منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

همــســات أمــل

همــســات أمــل/سلوى الغنامي

0

همــســات أمــل

بقلم: سلوى الغنامي

  • هل رسبت في امتحان، أو أخفـقْت في ولوج كلية؛ أو دراسة تخصص طالما حلمتٓ به بعد أن اتخذت كل الأسباب لذلك ؟
  • هل رتبت كل الأمــور لزواجك، ثم انتهى كل شيء كأن لم يــكن ؟
  • هل فقدت قريبا تعلق فؤادك به زمــناً، ثم في لحظةٍ ودعك أنت ودنيـاك ؟
  • هل فقدت فلذة كبدك فانفطــر قلبك وما جـفّٓ دمعـك ؟
  • هل تكالب عليك الهم والغم، ونهش جسمك المرض والألم ؟
  • هل أظلمت عليك الدنيا، بعد أن كنت ترنو لمعانقة شمس الأفراح وهي  تلوح إليك ؟

      ✓أيّـاً كان وضعـك، دعنــي أقــول لك أن أمـرك كله خيـــر، وأن رب الخيـر لا يأتـي إلا بالخير، وأن ما أصابك ماكان ليخطئـك، وما أخطــأك ماكان ليصييك، دعنــي أطٓمْـــئنكٓ يا رفيــق ؛ بـأن شمــسٓ الخير  لازالت دانية منك، أو لعلها الآن تعانــقك، نعم تعانقك في جوف خٓطْــبِك وفي عمق ما تظنه مأســاتك، فدعني أهمــس في أذنك همســة:

  • أنــــت الذي بعد السهر والتعب وبــذل الأسباب ؛ وحسن التوكل على الله،صٓعــقك رسوب في امتحانٍ،أو إخفــاق في ولوج تخصص طالمــا  حلمـتٓ به،دعني أخبرك  أن دراستك لهذا التخصص  لا يعني نجاحك حتماً،  ولا سعادتك قطعــاً، ولا مُجمــلٓ  راحتك جزمـاً، فقد يكون وبٓــالاً، وشــراً محضــاً، حماك الله منه، إن الصورة الوردية التي رسمتها  له في مخيلتك  ليست هي الواقع الحقيقي، فمخيلتنا تخدعنا كثيرا ؛ خاصة  عندما يتعلق الأمر بما نرغب فيه بشـــدة، وٓلنٰــفْترض أنك درست ما تريد، وفي  الكليــة التي تريد، هناك مئات السيناريوهات السيئة التي قد تحدث لك،فلماذا تـــجدك لا تفكر الا في السيناريو المثالي الذي قٓــلّ ونــدُرٓ، إنْ لــم نٓــقُلْ شــحّٓ وانــعٓدمٓ تحــققُّه ؟!!  لماذا تظن أنك إن درست الطب مثلا، ستنجح فيه وستكون ذلك الطبيب النبيل المثالي، ذو العصا  السحرية في معالجة المرضى !!! أليست هناك فرضية أن تخفق في الدراسة، أو تُغلب من ضغط الظروف، أوتصاب بأمراض نفسية بسبب المنهاج، تجعلك  تكره كــل ما أحببتـه بالأمس في هذا التخصص، أليست هناك فرضيات أن يتغير قلبك، وتفقد القيـم التي كنت تنوي زرعهــا،والتخلق بها في عملك،مـن ضٓمن لك الثبات ودوام الحال،وصلاح القلب والقصد في تلك البيــئة؟،من أخبرك انك قادر على مجابهة صعاب  لا تعلمها،وظروف  لا تفقـــهها !!

  ولكــن الله يعلمــها إن جهلتــها أنت،  إنــه يعلم نقاط قوتك  وضعفك، ومكمن الخير لك  أكثر منـك.

فأيـّـاً كــان ما حلمت به، وبـذلْــتٓ لولوجه ودراسته كل الأسباب (طب،هندسة،صحافة،،شرطة…)  فلم يقدره  الله لك، تيقـــن أنه اختار لك الخير، فلا تبتئـــسْ! ولا تتحســر، فما فاتك شيء !! لأن ما تظنه فاتك، لم يكن لك  من الأســاس ! ورزقــك سيأتيك حتماً كاملا غير منقوصٍ، أو لعله بين يديك  وأنت لا تدري خيريــــته، فاحـرِص كل الحرص  أن تغيِّـر نظرتك الوردية  للأمر،وتجعلها أكثر واقعية، لتعيش سليم القلــب منشرح الصدر.

