منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

من محطة الحافلة….(قصة قصيرة)

من محطة الحافلة..../سلوى الغنامي

0

من محطة الحافلة….(قصة قصيرة)

 بقلم: سلوى الغنامي

عند العودة من الكلية؛ ونيران الحٓرِّ تكاد تلهب الأرض، قضيت مدة ليست يسيــــرة في محطة الحافلــة، حيث لا ظِـل ولا مخبأ يقي الرؤوس من هذا الحر واللّهب، خفتت الأصوات، وبدا على الوجوه أثر التعب، فهذا يمسح عن وجهه العرق؛ وتلك تجرع آخر قطرات قنينتها بلهفة وخفة؛ وذلك الطفل يصرخ  أماه!! أريد أن أشرب، ورضيع في حضن أمه لم يجد غير البكاء المتواصل للتعبير عن نيران حريق داخلي اجتاحت جسده الصغير….

وأنا أنظر إلى هذه الوجوه ويعتريني ما يعتريها، ويتصبب مني ما يتصبب منها عرقاً، تٓـبادر الى ذهني  يوم القيامة الذي  يقول عنه سبحانه وتعالى:

“تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ” المعارج.

إنه يوم شديد الحر، أشد حراً من أحرِّ يوم مر بنا في الدنيا، مُــدتـُه ليست دقيقة ولا ساعة، ليست يوماً ولا شهراً، إنها خمسين ألف سنة نقف في وهجها وحرها.

في حديث المقداد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: تُدنَى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل”

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي ﷺ قال: يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم” متفق عليه.

والناس تتفاوت في درجة هذا العرق على حسب أعمالهم:

قال صلى الله عليه وسلم: “فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. قال: وأشار رسول الله ﷺ بيده إلى فيه”

فماذا اعددنا لهذا اليوم !!؟؟  إذا كنا نبحث عن الظل ونتلمس ما نقي به أنفسنا من حر الدنيا، حيث تصل المسافة بين الشمس والأرض الى 150 مليون كيلومتر، بمعنى  أنها بعيدة جدا لدرجة أن الضوء الشمسي يستغرق ثماني دقائق للوصول الى الأرض، فكيف نقي أنفسنا في اليوم الذي تكون فيه الشمس دانية من الرؤوس؟؟!!

ربـّـاه !!! يا لعظيم هذا  الموقف !!!

ثم بعد هذا اليوم الفصْل الشديد الحرّ، ما جزاء من  حٓبِـطٓ عملــه وسٓـاء مصيـره، تذكرت قوله تعالى: “قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) (التوبة)

 وصٓــلت الحافلة بعد طول انتظــار، فقطعتُ حواري الداخلـي  لأصعدها في تسابق ملحوظ، وتزاحم وتدافع، تحزُّ في النفس رؤيته، وقع أثناءه من وقع، تشاجر من تشاجر، وصعد في النهاية الجميعُ، بين جالس وواقفٍ ؛وبين من كاد يلفظُ أنفاسـه من شدة الزحامِ والحرّ داخل الحافـلـة؛ التي حملتْ مايفوق ضعف طاقـتها الاستيعابية، شعرت حينها بضرورة ربط المواقف  مع ماكنت أُحٓدّثُ به نفسي قبل دقائق؛ نظراً لـما شعرت  به من اتصال وتتابع منطقي للأحداث، فيوم القيامة مشهد مهـوِل، زحام رهيب، حر شديد، تدافع يخنق الأنفاس، شمس تصهر الرؤوس، وعرق يتصبب من الجبين، في زمان عبوس قمطرير، لا يوقى فيه إلا الصالحون الذين استعدوا وتزودوا له بصالح الأعمال وكان قولهم في الحياة الدنيا:“إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا “

فكافأهم الله بالوقاية من شر هذا اليوم قال تعالى:” فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا  وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وحريراً “،

 وفي المقابل يلقى الذين لم يخشوا الله، ولم يستعدوا لهذا اليوم العذاب الأليم والحرّ الشديد.

قال تعالى:”وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا”(سورة الإسراء)

 فنسأل الله أن يـظلنا بظله يوم لا  ظــل إلا ظِلُّــه، وأن يجعلنا ممن فٓــازٓ عندمــا تأفـــل شــمس الحياة، ويُـطْوى كتابُ الدنيــا، ويمــضي زمــانُ الأحلامِ بوشٓــاحِ الغروبِ، لِـيُـلمٓــحٓ أٓوٓانُ الحــقيقة بالشــــروقِ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.