منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الميراث الفكري للأستاذ عبد السلام ياسين: الحصيلة والأصول والمسالك

ذ. عبد الهادي المهادي

0

الميراث الفكري للأستاذ عبد السلام ياسين

الحصيلة والأصول والمسالك

 بقلم: ذ. عبد الهادي المهادي

                                                                                          من المغرب

 عاش الأستاذ عبد السلام ياسين عُمرا مديدا تجاوز الثمانين عاما بأربع سنوات، “وُلد”[1] خلالها بضع مرّات دفعت به وقائعُها حثيثا نحو الاستواء المُكتمل الذي يليقُ بكلّ باحث حقيقيٍّ عن المعنى والجدوى. وقد أسفرَتِ المَخاضاتُ العديدةُ والطويلةُ التي تقلّبَ فيها؛ اختيارا أو اضطرارا، سَيْرا ومُكابدةً واقتحاما، تَلْمَذةً وإماما، قارئا ومَقروءا، عن ميلاد عالِم مُجاهدٍ مُجدّدٍ وَرَّثَ النّاسَ تآليفَ كثيرةً تجاوزت اللأربعين، اختلفت في الحجم كما تنوّعت في القضايا والمسائل، وقد أبان فيها، ومن خلالها، عن موسوعيةٍ في الاطلاع، وعُمقٍ في الطّروحات، وفَرادَةِ في الصّوتِ والأسلوب.

وتركَ ـ ثانيا ـ تنظيما إسلاميا قويا مافتئَ يُقدّم نفسَه بصورة مُتمايزَة عن باقي الحركات الاجتماعية ذات الأصول الإسلامية خاصّة فيما يتعلقُّ بالمَدخل المعتمد لتغيير الإنسان، وبالموقف من التاريخ الإسلامي، وإشكالية العلاقة بين ثلاثية الدّعوة والسياسة والتربية، ناهيك عن كيفية التَّعاطي مع مفهوم السياسة: فهما وتنزيلا.

وخلّف ـ ثالثا ـ تجربةً شخصية ثريّة، مكتوبة ومسجّلة وبرواية شفهية من التلامذة الأقربين، تُذكّر بالأكابِر من الشخصيات الإنسانية الفاعلة التي أصبح اسمها حَدّا فاصلا بين “ما قبلها” و”ما بعدها”، لولا “المُعاصرَة” التي تَحْجِبُ العَظَمة، ولولا ما يُوجّهُه إليه بعضُ خصومِه من الإسلاميين والعلمانيين من انتقادات مُتعلّقةٍ كلِّها بأمرين اثنين: مَشْرَبِهِ التّربويِّ ذي المَنْزَعِ “الصوفي”، المَرْفوضِ من طرف هؤلاء جملةً وتفصيلا قبل أيّ بحث أو تساؤل، وخطابِه السياسيِّ وممارسةِ تنظيمِه السياسيَّةِ اللذين كانا دائما ينحيان مَنْحى العُنفوان “الثوري” بعيدا عن “الإصلاحية” التّبريرية؛ انتقادات ـ وقد شوّشت على صورته عندهم ـ مَرَدّها في أحسن الأحوال إلى سوء فهمٍ تَعاظمَ مع الأيام وزادَتْهُ الأحداثُ عمقا واتّساعا، وفي أسوئها إلى اختلاف المرجعيات، والخوفِ من فُقدان المزيد من المواقع، في زمنٍ خَفَتَتْ فيه أصواتُ كلّ الإيديولوجيات الكبيرة، وغدتِ الشعاراتُ الإسلامية مُكتسحةً.

ولادة عبد السلام ياسين الطبيعية كانت عام 1928م بمدينة مراكش، يوم كان المغرب غارقا في التّخلفِ والاِستعمار، وهناك في أحد مساجدِها المشهورةِ تعلّمَ الحَرْفَ واستظهر القرآنَ، ثم أصبح مُعلّما. وبانتقاله للعاصمة الجديدةِ الرباط انفتحتْ أمامَه أبوابُ عالمٍ جديد لم يكن قد اكتشفَه بعد، ومنذ تلك اللحظة بدأت تتشابكُ في تكوين شخصيتِه وفكرِه روافدُ بَدويَّةٌ وأخرى حضريّةٌ غذّت طموحَه في التَّعلُّم الذاتيّ والاِرتقاء في السّلم الوظيفيّ، وجعلتْه فيما بعد يُتقن التفكيرَ باللغة العربية، لغةِ القرآن، تماما كما كان يتقنُ التفكيرَ باللغة الأمازيغية، لغةِ البسطاء من الناس، وهو ما وضعَه قريبا جدا من وجدان الناسِ عامّتِهم. مع تَطْعيمِ أصولِه اللغويَّةِ بروافدَ أخرى جديدةٍ، مثل الفرنسية، التي تعلمها بشكل ذاتي فردي. وعندما نالَ المغربُ الاستقلالَ عام 1956م، وكان أحوجَ ما يكون للخبراء في كلّ المجالات، اِنَبَرى عبد السلام ياسين للمساهمة في مجال تخصّصِه التنظيميّ والبيداغوجيّ. وقد توزّعَ عملُه يومئذٍ في اتجاهاتٍ أربع:

مزاولةِ مهامِّ التفتيش التربوي، وترؤُّسِ مُؤسساتٍ تكوينيَّة تابعةٍ للوزارة الوَصيّة، والمشاركةِ في دَوْراتٍ تدريبيَّةٍ بيداغوجية داخلَ المغرب وخارجَه، وتنظيمِها والإشرافِ عليها.

