ظاهرة ارتفاع الطلاق؛ أسباب وحلول|سلسلة خطبة الجمعة
الشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي
ظاهرة ارتفاع الطلاق؛ أسباب وحلول|سلسلة خطبة الجمعة
للشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي
بمناسبة ذكرى زواج النبيﷺ في شهر شوال بزوجتيه: عائشة وأم سلمة
الحمد لله الذي جعل المودة والرحمة للزوجين مصدر الطمأنينة والسكن والوفاق، وشرع حفاظا على سعادتهما حسن المعاشرة في وئام واتفاق، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وسمح به حين تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق، كان خير الناس لأهله في المعاملات والإنفاق، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم فيه إلى ربنا المساق.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته
قدمنا لكم في الجمعة الماضية أن شهر شوال يذكرنا بذكريات من سيرة المصطفىﷺ؛ ومنها ذكرى زواجهﷺ بسيدتنا عائشة -رضي الله عنها- في السنة الثانية من الهجرة، ثم بسيدتنا أم سلمة -رضي الله عنها- في السنة الرابعة من الهجرة؛ وهي مناسبة للحديث حالات الزواج في مجتمعنا، وللبحث عن حلول لمشاكلها، وخصوصا أننا نستقبل في بحر الأسبوع المقبل ما يسمى: (اليوم العالمي للأسرة) في (15 من ماي).
المهم ليس أن يتزوج الإنسان فحسب؛ بل أن يتزوج ويحافظ زواجه وعائلته؛ فالزواج رباط شرعي مقدس، مبني على التساكن والمودة والرحمة، جعله الله تعالى آية من آياته يبعث على التدبر والتفكر، من أجل تدبير أمره والتفكير في نجاعته ونجاحه؛ فال سبحانه: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}
ولكننا في واقعنا نصطدم بمشاكل في العلاقات الزوجية تنوعت أشكالها، وتجدرت في البيوت وجنباتها؛ فاكتوت الأسر بنارها، وتحولت كثير من العائلات إلى فتن قد استعار أوارها، وحمي وطيسها، فتحطمت السعادة الزوجية داخل الأسر، وأصبحت حالات الطلاق في المحاكم كثيرة، ووصلت إلى مراحل خطيرة، فكثر الفراق بعد القران، فلو رأيتم المحاكم وما تستقبل من أبغض الحلال إلى الله الطلاق لقلتم دون شك ولا ريب: إن من يطلقون أكثر ممن يتزوجون، أو كأن الناس في مجتمعنا لا يتزوجون إلا ليطلقوا، فقد كشفت الإحصائيات أن زيد من 800 حالة طلاق تقع كل يوم في سنة 2022؛ وهذا يعني ما مجموعه 300 ألف حالة طلاق في السنة؛ والإسلام عالج مشكل الطلاق بمعالجة أسبابه، ووضع حدا لدواعيه، وأسبابه متنوعة ودواعيه متعددة؛ منها ما يقع قبل الزواج نفسه، ومنه ما يحدث بعد الزواج.
وأكشف لكم هنا أنني تتبعت أزيد من عشر سنوات حالات بعض الأسر التي تأتيني -بصفتي إمام مسجد- من أجل الإصلاح للمحافظة على الزواج؛ فمرة يَتَكَلَّل التدخل بالنجاح فتتم المحافظة على الأسرة، ومرة يَتَعَلَّل التدخل بالفشل فيتم الفراق والطلاق؛ وتتبعت حالات الطلاق بالخصوص فوجدت أن من أسبابها بنسبة 75 بالمائة إنما هو في هذه العلاقات المفتوحة بين الفتيان والفتيات عبر المواقع الاجتماعية، هذه العلاقات التي يتم فيها في البداية تبادل الأُدْيوهات في العشق والغرام الحرام، ثم يتحول الأمر إلى تبادل الصور المحتشمة ثم إلى صور شبه عارية ثم إلى صور عارية، ثم إلى فديوهات الممارسة، والآباء والأمهات في غفلة عن كل هذا؛ ثم بعد الزواج يكتشف أحد الزوجين علاقات الآخر الغرامية مع غيره؛ إما مصادفة، وإما بإرسال من طرف ثالث ممن له الرغبة في تفكيك هذه الأسرة؛ بل من هذه الحالات من اكتشف بأن زوجته العفيفة مرت قبل الزواج به بتجربة الحمل والإجهاض وهو لا يدري؛ والمتضرر الأول في هذه العلاقات المفتوحة هن البنات؛ لأن العادات والتقاليد عندنا تحاسب البنات على ممارسات في الوقت الذي تسمح فيه بذلك للبنين؛ ولكن شرع الله يسوي في المحاسبة بين الذكور والإناث.
