سمات الاقتصاد الإسلامي|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
سمات الاقتصاد الإسلامي
مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
يمكنكم تحميل الكتاب من الرابط التالي : “الاقتصاد الإسلامي وأثره في ترسيخ مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية”
للباحث السوداني الدكتور حسن محمد أحمد محمد
ينبع مفهوم السلوك الإسلامي من مكونات العقيدة الإسلامية بما اشتملت عليه من أخلاق وقيم وعبادات وحث على التفكر والتأمل .. وهي التي تمثل الإطار الذي يتحكم في سلوك المسلم. فعقيدة المسلم تقوم على الهَدْي الإلهي القويم المتمثل في القرآن العظيم وسنة نبيه الكريم، عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، وقد منحت العقيدة الدينية الإسلامية العقل مساحة واسعة من التفكر والتأمل العقلي، ولم تقيد حركته الفكرية بالتفاصيل الكثيرة وإنما كانت تضع التشريعات في صورة مجملة ثم تترك للعقل البشري حرية النشاط والفهم في اطار واسع وسعة تشريعية تتلاءم وظرف المكان والزمان؛ الأمر الذي جعل من الإسلام عقيدة تصلح لكل زمان ومكان دون مساس بالأصول العقدية. وقد نظمت العقيدة الإسلامية حركة الأنشطة الاقتصادية والتجارية من خلال فقه المعاملات الذي يعيِن المسلم على ممارسة السلوك الاقتصادي فيما يتعلق بالإنفاق والادخار، من ذلك؛ يقول تعالى:
﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تَْبسُطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا﴾ الإسراء: 29.
﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلاً﴾ الإسراء: 34.
﴿ ويل للمطففين* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون﴾ المطففين: 1-3.
﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ البقرة: 275 .
وقد وردت في السنة المطهرة كذلك أحاديث تشير إلى السلوك النبوي في المعاملات الاقتصادية: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلاً بمِثْل يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى والآخذ والمعطي سواء) وفي كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي[1]: (الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والزائد والمستزيد في النار)، وروي، أيضًا، (الذهب بالذهب والفضة بالفضة وزنًا بوزن)[2]، ومنها عدم موافقته على تسعير السلع: روى أنس بن مالك، أن الناس قالوا: يا رسول الله غلا السعر فسعِّر لنا، فقال: (إن الله تعالى هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعِّر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمته إياها في دم ولا مال)، وجاء في صحيح البخاري: (رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى)[3]. وبمثل هذه القواعد الفقهية يتبين أن الأنشطة الاقتصادية والتجارية تخضع لقانون العرض والطلب، ولكن هذا لا يمنع من تدخل الدولة (الحكومة) من خلال وزارة المالية أو البنك المركزي لتحدث قدرًا من التوازن بين العرض والطلب في حال حدوث ندرة في سلعة من السلع.
ويتميز مفهوم الاقتصاد الإسلامي عن فقه المعاملات بأن فقه المعاملات هو أشبه بالإطار القانوني للنظام الاقتصادي، حيث يهتم النظام الاقتصادي بتناول طبيعة المعاملات والأنشطة ذات الطبيعة التجارية من حيث التبادل الخدمي والسلعي بين الأفراد والجماعات؛ وعليه يصبح مفهوم العقيدة والقيم الأخلاقية بمثابة السياج الواقي والدرع الحامي الذي ينبع من داخل الإنسان ويعمل على منعه من الوقوع في المحظورات، ولا يمكن أن يعمل نظام الاقتصاد الإسلامي بمعزل عن الهدي الإلهي الخالد والسنة النبوية المطهرة، وعمل الدارس المسلم هو أن يستنبط القواعد العامة التي تحكم السلوك الاقتصادي من الآيات والأحاديث التي يجد فيها توجيهًا وإرشادًا اقتصاديًا.
إن الاقتصاد، بشكل عام والاقتصاد الإسلامي على وجه الخصوص، هو فضيلة من فضائل الإنسانية الجليلة، بل هو من أهمها، مدحته جميع الشرائع، وبينت فوائده. وهو، كغيره من الفضائل، وسط بين رزيلتين هما: رزيلة البخل والإمساك، ورزيلة التبذير أي الافراط، فالاقتصاد يجمع بين أمرين أساسيين: أولاً، إنه يعنى بأسلوب أو طريقة جمع المال. وثانيًا، حسن تدبير أوجه صرف المال؛ وذلك من حيث التوسط والتبذير في الإنفاق، فلا يجعل صاحب المال يده مغلولة إلى عنقه، حتى لا يخرج منها شيئًا, ولا يبسطها كل البسط، فيقعد ملومًا محسورا، بل ينفق من ماله حسب حاله، يقدم الأهم فالمهم، والاقتصاد، بحر شاسع وباب واسع، بل ومن أكبر أبواب المعرف الإنسانية ومن أكثرها أهمية في مجال تشكيل السلوك الفردي والاجتماعي، والحديث فيه يطول ويتشعب.
[1]/ جلال الدين السيوطي: تاريخ الخلفاء، ص: 99.
[2]/ ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق، ص: 10186
[3]/ محمد بن إسماعيل بن عبد الله البخاري: صحيح البخاري ج2/ص863، بيروت 1987م.