في هذه الفترة سَيولَدُ قلَمُه، حيث سيشتغل بالتأليف البيداغوجي؛ تنظيرا وتنزيلا ـ وهذا هو الاتّجاهُ الرّابعُ ـ الذي كانتِ الساحةُ التربوية المغربية فقيرةً من جهتِه إلا ما كان من كُتبِ الخبراء الفرنسيين. وكان أوّلَّ ما دشّنَه من تآليف، عام 1947م، كُتيّبٌ “في تعلّم اللغة الفرنسية”.

الملاحظةُ البارزة التي لا تُخطِئُها العينُ أنَّ كتاباتِه التنظيريَّةَ خلال هذه المرحلة كانت تتميَّزُ بأمور ثلاثة: الوطنيةِ ـ البعيدةِ عن السياسة[2] ـ والأخلاقيَّةِ، والتّعليميَّةِ التي تَهْضِمُ المقولاتِ التأسيسيَّةَ وتجاربَ الأممِ وخِبْراتِهِمْ وتنسجُ منها تصوُّرا ذا خُطْواتٍ إجرائيَّةٍ وبسيطةٍ وذات فعالية عالية. لقد كان، رفقة قلّة قليلة، يَشُقّونَ خُطْواتٍ أولى في مسارٍ لم يقطعْه أحدٌ قبلهم من الباحثين المغاربة، حتى غدا “بيداغوجيا” حقيقيا بالمعنى المُتعارف عليه في الثقافة اليونانية القديمة؛ أي “الخادم” الذي يُرافق التلاميذ إلى المدرسة، وأنْعِمْ بها من حِرفة وأَسْعِد بها من وظيفة بدأ بها حياتَه واستمرّ يُزاولُها بصدقٍ وإخلاصٍ حتى آخر رَمَقٍ من حياته، ولكنْ بمداخلَ مختلفةٍ.

بعد أن أحسّ بأن الفكرةَ التربويَّةَ عندَه قد تقعّدتْ ألّف كُتبا كانت ومازالت تُعدّ مرجعا في علوم التربية، ولبنة أساسية في دراسة تطور الفكر البيداغوجي في المغرب بالصّفات العامّة التي سبق عنوَنتُها، ونشر أغلبَها عام 1963م: “مذكرات في التربية”، و”النصوص التربوية”  و”كيف أكتب إنشاءً بيداغوجيا” و”المطالعة الجديدة” و”الحساب الجديد” و”الجديد في دروس الأشياء” وبعض القصص.

والجامعُ بين تآليفهِ البيداغوجيةِ كلِّها سماتٌ تفصيليّةٌ تنطلقُ أولا من تجاربِه العمليَّة الذاتيَّة، وما اسْتَقاهُ نظريا من مَقروءاته الكثيرة والدورات التدريبية التي حضرَها، وتَمُرّ عبر الرّغبةِ الجامِحةِ في تجديد مَقولاتِ الفكر التربوي، وهو ما يظهر جليّا في عناوين بعض تلك الكتب، وهذه السّمة تؤشّر على أنَّ تصوراتِ الرجل كانت تصدرُ عنِ استقلاليةٍ واضحة في الشخصية رغمَ تأثُّره الشديد بالعديد من رواد الفكر التربوي الغربي، لأنهم كانوا سبّاقين، ويتميّزون بقدرة فائقة على التحليل والاستنتاج ووضع النظريات والسّهر على تطبيقاتها.

في سنة 1965م، وفي غمرة هذه التَّفوُّقات المرتبطة بالمهنة والتأليف المُفْضِيَةِ إلى ارتقاءٍ اجتماعيٍّ تنافسيّ، وأمام اندهاش كلّ زُملائه ومعارفه، سينتهي عبد السلام ياسين المُفكر البيداغوجي، حيث كان على موعدٍ مع تحوُّل كبيرٍ نَبَعَ من أزمة روحيَّة ـ اعتقدَها البعض أزمةً نفسيَّة ـ تَمَظِهَرَت في أسئلة وجودية قاهرة دفعتْ به للبحث عن الأجوبة في الفلسفة والفن وباقي الديانات، توحيديةً كانت أو وضعيةً، ليجدَ الطَّريقَ ـ كما عبّر بعد ذلك في كتاب الإحسان ـ في صُحبة رجل صوفي[3] قضّى معه ست سنوات؛ تلميذا ومريدا، قبل أن يغادر “الزاوية” التي احتضنته وليدا، بعد أن “قطّع الألمُ كبدَه”؛ فلم يكن من السّهل عليه أن يُحدِث “قطيعة” مع مجموعِ مكانٍ وأناسٍ ومنهجٍ فيه عرفَ ميلادَهُ القلبيَّ وانقلابَ دولةِ نفسِه. خرجَ لأنَّ وَعيا فكريا آخر تشكّل لديه حول ماهية التربية وماهية السياسية ونوعية العلاقة التي “ينبغي” أن تربطهما، والدور الذي “يجب” أن يَضْطَلِعَ به رجالُ العلمِ والتربية في المجتمع.

