منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مفهوم الأمة

لطيفة يوسفي

0

المطلب الأول: الأمة في اللغة

لبيان مفهوم الأمة عند أهل اللغة، نورد النقول التالية:

  • ففي ( كتاب العين ) للفراهيدي “والأمم: الشيء اليسير الهين الحقير، تقول: لقد فعلت شيئا ما هو بأمم ودون.والأمم: الشيء القريب.”[1]
  • وفي ( جمهرة اللغة ) لابن دريد الأزدي” أم يؤم أما إذا قصد للشيء.وأم رأسه بالعصا يؤمه إذا أصاب أم رأسه وهي أم الدماغ وهي مجتمعه فهو أميم ومأموم والشجة آمة. يقال: أممت الرجل إذا شججته وأممته إذا قصدته.والأمة: العيب في الإنسان.”[2]
  • وفي (مقاييس اللغة) لابن فارس” والأمة: القامة، تقول العرب: إن فلانا لطويل الأمة، وهم طوال الأمم، قال الأعشى:وإن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم، قال الكسائي: أمة الرجل بدنه ووجهه.”[3]
  • وفي ( مختار الصحاح ) للرازي ” (أم) الشيء أصله ومكة أم القرى(الأمة) الطريقة والدين يقال فلان لا أمة له أي لا دين له ولا نحلة. وقوله تعالى﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ[4] قال الأخفش: يريد أهل أمة أي كنتم خير أهل دين.

و(الأمة) الحيـن قال اللـه تعالى ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾،[5]﴿وَلَئِـنْ أَخَّرْنَا عَنْـهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ﴾.([6]) ([7])

  • وفي ( لسان العرب ) لابن منظور ” والإمة: لغة في الأمة،والإمة: النعمة، قال الأعشى:ولقد جررت لك الغنى ذا فاقة وأصاب غزوك إمة فأزالها. والإمة: الهيئة، عن اللحياني. والإمة أيضا: الحال والشأن. وقال ابن الأعرابي:الإمة غضارة العيش والنعمة، وبه فسر قول عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه: ” فهل لكم فيكم، وأنتم بإمة عليكم عطاء الأمن، موطئكم سهل”. والإمة، بالكسر: العيش الرخي، يقال: هو في إمة من العيش وآمة أي في خصب.”[8]
  • وفي ( القاموس المحيط ) للفيروز ابادي” والأمم، البين من الأمر، وأمهم: تقدمهم، وهي: الإمامة، والإمام: ما ائتم به من رئيس أو غيرهج: إمام، بلفظ الواحد وليس على حد عدل لأنهم قالوا: إمامان، بل جمع مكسر،وأيمة، وأئمة: شاذ،وهذا أيم منه وأوم: أحسن إمامة. وائتم بالشيء وائتمى به، على البدل.”[9]
  • وفي ( المعجم الوسيط ) ” (الأمة) الوالدة وجماعة من الناس أكثرهم من أصل واحد وتجمعهم صفات موروثة ومصالح وأماني واحدة أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان يقال الأمة المصرية والأمة العراقية والجيل والرجل الجامع لخصال الخير وفي التنزيل العزيز﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.([10]) ([11])

انطلاقا من المعاجم السابقة يتبين أن الأمة لها معاني عديدة هي:

  • الشيء اليسيروالقريب
  • القصد
  • العيب في الانسان
  • القامة
  • أصل الشيء وعماده
  • الطريقة والدين
  • الحين
  • النعمة ورخاوة العيش
  • الائتمام
  • الجماعة
  • الرجل الجامع للخير.

ولفظ (أمة) قد ورد في القرآن الكريم في أوجه عديدة،بعضها بمعناه اللغوي وآخر بمدلوله الشرعي أو الاصطلاحي يحدد معناه السياق الذي جاءت فيه تلك الأوجه، وتناولته كتب التفسير، وعلوم القرآن وبخاصة كتب الأشباه والنظائر.

قال ابن الجوزي مبينا هذه الأوجه: ” وذكر أهل التفسير أن الأمة في القرآن على خمسة أوجه:

  • أحدها: الجماعة. ومنه قوله تعالى ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ[12]،﴿تِلْكَ أُمَّةٌقَدْخَلَتْ[13]، ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ[14]، ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ[15]، ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ[16].
  • والثاني: الملة. ومنه قوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً [17]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً[18]، ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾.[19]
  • والثالث: الحين. ومنه قوله تعالى ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [20]، ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ[21]، وليس في القرآن غيرهما. وأراد بالحين في الآيتين السنين.

