من اللغة إلى اللهجات: دراسة في التفتت اللغوي للأمازيغية
مصطفى العادل
نشر هذا المقال في الكتاب الجماعي (اللغة واللهجة: قضايا وإشكالات)، ويمكنكم تنزيل الكتاب من هذا الرابط.
كما يمكنكم قراءة وتنزيل المقالة بصيغة pdf من هذا الرابط: من اللغة إلى اللهجات: دراسة في التفتت اللغوي للأمازيغية – مصطفى العادل
مقدمة
تنتابني مشاعر متناقضة كلما حاولت الكتابة في القضية الأمازيغية، واللغة الأمازيغية بصفة خاصة، إذ أجد نفسي متقلبا بين مجموعة من المعطيات المتناقضة أحيانا، المتّفقة أحيانا أخرى، ووسط زخم من المعلومات لا يكاد بعضها يؤكد البعض الآخر، وكم هائل من المعارف لا تجعلني في نهاية المطاف قادرا على وضع تصور دقيق لإشكالات اللغة الأمازيغية، سواء من حيث اللغة ذاتها، أو من حيث علاقاتها بمختلف المجالات والقضايا التي تتداخل معها.
ومن الحقائق التي لا تخطئها العين أن اللغة الأمازيغية، لسان طبيعي كباقي الألسن البشرية، يخضع لما تخضع لها تلك الألسن، وله نظام صوتي وتركيبي وصرفي ودلالي، ولها معجم غني كما هو الشأن بالنسبة لمختلف اللغات والألسن البشرية، إلا أنه مع ذلك ما يزال يفتقر لدراسات دقيقة تتعمق في مختلف هذه الجوانب. فاللسان الأمازيغي وإن انتشر في بلدان كثيرة وتوارثته أجيال عن أجيال، فإنه ما يزال في الحاجة إلى جهود تنظيرية يعود إليها ويؤسس عليها مشروعه للمستقبل، وهو ما يقف عقبة أمام كل خطوة تسعى إلى البناء انطلاقا من الأمازيغية واعتمادا عليها -كما هي اليوم على ألسنة المتكلمين بها-.
لقد شعرت بأهمية الدعوة إلى دراسة اللسان الأمازيغي والوقوف عند مستوياته اللغوية بشيء من العلمية مستفيدين مما تتيحه لنا اللسانيات الحديثة من مناهج علمية في دراسة الألسن الطبيعية مهما كانت طبيعتها ووضعها.
ولأن اللسان الأمازيغي يختلف كثيرا-من حيث الدراسات والتراث اللغوي والأدبي الخاص به-عن واقع باقي الألسن الحية اليوم، فإنه في أمس الحاجة إلى دراسات علمية تنطلق من بنيته كما هو على ألسنة المتكلمين بلهجاته المختلفة.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن دراسة اللغة الأمازيغية دراسة لسانية علمية سيجعلنا مضطرين إلى تجاهل جزء كبير مما كتب عنها مؤخرا من تآليف تدرس اللغة من منظور إيديولوجي، وتقحم اللغة في مجالات سياسية وفكرية، إذ إن تلك الدراسات التي تنطلق من هذه الأرضية لا يمكن أن تحقق نتائج علمية في دراسة اللغة الأمازيغية، ولا شك أن المنهج البنيوي الوصفي سيمنحنا فرصة كبيرة لدراسة نظام اللغة الأمازيغية –في مرحلة أولى على الأقل-على أساس أن تشتغل اللسانيات بفروعها المختلفة على دراسة هذه اللغة من كل الجوانب والمستويات الأخرى.
إن المنهج البنيوي الوصفي أضحى ضرورة ملحة في المرحلة الأولى؛ حيث يمكّننا من فهم اللغة في ذاتها ومعرفة بنيتها الداخلية، ولا شك أن الاتجاهات والمدارس التي عرفتها اللسانيات الحديثة خارج الأوطان العربية، ما كان لها أن تنجح لولا استفادتها من المنهج البنيوي، فهي، إذن، مرحلة متقدمة وجملة من المعارف تراكمت فأسست أفكارها انطلاقا مما توصلت إليه البنيوية. وهذا الإشكال ما يزال عائقا أمام اللسانيات في أوطاننا العربية؛ حيث يفهم التوليدي والوظيفي أن المنهج البنيوي لا فائدة منه، فيتجاهل بذلك قضية التراكم المعرفي بين المناهج والاتجاهات اللغوية الحديثة، مما يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى خلل في فهم أدبيات هذا العلم.
