منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أنا الأنثى (قصة قصيرة)

مجيد فلوح

1

لا أظن الكاتبَ اليوم وإن تقمَّصني ونطق باسمي يستطيع نقل ما يختلج في صدري، وكيف يستطيع ولساني يعجز عن بيان مكنوناتي، حتى وإن حاولت الحديث بلهجتي العامية التي درج عليها لساني..

لا أملك نفسي في كثير من الأحيان وأنا أجادل في هذا الموضوع حتى أقف منتصبة، منتفخة الأوداج، أضرب خدي وفخدي، وإن لم أتمالك نفسي تركتُ المَجْمَعَ من الغضب، بعدما أَلْجَم هذا الأخير شفتاي عن الحركة..

درج الناس على تنقيص المرأة، النساء منهم قبل الرجال، ودرجت ألسنتهم على التلفظ بأقبح العبارات في حق شطر المجتمع..

ما فتئت أمي تتذمَّر كلما ألم بها ما تعجز عن حله، وتمتعض من أنوثتها، وتحتج متوجهة بالدعاء “يا رب؛ لماذا خلقتني أنثى !“، أستغفر الله..

كانت أمي مؤمنة مصلية، وعبارتها هذه انعكاس فقط لكفر المجتمع بالمرأة، بالأم التي يزعم الجميع أن الجنة تحت قدميها، والقليل من يجعلها تنعم في جنة العناية والاهتمام، جنة التشريف والتكريم، جنات الحب والحنان..

صدَّقت أمي ككثير من النساء أن مرتبتها أقل من الرجل، ترسَّخ ذلك في عقلها الباطني، في مناجاتها مع ربها..

تظن أنها آثمة منذ الولادة، وأن عقوبتها أنوثتها، أستغفر الله، تعالى الله..

يستفزني أيضا إلى حد الغثيان سباب الشباب بعضهم لبعض، حيث يجعلون من القوادح ومن الألفاظ النابية “سيرْ ألَمْرِيوَة”، نعم أتقزز من أولئك الرجال الذين يتشبهون بالنساء، كما أتقزز من المترجلات من النساء، ولكن أن تدرج لفظ المرأة في قاموس السباب، أمر غير مقبول !

وفي المقابل تسمع النساء والرجال على السواء يصفون الصدق وعدم إخلاف الموعد بـ “كْلْمَة دْالرْجَالْ”، وكأن المرأة لا وعد ولا كلمة لها، وأي كلمة ووعد ينسب إلى رجالنا وقد أصبحنا مضرب الأمثال في الغرب بمواعيد العرب المخلوفة..

وما فتئت أمي أيضا تدعو لي بقولها: “الله يْجيبْ شِي نْقْرَة فِين يْغْبْرْ نْحاسْك”، فهل وصل الأمر بالمرأة إلى الانعدام، ألا تستقيم الفضة الرجل إلا بذوبان النحاس المرأة، ألم يكن في الإمكان أن تكون المرأة ذلك الذهب اللين الذي يحتاج إلى النحاس الرجل الصلب لصياغة جوهرة ثمينة لا تقدر بثمن..

الناس معادن كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجودة تلك المعادن لا تقدر بالجنس، لا تقدر بالذكورة أو الأنوثة، نفاستها بما تقدمه للآخر من إضافة، من خير، من بر..

وليس في المرأة نقص أو ضعف تحتاج فيه إلى الرجل، إلا بمقدار ما يحتاجه الرجل إلى المرأة، المجتمع والأسرة يحتاجان إلى تكاثف جهود الجنسين، ولكن المرأة في ذاتها مستقلة، كاملة بنفسها، عناصر القوة فيها تجبر مكامن الضعف..

فليست المرأة العازب، أو المطلقة عاجزة عن القيام بنفسها أو بأسرتها، مساهمتها في المجتمع نفس مساهمة الرجل، أو هذا ما ينبغي أن يكون..

هل تعني قوامة الرجل أن يستبد بالمرأة، وهل تعني قوامة الرجل أن يَخْفُت صوتها، ويُعْدَمَ رأيها، وتُكْسَرَ شَوْكَتُها..

تكون الحافلة دائما مسرحا لكثير من المشاهد المنتقصة للمرأة، أشاهد مرارا بعض المشاحنات التي يخوضها الأزواج، وقد يرفع الرجل الصوت، وقد يفعل أكثر من ذلك، غير أن النساء في الحافلة يحاولن تهدئة المرأة وإسكاتها، بل أن بعض الركاب قد يتوجهون باللوم إلى بعض الفتيات التي يتحرش بهن الشباب لفظا وفعلا، وقد يُعْزِي البعض الأمر إلى طريقة اللباس أو خُضوع القول أو خطوات المشي أو الخروج من البيت بالمرة، ويرفعون الحَرَجَ عن المُتَحَرِّشِ..

لا أملك نفسي أيضا حين تبالغ النساء في إظهار الضعف، والعجز، حتى يُنْسَبْنَ إلى الجنس اللطيف، فتَدَّعي الواحدة عدم قدرتها على بعض الأعمال التي يُراد لها أن تُحْتكر من قِبل الجنس الخشن، أكاد أجن من ذلك..

وأما ما يصيبني بالسُّعار فتلك النِّسويات اللواتي يرفعن أصواتهن باستقلالية المرأة، فإذا تعلق الأمر بالنفقة على الأسرة، وهي على رأسها بطبيعة الحال، قلن: “النفقة واجبة على الرجل” !

انفصام هذا أم ماذا؟

يمكنني سرد ما لا يعد من الوقائع، وحتى لا تخرج القصة عن طبيعتها القصيرة، وحتى لا أزيد الكاتب حرجا وهو الذي لا يريد أن يكون طرفا في معركة بين الجنسين، وكثيرا ما يصرح أن الحل في “الحوار، والتكامل”، أختم بقولي:

في لغة المجتمع توصف الأخلاق الحميدة بـ “الرُجولَة”..

وأنا أدعو المجتمع إلى الاتصاف بـ “الأنوثة” و”المروءة”، لأنني أفتخر أنني أنثى، وأعتز بأنني امرأة..

 

تعليق 1
  1. م.بوغابة يقول

    حفظكم الله وزادكم بسطة في العلم والجسم سيدي عبد المجيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.