منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مقارنة اقتصادية|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية

الدكتور حسن محمد أحمد محمد

0

مقارنة اقتصادية|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية

الدكتور حسن محمد أحمد محمد

يمكنكم تحميل الكتاب من الرابط التالي : 

“الاقتصاد الإسلامي وأثره في ترسيخ مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية”

مقارنة اقتصادية

عند المقارنة بين حركة النشاط الاقتصادي الإسلامي والرأسمالية؛ نلحظ  أن دافعية وفلسفة النظام الرأسمالي تقوم على الحرية الفردية التي تنحصر في تحقيق المصالح الشخصية الضيقة، وبناء عليه تتصارع وتتضارب المصالح الاقتصادية العامة والمشتركة بين أفراد المجتمع لأن المصالح المشتركة الكبرى تنبثق من النشاط الجماعي.

إن الآلية الرئيسة لحركة النظام الرأسمالي والمحركة لحركة الأسواق والأنشطة الاقتصادية والتجارية، جميعها، تقوم على النظرة الاقتصادية الضيقة المرتبطة بمنفعة رب المال، وقد صنعت منه امبراطورًا وسلطته على رقاب المستضعفين من العباد.

والفرق بين هذه النظرة النفعية والنظرة الإسلامية هو أن الإسلام يعتبر النشاط الاقتصادي نفسه عبادة والعمل والاستثمار والاتجار تقربًا لله سبحانه وتعالى، ويضع في الحسبان مصلحة الآخرين ومصلحة المجتمع قبل المصلحة الشخصية، فعن أنس، عن النبي قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[1]. فالاقتصاد الرأسمالي اتجه وجهة ذاتية نفعية، واتجه الاقتصاد الإسلامي وجهة غيرية إيثارية لاختلاف التصور المذهبي للحياة وما بعد الحياة.

وإذا انتقلنا إلى النظام الإشتراكي (الشمولي) نجد أن البون شاسع بينه وبين مفهوم الاقتصاد الإسلامي ونقاط الخلاف بين النظامين كثيرة ومتعددة، من حيث وجود اختلافات جوهرية كإهداره للملكية الفردية، وخنقه لحركة الاقتصاد وتشبثه بفكرة المركزية التي لا يحيد عنها وكمنطلق رئيس، مما يجعل منه اقتصادًا مكبلاً وغير قابل للنمو.

وعلى عكس النظام الإشتراكي نجد النظام في الإسلام يتسم بالشورى ولا يقوم على دكتاتورية تسلطية، كما يقوم على الإيمان بوجود الخالق  المسيطر والمدبر لكل حركة وسكنة في هذا الوجود وبهذا يكون المالك الحقيقي للمال هو الله تعالى أما الإنسان فهو مجرد خادم مقيد بكثير من الضوابط الدينية والأخلاقية.

المِلْكِية:

تتقسم الملكية في نظام الإسلام الاقتصادي إلى أربعة أقسام:

  1. الملكية الفردية، أو الملكية الخاصة، والتي أباحها الإسلام وشرع لها القوانين الضابطة لحركتها يقول تعالى:

﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7.

﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ النساء: 32.

وهذا تقرير لحق الفرد في تملك ما كسبه بعرقه وجهده. قال، صلوات الله وسلامه عليه،: (من قُتِل دون ماله فهو شهيد)[2]، والملكية الفردية هي ثمرة المجهود الفرد.

  1. الملكية العامة: المالك فيها هو الأمة بصفتها الاستخلافية يقول تعالى:

﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7.

﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا وارزقوهم فيها واكسوهم﴾ النساء: 5.

وتتعين الملكية العامة في كل مل يتبط بمامصالح العامة للمجتمع أو الإنسانية جمعاء، يقول رسولنا الكريم، عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، (الناس شركاء في ثلاث، الماء والنار والكلأ)[3]

  1. الملكية المزدوجة، أو ما يعرف بالاقتصاد المختلط: وهي مزيج من الملكية الخاصة والعامة، الت تعمل جنبًا إلى جنب في استثمار الأموال العامة بحيث تكون الأرباح بينهما بحسب الأسهم وعددها، وتتمثل الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية القائمة على المشاركات.
  2. ملكية الدولة: تعد الدولة أو الحكومة هي المالك والمدير الفعلي لها وتعتبر الدولة راعية لمصالح الأمة باعتبارها موظفا لدى الأمة وخادمة لمصالح الشعب ووكيلة عنه في إدارة حركة الاقتصاد القومي.

الحرية الاقتصادية

تقوم المبادئ والنظريات الغربية على حرية الفرد ولا تنتهي حرية الشخص إلا عند بداية حرية الآخر، أما المبادئ والتشريعات الإسلامية فهي تقوم على مبدأ (أنت حر ما لم تضر)، وعند المقارنة بين الفكرتين، الغربية والإسلامية، نلاحظ أن الأولى (الغربية) تقيد حرية الفرد عند تقاطعها مع حرية الآخر، أما الثانية (الإسلامية) فتربط حرية الفرد بحدوث ضرر، سواء تعلق الضرر بفرد أو جماعة، وهذا هو النهج الذي ينتهجه الاقتصاد الإسلامي في حركته الاقتصادية والاجتماعية، فحرية الاقتصاد الإسلامي تقوم على أساس حرية الشخص؛ لأن الإنسان إذا لم يملك حريته، حرية القول والفعل، لا يستطيع أن يملك حق التصرف الاقتصادي، والحرية حق يكتسبه الإنسان الحر، يقول عمر بن الخطاب لابن عمرو بن العص: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”. كذلك يتقيد الاقتصاد الإسلامي بما أباحه الشارع وأحله المشرع من الطيبات، (ولا ضرر ولا ضِرار) هو مبدأ أساسي يستند إليه الاقتصاد الإسلامي في ممارسة نشاطه التجاري الطبيعي، بالإضافة إلى حرية حركة الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي لا تتعارض مع القيم والأخلاق الإسلامية الرفيعة والسامية، ووفق قانون العرض والطلب.