لقد انطلقنا في هذه الورقة من فكرة مفادها أن اللغة الأمازيغية في نهاية المطاف-وبالرغم من الاختلاف والتباين بين لهجاتها-لغة واحدة، وأن اللهجات مهما بدا لنا الاختلاف بينها لن تقف حاجزا أمامنا في دراسة اللغة دراسة علمية. وانتقال اللغة الأمازيغية من لغة واحدة إلى مئات اللهجات في العالم لا ينبغي أن يجعلنا ننظر إلى اللهجات الأمازيغية بنوع من النفور، وإطلاق الأحكام الجاهزة المفتقرة إلى دراسات علمية دقيقة.
إن التفتت الذي حدث للغة الأمازيغية جاء نتيجة تظافر عوامل مختلفة كثيرة، فقد انتشرت اللغة العربية في البلدان التي كانت تتكلم الأمازيغية بفضل رسالة الإسلام، ثم جاء الاحتلال الأجنبي، فأقحم لغاته مقابل محو اللغة الأم للبلدان الأمازيغية، ومحو العربية لغة الدين لهذه البلدان. وبين سيطرة لغات المحتل ومقاومة لغة الدين المستندة إلى القرآن والتراث العربي الضخم، ضاعت الأمازيغية الفقيرة المستضعفة وتفتتت، وتلونت لجهاتها في مختلف المناطق باللغات المجاورة حتى صارت تلك اللهجات أقرب ما تكون إلى لغات مستقلة. وبينما وجدت اللغات الأخرى من يدعمها ويدافع عنها علميا وعمليا، ويقف إلى جانبها في ساحة حرب اللغات، لم تجد الأمازيغية موقعا لها، اللهم إذا استثنينا بعض المنابر الإعلامية وبعض المعاهد والمراكز، وبعض الدراسات النادرة لا تخرج في معظم الأحيان عن طابعها الإيديولوجي الضيق.
إن اللغة الأمازيغية ستتمكن من تجاوز جملة من الإشكالات إذا استطعنا دراسة قضاياها اللغوية دراسة علمية، لذلك اقترحنا الانطلاق من فرضية كون اللغة الأمازيغية لغة واحدة تفرعت إلى لهجات يطلق عليها البعض اليوم جهلا وعمدا لغات، وهذه الفرضية تحتاج إلى دراسات علمية يكون موضوعها اللهجات الأمازيغية بمختلف أنواعها؛ وذلك لأن التأمل الدقيق في المستويات اللغوية المختلفة لهذه اللهجات يقود الباحث إلى حقيقة مفادها أن أوجه التشابه والتماثل بينها أكثر وأكبر بكثير من أوجه الاختلاف والتباين.
ولأن المقام هنا لا يسمح بهذه الدراسات المطولة، فقد كان هدفنا هو التطرق إلى مسألة التفتت اللغوي للأمازيغية، سعيا منا إلى إثبات وحدة اللغة الأمازيغية وتشابه لهجاتها المتعددة المتفرعة عن اللغة الواحدة، وقد قسمنا الورقة إلى مبحثين بعد هذه المقدمة، تحدثنا في المبحث الأول عن مسألة التفتت اللغوي لأمازيغية وتفرع هذه اللغة إلى لهجات مختلفة، ثم أكدنا في المبحث الثاني مسألة وحدة اللغة الأمازيغية، وختمنا البحث بجملة من الخلاصات والتوصيات.
المبحث الأول: تفتت الأمازيغية وظهور اللهجات
من المتفق عليه اليوم أن اللغة الأمازيغية تفتت إلى لهجات أضحت اليوم أقرب إلى لغات مستقلة من كونها لهجات متفرعة عن لغة أو لسان واحد، وهذا التفتت جاء –في نظر بعض الباحثين-من خلال التلوين، تلوين النطق بصور تخرج قليلا أو كثيرا عن ضوابطه الأصلية في اللهجة الأم، وعن طريق تلوين المعجم بما يفد إليه من لغات أخرى”[2]. ومن تم فالتلوين اللهجي “يؤدي إلى التباعد عن الأصل ثم تكون نتيجة التلوين والتباعد، لهجة جديدة في إطار تلك اللغة. وإذا استمر التلوين والتباعد عن الأصل، فقد يؤدي ذلك إلى نشوء لغات جديدة”[3].
