منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

حوار مع الطبيب الدكتور عبد العزيز حنون

(حول فيروس كورونا المستجد وأخلاقيات الطب في ظل الجائحة)

0

 

رغبة في تسليط الضوء على هذا الوباء وابتغاء الاستفادة من أهل التخصص الطبي، وتكريما لجهود الطواقم الطبية ببلادنا التي أبلت البلاء الحسن في مواجهته، أجرت هيئة تحرير منار الهدى حوارا حول وباء كورونا مع الدكتور عبد العزيز حنون، أحد الأطر الطبية المقتدرة ببلادنا، وهو طبيب متخصص في الصحة العمومية، من المدرسة الوطنية للصحة العمومية مسلك الصحة الجماعاتية، صحفي وباحث في التواصل الصحي، مسؤول إقليمي عن المراقبة الوبائية.
كما تسعى مجلة منار الهدى لتقديم رؤية تخصصية تشخص الواقع الوبائي للعالم، وما يحيط بذلك من تبعات مست جل حياة الإنسانية عامة والأخلاقي خاصة، وتستشرف المستقبل والانتظارات والتغييرات الممكنة لما بعد كورونا.

السؤال الأول: ما الحقيقة العلمية لهذا الوباء؟

تنزيل نسخة معدلة ذات جودة عالية لمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر

وباء كورونا هو ضمن الأوبئة التي كانت فيما قبل تصيب فقط الحيوانات وتنقلها فيما بينها، طورت نفسها ومرت في مرحلة ثانية إلى انتقال العدوى من الحيوان إلى الإنسان. وفي مرحلتها الحالية التي نعيشها الآن أصبحت تنتقل ليس فقط من الحيوان إلى الإنسان بل أصبحت لها قدرة كبيرة للانتقال من الإنسان إلى الإنسان أيضا، أو بمعنى آخر مرت إلى مرحلة العدوى بين الكائنات البشرية. أنواع كثيرة من الفيروسات نذكر منها، انفلونزا الخنازير، انفلونزا الطيور، كورونا الجمال، واليوم كورونا المتجددة 19 التي فاق مستواها في الانتشار والعدوى كل الأنواع السابقة.
من خصائص هذه الفيروسات أنها تجدد نفسها باستمرار لتهجم من جديد في غفلة من جهاز المناعة الذي لا يجد الوقت الكافي للتعرف عليها وضبطها، من خصائصها أيضا أنها عابرة للقارات تنتقل أينما ينتقل الإنسان من مناطق الوباء إلى مناطق أخرى غير موبوءة، هذا بشكل عام دون الدخول في التفاصيل التقنية التي لا تفيد في المقام.

السؤال الثاني: البعض يقول إنها حرب بيولوجية، بين الكبار، إلى أي حد يتميز هذا الرأي بالمصداقية؟

الحرب البيولوجية بالمعنى الذي يحيل على المؤامرة وأن هذه الفيروسات مطورة في المختبرات هذا تحليل تجده عند أصحاب عقلية المؤامرة التي يريدون بها تفسير كل شيء في هذا الكون، وهو منهج لا يستقيم أمام التطور العلمي الميكروبيولوجي. مصدر الوباء معروف هو الحيوانات، لكن إذا كنت تقصد بالحرب البيولوجية الاعتداء على البيئة، فأتفق معك وكلنا يساهم في تخريب الكون بمستوى من المستويات بعلاقتنا غير النظيفة فيزيائيا وكيميائيا وإحيائيا في تعاملنا مع الطبيعة، نعم إذا كنت تقصد هذا فهذه هي الحرب البيولوجية الحقيقية وهذه هي المؤامرة البارزة للعيان التي ينبغي تعديلها، نتعامل بعشوائية مع محيطنا البيئي وأصبحنا نستهلك أي شيء ونختلط بشكل عشوائي مع الحيوانات، ونأكل ونبيع حيوانات من المفروض أن مجالها الطبيعي هو الغابات كي تقوم بدورها في التوازن الذي تحتاجه الكائنات الحية التي هي في الانقراض مقابل التوسع العمراني والصناعي، والاستهلاك الجائر للموارد الذي ترك الكرة الأرضية قاعا صفصفا إلا من الاسمنت المسلح، إن كان هذا هو المقصود بالحرب البيولوجية فأنا أتفق معك تماما، غير هذا لا يسلك عند التغير السليم.

