منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

“مهمتنا الأولى في الحياة : رُسُلُ الرُّسُلِ ! “| سلسلة أفكار في التوجيه الدراسي والمهني (المبدأ 7 )

مصطفى شقرون

0

” مهمتنا الأولى في الحياة : رُسُلُ الرُّسُلِ ! “

سلسلة أفكار في التوجيه الدراسي والمهني (المبدأ 7 )

بقلم : مصطفى شقرون

شرح الله سبحانه وتعالى مهمة أول إنسان خلقه للملائكة فوضع نهاية لتساؤلاتهم وحب استطلاعهم بل وتخوفاتهم :
إنه خليفته في أرضه..
نائبه..
سفيره المعتمد..
الموفد إلى الكوكب الأزرق..
– يتكلم باسمه :
{ بسم الله الرحمن الرحيم } [الفاتحة، 1] – وعليه أن يدعو الناس إلى خالقهم.. ويعرفهم به :
{ قل : “هو الله أحد”.. } [الإخلاص، 1]
إن لم يفعل.. كان كباقي الكائنات.. يفكر.. ويأكل.. كما تأكل.. ويلد.. ويعلم ذريته.. كما تفعل.. ثم يموت.. وهو لا يدري ما مهمته..
قال تعالى عمن اتخذ إلهه هواه.. فلم يستمع للوحي ليتعرّف على مهمته.. التي من أجلها خلق..
{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } [الفرقان، 44]..
جاء في تفسير الطبري لهذه الآية: “أي : أسوأ حالا من الأنعام السارحة ، فإن تلك تعقل ما خلقت له..”..
وقد فصل الله تعالى هذه المهمة الكبرى.. بأن قسمها -سبحانه- إلى أربع 4 مهمات رئيسية..
وإن مهمات الانسان -في الأرض- هي نفس مهمات الرسل عليهم السلام المطالب باتباعهم.. :
1- التبليغ : أن يتلوَ الإنسان القرآن على غيره من الناس.. أي أن يبلغه.. إلى الناس..
2- التربية : أن يزكيَ الناس (ويتزكى معهم) أي أن يكون في جماعة من المؤمنين تتزكى.. وتتعاون على ذلك..
ولعل ترتيبها بعد الوحي إشارة إلى أن التربية المرجوة ليست “أخلاقا” “مجردة”.. وإنما هي مستمدة من توجيه الله كما بثّه في وحيه..
تربية على منهاج الوحي..
تربية على منهاج النبوة..
أي على منهاج الأنبياء الذين وكّل الله تعالى إليهم تبلبغ كلامه للناس..
وندب إلينا أن نتبع خطواتهم..
ونقوم بعملهم..
وأن نكون “رسل” الرسل إلى الناس..
خلفاءه بحق..
وتذكروا كيف أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “رسله” إلى بقاع الأرض ليتلوا على الناس آيات الله.. ويزكونهم.. ويعلمونهم الكتاب.. والحكمة..
تحضرني هنا لقطة بداية فيلم الرسالة.. حيث يفترق رسل رسول الله الفرسان.. لتبليغ رسالة الله.. إلى خلق الله..
3- التعليم : أن يُعلِّم الناس الكتاب.. أي أن يتذاكروا القرآن لمحاولة فهم ما استعصى فهمه منه..
والقلب آلة الفهم..
فكلما صفى القلب الصادق بالذكر والعمل الصالح المقرب إلى الله (فرضا ونفلا..)، تلقى الوحي غضا طريّا كما تلقاه الصحابة وفهموه وطبقوه بعفوية وصواب.. بل وتقديس وتبجيل قبل ذلك..
4- التنزيل و التطبيق: أن يعلم الناس الحكمة.. أي يحاول -معهم- فهم منهاج تنزيل الوحي على الأرض في واقع متغير..
نقرأ هذه المهمات الأربع في أوائل سورة الجمعة : {بسم الله الرحمن الرحيم. يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة، 1-2]..
مهمتك ابني وابنتي إذا : تبليغ الوحي/الرسالة لمن لم يصلهم وتربية الحاملين للرسالة وشرح الوحي للناس وحكمة تنزيله على الأرض لتغييرها للأحسن.. لا أن تنكفئا في “تديّن فردي” لا يمكنكما به تغيير الأرض.. فليس المطلوب منكما حفظ القرآن لنفسكما فقط.. وشرحه لها.. لأجل الفهم وحب الاستطلاع وربما لاستعمال “المعلومة” في مجلس أو لقاء عابر أو مناسبة ما.. أو ربما نوستالجيا تذكرك في غربتك ببلدك.. قبل أن تذكرك بالله.. وبمهمتك الأصلية على أرض الله..