ولا ينكر نظام الاقتصاد الإسلامي التفاوت بين الناس في المعايش والأرزاق، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء؛ يقول تعالى:

(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الجمعة: 4.

والتفاوت والاختلاف بين الناس في مختلف الأشياء يعد أمرًا فطريًا وطبيعيًا، لأنه تحقق وفق المواهب والقدرات والإمكاات والظروف ..، إلا أن الاعتراف بهذا الأمر ليست على اطلاقه وإنما يتم وفق ضوابط شرعية وقانونية، يقول رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه،: (إذا مات أحد من الجوع فلا مال لأحد)، وقال، أيضًا، (ليس بمؤمن من بات شبعان ريان وجاره جائع طاو)[4]، وهذا أبو ذر الغفاري يقول: عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرًا سيفه على الناس. وبجانب هذا هناك الزكاة التي تسد كل سلمة اقتصادية في المجتمع المسلم وحتى غير المسلم، إذ نجد أن عمر قد أعطى يهوديًا من بيت مال المسلمين، وقال له: أكلنا شبابك أفنتركك في شبيبتك.

إن تحديد سمات بعينها، لمفهوم الاقتصاد الإسلامي، تتطلب القيام بتعريف الاقتصاد الإسلامي، باعتبار أنه علم له أصوله ومنهجيته التي ينبني عليها، ويتم هنا تقديم هذه التعريفات، المختصرة، التي شملت العديد من القيم التي يدعو لها الدين الإسلامي[5]:

  • الاقتصاد الإسلامي هو معرفة وتطبيق الأحكام والقواعد الشرعية التي تمنع الظلم في الحصول على الموارد المادية واستهلاكها بغية تحقيق رضا الناس وتمكينهم من القيام بواجباتهم تجاه الله وتجاه المجتمع.
  • الاقتصاد الإسلامي هو علم من العلوم الاجتماعية يدرس المشكلات الاقتصادية لأناس يتحلون بقيم الإسلام.
  • الاقتصاد الإسلامي هو، ذلك الجهد الذي يبذل في محاولة فهم المشكلة الاقتصادية وسلوك الانسان نحوها.
  • نظام الاقتصاد الإسلامي هو السلوك الإسلامي نحو استخدام الموارد المادية في إشباع الحاجات الإنسانية.
  • الاقتصاد الإسلامي هو، رد فعل المفكرين المسلمين للتحديات الاقتصادية في عصرهم ويعينهم في مساعهم هذا القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل والخبرة.
  • يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى دراسة فلاح الإنسان الذي يتحقق عن طريق تنظيم موارد الارض والتعاون والمشاركة.
  • الاقتصاد الإسلامي هو الذي يمثل سلوك المسلم في مجتمع إسلامي نموذجي.

نخلص من جملة ما سبق تقديمه من تعريف للاقتصاد الإسلامي، أنه يمكن القول بأن علم الاقتصاد الإسلامي يشكل أحد فروع العلوم الإنسانية التي تسهم في بناء مجتمع تسود فيه قيم العدل والمساواة؛ بغرض تحقيق رفاهة المجتمع الإنساني، إذ إن المبدأ الرئيس للاقتصاد الإسلامي يهتم بالمساواة بين أفراد المجتمع المسلم، بحسب ما يقتضيه العدل في قسمة وتوزيع الموارد والخدمات، وبما يتفق والقيم الإسلامية السمحاء, من غير أن يحدث أي قدر من التضييق أو التقييد لحركة الاقتصاد والتجارة في الأسواق التجارية.

وقد روي في الحديث الوارد في صحيح البخاري: (عن أبي هريرة قال: قال، رسول الله، صلى الله عليه وسلم،  ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار)[6].

لقد حققت هذه الكلمات، المختصرة، التي جاءت في الحديث النبوي الشريف، أهم مبدأين من مبادئ العدالة الاجتماعية، وهما: المساواة في استخدام الموارد الأساسية التي يقوم بمقتضاها مفهوم الحياة الاجتماعية، والثاني هو مبدأ حرية الاقتصاد.


[1]/ محمد بن إسماعيل بن عبد الله البخاري: صحيح البخاري ج2/ص897، بيروت 1987م.

http://jobs.smarr/?p=3452

[2]/ محمد بن إسماعيل بن عبد الله البخاري: صحيح البخاري ج2/ص803، بيروت 1987م.

[3]/ محمد بن إسماعيل بن عبد الله البخاري: صحيح البخاري ج2/ص963، بيروت 1987م.

[4]/ أبو حيان التوحيدي: الامتاع والمؤانسة، ص: 415.

[5]/ محمود وادي وآخرون: دور الاقتصاد الإسلامي في الحد من الأزمات الاقتصادية، ص:3 ، من أوراق المؤتمر الدولي العلمي السابع، تداعيات الأزمة الاقتصادية على منظمات الأعمال (جامعة الزرقاء – الأردن) 2009م.

[6]/ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفدا: تفسير ابن كثير ج4، ص298، دار الفكر (بيروت) 1401هـ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.