ولهذا يجب على أولياء الأمور ألا يعيشوا في غفلة حتى يعشش الفساد عبر المواقع في أسرهم، فالحيطان والجدران لم يعد لها أي دور في الحفاظ ضد الفساد، والفساد إذا بدأ بالمواقع فإنه لا يلبث أن يتحول إلى الواقع في أقرب فرصة بين الشباب؛ تنبهوا وانتبهوا واحتاطوا واختلطوا مع أبنائكم وبناتكم، واقتربوا منهم، وتتبعوا أحوالهم، وتعرفوا على أصدقائهم، وعلموهم أن الصداقة بين الجنسين لها حدود لا بد من الوقوف عندها، وأن الصحبة بين البنات والبنين لها ضوابط لا بد من الانضباط بها؛ فإن الأمور حينما تتجاوز حدها تنقلب فورا إلى ضددها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ هكذا تعلمنا أن العلاقات المفتوحة بين الفتيان والفتيات عبر المواقع الاجتماعية يقع بسببها الطلاق بنسبة 75 بالمائة؛ وأما نسبة 25 في المائة؛ فمنها ما يلي:
• من أسباب الطلاق الجهل بمواد مدونة الأسرة؛ بحيث يُقبل الشباب على الزواج وهو يجهل القانون الذي يؤطر هذا الزواج؛ فينبغي أن توظف جميع المؤسسات الاجتماعية والدينية في توعية الناس وإرشادهم وتعليمهم مواد مدونة الأسرة؛ وينبغي أن تكون هذه المواد وخصوصا كتابي الزواج والطلاق ضمن المقررات المدرسية بدأ من الإعدادي والثانوي.
• ومن أسباب الطلاق؛ الفقر المدقع الذي تعاني منه كثير من الأسر ،حين لا يستطيع الأب ماديا الإنفاق على زوجته وأولاده؛ والمودة بين الزوجين لا تكفي في غياب المادة؛ فإن الزوجة والأولاد لا يأكلون المودة بل لا بد من المادة؛ فغالبا لا تصلح النفوس مع انعدام الفلوس.
• ومن أسباب الطلاق؛ الخصام وقد يكون بين الزوجين، وقد يتجاوزهما إلى الزوجة وأم الزوج، وقد يستفحل أمره فيكون بين أهل الزوج وأهل الزوجة جميعا. أما بين الزوجين فإذا كان بين فيئة وأخرى، فهو شيء طبيعي، لا يكون إلا كسحابة صيف لا يلبث أن ينقشع، فتطلع شمس المحبة مرة أخرى صافية؛ ولكن الخصام بين الزوجة وأم الزوج، فهو المصيبة التي قصمت ظهر كل زوج، وعكرت صفو سعادة كل زوج، لأنه المسكين يكون بين نارين: نار الزوجة وتعنتها وعنادها ورغباتها، وما أدراك ما رغبات الزوجات في هذا الزمان؛ من مسكن مستقل، وسيارة أنيقة، وأثاث فاخرة، كالتي تراها في الأفلام مع فارس الأحلام، وبين نار الأم التي ترى أن هذه المرأة ليست إلا مستغلة قد خطفت ابنها منها؛ والخصام علاجه المحبة والاحترام؛ فيجب على الأم أن تحب زوجة ابنها كبنتها تماما؛ كما يجب على زوجة الابن أن تحترم أم زوجها كأمها تماما.
• ومن أسباب الطلاق؛ الإهمال؛ فحين تهمل المرأة زوجها في فراشه ونومه، وفي أكله وشربه، وفي نظافته ومظهره، أو تهمل نفسها في ذلك؛ فهي بذلك تدفع إلى خراب أسرتها عاطفيا بغياب المودة، وواقعيا بغياب المادة، وكذلك حين يهمل الرجل زوجته ولا يلق لها بالا ويبخل في الإنفاق عليها ويحاسبها في المصروف العادي دون إسراف؛ فهو بذلك يدمر أسرته؛ وعلاج هذا الإهمال هو الاهتمام المتبادل بين الزوجين.
ألا فاتقوا الله عباد الله؛ وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…