ينكفئ مُسلمنا في “تديّن فردي” من أجل صلاح فردي لا يضمن له النجاة من الهلاك.. (أنهلك وفينا الصالحون؟.. نعم..).. الحديث..
قلت “مُسلمنا”.. ولم أقل “مؤمننا”.. لأن “الذين آمنوا” مخاطبون في القرآن بصيغة الجماعة.. لا بشكل فردي..
يحسب أن “العبادة” الواردة في آية غاية الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات، 56] هي -فقط- عبادات أركان الاسلام الظاهرة من شهادة وصلاة وحج وصيام وزكاة.. وربما زاد بعض أعمال البر..
لا ينتبه إلى أن “العبادة” تشمل كل الفرائض والنوافل والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المجموعة في شعب الإسلام الكامل.. البضع والسبعين..
ومن شعب الإيمان الدراسة (في خصلة العلم) ومن شعب الإيمان المهنة والمقاولة (شعبة التكسب في خصلة العمل)..
شعب هي..
الدراسة والعمل..
روافد هامّة للمهمة الأولى..
من ضمن بضع وسبعين رافدا..
فلا ينسينك رافدان.. سبعين رافدا..
ولا ينسينك رافدان..
نهر الإيمان الدافق..
نهر مهمتك..
نهر خلافتك..
فلنُعلِ من نيتنا.. ولندرج ما نحن بصدده من توجيه دراسي وترقٍّ مِهْني.. في شعب إيماننا.. أي في سيرنا (سلوكنا) إلى الله..
قلت شعب الإسلام الكامل.. عمدا ولم أقل شعب الإيمان.. لأن الدين الكامل إسلام وإيمان وإحسان.. كما في حديث جبريل عليه السلام..
ولأن الإيمان بضع وسبعون شعبة كما جاء في الحديث.. وهذه الشعب تضم أركان الإسلام كذلك..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[1].
وشعب الإيمان.. جماعية -كذلك- في تطبيقها : فحتى خصلة الصدق -التي نظنها خلقا ذاتيا فرديا فقط- تستوجب الكينونة مع الصادقين
{وكونوا مع الصاديقين}..
أمر من الله أن نبحث عن الصادقين.. ونكون معهم..
كأمره سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ ولنا -نحن رسل رسوله- أن نبحث عن الذاكرين لنكون معهم..
{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } (الكهف، 28)
مما جاء في تفسير الطبري أن هذه الآية لما نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) فخرج يلتمس، فوجد قوما يذكرون الله، منهم ثائر الرأس، وجافّ الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، فقال: ” الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لي فِي أُمَّتِي مَنْ أمرني أنْ أصبِرَ نَفْسي مَعَهُ” .
أمر بلزوم الجماعة المؤمنة الذاكرة.. لا يستثني رسول الله خير خلق الله كُلِّهِمِ..
فإنّه لا أحد يستطيع خلافة الأرض وحده.. ولا تغييرها وحده..
{ ..هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.. } [الانفال، 62]
فكن يا بنيّ ويا بنيتي كرسول الله ﷺ .. التمسوا جماعة الذاكرين الصادقين المجاهدين.. واصبروا معهم..
هذا هو التوجيه الحق..
وما عداه من دراسة وعمل.. وسائل ضرورية.. وإعداد للقوة.. لهدف لاستحقاق مهمة الخلافة.. لدعوة الناس إلى خالقهم.. بعلم وبحكمة..
ومن القوة، التفوق في الدراسة.. وفي المهنة.. وفي استقرار الأسرة.. وفي الصبر والعمل مع المؤمنين..
فكن كرسل رسول الله.. الفرسان السفراء.. حيثما حللت وحيثما ارتحلت.. وحيثما سارت بك طرق الأقدار.. وقطاراتها.. وبواخرها.. وطائراتها..
والله أكبر..
حي على الفلاح..
جفّت الأقلام..
لن يبعث الله رسلا بعد سيدنا محمد ﷺ..
لكنكم…
أنتم.. الآن.. رُسُلُ الرُّسُلِ.. !


[1] متفق عليه
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.