في هذه المرحلة من عمره، والتي دامت ستَّ سنوات، لم ينشر عبد السلام ياسين أيَّ كتاب من أي نوع، وسنعرفُ فيما بعد أنه كان في آخرها بصدد تدشينِ تصوّرٍ جديد شعارُه العريض: “المنهاج النبوي وحركيتُه في زمن الفتنة لتغيير الإنسان”؛ لقد انتهى ـ إذن ـ ياسين المفكر التربوي، وانتهى أيضا ياسين “المُريد”، الذي لم يستمرَّ سوى بِضْعِ سنواتٍ، ليولدَ سريعا ياسين صاحب المشروع التفسيريّ التغييري!

كان الأستاذُ ياسين زمنَ تلمذته التربوية مُتهمّما بـ” نَـفْـسِـه”، والأخذ عن شيخه، مُعتزلا شعوريا مُحيطَه، زاهدا في كلّ ما بناه من مَجْدٍ شخصيّ ماديّ ومعنويّ. كان يقضي كلّ وقتِ فراغه وعطلِه ـ تقريبا ـ في صحبة شيخه ومُربّيه، وخدمة توجّهه الجديد، وذلك بالعمل على نشر تعاليم “الزّاوية”، والدّلالة على شيخه بين النُّخبةِ الحضريَّة، خاصة التعليميّةِ منها[4]، كان مُنشغلا ـ كما “الـبْـرّاحْ”[5] ـ بالمُناداةِ في الناس وعلى الناس: من هنا الطريق، وهو الأمر الذي ملأ عليه كيانَه فلم يترك له مُتَّسعا للتفكير في غيره، إلى أن قرّر ـ في قصّة طويلة ـ مُغادرة الزاوية[6]، حيث سيولد عبد السلام ياسين الرابع كما سبق الذكر.

في عام 1972م سيؤلّف كتابين اثنين؛ الأولَ تحت عنوان “الإسلام بين الدعوة والدولة”، والثاني موسوم بـ “الإسلام غدا”، وكليهما جاء ليكون بدايةَ القطيعة مع “الإسلام السُّكوني الفردي” ويُعلي من قيمة “الإسلام الحركي الجهادي” نحو أفق العودة بالأمة إلى  مسار الفعلِ والتاريخ بعد قرونٍ قضَّتْها غارقةً في ظلام المُلك العاضّ والجبريّ. لقد كان الكتابان بحقٍّ بمثابةِ البيان التَّدشينيِّ لخطابٍ جديد ارتضاهُ ياسين وانطلقَ يَفْتِلُ فيه سنةً بعد أخرى وموقفٍ بعد آخر. وعلى طول هذه الفترة التي ستستمر إلى مَماته، يجوزُ لنا أن نستبدل مفهوم الولادة بمفهوم التحوّلات في تصوير وتفسير ما وقع له من تطوّر فكري، لأن هذا التطور سيحدثُ داخل نفس البنية الفكرية، وسيتجلى في محطات بارزة ستشكّل معالم حقيقية في مسيرته، ومن هنا نؤشّر أن تصوّرات ياسين ومقولاته الفكرية زاوجتْ أثناء تقدّمها بين البناء والتراكم وبين القطائع الحادّة.

لقد أعلن في مقدمة كتابه الثاني “الإسلام غدا” أنه بصدد تقديم مشروعه “للمسلمين الباحثين عن إسلامِهم كما نبحثُ في خطّ نظريّ يُعرّج على واقعنا الغثائيّ، يلتمَّسُ مَلامسَ القوّةِ عند الملايين المغلوبةِ على أمرها، هادفا لبعْثٍ إسلاميّ وسيلتُه التربية ثم التربية ثم التربية. ومقصدُه وحدة المسلمين أمَّة متكافئة متعاونة. وغايتُه حمل الرسالة الإسلامية لهذه البشرية الكالحَة المعذبة في الأرض، بعضها بطغيان المعتدين، وبعضها بثقل الحضارة المُتْخَمَة، وجميعها بنَهَم الإنسان وهلعِه وضراوتِه وتكالبِه على هذه الدنيا، وقد ضاعت منه مفاتيحُ الخير، فلا يَهتدي إلى الطمأنينة والسلام سبيلا”.[7]

هوـ إذن ـ تبشيرٌ بميلادِ اجتهادٍ جديد، بانْبِثاقِ “خطٍّ نظري” حركيّ يشتغل ضمنَ واقعٍ فتنويٍّ، يتَحَسّسُ مكامنَ القوة لدى المسلمين ويعمل على تنظيمها وسَوْقِها نحو تجديد إسلامي مُتّكِئٍ على أساس متين مكينٍ هو التربية بمعناها “الإحساني” كما عرَفه الأستاذ ياسين وتذوّقه يوم كان تلميذا ومريدا. والأفق الواسع لهذا “النظر” هو حمل رسالة الإسلام لكافة البشرية التي ألهاها التكاثر وأنهكها.

