معالم واضحة في اتجاه مسار متفرد وجديد في فن التشكيل حوار مع الفنان محمد أيت موش
حاورته الأستاذة حسناء الدويشي
معالم واضحة في اتجاه مسار متفرد وجديد في فن التشكيل
حوار مع الفنان محمد أيت موش
حاورته الأستاذة حسناء الدويشي
بسم الله الرحم الرحيم والصلاة والسلام على طه الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.
الفن الراقي ينفذ إلى أعماق النفوس، ويقتحم شغاف القلوب، ويحتل الصدارة محليا، ويتربع على عرش الإبداع والتميز عالميا، لأنه فن يوقظ الجمال الكامن فينا، ويسمو بأرواحنا، ويهذب أذواقنا.
ولوحات الفنان المغربي محمد أيت موش تجمع بين الجمال والرقة، والأصالة والجدة، بحيث تشق طريقها في تؤدة مع يقين واعتداد، وهذا يجعلها تستحق كل تقدير و تتويج، خاصة أن ريشته تتدفق ألوانها سحرا وجلالا، وقلمه يلخص هوية وانتماء وإحسانا، فأن تجمع اللوحة بهاء اللون وسحر الرسم وعمق الرسالة وشساعة الدلالات وامتدادها، فلن يكون هذا إلا من فنان متميز مبدع، خط مساره بثبات المتمكن الذائق المجدد الذي يملك عمقا وبعدا، مما يجعل فنه يشع عالميا، بل يجعله يقترب من رسم معالم اتجاه فني مبتكر في عالم الريشة واللون والقلم.
و من أجل الوقوف على هذا الإبداع المتميز الفريد، يتشرف موقع منار الإسلام باستضافة الفنان التشكيلي المغربي: محمد أيت موش، فأهلا وسهلا بك ضيفا عزيزا كريما على موقع منار الإسلام.
1- بداية نود أن تعرف متابعينا في موقع منار الإسلام على مساركم الفني؟
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،أما بعد،
أشكر منار الإسلام على هذا الحوار الشيق الذى أرجو أن يكون فاتحة خير على مساري الفني والعملي.
أعرفكم على نفسي:
محمد ايت موش من مواليد مدينه تازناخت الكبرى إقليم ورزازات في الجنوب الشرقي للمغرب. تلقيت دراستي الابتدائية بمسقط رأسي بعدما انتقلت إلى مدينة ورزازات لإتمام الدراسة الإعدادية، ثم انتقلت مرة أخرى إلى مدينة مراكش لإكمال الدراسة الثانوية التأهيلية، حيث حصلت على البكالوريا “فنون تطبيقية”، بعد ذلك انتقلت مرة أخرى إلى مدينة طنجة للالتحاق بالمركز التربوي الجهوي شعبة الفنون التشكيلية، حيث تخرجت منها أستاذا لمادة التربية التشكيلية، ابتداء من الموسم الدراسي 85/86 بمدينة إنزكان.
مساري الفني مر عبر ثلاث مراحل:
الأولى عبارة عن دراسة أكاديمية خولت لي التعرف على تاريخ الفن من خلال مدارسه الفنية المختلفة، وفنانين تشكيليين وتقنياتهم، وموضوعاتهم المتنوعة، وإعادة رسم بعض لوحاتهم المتميزة.
المرحلة الثانية بدأت أبحث فيها عن ذاتي بعيدا عن التقليد، ورسمت على الموكيط، وأعتقد أنني الفنان الوحيد الذي رسم على هذه المادة أو على هذا السند الصعب، فاختيار الموكيط سندا لرسوماتي ليس صدفة، بل هو اختيار خاص بالمرحلة التي أبحث فيها عن التعبير عن أفكاري و مشاعري من خلال وسيط الزربية الواوزكيطية التي منها انطلقت، محاولا جعلها بمثابة أرضية وخلفية لموضوعاتي.
