مقاصد الشريعة الإسلامية: تعريفها، أنواعها، وقصد الشارع منها
بقلم: الأستاذ نصر الدين حمامي
تعريف مقاصد الشريعة:
تعريف مقاصد الشريعة باعتباره مركبًا إضافيًا، وذلك بتعريف لَفْظَيْه: (المقاصد، والشريعة).
المقاصد: هناك معان متعددة لمفهوم المقاصد من حيث اللغة فهو : الاستقامة والعدل والوسط، والتقتير والتقليل، والاستواء وغيرها
جاء في لسان العرب لابن منظور: ” القصد: استقامة الطريق. قَصَد يقصد قصداً، فهو قاصِد. وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾[سورة النحل، الآية:9]، أي على الله تَبْيينُ الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة؛ ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [سورة النحل، الآية:9]، أي ومنها طريق غير قاصد. وطريق قاصد: سهل مستقيم. وسفر قاصد: سهل قريب…والقصد: العدل.”
أما في الاصطلاح: ليس له معنى مستقل عن المعنى اللغوي، وإنما هو مستعمل على دلالته اللغوية، وهي كافيةٌ في الدلالة على الإطلاق الشرعي هنا.
أما الشريعة فهي مشتقة من الفعل الثلاثي (شَرَعَ)، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الشين والراء والعين أصل واحد، وهو شيء يفتح في امتداد يكون فيه، من ذلك الشريعة، وهي مورد الشاربة للماء، واشتق من ذلك الشرعة في الدين، والشريعة. .)
اصطلاحا: هي ” ما شرعه اللَّه لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة، لتحقيق سعادتها في الدنيا والآخرة”[1]
تعريف مقاصد الشريعة باعتباره لقبًا على هذا العلم:
لا يوجد تعريف دقيق أو محدد عند الأقدمين من العلماء لمفهوم مقاصد الشريعة عكس العلماء المعاصرين مثل الشيخ الطاهر بن عاشور أو الدكتور الريسوني وغيرهما، وإنما وجدت تعريفات لأقسامها وأنواعها فقد ذكروا الكليات الخمس “حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال” وذكروا المصالح الضرورية والحاجية والتحسينة وغيرها..
وعرفها الشيخ الطاهر بن عاشور بأنها: المباني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها … ويدخل في هذا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام؛ ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منه.[2]
و عرفها علال الفاسي بقوله: المراد بمقاصد الشريعة الإسلامية: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها[3].
وعرفها د.الريسوني بقوله: إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد[4].
وعرفها الدكتور محمد بن سعد بن أحمد بن سعود اليوبي: المقاصد هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموما وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد.[5]
وذهب أدهم تمام فراج إلى أن : “ما من حکم شرعي إلا وفيه قيمة مجتمعية. لأن الله سبحانه وتعالى ما شرع حکما لعباده إلا لمصلحة، هذه المصلحة إما جلب نفع لهم، وإما دفع ضرر عنهم، هذه المصلحة هي المقصد من التشريع والباعث عليه، وفيه قيمة خلقية أو اجتماعية، فالأحکام الشرعية ما هي إلا قيم سامية، فکل حکم شرعي لا يخلو إما أن يکون أمرا بفعل يحقق قيمة اجتماعية، أو نهيا عن فعل يتنافى مع تلک القيمة.
فالمقاصد الشرعية أوعية للقيم المجتمعية، وإذا تحققت المقاصد وحوفظ عليها تحققت القيم، وإذا اختلت المقاصد ولم يُحافظ عليها اختلت القيم.”
أقسام المقاصد الشرعية:
تنقسم المصالح التي تسعى إليها الشريعة إلى ثلاثة أنواع وهي: المصالح الضرورية والمصالح الحاجية والمصالح التحسينية.
وفي المصالح الضرورية يقول الإمام أبو حامد الغزالي: ” إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسبهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”[6]. ويمكن تعريفها بأنها هي التي يفتقر إليها إفتقار لزوم، بحيث لو فاتت أو انخرمت لم تجر حياة الناس إلا على تهارج أو فوت أمان. وحصرت في حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
و للضروريات علامات تدل عليها منها: اطرادها في الشرائع والملل، وقوة الطلب لها ،وعظم المصلحة وقدرها وأثرها، وإشارة الفطرة وقوة شهادتها للضروري.
أما الحاجيات: فهي التي يفتقر إليها افتقار توسعة وخروج من الحرج ولا يترتب على فواتها فوت حياة أو أمان ولا لزوم تهارج أو إحراج.
وللحاجي وظائف أبرزها الدوران على الضروري بالخدمة والتمكين والترغيب فيه وتيسير أسباب العيش، والنظر إلى معنى العدل في تمشية معاملات الناس ومألوفاتهم الحسنة.
التحسينيات: وهي ما يفتقر إليه افتقار تزيين وتكميل وحمل على أحسن العوائد والمناهج بحيث لو فاتت لم يترتب على فواتها انخرام مصلحة ضرورية أو حاجية أو لزوم تهارج أو إحراج.
وتعتبر التحسينيات خادمة للضروريات ولا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين المراتب الثلاث بحيث إن العلاقة بينهم هي علاقة تكامل واندماج.
قصد الشارع إلى نفع العباد:
أقسام قصد الشارع عند الشاطبي: أربعة، وهي:
1- قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً لمراعاة مصالح العباد في الدارين.
2 – قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام.
3 – قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها.
4 – قصد الشارع في وضع الشريعة لدخول المكلف تحتها (أي: لامتثالها) .
وسيأتي التفصيل في كل واحدة منها في مقال آخر والحمد لله رب العالمين.
[1] مناع القطان: التشريع والفقه في الإسلام (تاريخًا ومنهجًا): ص:15.
[2] مقاصد الشريعة لاب عاشور ص 51
[3] مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ص3
[4] نظرية المقاصد عند الشاطبي7
[5] مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية ص37
[6] المستصفى ج2 ص284