في الكتاب الأول وقفَ الأستاذ ياسين مطولا ـ عرْضا ونقدا ـ مع مشاريعَ فكريَّةٍ هدفت إلى تغيير الإنسان والمجتمع، ولكنها اختارتِ الولوج إلى الإنسان من مداخلَ فكريةٍ أو سياسية أو اجتماعية، دون أيّ التفاتٍ للمدخل التربوي، إمّا جهلا بهذا المدخل، أو تقليلا من شأن إمكانياته التفسيرية والتغييرية، أو سوء فهم لأصوله التي تراكمت عليها التناقضات عبر التاريخ، فقرأ ـ مثلا ـ المودودي وسيد قطب ومالك بن نبي وحاجَجَهم ونبّه لثغراتِ طُروحاتهم بعد أن وصف جهودَهم وأثنى على جهادِهم. كما أنه خصَّص فصلا من حوالي مائة صفحة من كتابه الثاني ووسمه بـ “كتاب العالم” شَرّحَ فيه تجربةَ الثورة الثقافية الصينية بقيادة زعيمها ماو، فأبان عن إعجابه بمواقع عنفوانها وقوتها وإرادتها، ووقف مع مثالبِها التي طحنت الإنسان وأهدرت كرامتَه أثناء محاولتها تحقيق إنجازات مادية.

من بين أهم ما يثير الانتباه في كتابه “الإسلام بين الدولة والدولة” استدعاؤه لسوابقَ تاريخيَّةٍ جمعت رجال الدولة برجال الدعوة على أهداف إصلاحية موحّدة[8]، ومن ثم دعوتُه لإحياء هذه التجربة، مُقترحا نفسَه ليقودها رفقة الملك الحسن الثاني. وليس صحيحا ما طرحه بعض الباحثين[9] من كون الأستاذ ياسين قدّم “الزاوية” ـ مؤسسةً ورجالا ـ مُمثلةً للدعوة لتقوم بهذه الوظيفة صحبة السلطان، لأن ياسين كان قد حسم أمره وقطع بأن الزاويةَ مؤسسةٌ تتحكّم في اشتغالها آلياتٌ تعجز معها أن تقوم بهذه الوظيفة التغييرية العظيمة، فغادرها، ولم تكن “رسالة الإرشاد” التي بعث بها بعد ذلك بسنة إلى ابن شيخه إلا إبراء للذمة أمام الله تعالى وأمام التاريخ.

إلى حدود هذه اللحظة، كان الأستاذ ياسين مشهورا لدى النخب المغربية باعتباره الرجل الذي ضيّع مستقبلَه باختيارات غير مفهومة، ولكنه ـ وبعد أن أشرف على السادسة والأربعين من عمره ـ سيغدو اسمه على كلّ لسان باعتباره “المُغامر” الذي بعث برسالة، أمرة ناهية، إلى ملك مجروح؛ ضاع الرّجل قيل !

تلك هي الرسالة الشهيرة “الإسلام أو الطوفان” التي وَجّهَها عام 1974م ـ بمنطق النصيحةِ وخلفيتِها ـ إلى ملك المغرب الحسن الثاني، الذي كان قد خرج لتوّه من تجربتين انقلابيتين كادتا تُطيحان به وبحكمه، مما جعله يُدشِّن دوّامةً من العنف الانتقامي تُجاه خصومِه من السياسيين والعسكريين على حدّ سواء، كان أوّل ما فعله الأستاذ ياسين أن تخلّى عن الخطاب الصوفي وسكونيتِه دون أن يتنكّر لفضل القوم من أهل التصوف، وكيف وقد اعترف في المقدمة أنه وجد الحق معهم. أعلن “خروجه” عنهم، وأحصى بعض مؤاخذاته عليهم، والتي سيحذفها في طبعة موالية، بعد سنوات، لأنها كانت تهدف أساسا إلى إخلاء ذمّة الزاوية من مضمون الرسالة حتى لا تؤخذَ بـ“جريرته”.