وانطلاقا من هذه الحقيقة، يبقى التقسيم القديم للهجات الأمازيغية إلى تمازيغت وتشلحيت وتريفيت متجاوزا، وذلك لأن لهجة منطقة الأطلس بوحدها أصبحت اليوم بفعل التلوين عشرات من اللهجات الأمازيغية. بينما أصبحت تلك اللهجات الأولى أقرب ما تكون إلى لغات لا يفهم أهل بعضها لغة البعض الآخر كما هو الشأن بالنسبة لأمازيغ سوس بالجنوب وأمازيغ الحسيمة والناظور بالشمال.
ومما لا يخفى على أحد أنه ثمة عوامل كثيرة أسهمت بشكل من الأشكال في تفرع الأمازيغية إلى لهجات عديدة داخل المغرب لدرجة يسميها الكثير من الباحثين لغات أمازيغية كما هو الشأن بالنسبة للدكتور محمد الأوراغي، والإشكال المطروح هنا هو صعوبة التواصل بين أبناء هذه اللهجات، إن لم نقل: إنه يستحيل ذلك في كثير من الأحيان، مما يعيق أي حديث عن لغة أمازيغية في التعليم والإعلام وغيرها من القطاعات الحيوية. وقد أكد ابراهيم حسناوي من خلال دراسته[4]، أن كل ما تقدمه القناتين الأولى والثانية فيما يخص المسألة الأمازيغية: ليس في متناول الجمهور، ثم إن البرامج اللغوية لا تحدد الجمهور الذي تخاطبه ولا تنجز استطلاعات ميدانية، كما أقر بوجود “جمهور ما زال يعترف كذلك بأنه لا يستوعب الكثير من الكلمات والجمل الأمازيغية في القناة، مما يؤثر سلبا على إدراكه لصورها، وهناك جمهور آخر يعتبر أن لغته غير حاضرة في القناة بتاتا، كما جاء في رأي متطلعين قلائل”[5].
والحق كذلك أن هذا يدفعنا في كثير من الأحيان إلى القول: إنه من الصعب أن نتحدث عن الأمازيغية في الإعلام والتعليم انطلاقا من وضعها الحالي، حيث سوف نجد أنفسنا أمام ضرورة تعلم وتعليم ثلاث لغات مختلفة في الوقت نفسه، ليبقي التحدي الأهم هو الوصول إلى أمازيغية موحدة قابلة لأن تكون إعلامية وتعليمية. وقد بدلت جهود في هذا المجال إلا أن ذلك لا يؤهل أمازيغية اليوم بأن تكتسب رسميتها على أرض الواقع، فإلى اليوم ما يزال الأمازيغي في سوس والأطلس يفضل أن يتابع نشرات الأخبار بالعربية على أمازيغية الريف لعجزه عن فهمها وشعوره بمواجهة لغة أخرى لا يعرف منها شيئا، قال حسناوي: “إن وجود لغة أمازيغية متعددة جعلت المهنيين أساسا يقرون بوجود إشكال لغوي يصعب على قناة تمازيغت تدبيره في البداية على الأقل”[6].
ومع ذلك فلا ينبغي التسليم بهذه المعطيات والاقتناع بأن كل لهجة اليوم أصبحت لغة مستقلة بشكل كامل عن اللهجة الأخرى، بل ينبغي الرجوع إلى الدراسة العلمية لهذه واللهجات كما هي على لسان المتكلمين بها لإدراك حجم التشابه والاختلاف بينها، والوقوف على طبيعة هذه الاختلافات وتجلياتها، فكثير من الكلمات بل جلها في اللهجة السوسية هو نفسه في اللهجة الريفية ويكمن الاختلاف فقط في طبيعة النطق وفي بعض التغييرات الطفيفة بفعل التلوين.
المبحث الثاني: الأمازيغية لغة واحدة:
إن جميع اللغات والألسن لم تعرف في بداياتها لهجات متعددة، وإنما كانت لغات أحادية موحدة[7]، ومنه أن اللغة العربية كانت في زمن من الأزمان لغة عربية واحدة، وإلا فلماذا سمي القوم المتكلم بها أعرابا؟، والشيء نفسه في باقي اللغات.
والوحدة هي الأصل في كل شيء، إذ لم يقل أحد حسب علمنا، أن آدم كانت له لغات متعددة، وإنما تعددت اللغات بتعدد الذوات المتكلمة بها، ومن المفترض أن تتحول اللهجات التي نعرفها اليوم إلى لغات مستقلة، حيث كلما تباعدت الذوات المتكلمة زمانا ومكانا، إلا وتباعدت اللهجات داخل لغة واحدة وازدادت الاختلافات بينها شساعة، واستقلالا.
