منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

القصص القرآني وبناء القيم(9): السيدة مريم واليقين في أمر الله

0

قص الله عز وجل علينا قصة مريم في سور متعددة، وخصص لها سورة كاملة باسمها ليبين لنا، أن لها أسرار كامنة في حياتها الكريمة، في هذا تكريم للمرأة باعتبارات متعددة، فهي سند للرجل سواء كان ابنا أو زوجا أو أخا أو أبا، وللمرأة مهام جليلة في حياة الأمم، فهي غراس أجيال الأمة، وهي التي تسقيها بماء الفطرة وتغذيها محبة وحنانا وقوة وشجاعة، لتغذو الأجيال يانعة مورقة وتروح برا ورضا على الأم والأب والأمة جمعاء، وفي قصة مريم عليها السلام نجد تجليات هذه الاعتبارات.

من هذه القصة العجيبة نتوقف عند أهم العبر فيها:

اليقين في موعود الله:

كانت السيدة مريم عليها السلام عابدة منذ صغرها، منذ كفلها سيدنا زكريا عليه السلام، كان جوابها مباشرا عندما سألها: أنا لك هذا، قالت: هو من عند الله، وبذلك دلت الرسول الكريم على باب من أبواب العطاء، إنه الدعاء، وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر[1]،

العبادة المتواصلة:

كانت السيدة مريم عليها السلام كثيرة العبادة، نبتت عليها منذ صغرها، وقد كانت هذه أمنية امرأة عمران، فقد سألت الله ذرية طيبة، وهذا من جميل الخصال في حمل المرأة، أن يكون طلبها الذرية الطيبة الصالحة، “واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة، حتى إنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقا غريبا في غير أوانه، فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف”[2].

الصبر على الأذى:

تعرضت السيدة الكريمة لصنوف الأذى من قومها بعدما علموا بحملها بنبي الله عيسى عليه السلام، حتى أنها تمنت الموت على الحياة،”قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا”[3]،”ذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه”[4]، لكن الله ألهما صبرا وأنزل عليها طمأنينة وألهمها الصواب في رد كيدهم، وكانت المعجزة أن رد سيدنا عيسى عليه السلام وهو في المهد:” قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا”[5]، فدحض بذلك مزاعمهم وأظهر صدق السيدة مريم عليها السلام وبين أنه عبد لله ابتداء ومرسل ونبي مبعوث لهم.

الصديقية:

من الصفات التي حازتها مريم عليها السلام أنها كانت صديقة، يقول الله تعالى:” مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٌ”[6] وفي الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم:” خيرُ نساءِ العالمينَ أربعٌ: مريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مزاحمٍ امرأةُ فرعونَ، وخديجةُ بنتُ خويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ رسول الله”[7]، وهذه الدرجة تحتاج تفعلا مستمرا في مقام الصدق، وقد أخبر الرسول الكريم أن الرجل ما يزال يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وهي المنزلة العظمى والشرط الذاتي في السلوك إلى الله عز وجل ومن شروط تحصيله: “تصحيح النية والصدق في الطلب والصواب في التوجه”[8].

في قصة مريم عليها السلام الكثير من القيم التي نحتاجها اليوم في حياتنا، فهي استجابة من الله عز وجل للأم الطيبة امرأة عمران، فنحتاج أن نجدد نياتنا في أمورنا كلها، ثم أنها صدقت في عبادتها وصبرت واحتسبت في مواجهة قومها واتهاماتهم فاصطفاها الله تعالى وجعلها أما نبي الله عيسى عليه السلام وخلد ذكرها في سورة متلوة إلى يوم القيامة.

[1] رواه الحاكم.

[2] ابن كثير، قصص القرآن، ج 2 ص 649.

[3] سورة مريم الآية 23.

[4] ابن كثير، قصص القرآن، ج2 ص 664.

[5] سورة مريم، الآية 30.

[6] سورة المائدة، الآية 75.

[7] رواه الترمذي.

[8] عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 1 ص 348.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.