منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)

خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)/ شعيب البطار

0

خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية (تابع)

بقلم: شعيب البطار

 

خصوصية الأداء على الآلات الموسيقية العربية.. (تابع)

 

التأويل الخلاق للنص اللحني مسموعًا أو مدونًا، وإلى أي مدى يستطيع العازف المنفرد أن يضفي بأدائه بصمة خاصة مميزة فى كل مرة يؤدي فيها اللحن بإضافاته النغمية والمقامية والأدائية تبعًا لتقاليد الأداء على الآلة.

في الموسيقى عموما وفي الموسيقى العربية خصوصا يعتمد العازف إما على المدونات الموسيقية أو على ما حفظه في ذاكرته إذ تلعب المدونة الموسيقية دورا كبيرا في تسهيل العزف؛ فاللحن موضوع أمام العازفين ويحتاج الأمر فقط إلى قراءة النوطات وتنفيذ اللحن، ولاشك أن ذلك يتطلب إجادة القراءة الصولفائية والمِراس والخبرة الكبيرة.

إن تجربة العازف وكثرة اشتغاله لقراءة النوطة يجعل من المدونة الموسيقية أرضية وإطارا فقط، يتحرك فيه فلا يتقيد كل التقيد بما هو مكتوب في المدونة كأن يعزف بعض الأشكال والجمل الموسيقية بشكل أجمل، يكون فيه شجن وطرب، وربما يكون أداء المغني موحيا للعازف مما يجعله يتصرف في بعض الجمل كتغيير طريقة عزف بعض الأشكال الإيقاعية أو عزف الجمل الموسيقية بشكل أخر يضفي عليه لمساته الفنية والجمالية مع الحفاظ على الإطار العام الذي تحدده وترسمه المدونة الموسيقية؛ مما يجعلنا في حالة المدونة الموسيقية أمام تأويلات مختلفة للنص الموسيقي وقد تختلف هذه التأويلات باختلاف قائد الأوركسترا الذي يقود الفرقة إلى تصوره الخاص الذي بلوره انطلاقا من تمثله الخاص للأغنية، لذا فإن اللحن المدون يضعنا أمام تأويلات كثيرة تختلف باختلاف انطباعات قائد الفرقة وباختلاف العازفين مما يفتح الباب في رسم الأسس الإبداعية التي يقوم عليها التأويل الخلاق للنص اللحني، لكن الإشكال هو كيف يمكن الجمع بين تأويل النص والنص الأصلي كما ألفه المؤلف، وحينها فهل يمكن أن نتكلم عن موت المؤلف التي قال بها رولان بارث واستجلابها من مجال الأدب إلى مجال التأليف الموسيقي باعتبار أن المدونة الموسيقية هي أيضا نوع من التأليف؟

إن الاعتماد على المدونة الموسيقية يجعل المدونة هي من تُجبر العازف على عزف ما ثم تدوينه بشكل حرفي ما قد يخلق نوعا من التوحيد والرتابة في العزف ويقتل ملكة الإبداع والتأويل عند العازف.

وباعتبار أن الموسيقى العربية ارتبطت بمفهوم الطرب أو الإطراب، فإن الاستغناء عن المدونة الموسيقية والاعتماد على الحفظ والسماع يجعل العازف يتمثل اللحن ثم يتفاعل معه بشكله الخاص ليعيد إنتاجه بكل أريحية فيأتي اللحن مفعما بالسلاسة والإطراب.

كما إن إعادة العازف للمقطوعة الموسيقية لا يعني إعادتها بنفس الروح الجمالية بل في كل مرة يتجدد أداؤه لهذه المقطوعة إما لاكتساب العازف للتقنيات والمهارات التي تناسب هذه المقطوعة أو تلك والتي يستمدها من كثرة الإعادة أو انطلاقا من بعض الأساليب الجديدة التي ثم اكتشافها بعد أن أصبحت القطعة الموسيقية القطعة مألوفة لدى العازف من خلال إعادتها مرات كثيرة.

أما بخصوص استعمال المدونة من عدم استعمالها فلا شك أن للمدونة الموسيقية كذلك دورها، إلا أنه كلما قَلّ تقيّدُ العازف بالمدونة الموسيقية واعتمد أكثر على حفظ الأغنية بالاستماع كلما كان عزفها بإطراب؛ فلا شك أنه بين ثنايا النوطات الموسيقية المكتوبة يضيع الكثير، وهذا بالضبط ما عبر عنه غوستاف مالر عندما كتب مرة يقول: ” إن أفضل ما في الموسيقى لا يمكن العثور عليه في النوطات”4 .

فإن كان العازف تلقى اللحن من طريق السماع من تسجيل أصلي أو ربما تلقنه من الملحن مباشرة فإن ذلك يكون له دور كبير في نقل اللحن بكل أمانة مما يجعل تأويل النص يظل مرتبطا بالنص الأصلي الذي يكون ملهما للعازف لبلورة قراءة لا تخرج عن الإطار الذي رسمه المؤلف.
و يبقى للمدونة الموسيقية لا شك دورها في حفظ وأرشفة اللحن من جهة وتنظيم وتسهيل عملية التوزيع الموسيقي وتنفيذ الأعمال الموسيقية من جهة أخرى.


4 – غوستاف مالر 1844_1911 نقلا عن علي الشوك في كتاب أسرار الموسيقى، ص 55.
للنشر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.