منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

 (3) بماذا تتعلق به شبه الجملة؟ “التعلق في النحو العربي” – دراسة تركيبة –

 (3) بماذا تتعلق به شبه الجملة؟ "التعلق في النحو العربي" – دراسة تركيبة –/ عبد السميع مزيان

0

 (3) بماذا تتعلق به شبه الجملة؟

 التعلق في النحو العربي

– دراسة تركيبة –

بقلم: عبد السميع مزيان

جامعة محمد الأول -المغرب

 http://المقالة الأولى

http://المقالة الثانية

تتعلق شبه الجملة بالحدث الذي ترتبط وتتشبث به. وبما أن النحاة كانوا يحللون مكونات الجملة العربية من زاوية إعمالية،  فقد قدموا الفعل على أنه الأصل في تعليق شبه الجملة؛ لأنه أقوى العوامل اللفظية، فقالوا: “لابد من تعلقهما بالفعل، أو ما يشبهه أو ما أول بما يشبهه، أو ما يشير إلى معناه؛ فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجود قدر”[1] والحدث يأخذ مجموعة من الأشكال نفصلها كالتالي:

  • الفعل:
    يتعلق شبه الجملة بالفعل، سواء كان متصرفا أو جامدا، متعديا أو لازما، مادام لم تنتف عنه الدلالة على الحدث:

قال تعالى: “إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين” [آل عمران: 33]

و قال مويلك المزموم:

امرر على الجدث الذي حلت به        أم العلاء فنادها لو تسمع

تعلق الجار والمجرور (على الجدث) و (به) بالفعلين (امرر) و(حلَّ)

وقال متمم بن نويرة:

لقد كفن المنهال تحت ردائه        فتى غير مبطان العشيات أروى

تعلق الظرف (تحت) بالفعل (كفن)

تعلقها بالفعل الجامد، قال عباس بن مرداس:

وقال نبي المسلمين: تقدموا        وأحبب إلينا أن نكون المقدما

تعلق الجار والمجرور (إلينا) بالفعل الجامد (أحبب)

  • هل تتعلق شبه الجملة بالفعل الناقص؟

اختلف النحاة في أمر تعلق شبه الجملة بالفعل الناقص، واختلافهم هذا نابع من موقفهم من دلالتها على الحدث،  فمن نفى دلالتها على الحدث منع التعليق بها، وقد ذكر منهم ابن هشام: المبرد والفارسي وابن جني، والجرجاني، وابن برهان، والشلوبين[2]،  ومن أثبت دلالتها عليه أجازه، واستثنوا من ذلك  (ليس)، ونقل ابن هشام دليل من أجاز تعلقها بالأفعال الناقصة.

والاختيار أنها ناقصة، لقصورها عن الدلالة على الحدث التام، فهي تدل على حدث ناقص، لا يتم إلا بالمنصوب بها، وهو الخبر.

وعليه فإن التعليق بالأفعال الناقصة ضعيف وإنما يكون بالخبر الذي هو دال على الحدث لفظا، أو تقديرا. ولا يلجأ إلى التعليق بالفعل الناقص إلا إذا فقد الحدث الآخر لفظا وتقديرا.

ج-المصدر:
ومن شواهد تعلق شبه الجملة بالمصدر قوله تعالى: )أو إطعام في يوم ذي مسغبة( [ البلد: 14] تعلق الجار والمجرور (في يوم) بالمصدر (إطعام)، وقال امرؤ القيس:

كدأبك من أم الحويرث قبلها        وجارتها أم الرباب بمأسل

فقد تعلق كل من الجار والمجرور (من أم) والظرف (قبل) بالمصدر (دَأْب) وفعله دَأَبَ.

د- اسم الفاعل:

ومن شواهده قوله تعالى: )وإن الذين لا يؤمنون بالأخرة عن الصراط  لناكبون( [المؤمنون :75]، الجار والمجرور (عن الصراط) متعلق باسم الفاعل ( ناكبون) من الفعل الثلاثي (نكب).