السؤال الثالث: تسببت هذه الجائحة في طرح السؤال الأخلاقي في المجال الطبي، حبذا لو تسلطوا بعض الأضواء على التحديات الخلقية في مواجهة جائحة ورونا؟

مجال الصحة عموما والطب خصوصا وما يرتبط بالبحث العلمي والعلاج يحتاج لضوابط أخلاقية صارمة ذاتية في شخصية الباحث ومنظمة من طرف المهنيين يراقب بعضهم بعضا من الانزلاق وقانونية أيضا، لكن يبقى الضابط الأخلاقي هو الأهم والالتزام الشخصي لأن القانون يضبط الإطار العام والممارسة تضبطها شخصية الباحث والتداول الأخلاقي لفريق البحث، لما أقول الأخلاق لا أقصد بها المصطلح الفلسفي الذي يبحث في الخير والشر والفضيلة بشكل مجرد بل أقصد بها مجموعة من المبادئ والقيم التي تبنى على أساسها ضوابط صارمة تساعد على أخذ القرارات في بعض المواقف التي لا تنفك تطرح مشكلا أخلاقيا حتى بالنسبة لأكثر الفرق الطبية نزاهة، على سبيل المثال مع كورونا يكثر الطلب على الإنعاش ولا نتوفر على الأسرة الكافية، وبالتالي عندما نوجد أمام سرير واحد ومريضين فأيهما سنختار؟ الأمر ليس هينا؛ هناك فرق تفضل الشاب المأمول في نجاته وطول حياته عن شيخ متقدم في السن وحالته شبه ميؤوس منها والأعمار بيد الله. أيهما سيختارون؟ وقعت وستقع.
سؤال الأخلاق هنا مهنيا طبيا وحتى دينيا سيخضع للتغير والاجتهاد بالقواعد الصارمة عادة هناك مبادئ منها العدل والإنصاف بين الناس والمساواة بينهم في الوسائل، والإحسان الذي هو فعل أحسن ما لدينا، وعدم الإساءة يعني تفادي أكثر ما يمكن من المخلفات الممكنة التفادي، وبصيغة أخرى قبول أخف تأثير جانبي غير ممكن التفادي للتدخل الطبي مقابل إيجابيات كثيرة وكبيرة، وهي تشبه القواعد الأصولية الفقهية جلب المصالح ودفع المفاسد ونحمل أخف الضررين. مبدأ أخلاقي ثالث هو الاختيار عن بينة من طرف المريض لأنسب العلاجات التي يراها مناسبة له ضمن العروض التي ينبغي أن تقدم له كل البينة والتفاسير التي تلائم فهمه ليختار عن طواعية ما يلائمه بما في ذلك الحق في رفض العلاج.
هذا المستوى من الأداء المهني وأثناء البحث العلمي وتجريب الدواء قد لا يتم احترامه، وقد عرف التاريخ وقائع يندى لها الجبين كالتجريب في السجناء في الحروب العالمية، والتجريب في إفريقيا بالنسبة للسيدا… واليوم نجد أنفسنا أمام أصوات عنصرية تنادي بتجريب لقاح كورونا في إفريقيا. نستغرب كيف أن هذه العقليات ما زالت تروج في المجال البحثي. نعم التجريب ضروري ولا بد منه لتطوير الممارسة الطبية لكن ينبغي أن يتقاسم نتائجه كل العالم وتشارك فيه كذلك الطبقات وليس فقط فقراء ومهمشوا العالم من الدول والأشخاص الذين غالبا هم من يقع فيهم فعل التجريب. لكن هناك نقطة ضوء بدأت تبزغ على العالم وهي تضامن الأطباء والمهنيين عالميا فنحن نرى كيف أنه وبسرعة قياسية يتم تقاسم النتائج الأولية للأبحاث الكلينيكية ونتائج البروتوكولات الدوائية الجديدة التي صيغت بشكل استعجالي وفي نفس الوقت يتم تعديلها وتطويرها بشكل تصاعدي من طرف فرق متعددة التخصصات عبر منهجية التوافق التي هي الحد الأدنى المقبول علميا عندما يكون التجريب بقواعدة غير متاح، لأنه لا ينبغي انتظار كل المدة الطويلة لإتمام الأبحاث بل ينبغي التدخل لإنقاذ الأرواح، وهنا يصبح ضروريا بل إلزاميا تلبية الواجب الأخلاقي وهو فعل أحسن ما هو موجود لكن عن بصيرة علمية لا عن شعوذة لإنقاذ الأرواح. ولذلك تم البدء بما تم تجريبه من بروتوكولات بين كل دول العالم وشعوبها التي مر فيها الوباء في أسابيع مع الملاحظة العلمية السريعة والتجربة الكلينيكة المستقاة من الحالات المختلفة،. وهكذا أصبح العالم العلمي يتقاسم كل المعلومات بسرعة كبيرة في تضامن علمي استثنائي والأول من نوعه عالميا وذلك بقوة الواقع الوبائي السريع الذي أغرق الجميع. خلق التضحية من قبل الأطر الصحية وخلق الصبر والتحمل مرده إلى نبل المهنة ومبادئها التي فد لا تظهر في الأوقات العادية. الطبيب والممرض هو إنسان قبل كل شيء ولا يمكن أن يرى المرض يتفشى في المجتمع ويبقى مكتوف الأيدي. ولذلك دخل متطوعون من الشباب وأيضا من المتقاعدين حتى بدون تأمين صحي عن المضاعفات والأحداث المحتملة التي قد تصيبهم. نعم تصيبهم لأن من بين المهنيين الأكثر إصابة بهذا المرض هم الأطباء الذين عدد من يصيبهم مرض كورونا Covid 19 حسب الإحصائيات قد يصل إلى 10 في المائة منهم. الدخول إلى المعترك يعكس فعلا خلق التضحية والبذل. أيضا هناك عامل آخر وهو الإحساس بالخطر المشترك، وهذا في علم الاجتماع واضح لأن الكل يكون في سفينة واحدة والكل يريد الخروج من الأزمة بسرعة، وقد يغامر الجميع حتى في ظل محدودية الإمكانات من أجل إنقاذ الصحة العامة للمجتمع.
هذا من جهة من جهة أخرى هذا التحمل يصبح نموذجا ويذكي خلق التحمل حتى من جهة عامة المواطنين إزاء أداء قطاع الصحة، وتفهمهم للإكراهات ومساهمتهم الفعالة في إنجاح خطة المواجهة لأنه بدون مشاركة وإشراك الجميع فيما يرتبط بتمتين الإجراءات الوقائية والسهر على التطبيق الدقيق لها، والتي تحتاج أيضا للصبر على الانحباس بين الجدران مدة طويلة ربما حتى مع الضائقة المادية التي عليها طبقات عريضة من المجتمع، قلت بدون تحمل ضغط الإكراهات فإن الأمور لن تسير بشكل سوي نحو الأمان، والتحلي بمزيد من الصبر من طرف الجميع هو صمام أمان حقيقي في هذه المرحلة.