  • وأنـــتِ التي بعد أن تٓقٓـدّم لكِ مـن رٓأيْتِ فيه الزوج الصالح،والرفيق الناصح،والسند بعد الأب والأخ، فتم الاتفاق واقترب موعد الفرح، ودنــا نٓصب أعلام العرس والمرح،فإذا بكل شيء يختفي في لحظة، كأنـكِ من حلم  قد استيقظت، انتهى الأمر لأسباب صٓغُرت أم كبرٓت،وهنٓـتْ أم عظمٓتْ، فتفرق الجمـع،وعُلِّـق الفرح…

دعني أقـول لك أن أمرك كله خيـــر،ابتســـمي وقولي بقلب مطمــئن راض غير غضبان:” الحمـــد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيـــه “، واجعلي  كل ذرة في داخلك  تستشعر هذا الحـمد، هل تدرين يا حبيبة القلب، كم فرضية سيئة كان يمكن أن تنصدمي بها بعد هذا الزواج ؟؟، هل تدركـين كـم  سيناريو  أنجاك الله منه، ولو عُرض أمامك لكرهــت حدوثه واخترت ما اختاره الله لك، وسارعت للتراجع عن كل  خطوة خطوتيها بالأمس.

{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

فلماذا تسمحين لأحاديث الناس  أن تتلاعب بقلبك وعقلك، وتزعزع يقينك وحسن ظنك في الله، مادمــت استخرت الله وفوضت له أمــــرك، وأوكلــتيه ملفك، وسألتيــه أن يــتولاك ويختار لك، فلماذا إذن  الجزع يا أخــتاه ؟!

 لقد أبعد سبحانه بلطف منه  الشر عنك، وسيأتيك  بفضل منه بالخير الذي يرضيك، ويعوضك بخير مما ذهـــب.

  • وأنـــتٓ الذي فقدت عزيزاً، كان في القلب مسكنه، وبين حنايا الفؤاد مرفٓــأُهُ،عشتٓ معه سنيناً، ونسجت برفقته ذكرياتٍ لا تنسى، لقد عٓلقت أحاديثه في المسام، ولازال رنين ضحكاتكما يدق عالم النسيان، لقد  رحل عن الدنيا وغطـاه التــراب، ويْـكـأنّٓ ماكان  بالأمـس لم يكن سوى ســـراب،فترك جرحاً في قلبك لا يندملُ، ولازلتٓ  رغم  سنينٍ من رحيله؛ تلــوكُ بمـرارة عِلـكةٓ فقـدِه، دعني أبشرك يا صـاح أن الأمر كله خيــر.

إن هذه الدنيا ليست مٓقٓـرّنٓـا، ونحن يوماً بعد يوم نقترب من مغادرتها، كمســافر مهما طال سفره لا بد وأن يعود إلى إقامته ودار مقامـه، وفقيدك قد سبقك في المغادرة، لأن الله قضى أن ينتهي عمره في ذلك اليوم وفي تلك الساعة والدقيقة بالتحديد.

 ولٓـجِـوار أرحم الراحمين خير له  من جوارك، ولــعل رحيله كان راحة له من ألم المرض، ورحمة بذويـه من ثقل الهم، واعلم أن هذه الدنيا في حقيقة الأمر موت، ورحيلنا عنها هو بداية  الحياة وليس نهايتها كما نظن، كما يقول الرافعي:

” ومتَى اعتبَرنا الشَّقاء الإنسانيَّ وما يعترضُ الإنسَان في طريقِ الحيَاة؛ رأينَا الحقَّ الذي لا مريةَ فيه أنَّ هذا الإنسَان حينَ تمشِي راحلَته إلى القبرِ لا يكُون قدِ انتهَى من الحيَاة كما يُقال..ولكنَّه ينتهي حينئذٍ من المَوت”.

فالزمِ الصبر يهـٓن عليك العبور، وارضْ بقدر الله، وأرسِلْ إلى فقيدك، دعاء صادقاً، وصدقةً دافئةً، فذلك أكـرم لذكراه، وأنفع لروحه من دموعك الساخنة.

  • وأنــتٓ يا مـن فقدتْ فلذة كبـدك، وزهــرةٓ فؤادك، فانهد جـدارك، ولم تستـطع بعدُ أن تقيمــه، دعني أبـشِّــرُكٓ بنعيم الأجــر بعد الصـبر، وأقول لك  أن حلاوة الجبر وعِظمـٓهُ، ستفوق قساوة المُصاب وألمـــه، وتيقنْ أن نفـع طفلك أو ابنك لك في الآخرة ؛ يفوق نفعه لك في الدنيا  أضعافاً كثـــيرة، بل قد يكون في بقائه الى جانبك هــمُّ  وشـر وفتنة ونٓـكد، فعندما قتل سيدنا الخضر ذلك الغلام  – قال تعالى: ” فانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا  ” [الكهف ]  -، بٓــين بعد ذلك لسيدنا موسى  أن الله أراد أن لا يُرهق به والديه، وأن يبدلهما خيراً منه: { *وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:٨٠ – ٨١]

 فكان في فقْـد هذيـن الوالِـدين لابنهـما رحمة وفضلا  منه سبحانه.

