العلامة سيدي عبد الحي العمروي “فقيه الألفية وجليس العامة”
الدكتور عبد العلي المسئول
العلامة سيدي عبد الحي العمروي
فقيه الألفية وجليس العامة
بقلم: الدكتور عبد العلي المسئول
غادرنا إلى دار البقاء منسلخ شهر شوال 1444هـ أستاذنا العلامة المحقق اللغوي سيدي عبد الحي العمروي الحسني، أستاذ الأجيال، وملحق الأبناء بالآباء.
ينتسب سيدي عبد الحي إلى بيت علم وشرف، فأخوه هو العلامة الشهيد عبد العزيز بن إدريس أحد قيادات الحركة الوطنية المبرّزين، من رفقة العَالميْن الوطنيَّيْن علال الفاسي والمختار السوسي، وهو الذي استشهد بتحناوت قرب مراكش يوم 25 أبريل سنة 1959، وأخبرني سيدي عبد الحي أنه نَقل جثمانَه من ثَمَّ إلى فاس ليدفن في تربة مقبرة القباب خارج باب الفتوح.
عرفته أساطين جامع القرويين طالبا على يد كبار علمائها من أمثال أبي الشتاء الصنهاجي والحبيب المهاجي وعبد الرحمن العراقي والعباس بناني، ثم أستاذا بها للنحو العربي، يُدرّس الأجرومية وقطر الندى والألفية بشروح متنوعة، فكان جلساؤه لا يملون من دروسه المليئة بالفوائد والدرر والنكت، مع سهولة العبارة، والتواضع الجم، وسعة الصدر، والنباهة والتَّيقُّظ، وإن اختلفت معه في مسألة لغوية رجع إلى مصادره وأتاك بالأمر من فَصِّه، في غير علو ولا استعلاء.
كان رحمه الله يعقد مجلسا بعد عصر يوم الجمعة، يحضره العلماء من أمثال محمد بن علي الكتاني والغازي مختوم وعبد الكريم مراد ومولاي أحمد العلوي رحمهم الله جميعا، وكان رحمه الله يدعوني إلى الحضور معهم، فكانوا يسردون حاشية الفتوحات الإلهية على تفسير الجلالين للجمل، وبعدُ يتحاورون، ويسود المجلس محبة وتقدير واحترام وأدب وعلم، فيتعرضون للدقائق النحوية والنكت البلاغية والأحكام الفقهية واللطائف السلوكية…
كانت له مكتبة من أغنى مكتبات الديار الفاسية، لما تحويه من نوادر المخطوطات والطبعات الحجرية، حيث كان رحمه الله شغوفا باقتناء الكتب، ضنينا بإعارتها إلا لما وثق فيه وأحبّه.
شارك في التحقيق والتأليف في موضوعات متنوعة، وكان غيورا على لغة القرآن الكريم، حيث كان له برنامج لتقويم الألسنة بإذاعة فاس الجهوية سماه “قل ولا تقل”
وكان بيته قبلة لأهل الفكر والأدب والسياسة، وممن زار بيته أكثر من مرة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى حين كان بالزاوية البودشيشية، وكان بينهما ودٌّ واحترام ومحبة.
ومن أبرز سماته رحمه الله تواضعه وجلوسه إلى العامة وإنصاته إليهم والإفادة منهم.
رحم الله أستاذنا العمروي، وأسكنه فسيح الجنان، ورزق أهله وأقرباءه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.