بائع الماء (الكراب) لوحة مائية على الموكيط 2009
المرحلة الثالثة في مساري الفني، بعد الرسم على الموكيط، هذه التقنية التي لم تشف غليلي، وبدأت أبحث عن تقنية أخرى تميزني، ودائما فى إطار اتخاذ الزربية الواوزكيطية خلفية، من حيث المادة واللون والرموز، فكرت في اختزال الزربية فى رمز أشرطة عمودية من القماش متقايسة ومتداخلة مع أشرطة أخرى أفقية مضفرة كمنسج الزربية، بعدها أقوم بالتدرج اللوني من مركز اللوحة، لون فاتح إلى لون داكن في جوانب اللوحة، نفس الشيء بالنسبة للرموز المعتمدة، وهي عبارة عن رموز في الذاكرة الشعبية وفي الفنون التقليدية المغربية وخاصة الزربية الواوزكيطية.
مرسومة على الموكيط سنة2007
2- مسار فني حافل ومشرق ومشرف، فهلا حدثنا عن مميزات لوحاتك الفنية التي حصدت جوائز دولية؟ وهل كنت تحلم بهذا الأمر؟
بالنسبة للجوائز الدولية التى حصلت عليها لم أكن أترقبها إطلاقا، لكن إتقان العمل يؤدي لا محالة لمثل هذه النتائج، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
3- بالمزيد إن شاء الله فناننا القدير..هل يمكننا أن نقول إن الفنان محمد أيت موش بصدد رسم معالم مدرسة فنية خاصة به؟ إذا كان الأمر كذلك فماهي أهم مميزاتها؟
يمكن القول إنني بحمده الله أشق طريقي إلى الانفراد بطريقتي الخاصة في الفن التشكيلي، والتي تتميز بجعل الرموز تشكل نسيج جميع الأشكال التي أرسمها سواء كانت واقعية أو تجريدية. وأعتقد أنها تقنية جديدة بشهادة نقاد معروفين على الصعيد العالمي في فرنسا وبريطانيا، وأحمد الله على ذلك.
ولوحاتي الفنية تتميز بطابع خاص ومميز يتجلى في جعل الزربية إرثا ثقافيا، لونا ورموزا ومادة باعتبارها أرضية وخلفية ومنطلقا لكل العملية الإبداعية، بالإضافة إلى جعل الرموز العربية المتمثلة في الحرف العربي، متداخلة ومتكاملة ومتعايشة مع الحرف الأمازيغي تيفيناغ ورموز أخرى متنوعة في الذاكرة الشعبية. وعلى طول كل اللوحات توجد فكرة التداخل والانصهار لكل هذه العناصر، وبالتالي أفكر دائما في فكرة الحرية والتعايش والتآخي، أما بالنسبة للألوان فأحاول التعبير بالألوان الطينية-لون التراب- بنوع من التناسق والتكامل مع ألوان باردة أخرى، لإعطاء حيوية ودينامية للأشكال المرسومة، فالألوان الساخنة الطينية هي الألوان التي تسيطر علي المشهد.
4-ما شاء الله..تميز وتفرد وتألق.. إنه مسار جديد بأبعاد أصيلة، نرجو لك التوفيق الدائم.. اللوحة حمّالة معان ودلالات، بالإضافة إلى جمال اللون والخط والتشكيل، فما هي الإشارات الصريحة والخفية التي تبثها عبر لوحاتك؟ مثل بلوحات من اقتراحك.
لاشك أن لأي لوحة تشكيلية معان ودلالات، من الناحية الرمزية، واللونية، والتراكيب المختلفة، للأشكال والمواد والخامات، وغير ذلك من مكونات اللوحة، ففي تقديري أن لوحاتي تحمل معان ورسائل متعددة أبرزها التعايش والمحبة والحرية والعدالة الاجتماعية.