وقال الربيع بن ضبع:

أصبح مني الشباب مبتكرا        إن ينأ عني فقد ثوى عصرا

شبه الجملة (مني) متعلق ب (مبتكرا)، وهو اسم الفاعل من الفعل الخماسي (ابتكر).

هـ- اسم المفعول:

قال تعالى: )غير المغضوب عليهم( [ الفاتحة: 7]، (عليهم) متعلق باسم المفعول ( مغضوب) من الفعل (غَضِبَ).

وقال حميد بن ثور:

وهل أنا إن عللت نفسي بسرحة       من السرح مسدود عليَّ طريق

تعلق فيه (علي) باسم المفعول (مسدود) من الفعل (سدَّ).

و- الصفة المشبهة:

قال الله عز وجل: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [ التوبة: 128]  شبهي الجملة (عليه) و(عليكم) متعلقان  على التوالي ب ( عزيز) وهي صفة مشبهة من الفعل اللازم (عزَّ)، وب( حريص) صفة مشبهة من الفعل اللازم (حَرِصَ).

ومن شواهد تعلق الظرف بالصفة المشبهة قال امرؤ القيس:

كأن سباعا فيه غرقى غدية       بأرجائه أنابيش عنصل

الظرف (غدية) متعلق بالصفة المشبهة (غرقى) جمع (غريق)، من الفعل اللازم (غَرِقَ).

ز- صيغ المبالغة:

قال الله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط( [النساء: 134] ، (بالقسط) متعلق بصيغة المبالغة (قوَّامين) مفرده (قوَّام).

ح- أفعل التفضيل:

قال عز من قائل: )إذ قالوا ليوسف  وأخوه أحب إلى أبينا منا( [يوسف: 8] شبهي الجملة (إلى أبينا) و (منا) متعلقان بأفعل التفضيل (أحب).

وفي قول جرير:

لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم        ونحن لكم يوم القيامة أفضل

الجار والمجرور (لكم) والظرف (يوم) متعلقان بأفعل التفضيل (أفضل).

ط- اسم الفعل:

منه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم: )أف لكم ولما تعبدون من دون الله( [الأنبياء:66] الجار والمجرور (لكم) متعلق باسم الفعل (أف).

ومنه أيضا قول ذي الرمة[3]:

وقفنا فقلنا: إيهٍ عن أم سالم       وما بال تكليم الديار البلاقع

فالجار والمجرور (عن أم) متعلق باسم الفعل (إيهٍ).

تعلق شبه الجملة بحروف المعاني:

   حروف المعاني هي حروف وضعت لمعان كان حقها أن يدل عليها بالفعل كالاستفهام، والنفي، والنهي، والأمر ، والتوكيد، والتشبيه، والتمني، والعرض، والتحضيض، والنداء، والتعجب والاستغاثة…[4]

وبما أن الحروف تدل على معنى في غيرها، فقد اختلف النحاة في جواز تعليق شبه الجملة بحروف المعاني، وقد ذكر ابن هشام ثلاثة أراء في الموضوع:

1ـ المانعون مطلقا، وذلك اعتمادا على الأصل فيها، فهي حروف؛ والحروف تدل على معنى في غيرها. وهذا رأي الجمهورـ حسب قول ابن هشام ـ فقد ذهبوا إلى أن متعلق (بنعمة) في قوله تعالى: )ما أنت بنعمة ربك بمجنون(، هو الفعل الذي دل عليه النافي، أي: أنتفى ذلك بنعمة ربك، وليس النافي هو المتعلق؛