كذلك أنت كن على يقين أن الله أنجاك برحمة منه من شر لاتعلمه، وأراد أن لا يرهقـك بأمر يعلمه سبـحانه، ثم جعل لك مع هذا الفقـد عظيم الأجر إن صبرت واحتسبت، كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة”.

  • وأنـــتٓ الذي مـٓزّق المرض بٓدٓنـك،وفـتٓكٓ الألم بجسمك، وطــال عليك زمن استعمال الدواء دون تحٓسُّـن يُذكـر،دعني أُخبِــرُكٓ أن أجرك إن صــبرتٓ عظيــم،وأن المرض مطـهرة للذنوبِ، بـه يرفع الله قدركٓ، ويعفو عن خطاياكٓ، ويبلغـك ما لمْ ولنْ تـبلغه بعملك، قال  الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللهِ ‌مَنْزِلَةٌ ‌لَمْ ‌يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ »

أخرجه الإمام أحمد وأبو داود.

 فقد يكون ذلك الألم الذي يصاحبك هو قارب نجاتك، أهداكٓـــكٓ الله إياه لِـتـعْـبرٓ به إلى الجنان. إن الله لا يضيع مثقال ذرة، هو الذي يثيبك  عن الشوكة إذا شاكتك، فكيف بألم ينخر جسمك، أو هٓمِّ يــأْرق راحتك، فـيٓا لـٓكنوزِ الأجور التي تتدفقُ عليك، إن أحسٓنتٓ استقبال هدية ربـك، واستشعرت بحسن ظـنٍّ فيه سبحانه، أنه يقضي لك الخير،وأن في طيات كل ما تراه شراً خيرات  دفينة وثمينة، “عنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه” متفقٌ عَلَيهِ.

فلو استشعرنا  عظيم الأجر عند المرض، لشعرنا بلذة مع كل  وخزة ألم، قال أحد السلف: “لولا المصائب لوردنا القيامة مفاليس “، وعن ابي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم:” يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطَى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِضَتْ في الدنيا بالمقاريض)).رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني في”صحيح الترمذي”.

 وهذا يشير إلى عظيم منزلتهم وأجرهم جزاء لصبرهم على ذلك البلاء، فما أهــنأك وما أعظم  أجرك ايها الصابر على بلائك  !!!

  • وأنــتٓ الذي طال همك، وعظم كربك، ولم تعد ترى لِصباحك انبلاجاً، فهرعت إلى ربك، ووجهت وجهتك صوبه وحده، فسجدت سجودا طويلاً، وذرفت أدمعا صادقةً، وأخبرته بقرحـك وضعفك وافتقاركٓ، وحاجتكٓ له…

دعني أقول لك أن أمرك هذا  هو رأس الخير،  فكل وجع أو كسر  كانت نتيجته أن تعود إلى الله، وتقترب منه أكثر مما كنت عليه فهو رحمة وجبر، كل محنــة جعلتك تفرغ يديك من جميع الخـلق، وتضع حاجتك بين يدي الخالق، موقنا أنه وحده القادر على قضائها، فتوجهت إليه كلِّيــةً:

-بقلـبــك وروحك، بشعث نفســك، وشتات أمرك، وضيق صدرك -،فهذه في جوهرها منحـة وليست محنة، وكـل نقـــمة جعلٓتك ترى نور الآيات بلا غبش، فتخترق قلبك وكأنك لم تسمع بها من ذي قبل، فهذه نعمة  أخرى وليست نقــمة.

إن جنة الدنيا مناجاة الله،وإن لذة  الحياة الخلوة مع الله ؛ التي قد تتحقق لك في أشجان بلية، أو مصيبة ورزيـة.

فــهل استشـــعرت الآن خــيرية ما أصــابك ؟!! هــل رأيت غيضا من فيض  نِعــٓــمِ الله التي لا تراهــا، بل وتحسبــها شراً لأنها جـــاءت مغلفـــة ببــــلايا !!؟؟

إعلم !! أن أمر المؤمن كله خير: “وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”. رواه مسلم.

فاستشعر رحمة الله ولطفه في كل مصاب يصيبك، ولا تجزع فلـرُبّٓ ضارة نافعة ؛وما أكثر الخير في طيات ما تراه شراً، فحكمة الله أوسع، وتدبيره أرحم، لذا عِش بقلب راضٍ مطمئنٍّ، فٓـوضْ الأمرٓ لمن بيده الأمرُ، وتسلح بالصبر واليقين وحسن الظن بالله، فما خاب عبد كان هذا عتاده في معركة الحياة.

لاتتوقف كثيراً على أعتاب الماضي، ولا تتحسر طويلاً على رحيل الأشخاص والأشياء والفرص، فما كان لك ســتأخذه، وما ليس لك لا تعـكر صفوك  بالحزن عليه.

 وتذكــــــر أن  أمـــرك كــــله خيــر، فلا تبتــئـــــــــس ولا تنــــطفئ.

{ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19].

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.