قال للملك قولا قويا لم يسبق أن سمعَه من أحد بشكل مباشر، ولم يتوقع أن “يتجرّأ” أن يصدر عن أحد من “رعاياه”، خاصة وقد توشّح القول بصبغة دينية عمل الملك منذ بداية حكمه على الاستئثار بها وجعلها أساسا متينا لشرعية سلطته. من أجل ذلك كان ردُّه عنيفا؛ فقد أرسل الأستاذَ إلى مستشفى الأمراض الصدرية ثم العقلية، تعامل معه وكأن به مسٌّ من الجنون. وهناك سيبدأ الأستاذ في تأليف كتابه “شعب الإيمان” الذي سيكون آخر ما سيصدر له من مؤلفات عام 2017م، أي بعد خمسِ سنوات من وفاته. لم يكن الأستاذ ياسين ينشر بالتتابع كلّما انتهى من تأليف أحد كتبه، لأن أمورا كثيرا كانت تُحدّد الكتاب المناسب الذي ينبغي إخراجه للناس، خاصة وقد غدا ـ بعد ذلك بسنوات قليلة ـ صاحب مدرسة ومَصحوبا. من أجل ذلك، على الذي يبحثُ في التطور الفكري للأستاذ ياسين أن يسلك طريق سنوات التأليف وليس أعوامَ النشر والإصدار.

وفي الرسالة نقدٌ حادٌّ للعلماء الذين استقالوا من أداء وظيفتهم النقدية: أمرا ونهيا، حتى غدت فئةٌ عريضةٌ منهم تقفُ بباب السلطان تنتظرُ العطاءَ وقد أتقنوا “التعلم” متى السكوت واجب، ومتى الكلام أوجب !

في الرسالة أيضا تقييم واقتراحات، كلُّها تصبّ في اتجاه النهوض الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلد بلُغةٍ قويّةٍ تتماَوُج بين اللّين والتّسلّل لعواطف الملك، وبين تنبيهِه وهزّه وتقريعِه، وكلّ ذلك منسجمٌ في نسقِ خطابِ الرِّفق النبوي، كما يفهم الأستاذ ياسين خطاب الرفق النبوي.

الآن أُعْلِنَ عن ميلاد ياسين السياسي؛ كان ميلادا انفجاريا ومُكلّفا، ولن تنسَ السلطة جرأتَه هذه، وستتعامل معه ـ إلى أن يموت ـ على أساس أنه رجل خطير وجبَتْ مراقبته ومحاصرته: شخصا وفكرا[10].

في سنة 1982م سيعود الأستاذ ياسين، رغم قساوة ما عناهُ جرّاء “نصيحته”، إلى وضع “الخطاب السياسي والديني” للملك تحت مِشْرَحَةِ النقد، هذه المرّة كرَدٍّ على “رسالة القرن” الملكية، ونشرَه في جريدتِه “الصبح” تحت عنوان “قولٌ وفعل”، تعرّضَ فيه “لنقدٍ شامل كاملٍ للإسلام الرسمي” كما عبّر بنفسه[11]، فأوقفت الجريدة وأودع صاحبُها السجن.

ولأن الأستاذ ياسين مُستيقنٌ أنَّ مناطَ صلاحِ المجتمع أو فسادِه مُرتبطٌ بشكل كبير جدا بسلوك السلطة السياسية، برأسها ومسؤولها الأول أساسا، فقد تابع مسلكَه النقدي هذا بتوجيه رسالة ثالثة، عام 2000م، هذه المرّة للملك الجديد محمد السادس، الذي جلس لتوّه على “عرش أسلافه” بطموحات عريضة، ظهر فيما بعد أنها كانت مُجرَّدَ منظومة شعرية تقليدية، بعدما طارت عنها كلّ الصور والبريق الإعلامي، فانكشفَ النثر عاريا هزيلا. يومها عَلَتْ جُلُّ الأصوات المغربية المعروفة، إن لم نقل كلّها: فرادى ومؤسسات للتنديد بمَنْ لا يرى سوى السَّواد، وبمن أراد أن يُفسدَ على المغاربة فرحتهم بـ “لحظةٍ تاريخيَّةٍ” في مسار المغرب المعاصر. هذه المرّة لم يسجنوه، لأنه كان مُحاصرا بشكل إجباري في بيته منذ عشر سنوات[12]، بل أطلقوا سراحه في خطوة أريد لها أن تُسوّق لما عرف حينها بـ” العهد الجديد”، والذي انتظمت النُّخب صفّا واحدا بجميع خلفياتها وأنواعها وألوانها ـ إلا ما نذر ـ تتغنّى بصحّة بدايته التي ـ لاشك ـ ستشرق نهايته !

اليوم، يُنظر إلى “مذكرة إلى من يهمه الأمر” باعتبارها الوثيقة التاريخية التي كانت سبّاقة لفضح الزّيف السياسي الذي أراد من خلاله الحاكمون أن يُجددوا من خلاله صورتَهم أمام شعبٍ منهك، وقد غرّته البهرجة بالفعل لأنها كانت مُتقنةَ الإخراج.