السؤال الرابع: هل تتوقعون تغيرات استراتيجية في أخلاق مهنة الطب بعد الوباء؟

ربما الأخلاقيات في بعدها الفردي نعم لكن تغيير الاستراتيجيات الكبرى لن يكون بالأمر السهل لأن الأمور في عمقها تسير من طرف الليبرالية المتوحشة التي تتحكم في العالم وفي جميع المجالات، منها مجال الخدمات الطبية وتحديد طبيعة الأنظمة الصحية التي توافقها اقتصاديا.
فمعروف أن تغيير صحة المجتمع مرتبط مباشرة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية. وحلحلة هذه البنيات الماكرواقتصادية واجتماعية لن تقوم بها جائحة ما يبدو لي هو أن الأنظمة الليبرالية ستكتفي بالتأقلم مع هذا الوضع الطارئ لتعود إلى ترتيب أوراقها بوضع روتوشات هنا وهناك..
المهنة والمهنيين في مجال الطب والصحة أعطوا دروسا كبيرة للسياسي والاقتصادي لكنهم ضعفاء أمام أصحاب القرار والماسكين بالدواليب.
التغيير يحتاج لنفس ولوعي جديد متجدد وفعل تغييري عميق من الشعوب وإلا ستبقى الأمور كما كانت عليه وربما أكثر ضراوة من السابق، نظرا للتأثيرات المؤقتة على الاقتصاد الليبرالي الذي قد يلجأ لمبدأ تعويض ما ضاع ولن يكون بطبيعة الحال إلا على حساب أشياء أخرى منها الشق الاجتماعي الذي تنتمي إليه الصحة.
نشكركم فضيلة الدكتور على هذا الحوار المفيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الدكتور عبد العزيز حنون طبيب متخصص في الصحة العمومية من المدرسة الوطنية للصحة العمومية مسلك الصحة الجماعاتية، صحفي وباحث في التواصل الصحي، مسؤول إقليمي عن المراقبة الوبائية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.