خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)
خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)/ شعيب البطار
خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)
بقلم: شعيب البطار
الأداء المنفرد للأغنيات بالآلة الموسيقية، وما يحمله من إبراز لقدرة العازف على بيان خصوصية واختلاف الأداء لمفردات النص الغنائي بآلته الموسيقية.
تعتبر القوالب الغنائية من أهم القوالب الموسيقية العربية، ولقد اهتم الموسيقيون العرب بالغناء اهتماما كبيرا، ويرجع ذلك لمجموعة من الأسباب أهمها ارتباط الثقافة العربية بالشعر.
إن فترة ظهور الموسيقى الآلية في الموسيقى العربية، ألْفَت العازف يحمل في ذاكرته رصيدا هائلا من الجمل و الألحان، مما ساعده على أداء هذه الأغاني ومحاكاتها بآلته الموسيقية بكل سهولة وبكل براعة .
إن الأداء المنفرد للأغاني بالآلة الموسيقية يعد في الحقيقة من أجمل القوالب الموسيقية في الموسيقى العربية، فبعد أن اعتاد المستمع أن يستمع إلى الأغاني بواسطة الصوت البشري، أصبح يستمع إليها بواسطة الآلات الموسيقية؛ مما أثار الغرابة والإعجاب لدى المستمع أثناء الاستماع إليها من الآلة الموسيقية.
إن الأداء المنفرد للأغنية بالآلة الموسيقية ليس بالأمر السهل، إذ تتجلى هذه الصعوبة في كون أن الصوت البشري يُعد من أصعب الآلات الموسيقية وأتقنها، باعتبار أن الجمل اللحنية الغنائية تكون أكثر تعقيدا من الجمل الغنائية الآلية فضلا عما يتميز به الصوت البشري من مميزات يصعب تقليدها بالآلة الموسيقية لكونه آلة طبيعية مما يجعل حتى تدوين بعض الجمل الغنائية صعبة لما فيها من جمل لحنية تضم بين طياتها بعض الزخارف والحيثيات الصغيرة والمعقدة، ولذا فإن أداء العازف المنفرد للأغنية بالآلة الموسيقية يتطلب الاستماع الدقيق للأغنية حتى يتشرب لحنها ويسهل عليه أداؤها.
لقد برع الموسيقيون العرب في أداء هذا القالب الموسيقي، فظهر مجموعة من العازفين المجيدين لمحاكاة المغني حتى وصل الأمر أن تسمع أحد العازفين وهم يؤدي أغنية معينة فتعرف المغني الذي يحاكيه العازف، ولا شكّ فلقد ساعد في ذلك البيئة الغنائية التي نشأ فيها الموسيقي العربي قبل ظهور الموسيقى الآلية حيث اعتادت أذن العازف على الاستماع للجمل الغنائية التي أصبحت مكونا من مكونات الرصيد الموسيقي عند العازف.
إن الأداء المنفرد للأغنية بالآلة الموسيقية هي لحظة يتجسد فيها لقاء لحن الأغنية بصوت الآلة الموسيقية، لقاء تجتمع فيه الروح بالجسد والشكل بالمضمون باعتبار أن الأغنية تحمل في طياتها بعدا روحيا؛ لأن الأغنية بالأداء المنفرد بالآلة الموسيقية يكون سبق وقد استمع إليها الجمهور بأداء مطرب بالصوت البشري والذي في حقيقة الأمر هو صوت طبيعي يظل حاضرا في ذاكرة المتلقي وهو يستمع إلى نفس الأغنية بأداء الآلة الموسيقية.
إن هذه المقاربة لا تضعنا فقط أمام فلسفة الفن عند الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل بتجسد الروحي في المادي، بل كذلك تضعنا أمام جدل ديالكتيكي بين الفنان العربي وبين آلته الموسيقية، ثنائية من شأنها أن ترتقي بالموسيقى العربية الآلية وتنقلها إلى طور جديد.