كتب الأستاذ ياسين مذكرته بالفرنسية، ثم ترجمها بنفسه إلى العربية، إيقانا منه أنَّ النُّخبَ التي يتوجه إليها بالخطاب تَحتقر كل ما يُكتب بالعربية. وفيها ومن خلالها حدّد موقفَه من “العهد الجديد” وموقعَه وموقعَ جماعته، وأكد ـ أخلاقيا ـ تشبُّثه بـ”المبدأ” في مواجهة “الانبطاح السياسي” الذي يتّخذ من شعار “الواقعية السياسية” شعارا له. وفيها أيضا أعاد طرح “سؤال المشروعية” على الملك وعلى المؤسسةِ الملكية، وذلك بدعوتِه للقطعِ مع “البيعةِ المخزنية” وتقاليدِها، وإقامَةِ نظامٍ ديمقراطيٍّ حقيقي[13]، “فالقاعدة الديمقراطية المتمثلة في حق الشعب في اختيار حاكمِه بكلِّ حريةٍ هي المخرجُ الوحيدُ من ظُلمة الحُكم المطلق”.[14]

وبعد الانتهاء من تأليف كتاب “المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا”،عام1981م، الذي تَعدّه جماعة العدل والإحسان، التنظيم الذي أسّسه الأستاذ ياسين بداية ثمانينيات القرن العشرين، ما يمكن تسميته بـ“البيان الأيديولوجي” لها، وكان قد نشرَه في أربعة أعداد من مجلته “الجماعة”. في وقتٍ لاحقٍ ستتخلَّى الجماعة عن العمل بما ورد في فصله الرابع المعنون بـ “التنظيم”، لأنه أصبح مُتجاوزا. بعد ذلك، شرع الأستاذُ عام 1983م في تدبيج كتابه الكبير “دولة القرآن”، والذي سينشرُه فيما بعد مُنجّما في سبعةِ كُتبٍ، بين عامي 1995 و2011م، هي: في الاقتصاد: البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية، والخلافة والملك، رجال القومة والإصلاح، ومقدمات لمستقبل الإسلام، وإمامة الأمة، والقرآن والنبوة، وجماعةُ المسلمين ورابطتُها.

كما أنه كتب عام 1985م، وهو في السجن، كتابَ “اقتحام العقبة”، ثم نشرَه مُجزّءا أيضا في ثلاثة فصول هي: مقدمات في المنهاج، والإسلام والقومية العلمانية، والإسلام وتحدي الماركسية اللينينية.

كان الأستاذ ياسين يعتبر القومية العلمانية في الشرق العربي، والماركسية في المغرب،  تحدّيان حقيقيان للفكر والعمل الحركي الإسلاميين ينبغي عرض تصوراتهما، ثم إبراز “القول الإسلامي” فيهما:

الأولى، ونقصد القومية العلمانية، لأنَّ جزءا كبيرا من خطابها يتدثَّرُ بالدين وبالتراث الإسلامي، و“يتجسّس” روادُها على المخزون النَّفسيِّ للجماهير الإسلامية استغلالا لما يَزْخَرُ به من قوة اقتحامية. في “الإسلام والقومية العلمانية” عرض “لشيء من تاريخ الإيديولوجية القومية التي نبعت في أرض غير أرضنا فاستوردها المثقفون المغربون من ذرارينا ليركبوا متنها في كَرّاتِهم التي تحمل شعارات الإلحاد المفلسف تارة والردة والزندقة مرة والإلحاد العلمي أحيانا والأصالة التراثية أحيانا أخرى”[15].

والثانية، أي الماركسية، بما تمنحه لمسألة “العدل الاجتماعي” من أولوية قُصوى، مما يُغرّرُ بالكثير من أبناء المسلمين لتكون مَدخلا من مداخل الخروج من الدِّين، فـ”هذه الأرضُ السياسيةُ النفسيةُ الفكريةُ الضّاربةُ في أعماق الفطرةِ الإنسانية، المُتجليَة في الغضب على الظلم، ذلك الغضب الذي يُزيغُ القلوبَ ويَقْلِبُ موازينَ العقول، كما يزيغها الاستكبار الطبقيّ أصل البلاء”[16].

لقد اعتقد الأستاذ ياسين أنه مَعْنِيٌّ بالاستجابة لهذا التّحدي المزدوج ومواجهتِه، “فإنْ عجزَ الإسلاميون ـ لا قدّر الله ـ عن عرض برنامج العدل الإسلامي وتنفيذِه، فيوشِكُ أن يُشْعِلَ غيرُهم فوانيسَ النفاق”.

تحدي آخر انبرى الأستاذُ ياسين لتفصيل القول فيه، وهو تحدي سوءِ الفهمِ التاريخيِّ الكبيرِ الذي حصل حول ما سَمّاه الخطاب النبوي “إحسانا” وأطلقَ عليه التاريخُ “تصوُّفا”، وكان الثِّمارَ تأليفُه موسوعةٍ تربويَّةٍ في جزأين عام 1988م تحت عنوان “الإحسان”، عرضَ فيه نُتَفا من تجربته التربويةِ الشخصية، مُتَخلّيا أثناءَ ذلك عن استعمال المعجم المتداول بين أهل التصوف لصالح الخطاب القرآني النبوي، وأكثرَ من إيرادِ نصوصٍ ـ وبعضُها طويل ـ لأئمةٍ غيرِ مُختلفٍ حولَهم، مثل ابن تيمية وابن القيم والجيلاني والرفاعي، ولم يدخل مع أحد في جدال، بل كان هدفُه يتلخّصُ في أمرين اثنين: الأول أن يعَرْضِ بشكل هادئٍ لقضايا التصوف النظرية والعملية المختلفة، مثل: المصطلح الصوفي، وصحبة الشيخ، والخلاف بين الحنابلة والصوفية، والعلم اللّدني، والسلوك، والكرامات.. وغير ذلك كثير.