2ـ المجيزون مطلقا، واحتجوا لذلك بكونها تدل على معان كان حقها أن يدل عليها بالفعل، ولقد نقل ابن هشام كلاما لابن الحاجب يستدل على مذهبه: ” وقال ابن الحاجب في )ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم([الزخرف: 38] : (إذ) بدل من (اليوم) و(اليوم) إما ظرف للنفع المنفي، وإما لما في (لن) من معنى النفي، أي: انتفى في هذا اليوم النفع، فالمنفي نفع مطلق، وعلى الأول نفع مقيد باليوم. وقال أيضا: إذا قلت: (ما ضربته للتأديب) فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل، والمنفي ضرب مخصوص، وللتأديب تعليل للضرب المنفي، وإن قصدت نفي الضرب على كل حال، فاللام متعلقة بالنفي والتعليل له، أي أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب، لأنه قد يؤدب بترك الضرب…” [5]

  3ـ المجيزون بشرط أن يكون الحرف نائبا عن الفعل، عن طريق النيابة لا الأصالة، وإلا فلا، قال به أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني ” زعما في نحو (يا لزيد) أن اللام متعلقة بيا، بل قالا في (يا عبد الله) إن النصب بيا”[6]

والاختيار هو ما ذهب إليه الفريق الثالث، وهو أن الحرف إذا ناب عن الفعل، عن طريق النيابة لا الأصالة، جاز التعليق به؛ لأن التعليق بحروف المعاني يغنينا من التأويل، فالتعليق بالمذكور أولى  من التعليق بالمحذوف. لذلك علقوا شبه الجملة (لك) بحرف النداء (يا) في قول امرئ القيس[7]:

فيا لك من ليل كأن نجومه        بكل مغار الفتل شدت بيذبل

التعلق بالاسم الجامد المؤول بمشتق:

والمراد بالجامد؛ اسم الذات والاسم العلم والضمير، فإذا أول الاسم الجامد بالمشتق جاز أن يحمل على معنى الحدث، فتعلَّق به أشباه الجمل، ومُثِّل لهذا التعلق بقوله تعالى: )وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله( [الزخرف:  84]  ” أي وهو الذي هو إله في السماء، ف (في) متعلقة ب (إله)، وهو اسم غير صفة بدليل أنه يوصف، فتقول: (إله واحد)، ولا يوصف به، لا يقال: (شيء إله)، وإنما صح التعلق به لتأويله ب (معبود)، و(إله) خبر ل (هو) محذوفة، ولا يجوز تقدير (إله) مبتدأ مخبرا عنه بالظرف، أو فاعلا بالظرف؛ لأن الصلة حينئذ خالية من العائد، ولا يحسن تقدير الظرف صلة وإله بدلا من الضمير المستتر فيه، وتقدير (وفي الأرض إله) معطوف لذلك لتضمنه الإبدال من ضمير العائد مرتين، وفيه بعد.”[8]

   كما أن الاسم العلم والضمير إذا كان يشير إلى معنى المشتق حمل على الحدث، وجاز أن تعلق به شبه الجملة، ومثال ذلك لفظ الجلالة في قوله تعالى: )وهو الله في السموات والأرض يعلم سركم و جهركم ويعلم ما تكسبون( [الأنعام: 4]  فهو اسم علم، لكنه يشير إلى معنى (المعبود)، ولهذا تعلقت به شبه الجملة (في السموات).

ومن ذلك أيضا اسم العلم (ابن ماوية) في قول فدكي بن أعبد:

أنا ابن ماوية إذا جد النقر      وجاءت الخيل أثابي زمر

لأن (ابن ماوية) فيه معنى المقدام، لذلك تعلق به الظرف (إذا)


[1] – المغني، ابن هشام، 2/484.

[2] – المغني، ابن هشام، 2/488.

[3] – ديوان ذي الرمة، ص 356. الخزانة، 3/19.

[4] – شرح المفصل، ابن يعيش،

[5] – المغني، ابن هشام، 2/489.

[6] – المصدر نفسه، 2/489.

[7] – ديوان امرئ القيس، 19.

[8] – المغني، ابن هشام، 2/485.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.