فريقان في رمضان …
بقلم: زهرة سليمان أوشن
رمضان شهر البركات والخيرات، شهر الذكر والقرآن، شهر التدبر و التغير، وهو فرصة ثمينة جدا لكسب الأجور وتزكية النفس والمسارعة في الصالحات.
ولا شك أنه أمامنا الخيار وبيدنا القرار،، قرار الاستفادة من هذا الشهر وحسن التعامل معه أو إضاعته وتبدير أوقاته وتفويت الفرصة في الارتقاذ بأنفسنا فيه .
وإذا في أحوال مجتمعاتنا مع رمضان، سنجد الناس في تعاملهم معه على قسمين :
قسم أعد عدته ووضع خططه للاستثمار في هذا الشهر الكريم، يصوم نهاره صيام المحسنين، يمسك لسانه إلا عن قول الحق، يغض بصره، يجاهد نفسه ويسعى للقرب من ربه، يتذكر ويذكر، نجده بين تلاوة للقرآن وصلاة وقيام و وبين صدقة وبر وصلة أرحام، قد شغل نفسه بالطاعات، يحضر دروس العلم ويسارع إلى المساجد وحلقات الذكر، يكثر من النوافل ويسارع إلى الخيرات، فهو مع المتطوعين للمساهمة في التخفيف عن الناس وقضاء حوائجهم وتلبية متطلباتهم.
يسير طيلة الشهر وقد علاه البشر، يرفع سقف إتقانه، يحسن خلقه، يرقي تعامله، يعين أهله ويحفظ ود أقاربه وزملائه .
يدرك أن هذا الشهر الفضيل ما هو إلا أياما وساعات وأنه لا مجال فيه لهدر الأوقات، لذا نجده حريصا على أيامه وليليه، وعلى ساعاته وثوانيه، لا يضيع وقته في الخصام والجدال، ولا في اللغو والمهاترات، يرفع في وجه كل المضيعات شعار : إني صائم، وهو يدرك أبعاد هذه الجملة وعمق دلالتها، فالصيام الحق تقوى وعمل، سلوك وخلق، صبر وشكر، اتقان وإحسان، فطوبى له ولأمثاله الذين وقروا شهر القرآن وكانوا فيه من أهل التقوى الإحسان .
وقسم أخر ,,
للأسف الشديد جعلوا رمضان طقوس وتقاليد ابتدعوها وزينوها ثم ألبسوها لبوس الدين، والدين منها براء، حولوا شهر رمضان إلى شهر للكسل والنوم، والأكل والسهر، والسمر واللهو .
تنافسوا في كثرة الموائد وتنويع أصناف الطعام، وليتهم أطعموا بها جائعا أو سدوا بها رمقا، بل نجدهم يمدونها تلذذا واشتهاء، ومفاخرة ومباهاة، ثم يرمون أغليها في القمامة .
يقضون نهارهم في سبات عميق وغفلة متتالية، حتى إذا جاء الليل حلا لهم السهر في الأندية والصالونات، وعلى الفضائيات وبين الشاشات.
فإذا بهم من سهرة إلى أخرى وبين قناة وأختها، وقد جدولوا برامجها ومسابقاتها، مسلسلاتها وأفلامها في قوائم أجنداتهم حتى لا يفوتهم منها شئ .
رمضان عندهم،، ملذات وسهرات، تسلية ولقاءات .
نجدهم يتهربون من أعمالهم ويهدرون أوقاتهم، بل ربما كانوا من القاطعين للأرحام المضيعين لحقوق العباد، ثم إن أحدهم يقيم الدنيا لأتفه الأسباب والحجة أنه صائم، مدعيا أن الصيام سبب غضبه وضيق خلقه .
ويخرج الشهر والمسكين لم يغير سلوكا ولم يقيم خلقا، وتنفلت منه أيام الشهرالقصيرة وتنقضي وهو على حاله، بل ربما ازداد سوء، وقد غمر ساعات الشهر بالذنوب والمعاصي، وقضاها في اللهو واللغو .
فأي صيام هذا وأي رمضان ذلك الذي يدعي هؤلاء الاحتفاء به والفرح باستقباله.
فيا أحبابنا الكرام شتان بين الفريقين شتان ,,
وكل منا مسؤول عن تعامله مع هذا الشهر الكريم، وله الخيار وبيده القرار في أن يسلك سبيل الفريق الأول وينال الجائزة والرضوان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
أو تهزمه نفسه الأمارة ويغلبه عجزه وهواه فيسير على منهج الفريق الثاني، ويمضي رمضان ولا ينال الصفح والغفران ويتحقق فيه نذير رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رغم أنف امرء أدرك رمضان ولم يغفر له ), ونعوذ بالله من الخذلان .