وثانيا، “أن أدُلَّ على الله وعلى الطريق إليه”.[17] بمعنى أنه كان يُقدّم نفسه مُربّيا مَصحوبا دالا على الله،. وقد رُوي عنه أنه قال بعد أن انتهى من تأليفه: “وكأني ما خُلقتُ إلا لأكتبَ كتابَ الإحسان”.

بعد ذلك بسنة، أي في عام 1989م سيكتبُ وينشرُ أحد أهمّ كتبه، رغم صغر حجمه، وهو الموسوم بـ“نظرات في الفقه والتاريخ”، وقد اختار كلمة “نظرات” ليؤشّر على أن مضمونَه عبارة عن تأملات أرادها تجديدية في مبحثين مُهمَّين يثيران منذ القِدَمِ خصوماتٍ وأحقادا.

ينطلق مشروع الأستاذ ياسين التفسيري ـ التغييري، أولا وقبل كلّ شيء، من التَّموقُفِ الحَدّي من تاريخنا، من الانحراف الخطر الذي وقع، يوم انكسر التاريخ الإسلامي. فأزمتنا التاريخية ـ كما يؤكّد ـ انفجرت من هناك، يوم استولى “أُغَيْلِمَةُ” بني أمية على الحكم بالسيف، ثم انحنت هاماتُ العلماء بعد ذلك يُشرْعِنون لكل مُتغلّب بالسيف، حتى سمّوه أميرا للمؤمنين. واستمر النَّقض وما يزال، “سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم مُلكا عاضا وملكا جبريا، وسماها “المؤرخون” الرسميون خلافة، فانْطَلَتِ الكِذبةُ على الأجيال، وتسلينا ولا نزال بأمجاد هذه “الخلافة”، وقد كانت بالفعل شوكةَ الإسلام وحاميةً من العدوان الخارجي، لكن في ظلها زحفَ العُدوانُ الداخليُّ لما أُسْكِتَتِ الأصواتُ النّاهيةُ عن المنكر، واغْتيلَ الرأيُّ الحرُّ، وسُدَّ بابُ الاجتهاد، وفي ظلها وفي خفاء الصراعات تكوَّنَتِ المذاهبُ الدّسّاسةُ، وتمزَّقتِ الأمةُ سُنّة وشيعة، وتشتَّت العلمُ مُزعا مُتخصِّصة عاجزٌ فيها أصحاب التخصص عن النظرة الشاملة”[18]

وهذا أصلُ الدّاء وعينُه وجوهرُه، وكلُّ توصيفٍ آخرَ إنّما هو تهرُّبٌ أو خوفٌ أو انبطاح.

هذا الشّرخُ هو الذي جرّ علينا وَيْلاً آخر؛ ويَقصد به الأستاذُ انْفصالَ الدّعوةِ عن الدولة، ثم استتباعَها فيما بعد. وهو نفسُه الذي دفعَ شقّا من الأمّة لاعتزال الشأن العام، والاشتغال بالخَلاص الفرديِّ القُعوديّ، فسُمُّوا صوفية، وآخرون اهتمّوا بالحديث والفقه والأصول، والقلَّةُ منهم حين اقتربوا من السياسة فَـلِـيُحذّروا الناسَ من “فتنة” الخروج على المتغلّب؛ فالأمنُ كانت دائما له الأولويةُ على حساب باقي المَطالب، مهما تَجبّر الحاكمُ وفسدَ وأفسدَ وضربَ أبشارَ الناس ونهبَ أموالهَم.

لابد إذن من الحسمِ في الموقف من التاريخ، والإشارةِ بالاتِّهامِ الواضح لمَن كان سببا في التّحوّل والانحدار، ثم اتِّخاذِ موقف الرّافضِ المُعارضِ لأحفاد الأمويين، سارقي التاريخ، والمُـنَكّـلين بالإنسان وكرامته. لا جدوى من اللّفِ والدوران في الخطاب والممارسة، لأن ذلك يُنتج حركيّةً ممسوخَةً، وفي أحسن الأحوال يجعلُ الآخرين يخدعونك باسم الله، بينما اليقظُ النّبيه لا يُرْكبُ أبدا.

الاستبدادُ هو وحده الذي جرّ على الأمة الويلات الداخلية، حتى أضعف مُقوِّماتها، فسَهَّل على العدو الخارجي غزوَها، ثم تحالفَ معه لضمان بقائه واستمرار مصالحه.