5- جميل جدا سيدي..هل للفن التشكيلي رسالة عليه أن يوصلها؟ أم هو فن من أجل الفن؟
للفن التشكيلي خاصة، وللفنون كلها رسائل متعددة، يسعى للتعبير عنها، منها ماهو اجتماعي وسياسي واقتصادي ونفسي وجمالي..الفن مرتبط بهموم الإنسان وآماله.
لا ننسى أن الفن يجب أن يلتزم بقضايا الأمة الإسلامية جميعها، وخاصة قضية فلسطين، فالأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما يجب على الفن أن يكون في خدمة الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأسعى إلى تحقيق عدة رسائل في لوحاتي، أبرزها التعايش والمحبة والسلام والحرية.
6- نعم القول سيدي..ماهي أهم التحديات التي واجهت مسارك الإبداعي؟ وبم تنصح من اختار نفس مسارك في بلدنا؟
كل مسار إبداعي لابد أن يمر من عدة تحديات سواء كانت معنوية أو مادية، وهذه سنة الحياة التي لا تخلو من مشاكل وصعوبات، لكن يجب علينا ألا نيأس ونستسلم، بل نتحدى الصعاب ونقتحم العقبات، و نواصل المسير، ولا نلتفت، ونصبر. لذلك أوصي كل من يسير في هذا المسار أن يجتهد ويبدع ولا يستعجل النتائج، يعبر عن أفكاره وآماله وأحاسيسه بصدق، دون أن يكون الجانب المادي هو المسيطر على العملية الإبداعية، كأن يقول مثلا: يجب أن أرسم هذه اللوحة تحت الطلب بثمن كذا وكذا.
عندما تكون صادقا في فنك يأتيك الجانب المادي رغما عنه، وتدخل بذلك إلى الفن من بابه الواسع دون تملق وتكليف.
7- نصائح ثمينة وتوجيهات قيمة..نلاحظ أن اقتناء لوحات فنية ليس ضمن الأولويات الثقافية للمواطن المغربي، كيف يؤثر هذا العزوف على الساحة الفنية التشكيلية في غياب سوق فنية تشجع الإبداع وتدعم المواهب؟
نلاحظ قلة قاعات العروض على المستوى المحلي والوطني، الشيء الذي يؤثر على العملية الإبداعية للفنان، بحيث لا يجد مكانا لعرض منتوجاته حتى يتسنى للجمهور المتلقي التعرف على إبداعه، واقتناء منتوجاته، والإسهام في تنمية الموارد المادية التي يحتاج لها الفنان لتطوير فنه، والوصول به إلى الجمهور المحلي والوطني والدولي.
8 – نعم الرسائل.. نرجو أن تجد آذانا صاغية..لا يخفى أن الفن يسعى إلى خلق مجتمع راق يصنع النهضة ويغرس أجيالا قادرة على قيادتها، هل تولي الجهات المسؤولة اهتماما بالفن والفنانين التشكيليين؟
للأسف الجهات المعنية لا تولي اهتماما كافيا بالفن والفنانين، ويعتبرون الفن شيئا ثانويا في حياة الإنسان والدليل على هذا غيابه على مستوى البرامج التعليمية.
9 – صحيح للأسف فناننا القدير سي محمد ايت موش..وسط تدفق اللوحات الفنية، هل يمكننا الحديثُ تاريخيًّا، لا إيديولوجيًّا، عن لوحةٍ مغربيّةٍ، مستقلّةٍ لذاتها، وتُتأمّل في ذاتها ؟
نعم، هناك فنانون ملتزمون بقضايا الأمة ويمكن التحدث عن اللوحة المغربية وعن فن تشكيلي مغربي أصيل، لكن ليس عند الجميع، فقط هناك نخبة معينة هي من تشتغل على إبراز التراث وتطويره والتعريف به.