والذي يزكي هذا الطرح هو التطور الذي تشهده كل لغة بشرية، حيث تتغير المعاني والدلالات من زمن لآخر، كما تظهر ألفاظ جديدة وتهجر أخرى، مما سيعطينا في نهاية المطاف لغتين مختلفتين كانتا في البداية لهجتين من لغة واحدة، ثم إن هاتين اللغتين الجديدتين سوف تتفرعان بدورهما إلى لهجات أخرى، وهكذا دواليك.
ولا شك أن المتتبع للهجات الأمازيغية المختلفة من سوس بالجنوب صعودا نحو الأطلسين المتوسط والكبير، وصولا إلى الحسيمة والناظور وفجيج شرقا، تم المقارنة بين هذه اللهجات فيما بينها وعلاقاتها باللهجات المتداولة بدول شمال افريقيا، سوف يدرك أن هناك قدرا مشتركا من الألفاظ، وهو ما اخترنا أن نسميه بالقاموس الأمازيغي المشترك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهناك اتفاقا كبيرا بين عدد كبير جدا من الألفاظ، مع اختلاف بسيط سواء في بعض الأصوات أو الدلالات والمعاني، أو غيرها من المستويات اللغوية التي تدرس اللغة في إطارها، وهو ما سنحاول الوقوف عنده في القادم من البحوث بإذن الله تعالى.
لا شك أن اللهجات بصفة عامة، والأمازيغية بصفة خاصة هي تفرعات لهجية عن لغة واحدة، كانت في البداية بدورها لهجة إلى جانب لهجات أخرى كلها متفرعة عن لغة واحدة، وهي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، بل هي بديهية، وحتى إذا سلمنا بالتقسيم الثلاثي للغات الإنسانية إلى السامية، نسبة إلى سام الابن الأول لنبي الله نوح عليه السلام، والحامية نسبة إلى ابنه الثاني حام، واليافيثية نسبة إلى يافث ابنه الثالث، فإن ذلك يؤكد أن اللغات في هذه المرحلة كانت لا تخرج على ثلاث لغات، لتتفرع بعد ذلك إلى لهجات متعددة ومستقلة، تمكنت في مرحلة أخرى متقدمة بأن تصبح لغات مستقلة، مع أنها فرع عن إحدى اللغات الثلاث الأولى، أو بالأحرى اللهجات الثلاث، فما دام أنها تعود لثلاثة إخوة لاشك أنها كانت لغة واحدة عند الأب قبل كل شيء. واللغات البشرية التي توجد اليوم على هذه الأرض كلها تعود إلى هذا الأصل الواحد. ثم إنه لا يتصور أن يتكلم الناس في هذا الكون بأكثر من مائة لغة عندما كان عددهم لم يتجاوز بعد مائة شخص…
يجد معظم الباحثين أنفسهم أمام إشكالية الأصل في هذه اللهجات الأمازيغية، فمعظم المهتمين يثيرون إشكالية اللهجة الأصل لهذه اللهجات، والحديث عن هذا الموضوع لا يخلوا من الغلو والافتراض دون اعتماد الأدلة ومقارعة الحجة بالحجة، وهو في نهاية المطاف أمر معقد يحتاج لكثير من التريث والبحث الدقيق قبل إصدار الأحكام المطلقة هنا وهناك دون أدنى قدر ممكن من العلمية والموضوعية في تناول الموضوع، ومن جهة أخرى فانعدام المراجع المكتوبة والمخطوطات كلها تعرقل مسيرة البحث في هذه القضايا، مما يجعلنا مضطرين للنزول إلى الشارع الأمازيغي العام للسماع والملاحظة اللسانية العلمية الدقيقة بعيدا عن الحمولة الفكرية والقبلية العصبية في تناول المعطيات اللسانية.
ثم إن البحث عن الأصل في هذه اللهجات ليس إلا جريا وراء السراب، لأن كل لهجة تحمل معها شيئا من اللسان الأصل وشيئا من الألفاظ الدخيلة إليها بسبب هذا العامل أو ذاك، ويفضل البحث في مدى تمسك اللهجة باللغة الأصل، لا في البحث هل هي أصل ام لا.
إننا نقترح إلغاء كل الافتراضات والتخمينات التي أقرتها بعض الجهات المندفعة وراء العاطفة والايديولوجية التي لم تستند إلى أي أساس علمي في إثبات الحقائق، مع الاستناد إلى المجهودات العلمية المنجزة في المجال، والتركيز على المتكلم الأمازيغي في قريته الجبلية واستعماله للأمازيغية في تفاعلاته اليومية، ومحاولة تتبع تاريخ الألفاظ وما تتعرض له من تغير وتطور، قصد استنباط القضايا المهمة لخدمة اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة كباقي اللغات.
تأسيسا على ما سبق يمكن القول إن اللغة الأمازيغية في أصلها لغة واحدة تفرعت بفضل مجموعة من العوامل إلى لهجات متعددة، يمكن الانطلاق من خلال تتبعها ودراستها والمقارنة بينها للوصول إلى هذه اللغة الأمازيغية الأولى، وهو ما يفتح أمامنا الباب على مصراعيه للغوص أكثر في أعماق هذه اللغة. إن هذه الحقيقة ستجعلنا أمام ضرورة دراسة هذه القضايا التي يتهرب منه الكثيرون بدعوى أن اللهجات الأمازيغية لغات مختلفة.
خاتمة
مهما بدأ الاختلاف جليا بين اللهجات الأمازيغية المختلفة والمتعددة، فإن ذلك لا يعني أنها لغات مستقلة، بل إن التأمل الدقيق في هذه اللهجات يقود الباحث إلى ذلك التشابه الكبير في الكثير من المستويات؛ حيث تبقى أصول الكلمات نفسها في كل اللهجات ولا يحدث التغيير إلا في طريقة النطق أو إحداث تغيير جزئي في المعاني ودلالات المفردات.
وقد جاءت هذه اللهجات من التفتت اللغوي الذي تعرضت له الأمازيغية شأنها في ذلك شأن باقي اللغات؛ حيث أسهمت عوامل كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية في خضوعها للألسن القوية المدعومة إلى درجة توقفها عن الإنتاج والإبداع، لذا يصعب اليوم إيجاد الآلاف من المفردات الأمازيغية لكثير من المعاني، ونحن الأمازيغ أنفسنا نعجز اليوم على التعبير عن كل الحاجات دون اعتماد مصطلحات عربية وأجنبية كثيرة جدا، لافتقار المعجم الأمازيغي المعاصر لكثير من هذه المفردات.
توصيات
انطلاقا من القضايا السابقة يوصي البحث بالنقط الآتية:
- ضرورة البحث في اللهجات الأمازيغية بالمغرب وخارجه لإدراك أوجه التقارب والتشابه، وإنكار استقلال هذه اللهجات عن بعضها وتحولها إلى لغات.
- الاستفادة من النظريات اللغوية والمناهج الحديثة في دراسة الأمازيغية باعتبارها لسانا بشريا طبيعيا كباقي الألسن.
- إحداث لجن ومعاهد ومراكز بحثية ينصب اهتمامها على دراسة بنية اللغة الأمازيغية وتشخيص وضعها، ورسم آفاق جديدة في معزل عن العصبيات الضيقة والإيديولوجيات المقيتة.
- تشخيص واقع الأمازيغية حاليا في ضوء ظاهرة التفتت والوقوف على مختلف العوامل التي أسهمت في تفرعها وإبراز أثر ذلك التفتت على اللهجات الأمازيغية المختلفة كما هي على ألسنة المتكلمين بها.
البيبليوغرافيا
- البرامج الأمازيغية في القطب التلفزيوني العمومي، إبراهيم حسناوي، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المعارف الجديدة سلسلة دراسات وأبحاث رقم 29، 2012.
- ادريس بوكراع، محاضرات في علم المعجم بفرعيه: علم المفردات وعلم الصناعة القاموسية، سلك ماستر: (الدراسات اللغوية: قضايا ومناهج، الفوج العاشر، 2017)، جامعة محمد الأول-وجدة-المغرب.
- استيتية سمير شريف، اللسانيات: المجال، والوظيفة، والمنهج، عالم الكتب الحديث-إربد الأردن، الطبعة الثانية 2008/ الطبعة الأولى 2005.
[2] استيتية سمير شريف، اللسانيات: المجال، والوظيفة، والمنهج، عالم الكتب الحديث-إربد الأردن، الطبعة الثانية 2008/ الطبعة الأولى 2005، ص 646
[3] المرجع نفسه، ص 646-647
[4] البرامج الأمازيغية في القطب التلفزيوني العمومي، إبراهيم حسناوي، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المعارف الجديدة سلسلة دراسات وأبحاث رقم 29، 2012. ص:25
[5] المرجع نفسه، ص: 122
[6] المرجع نفسه، ص: 120
[7] يعني أنها كانت لغة واحدة عند كل المتكلمين بتلك اللغة، ولم تكن تعرف أي لهجة ضمنها، وهي لا شك مرحلة متقدمة في كل اللغات الانسانية.