة الإسراء والمعراج، منها ارتقاؤه عليه السلام من علم اليقين إلى عين اليقين، والتقاؤه عليه السلام بأبي البشرية، وبباقي الأنبياء والرسل عليه السلام، وأعطي خواتم البقرة، ومنحت له ولأمته الصلاة لتكون وسيلة لمناجاة الله تعالى لتكفير الذنوب، هذا التشريف كان مصحوبا بتكليف إلاهي لتبليغ الرسالة للعالمين برحمة وحكمة، وأشار المحاضر في الأخير على أن المهتمين بالدعوة مطلوب منهم تحفيز وتشجيع الطلاب لكي يكونوا أكثر عطاء وأحسن إنجازا، وذلك عبر مراحل التكليف كلها، وعبر قائلا: ” إذا كنت إمامي فكن أمامي” للذلالة على أن القدوة يجب أن تكون بالمثال الحي، وعلى قدر التشريف يكون التكليف.

وتناولت الباحثة حسنة المصطافي الباحثة في علوم القرآن ومصطلحه الحديث عن “نماذج من نساء الإسراء والمعراج”، وقد افتتحت مداخلتها بالحديث عن سياق المعجزة، لأن السياق جزء من الحدث لا يمكن تجازوه، فأوضحت أن رحلة الإسراء والمعراج جاءت في خِضَمِّ أحداث اشتد وقعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أظهرٍها فقدُ زوجه الأمينةِ الطاهرة، سيدةْ نساء العالمين، سيدتنا خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها! التي بشرها ربها ببيت في الجنة من قصب لا صخبَ فيه ولا نصب” التي آوت نصرت وصدقت وبذلت مالها وحياتها كلها للوقوف مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا خلال نموذج الساطع لأمنا خديجة رضي الله عنها طرحت المحاضرة سؤال كيف لنساء اليوم أن ينصرن دعوة الإسلام ويكنَّ لبنة بناء الأمة. ولخصت إجابتها في ثلاثة نقط:
- أولها أن تعي المرأة بأنها أمةَ لله حَامِلَةُ رسالة إلى الناس كافة لذا عليها أن تتجاوز همتُها الأفق الضيق المحدود الذي رسم لها، فتتطلع لاقتحام مجالات جهاد البناء والتغيير على بصيرة وبينة.
- ثانيهما: أن تتزود بالفضائل والخصال الحميدة، وعلى رأسها الصبر والمصابرة، لان جهادُ الميدان صبرُ ساعة أو أيام. أما جهاد بناء الأمة، وتنشئة الأجيال، فهو صبر عُمْر بأكمله.
- وثالثها هي البيئة الإيمانية التي تساعدها على تحقيق ما سبق ذكره، فلا بد من وجود بيئة سليمة تتمثل في مجالس الإيمان والذكر والقرآن والتوبة، يملأها حب الله وحب رسوله، فأمنا خديجة نهض بها إيمانها وصحبتُها ومحبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فترجمتها أفعالا لا زالت شاهدة عليها.

وفي المداخلة الخامسة تناول الأستاذ بنسالم باهشام عضو الاتحاد العالمي لعماء المسلمين في المداخلة الخامسة: “الصلاة معراجنا المستمر، وأهميتها بين الدين والتدين”، استهل مداخلته بدعاء استقبال المحن، وبين ما تعرض له الرسول الكرين عليه الصلاة والسلام من اذى من كفار مكة ونواحيها حين جهر بالدعوة وجاهد لإعلاء كلمة الحق، وأوضح أن الصلاة قبل ان تكون معراجا للمومن كانت:
وسيلة فعالة لتطهير النفس من النزوات الشريرة، وهي نور له ليرى الحق حقاً فيتبعه، والباطل باطلاً فيجتنبه،كما أنها مُسعدة لقلبه، مُطمئنة لنفسه، بعد ذلك انتقل للحديث عن أهمية الصلاة في الدين والتدين، وأوضح أن الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
أما في التدين فقد لاحظ أن الصلاة لم تعد لها تلك المكانة الروحية المطلوبة في حياة المسلمين، وأشار في الأخير بضرورة تضافر جهود كل قوى المجتمع للتعبئة لإقامة الصلاة في كل الأوساط الاجتماعية، وإلا فستبقى عورة المجتمع عارية من التقوى بسبب انتقاض عروة الصلاة.