10 – وهذا فخر للمغاربة جميعا..نسال الله المزيد..تطور الفن التشكيلي المغربي في فترة الخمسينيّات حيث انتقل إلى التعبير عن المكنون النفسي والفكري للفرد، هل اكتسبت اللوحة التشكيلية المغربية هويتها من التئامها بهموم الشعب؟
يوجد فنانون ملتحمون بهموم الشعب، و لا تخلو أي مرحلة من هذا الأمر، أي فن لا يهتم بهموم الشعب وتطلعاته وآماله فمصيره النسيان والاضمحلال، فالفن المرتبط بقضايا وهموم الإنسان سيكون صالحا لأي زمان و أي مكان، وسيظل فنا خالدا.
11- نعم هذا مراد الفن الأصيل وهذه غايته..يقال إن كل المهن لها سن التقاعد إلا الفن التشكيلي، فالفنان كلما كبر زاد عطاؤه وإتقانه، ما الذي تخطط له مستقبلا في عالم الفن ؟
لدي مشروع فني مستقبلي يندرج في تطوير الزربية الواوزكيتية، وتصميم لوحات تشكيلية معبرة عن الزريبة حيث تكون قابلة لنقلها وإنجازها، عن طريق ربط علاقة بين الفنان والنساجات، وذلك باختيار نخبة وتكوينها باستمرار لمواكبة هذا المشروع.
12- بالتوفيق إن شاء الله ونحن في انتظار إبداعاتك الراقية والماتعة..إذن هو مشروع إبداعي يلامس الفن التشكيلي، ويخدم الصناعة التقليدية، فهل للفنان ايت موش اهتمامات أدبية أو فنية أخرى؟
نعم لدي اهتمامات أخرى في حياتي أبرزها القراءة و الاستماع إلى الموسيقى.
13-وفقك الله سيدي..كيف يمكن للفنون أن تدعم بعضها بعضا، بمعنى كيف يمكن للمسرح والسينما مثلا أن يدعما الفن التشكيلي؟ وكيف تتصور هذا الدعم والتعاون؟
الفنون كلها تسعى إلى التعبير عن آمال الشعوب وأفكارها ومشاعرها وتقاليدها وعاداتها وأفراحها وأحزانها، فهي مرآة المجتمع..ليس هناك إنسان بدون فن، كما أنه ليس هناك فن بدون إنسان، الفن مرتبط بالإنسان منذ البداية..المسرح أبو الفنون والسينما كذلك، ويمكن التعاون بينهما، وكذلك الفن التشكيلي يمكن أن يجد مكانه في المسرح والسينما على السواء.. يمكن أن يشتغل الفنان التشكيلي في إنجاز الديكور المطلوب في المسرح والسينما، دون أن نحتكر تخصصات الآخرين، كل في تخصصه الذي يعرفه ويتقنه، وفاقد الشئ لا يعطيه ، لذلك يجب إسناد الأمور إلى أهلها.
14- أحسنتم سيدي محمد، أحسن الله إليك..هل هناك آفاق تستشرفها لمستقبلك الفني خاصة، و للفن التشكيلي في المغرب عموما؟
الحمدلله، أنا دائما متفائل لما سيأتي في المستقبل، تفاءلوا بالخير تجدوه. بالنسبة لمشروعي أو مشاريعي المستقبلية، أطمح أن تكون لي بصمة واضحة في إبراز وتدوين الأشكال والرموز والألوان التي تزخر بها الزربية الواوزكيطية، والاحتفاظ بها للأجيال القادمة والمساهمة في تطويرها وتنميتها.
15- مزيدا من العطاء والتألق إن شاء الله..أمتعتنا بحوارك وبجمال ورقي ذوقك الفني، وجلت بنا في معرض لوحاتك الرائعة البديعة، فنحن جد سعداء بفنان من قامتك.
بل الشكر لموقع “منار الإسلام” الذي أتاح لي هذه الفرصة لألتقي بجمهوره العريض، شكرا لكم مرة أخرى وأرجو لكم التوفيق في رسالتكم الإعلامية، وأعد الجمهور بالجديد إن شاء الله تعالى.
شكرا جزيلا وإلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله.