منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أفغانستان اليوم

عبدالرحمان لبان / أفغانستان اليوم

0

أفغانستان اليوم

عبدالرحمان لبان

مقدمة

لم يكن أحد يتوقع سرعة انهيار بناء الدولة “الحديثة” التي أقيمت على أنقاض دولة الملا عمر، التي شيدت فوق جماجم الافغان العزل. الذين كان قدرهم العيش تحت رحمة تساقط الحمم طيلة عقود، بداية من الغزو السوفياتي ومرورا بالتناحر القبلي، ومعه حكم طالبان الذي وحد البلاد، وورث كل المشاكل التي خلفها تطاحن السنين، ومنها حركة الأنصار العرب، الذين دعموا جهاد الأفغان ضد الروس، حيث تشكل فصيل سمى نفسه “القاعدة” بزعامة أسامة بن لادن، هذا الأخير أصبح المطلوب الأول للولايات المتحدة الامريكية بعد أحداث 11 سبتمبر ، طلب قوبل بالرفض استنادا الى فتوى الحركة بعدم جواز تسليم مسلم لكافر، كلف هذه الأخيرة حرمانها من حكم البلد، بل دك بلدها دكا، بآخر ما وصل اليه نبوغ الصناعة العسكرية الأمريكية، لتتسلم السلطة طبقة سياسية تحت وصاية الإدارة الأمريكية، التي اعتبرها الكثيرون أقرب لأمراء الحرب منهم الى حكومة مدنية تمثل كل شرائح الشعب الافغاني

عقدان بين الأمريكان وطالبان

عشرون سنة بالتمام والكمال، اختفت فيها كل تلك المظاهر الكرنفالية التي تفنن الإعلام الدولي في إيصال لون من الإسلام المتشدد، حركة تمنع التلفاز، و تضيق على النساء، وتمنع التصوير، وتفرض البرقع، فغلب على الظن أن الشعب الأفغاني أصبح يعيش في بحبوحة من الحياة قبل أن يصدمه تصريح الرئيس بايدن أن أمريكا لم تذهب الى أفغانستان طيلة هذه العقدين من الزمن لتقيم دولة، و إنما لتحمي مواطنيها و أمنها القومي، عشرون سنة كاملة لم يبقى الحديث فيها عن حقوق المرأة أو الحريات العامة و حقوق الانسان، قبل أن يتفاجئ العالم انه لم يتغير شيء، وأن الشعب الأفغاني المسلم، يعد البرقع جزء من عادات لباس نسائه، يمتح من قيمه المحافظة، وأن الحقوق الاقتصادية التي تأتي في سلم أولويات حقوقه قد ضاعت بين أيدي تجار المآسي من أصحاب الغنائم الباردة، من بعض السياسيين الذين لا يتمتعون بروح وطنية، عشرون سنة كاملة وحركة طالبان لم تلقي السلاح عن كاهلها، وإنما بندقية في يد، وعلى كتف كل رجل نعش محمول، فاستقبلوا الموت بصدور عارية سجلها لهم التاريخ،إضافة الى أبواب المعتقلات المشرعة لهم في الداخل والخارج، عشرون سنة كانت كفيلة بمراجعة الأوراق، وترتيب الأولويات، واستشراف المستقبل.

طالبان حركة أصيلة أم طارئة

طالبان الأفغانية الجذور، حركة سنية ذات خلفية عقدية ماتريدية تشكل ثاني مدرسة عقدية بعد الأشاعرة، وكلاهما حسب التصنيف الوهابي التيمي العقدي الممول من دول النفط في سلة أهل البدعة. ارتكبت حركة طالبان أخطاء عدها خصومها و أصدقائها جسيمة، أولها التطبيق الكرنفالي لحدود الشريعة، الشي الذي اعتبره أصدقاؤها عرضا معيبا، وتنزيلا ساذجا للفقه الجنائي الإسلامي، والثاني تمسكها برجل أعلن الحرب على أقوى دولة في العالم ،فلم تسلمه لطالبه، فكان ثمن ذلك زهدها في حكم بلد بعدما أحكمت ربوعه أكثر من خمس سنوات. هاهي تعود اليوم بعد العقدين من الزمن أكثر نضجا، وأكثر ثقة في النفس، تحدوها روح وطنية، رجوعا من عالمية الجهاد، الى قطرية بناء الوطن والرغبة في لم شعته، فى رسائل تبعثها متتالية و متسارعة لينتبه المراقب الحصيف.

أولها:

حق دولتها أن تعيش في فضاء مفتوح، مع باقي دول الدنيا، ومن أفعالها الدالة على ذلك، طلبها للديبلوماسية الدولية الممثلة في أفغانستان المكوث والقيام بمهاهما كما كانت من قبل، بل طالبت من قوتها في الأرض بحماية كل المقرات الديبلوماسية الفارغة، وحماية كل الأجانب فوق التراب الأفغاني

ثانيا:

إعلان السلام مع كل من ناصبها العداء من الدول، لم تسثني الدول التي ساهمت في الإحتلال، الذي لازالت آثاره باقية، و جراحه لم تندمل بعد، في خطوة، لا يقوم بها إلا من أصبح يحمل رؤية يستشرف بها المستقبل، وأراد أن يخرج من ضيق الجماعة إلى رحاب المجتمع

ثالثا:

إصدار العفو العام في حق الأفغان سواء من تقلد مسؤولية سابقة أو تعاون مع المحتل، رسالة طمأنة، وسلوك رشيد من الحركة لكل ألوان الطيف السياسي الداخلي، ومختلف العاملين في المؤسسات العسكرية والأمنية و كذا المتعاونين مع الهيئات الأجنبية.

رابعا:

احترام الحقوق والحريات خاصة حق المرأة في التعليم و ممارسة الحياة العامة إلى جانب الرجل، في خطوة تنم عن تغيير في عقلية الحركة، ونزوعها من العرف الاجتماعي التقليدي السائد في القبائل الأفغانية، وذلك عبر العودة إلى كنف الفقه الحنفي المعتمد عندها، والذي يعد من أكثر المذاهب الفقه اعتدالا وتسامحا في قضايا النساء.

نضج سياسي كبير عبرت عنه حركة طالبان، وهي تعود للحياة العامة مظفرة منتصرة، يتميز باعتدال اكسبته الأيام رشدا و نباهة، رد عليهم بها مختلف الحساسيات من أبناء الشعب الأفغاني عبر تسليم الحكم دون إراقة الدماء، فهل ستمهل الأطراف التي تناصب العداء للشعوب؛ خاصة المسلمة منها، فيتركون لهم الفرصة في اختيار طريقة تدبير المرحلة و بناء الدولة وفق قواعد يتفق عليها الجميع، أم أن الأحداث ستأخذ مجرى آخر سيكون فيها الخاسر الأكبر هو المراهن على توقيف عجلت شعب خرج للدنيا ليكون مقبرة للإمبراطوريات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.