منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

قَبْلَ أنْ يَتَّسِعَ الخَرقُ عَلَى الرَّاقِع

قَبْلَ أنْ يَتَّسِعَ الخَرقُ عَلَى الرَّاقِع/ الدكتور وائل الزرد من فلسطين

0

قَبْلَ أنْ يَتَّسِعَ الخَرقُ عَلَى الرَّاقِع

بقلم: الدكتور وائل الزرد من فلسطين

لسببٍ أو لآخر، يؤخر أحدُنا معالجةَ هذا الخطأ أو ذاك، ويمني نفسه بأنه سيفعل، ولكن في وقت أفضل، أو حين تجيء فرصة أحسن، أو حين تتهيأ الظروف، وهكذا حبل الأعذار والأماني ممدودًا لا حدَّ ولا نهايةَ له، وكلما استمر التأخير والتأجيل كلما استمر الخطأ واستمر الخلل، يصاحبه -ربما- إثم عدم المبادرة للتغير والإنكار.

فالمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات، وكذا المسارعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك المسابقة في الدعوة إلى الخير واجتناب الشر، كل ما سبق من أخلاق المؤمنين الموفقين، فمن التوفيق العزيز الذي يُكرم به بعضُ المؤمنين، تعجيل ما حقُّه التعجيل، وتأجيلُ ما حقُّه التأجيل، أما التأرجح والتذبذب بين الفعل والترك، وبين الأمر والنهي، وبين الإقدام والإحجام، هذا كله ليس من التوفيق في شيء.

أدركُ تمامًا أن الأخطاء التي يجب أن تعالج ليست على مرتبة واحدة، وهي بشكل إجمالي يمكن أن تنقسم إلى قسمين رئيسين:

أخطاء يجب أن يُبادر إلى علاجها:

هذا القسم من الأخطاء يجب أن يُبادر إلى علاجها، وإيجاد الحلول لها، والأصل ألا تؤخر ولا تؤجل، فإن في تأجيلها وتأخيرها تفاقمٌ وتضخيم لأثرها السيء، خاصة إن كان مقدورًا على تغيرها وإزالتها، والمصيبة تكمن في تركها تستشري بين الناس، فتكبر وتزداد ثم يتسع الخرق على الراقع!

ذلك لأن أمتنا -والحمد لله- أمةٌ ليست جامدة بل هي متحركة، وليست صامتة بل هي متكلمة، وليست يائسة بل هي متفائلة، وقد كٌلفنا أن نأمر بالمعروف حين نفتقده، وننهى عن المنكر حين نراه، حتى نحوز خيرية الأمم، كما ذكر ذلك الله في القرآن الكريم {كُنتُم خَيرَ أُمةٍ أُخرِجتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِالله}.

ومن هذه الأخطاء التي لا تحتاج التأخير في العلاج:

  • عدم المحافظة على الصلاة من قبل الأبناء
  • وقوع الخصام بين الأبناء أو البنات أو الإخوة أو الأخوات
  • ضيق صدر الوالدين أو أحدهما
  • صدور بعض الالفاظ السيئة على ألسنة أهل البيت
  • وقوع غيبة أو نميمة لمسلم في حضورنا
  • شهودنا لوقوع ظلم على واحد من الناس
  • رؤيتنا لأمور تجعل صلاة أحدهم باطلة أو صومه باطلًا
  • الإبقاء على حالة الفوضى في الشوارع وعدم احترام النظام والقانون.
  • التعدي من قبل بعض الناس على حقوق الآخرين، وتأجي الإنصاف للمظلومين.

عدم إزالة منكرات لا تحتاج منا إلا لقرار فقط، مثل منع إلصاق صور نساء شبه عاريات على الملابس الداخلية التي تُباع على النواصي أو على أبواب بعض المحلات التجارية.

إلى غير ذلك…

أقول: هذه الأخطاء وأشباهها، لا يحق لنا أن نؤجل تغيرها، ولا إنكارها، وإلا فسنأكل أيدينا من الندم، حين تستفحل وتكثر، وَيَتسِعُ الخَرقُ عَلُى الرَّاقِع.

أخطاء يُمكنُ أن يُؤجلُ عِلاجُها:

هذا القسم من الأخطاء يمكن أن يؤجل علاجها، وأن يؤخر إنهاؤها، لسبب مقبول، لنا فيه عند الله عذرٌ لعدم العلاج ولتأخير الإصلاح، ومع ذلك فالواجب -حتى نُعذر عند الله- أن نضع في خطة إدارتنا للحياة أنه حين تجيء الفرصة المناسبة للتغير والإصلاح، ألا نتوانى في إصلاح هذا الخطأ أو ذاك، لا أن نتعايش معه على أنه أمرٌ واقع وأنه لا مجال لتغيره، فصحيحٌ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك إعادة بناء مكة على قواعد إبراهيم كما في السنة النبوية، مراعاة لحداثة عهد أهل مكة بالكفر، ولكن لم تكن لتبقى على هذه الحال أبدَ الدهر، فقد أعاد بناءها على ما كانت عليه الصحابي الجليل: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

ومن هذه الأخطاء التي يمكن أن نؤخر علاجها ما يلي:

مما ابتُليت به البلاد العربيةوالإسلامية في أواخر الستينات من القرن الماضي، ما أصبح معروفًا باسم: البنوك، والتي قام معظهما على المعاملات الربوية، والتي ما ذُكر في القرآن معصية مقرونة بحرب من الله ورسوله مثلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}.

أقول: هذه البنوك التي ابتليت بها الدول العربية والإسلامية، ما عاد بالإمكان اليوم إغلاقها لأننا أصلًا لا نملك عليها سلطة، خاصة في غزة مثلًا، ولكن هذا لا يعفينا من ضرورة العمل على إيجاد البديل لهذه الخطيئة الكبرى، والعمل كذلك -بالتدرج- على تحويل هذه البنوك من المعاملات الربوية إلى المعاملات الإسلامية، وإن أخذ هذا منا وقتًا طويلًا.

وختامًا:

إنَّ التغيرَ والإصلاحَ الذي نَنشُدهُ -حتى لا يتسع الخرق على الراقع- ليست مهمة سهلة، بل هي وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وتحتاج إلى صبر ومصابرة، وحكمة بالغة، فالنفوس مجبولة على اتباع الهوى وحب الشهوات، غير أنَّ الجنة محفوفة بالمكاره ومقارعة الشهوات، ونحنُ يعلم الله لا نريد لأهلنا ولأبناء شعبنا إلا الخير في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.