ومن تركيا كانت مداخلة الدكتور رضوان عبود وهو مسؤول العلاقات الخارجية بوقف الخيرات بتركيا، الذي تناول في كلمته “المعراج النبوي على ضوء رسائل النور للإمام النورسي رحمه الله” فكان حديثه عن ما كتبه الإمام سعيد النورسي حول معجزة الإسراء والمعراج، وقصر حديثه عن الشخصية المعنوية للنبي صلى الله عليه وسلم مبرزا أن الأوصاف والأحوال المذكورة في كتب السيرة تتعلق ببشريته عليه السلام، أما شخصيته المعنوية المباركة وماهيته القدسية فهي السراج المنير لهذا الكون، وعرج على تفسير آية الإسراء ووقف على قوله تعالى: ” إنه هو السميع البصير” مفرقا بين أن يعود ضمير “إنه ” على الله تعالى أو على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وخلص إلى أن الضمير يعود على الخالق سبحانه عز وجل، الذي دعا عبده إلى الحضور والمثول بين يديه لينيط به مهمة ويكلفه بوظيفة، فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي هو مجمع الأنبياء. وختم مداخلته باعتبار المعراج النبوي مظهر رفيع سام للولاية الأحمدية، ظهر بكلية تفوق جميع الولايات، وبرفعة وعلو يسمو عليها، إذ إنه تشرف بمكالمة الله تعالى ومناجاته باسم رب العالمين وبعنوان خالق الموجودات.

وبعده أخذ الكلمة للدكتور محمد الأحمادي وهو الباحث في الدراسات القرآنية والمصطلحية، للحديث عن دلالات ومغزى إمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى أثناء معجزة الإسراء، وقد أجمل هذه الدلالات في خمس:
أولى هذه الدلالات: أنه صلى الله عليه وآله وسلم إمام الأنبياء والمرسلين وسيدهم، وبهذا كان خير الخلق أجمعين.
ثانيها: إشارة وبشارة بفتح بيت المقدس والمسجد الأقصى.
وثالث الدلالات: بالرغم من الحصار والتضييق والهجوم على الإسلام من كافة الأصعدة فإن المستقبل للإسلام.
ورابعها: السيادة على هذه البقعة المباركة من أرض الله وما حولها انتقلت إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وخامس الدلالات: تسليم الله تعالى أمر قيادة البشرية إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الختام وجه الدكتور الأحمادي كلمته للأمة الإسلامية داعيا إياها لتبليغ دعوة الإسلام ورحمته وعدله للعالمين.
وفي الأخير أعطيت الكلمة للأستاذ هشام شولادي الباحث في مختبر العلوم الدينية والإنسانية وقضايا المجتمع، الذي تناول موضوع “الإسراء والمعراج بين منهج التصديق وزيغ الإنكار”، بين في أول كلمته أن لكل زمان مومنوه ومكذبوه، ومصدقوه ومنكروه، كما بين أن الإيمان بالغيب هو أساس بناء الأمة الإسلامية، وأن علماءها لم ينكروا عبر تاريخ الأمة حادثة الإسراء والمعراج، ثم أوضح كيف أن الرسول الكريم غرس وبث في الصحابة رضوان الله عليهم على طول الفترة المكية الإيمان بالغيب والتصديق به، لكي يكونوا على استعداد لتحمل أعباء الدعوة فيما بعد، ثم تطرق في المقابل للمنكرين والمكذبين وهم طوائف حسب قوله، جزء منهم مغربون مغرر بهم لبسوا لباس العلم، وتسلحوا بعقل لم يستوعب أبدا عظمة هذا الوحي، وهم المستشرقون الذين حاولوا ضرب السنة النبوية الشريفة، واليوم هناك منكرون جدد يردون هذه المعجزة وغيرها بدعوى إعادة النظر في العلوم الشرعية، ومراجعات للترات الإسلامي، مما يجعل المسلمين أمام محك حقيقي هو إعادة القيمة لسلطة الوحي وللغيب، وأوضح أن إحياء ذكرى الإسراء والمعراج هو إعادة الاعتبار لسلطة الوحي بالإيمان بكل ما هو غيبي، ولسلطة العقل بما هو حكمة وتدبير في حدود إدراكه، وقد ختم الأستاذ شولادي مداخلته بقصيدة ماتعة في مدح خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام.

وفي آخر الندوة تقدمت المسيرة بتقديم الشكر للجزيل للمشاركين وللمتابعين، وموقع منار الإسلام الذي نظم هذه المأدبة العلمية المتميزة.
لمشاهدة الحلقة كاملة على الرابط التالي :
https://www.facebook.com/100063558731366/videos/2408946522593865