قال ابن قتيبة: كأن الأمة من الناس، القرن ينقرضون في الحين، فأقيمت الأمة مقام الحين.

  • والرابع: الإمام. ومنه قوله تعالى﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا [22]

قال ابن قتيبة يعني إماما يقتدى به، فسمي أمة لأنه سبب الاجتماع. ويجوز أن يكون سمي أمة لأنه اجتمع فيه من خلال الخير ما يكون مثله في الأمة.

  • والخامس: الصنف. ومنه قوله تعالى ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ[23]أي: أصناف، فكل صنف من الطير والدواب مثل بني آدم في طلب الغذاء، وتوقي المهالك ونحو ذلك. “[24]

ولفظ (أمة) في الحديث النبوي الشريف جاء مشابها لهذه الأوجه التي وردت في القرآن الكريم منها:ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «يبعث يوم القيامة أمة وحده»،[25]وقوله صلى الله عليه وسلم«إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله»،[26]وقوله صلى الله عليه وسلم« أحرقت أمة من الأمم تسبح».[27]

المطلب الثاني: الأمة في الاصطلاح

إن المتأمل في استعمال لفظ (أمة) في اللغة، والقرآن الكريم، والحديث النبوي، والتراث الإسلامي، يجده يشتمل على اعتبارات متنوعة قد ينص على بعضها، وقد يتضمن بعضها الآخر، وهذه الاعتبارات هي: ” الجماعة والاجتماع أو الذات والفعل، أو الوحدة في الأصل، أو المنشأ، أو المرجع والمصير، أو الجهة، أو القصد، أو العلاقة والرابطة، أو الزمان، أو المكان”.[28]

لذلك فإن معظم من عرف الأمة تناولها في بعض معانيها دون بعض، أو ركز على بعض الاعتبارات في مدلولها وغاب عنه بعضها الآخر، وللمثال على هذا نورد نماذج من تعريفات المفكرين لمدلول (الأمة) في الفكر الإسلامي فيما يلي:

عرفها الحكيم الترمذي بتعريفات كثيرة، منها قوله: ” الأمة هي الجماعة التي يؤمها الناس ويقصدونها، فإنما صارت الأمة في هذا المكان الجماعة لأن الذي يقصده الناس ويبصرونه: إنما يبصرون الكثرة المجتمعة حتى يقصدونها”.[29]

وعرفها الراغب الأصفهاني بقوله: ” الأمة: كل جماعة يجمعهم أمر واحد، أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها أمم.”[30]

وعرفها البغوي في موضع من تفسيره بأنها ” اتباع الأنبياء”[31]. وقال في موضع آخر:” وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد، فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد”.[32]

ويوافق البغوي في تعريفه للأمة بأنها: ” اتباع الرسل”، بعض المفكرين المعاصرين مثل علي عبد الحليم محمود إذ قال في تعريفها: ” جماعة من الناس لهم رسول”[33] وقال: بأنها وردت في القرآن بهذا المعنى.

وعرفها رشيد رضا: ” الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع يعتبرون بها واحدا، وتسوغ أن يطلق عليهم اسم واحد.”[34]

وعرفها سيد قطب بقوله: “هي الجماعة التي تنتسب إلى عقيدة واحدة من كل جنس ومن كل أرض”.[35]

وعرفها محمد المبارك بقوله: “إذا عملت عوامل التوحيد والصهر والانسجام في شعب من الشعوب كالاشتراك في اللغة والحياة المشتركة الطويلة أي التاريخ والثقافة والمعتقدات والمبادئ والأفكار والعادات والأخلاق، فألفظ منه وحدة اجتماعية حية نسميها أمة”.[36] وغيرها من التعاريف بغية الخروج بمصطلح محدد لمفهوم الأمة.

مقتطف من كتاب:

”التأويل في الخطاب الأصولي وأثره في الفقه الحضاري للأمة”

رابط تحميل الكتاب:

https://www.islamanar.com/he-fundamentalist-discourse/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.