حكم تعليق التمائم المكتوبة بالقرآن في أعناق الصغار
ذ. أبوبكر الزايدي / حكم تعليق التمائم المكتوبة بالقرآن في أعناق الصغار
حكم تعليق التمائم المكتوبة بالقرآن في أعناق الصغار
ذ. أبوبكر الزايدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
أولا: تعريف التميمة
التميمة في الاصطلاح تطلق على معنيين:
الأول: خَرَزات كانت العرب تُعلقها على أولادهم يَتَّقُون بـها العين في زعْمهم فأبْطلها الإسلام. ينظر: “النهاية في غريب الحديث والأثر” (1/ 197، ط. المكتبة العلمية).
والثاني: ورقة يكتب عليها شيء من القرآن، وتعلق على الرأس مثلًا للتبرك. ينظر: “حاشية الجمل على شرح المنهج” (1/ 76، ط. دار الفكر).
————☆☆☆☆☆———–
ثانيا : أنواع التمائم
إذا لم يعتقد أن التمائم مؤثرة بنفسها، فهناك حالتان:
▪️إما أن تكون من القرآن أو من غير القرآن، والتي من غير القرآن إما أن تكون من الأذكار والأوراد والكلام الطيب وهذا جائز.
▪️ وإما أن تكون بخلاف ذلك من الطلاسم والكلام غير المفهوم في لغة العرب أو بلغة أخرى، وهذا غير جائز،وهي محرمة.
————–☆☆☆☆☆———–
ثالثا: حكم تعليق التمائم من القرآن والسنة
المسألة الرابعة: تعليق تمائم القرآن والأذكار المشروعة:
اختلف الفقهاء في حكم التميمة إذا ما كانت مشتملة على آيات من القرآن، أو شيء من أسماء الله وصفاته، أو بعض الأدعية الشرعية، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
جواز تعليق هذا النوع من التمائم، بشرط أن يكون التعليق بعد نزول البلاء لرفعه، لا قبله لدفعه.
وهذا القول مروي عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها –، حيث قالت: “ليست التميمة ما تعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما تعلق به قبل البلاء”. رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/325)، والحاكم في المستدرك (4/217) وصححه، والبيهقي في السنن الكبرى (9/350).
▪️وذهب إلى هذا أبو جعفر الطحاوي، فقد قال: “فكان ذلك – يعني النهي عن تعليق التمائم – عندنا والله أعلم ما علق قبل نزول البلاء ليدفع، وذلك ما لا يستطيعه غير الله عزوجل فنهي عن ذلك لأنه شرك؟ فأما ما كان بعد نزول البلاء فلا بأس لأنه علاج ا.هـ”شرح معاني الآثار (4/325).
▪️وكذا ابن عبدالبر، حيث قال – بعد أن ذكر أن نصوص النهي محمولة على التعليق قبل نزول البلاء –: “وكل ما يعلق بعد نزول البلاء من أسماء الله وكتابه رجاء الفرج والبرء من الله عزوجل، فهو كالرقى المباحة التي وردت السنة بإباحتها من العين وغيرها”التمهيد (17/160-161).
————-☆☆☆☆☆————
القول الثاني:
الجواز بإطلاق، قبل نزول البلاء وبعده.
وهذا القول مروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وبه قال أبو جعفر الباقر والإمام أحمد في رواية، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ورجحه البيهقي، واختاره الإمام السندي.
وحملوا النصوص المانعة من ذلك على التمائم الشركية، أما التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته، فهي كالرقية بذلك.
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (9/350-351)، شرح السنة (12/158)، حاشية السندي على النسائي (7/112)، تحفة الأحوذي (3/171).
عن نافع بن يزيد قال: سألت يحيى بن سعيد عن الرقى وتعليق الكتب، فقال: “كان سعيد بن المسيب يأمر بتعليق القرآن، وقال: لا بأس به. اهـ”السنن الكبرى (9/351).
وسئل سعيد بن المسيب عن الصحف الصغار يكتب فيه القرآن فيعلق على النساء والصبيان؟ فقال: “لا بأس بذلك، إذا جعل في كير من ورق أو حديد أو يخرز عليه. اهـ”
وقال عطاء: “لا يعد من التمائم ما يكتب من القرآن. اهـ”شرح السنة (12/158).
———-☆☆☆☆☆————-
القول الثالث: القول بعدم جواز ذلك مطلقًا:
وبه قال ابن مسعود، وابن عباس، وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر وعمران بن حصين، وإليه ذهب جماعة من التابعين، كسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وهو أحد قولي الإمام أحمد، واختارها كثير من أصحابه.
واحتجوا بظاهر الأحاديث، وعموم الآثار الواردة في النهي عن تعليق التمائم وليس فيها تفريق بين ما إذا كان المعلق من القرآن، أو من غيره، وبين ما إن كان قبل نزول البلاء أو بعده.عمدة القاري (4/253)، تيسير العزيز الحميد (ص168).
▪️فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه رأى على بعض أهله شيئًا قد تعلقه فنزعه نزعًا عنيفًا، وقال: “إن آل ابن مسعود أغنياء عن الشرك”.رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/14) رقم 3510، وعبدالرزاق في مصنفه (11/208) رقم 20343.
————-☆☆☆☆☆————
رابعا: نصوص بعض الفقهاء في المسألة
1- قال الإمام مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك. ينظر: “الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي (10/ 319).
2- قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 142، ط. دار المعرفة)- بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم-: [هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نـهي فيه؛ فإنه إنـما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسـمائه وذكره]. اهـ.
3- قال الإمام النووي في المجموع:” وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن، وقال: لا بأس به، قال البيهقي: هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف، أو على ما كانت عليه الجاهلية، من إضافة العافية إلى الرقى، لم يجز، وإن رقى بكتاب الله، أو بما يعرف من ذكر الله تعالى، متبركًا به، وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى، فلا بأس به. والله أعلم”. انتهى.
4- قال العلامة نور الدين بن عبد الهادي السندي في شرحه على النسائي: وأما ما يكون من القرآن، والأسماء الإلهية، فهو خارج عن هذا الحكم، بل هو جائز؛ لحديث عبد الله بن عمرو أنه كان يعلق على الصغار بعض ذلك. انتهى.
،،،،،،،،وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». قال: وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها مَنْ بَلَغَ من ولده، ومَنْ لم يَبْلُغْ منهم كتبها في صك ثم علَّقَهَا في عُنُقِه.وقد قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
———☆☆☆☆☆—————-
الخلاصة
تعليق وأدعية التمائم المكتوب فيها آيات من القرآن الكريم وأذكار جائزٌ شرعًا طالما أن المسلم يعتقد أن الله هو النافع الضار، وأنـها لا تعدو أن تكون من جملة الأسباب، وبشرط أن تصان عن الإهانة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن اتخاذ التمائم الشرعية طلبًا للشفاء لا يلغي وجود الطب الجسماني، وإنـما ينبغي الاستفادة منهما دون إفراط في أحدهما أو تفريط في الآخر.
———-☆☆☆☆—————-
والله سبحانه وتعالى أعلى أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.