﴿ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟﴾ -الجزءالسابع – (١٠) سلسلة “نتغير لنغير”
د.فاطمة الزهراء دوقيه
﴿ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟﴾ -الجزءالسابع – (١٠) سلسلة “نتغير لنغير”
د.فاطمة الزهراء دوقيه
وندخل إلى ساحاتها الكبرى .. لاستلهام دروسها لكي “تتغير لتغير”..
والبداية مع التي جعلت العماد في الصلاة، والصلاة عماد الحياة!! لا قيام للصلاة بدونها، والحياة لا قيام لها بلا صلاة.
إنها الفاتحة والمقدمة للكتاب الخاتم الذي يهدي إلى التي هي أقوم في الحياة، ويغيرها إلى الأفضل وتشكيلها أحسن ما تكون الشاكلة والسيرة ..
هي فاتحة طريقك إلى التغيير، تمدك باللوازم الأساس للأداء الصحيح لمهمتك في الأرض.
وقصتها تبدأ مع قصة البدء:
نزلت هناك في مكة، حيث كانت البداية والتأسيس، حيث شهد العالم انطلاق التغيير الأول نحو العالم الجديد، وحيث انكشفت الحقيقة للوجود، فحصل الخروج الأكبر من ظلمات الضلال إلى نور الهداية، وحيث بدأ الإنسان في الانعتاق من رق المألوف والقديم إلى رحاب الجديد والحديث. في الجزء المكي من المنهج، كان البناء الصحيح والراسخ للإنسان: اعتقاد صحيح، ومنهج تفكير سليم، ورؤية واضحة نحو المستقبل، تضيء الطريق نحو التغيير والسعادة الإنسانية الحقيقية، مع شحذ الإرادة للمسير..
لقد جاءت الفاتحة حاملة لهذا السياق الموصوف ..
وجُعلت عماداً من أعمدة الصلاة، لتؤدي دورها في نفس الاتجاه الذي توجه إليه، لتؤدي دورها في التعليم والتدريب على تشكيل الحياة والعالم من حولنا. فما هي هذه الفاتحة؟ وما فضلها؟ وما سرها؟
- هي أم الكتاب تجمع أمره وتقدم لقضاياه؛ والعرب تسمي كل جامعٍ أمراً أو مقدم له “أُمّاً”. وقد ذكر ابن القيم أنه قد “قيل أن الله تعالى أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معانيها كلها في القرآن، الذي جمع معانيه في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في:﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾“[1].
إنها أعظم سورة في القرآن ..
- قد شرفها سبحانه وتعالى بثنائه عليها لما قال:﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ سَبۡعاً مِّنَ ٱلۡمَثَانِی وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِیمَ﴾، الحجر:٨٧، وأشاد بفضلها المصطفى ﷺ بقوله في الصحيح:{والَّذِي نَفسِي بيَدِه، ما أُنزلَت سورةٌ في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ ولا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقانِ مِثلُها، وإنَّها لَهي السَّبعُ المَثاني والقُرآنُ العَظيمُ}[2].
- جعلها نوراً لم يُسْبَق مثلُه: فقد نزل الملك من السماء، ليبشر محمداً ﷺ:{أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فاتِحَةُ الكِتابِ، وَخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلّا أُعْطِيتَهُ}[3].
- هي أعظم سورة قُرِنت بأعظم قربة؛ فكلما اتجه المسلم إلى الصلاة، عليه بها في كل ركعة، وعند كل قيام، ولا غنى له عنها، ولا تقوم بدونها، كما صح عن النبي ﷺ حين قال:{لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب}[4].
- وقد احتشد فيها فضلٌ عظيم يَلد فضلاً؛ بها قسمت الصلاة نصفين بين الله وبينك .. وما أعدلها من قسمة!! وما أروعها من صلاة!! كأنه حوارٌ يدور بينكما، وما أمتعه من حوار إن وعيته:
* فحين تقول:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾، يقول الله تعالى: حمدني عبدي .
* وإذا قلت:﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، يقول تعالى: أثنى علي عبدي.
* وحين تقول:﴿مالِكِ يَومِ الدِّينِ﴾، قال عز وجل: مجدني عبدي.
* فإذا قلت:﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، يقول جل ثناؤه: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل.
* فإذا قلت:﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ﴾، يقول سبحانه: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. [5]
انظر فكلما تلوت آية كان هناك رد من ربك
روي أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كان لما يقرأ الفاتحة في الصلاة آماً الناس، يسكت بين الآية والأخرى، مما جعلهم يتساءلون عن السبب، فسألوه، فقال: لأستمتع برد ربي لي ..
انظر إلى عظمة هذه السورة، وكيف وعاها عمر!!!
فما أسرارها التي تحويها فأثقلت هكذا ميزانها؟ وهل من مغزى من عقد قرانها الابدي بالصلاة، حتى أنها جعلت فاتحة كل ركعة فيها عند كل قيام؟
أدع الإجابة عن ذلك إلى الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى وتوفيقه، فانتظروني وتابعوني، والسلام عليكم ورحمة الله ..
[1]– مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم،١/٩٥، تحقيق: البغدادي، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت،٢٠٠٣.
[2]-أخرجه الترمذي (2875)، والنسائي في السنن الكبرى (11205)، وأحمد (9345) مطولاً، والطبري في التفسير (17/137) واللفظ له.
[3]– صحيح مسلم، برقم ٨٠٦.
[4]– صحيح البخاري، برقم ٧٥٦.
[5]– صحيح مسلم، برقم ٣٩٥.