وبهذا المعنى، كلُّ اجتهادٍ سياسيّ ـ قديم أو معاصر مهما كان مصدره ـ يتمسّح بالنصوص، ويدعو لشَرْعَنَةِ التَّغَلُّبِ والاستبدادِ مرفوض، والكُتب التي وُضعت للتأقلم مع الوضع المُستجدِّ إنما موضعُها خانةُ تطور الفكر السياسي الإسلامي وليس مصادرَ التأصيل.

من أجل ذلك، ليس شَرْطا أن تَقْبَلَ بكلِّ “الألاعيب” النظريةِ للاستبداد حتى تُمارسَ السياسةَ، فأنْ تستمرَّ في المعارضة اليقظةِ الواعيةِ خيرٌ وأبقى من أن تَرِدَ مواردَ الهلاك السياسيِّ التي تَصنعُ منك “كائنا” مُثيرا للشفقة، وفي بعض الأحيان مَعْرِضا حقيقيا للاستهزاء !

في الكتاب حديثٌ عن ضرورة “التفكير المنهاجي” الذي يقوم مقامَ الأيديولوجية. فيه احتفاءٌ بمكاسب الأسلاف من العلماء دون أن تُشكِّلَ اجتهاداتُهم أُنْشوطَةَ تقليدٍ في أعناقنا. فيه إلحاحٌ كبير على إعطاء عاملِ الإيمان بالغيب ما يستحقُّ من مكانةٍ أثناءَ التفسير وإرادة التغيير. فيه تأكيدٌ وإصرار على العودة إلى أعالي التاريخ، والابتعاد عن التفكير بمنطق الفتنة وتحت ضغطِها. في الكتاب أيضا دعوة إلى تجديد النظر في مقولات الفكر المقاصدي كما أثّله علماؤنا الأقدمون، ليتناسبَ مع عالمِنا وواقعنا، “فجديرٌ بنا أن نُعبّر عن مقاصد الشريعة في صيغٍ مَطلبيّةٍ لا حِفاظيّة”[19]. وفي الكتاب أيضا غضبٌ شديد من غالبية خطاب الإسلاميين المعاصرين الذين جرَّتهم القضايا السياسية والاجتماعية الاقتصادية المشتركة مع باقي الأدبيات الأخرى، ودفعت بهم إلى السكوت عن “أمر الآخرة” والخجلِ من الحديث في “الغيب”وعن الغيب حتى يَحْضَوا بمصداقية عند الأقران.

بعد عام من هذه النظرات سيسهر الأستاذ ياسين على تأليف كتاب تأسيسيّ آخر تحت عنوان “العدل: الإسلاميون والحكم”، وسيطرحُ على طول صفحاتِه السّتِّ مائة ثلاثةَ أسئلة كبرى في ثلاثةِ فصولٍ:

ـ سؤال الإرادة: ماذا يريدُ الإسلاميون؟ ما هي أهدافهم؟ ما هي الشروط المنهاجية ليتربَّى سِربُهم على الإيمان؟ ما المنطق الذي يحكم تصوراتِهم وحركيَّتَهم؟ ما البناء القلبيّ الإيمانيّ الذي يطمحون لتشكيله؟

ـ سؤال العقبة: العالمُ في مَخاضٍ أليمٍ عَسير؛ عالمٌ هو عقبةٌ ذاتُ أبعادٍ تضغطُ وتتمنَّعُ وتقاوم وتدحر. في الفصل وصفٌ لمن يزدادُ عوزا ولمن يتضاعف ثراءً وقوة، وصفٌ للجنون الإعلامي والتواصلي، وصفٌ لبيئة مُهدَّدةٍ بالخرابِ، وصفٌ لأمراضِ حضارةٍ مُنْهَكَةٍ ؟

ـ سؤال الاقتحام: ما العمل أمام هذه التحديات؟ وكيف هي استجابة القوّةِ الاقتِحاميَّةِ الإسلامية لها؟

ومن جملة هذه التحديات الكبرى التي كان العالَم ينتظرُ أن يسمعَ كلمةَ الإسلاميين حولها؛ قضية المرأة، التي عقدت الأمم المتحدة حولها مؤتمرا عالميا في بكين تحت شعار “العمل لأجل المساواة والتنمية والسلام” في شتنبر 1995م. وكان الأستاذ ياسين قد استجاب للنقاش الذي سبق المؤتمر في الصحف والقنوات العالمية منذ سنتين، فألّف عام 1993م كتابَ “تنوير المؤمنات” في جزأين، ونشره عام 1996م. طروحاتُ الكتاب تتضمّن دعوةً مُلحّةً لتَجاوُزِ التّجْزيء والتّسْطيح والتقليد أثناء النّظر في قضيّة المرأة، إحدى أهم القضايا التي تنتظر تجديدا ثوريا. وفي الكتاب ـ أيضا ـ نَظَرٌ في مستقبل المسلمين. وقد رفض رفضا تاما أن يُصنّفَ كتابه هذا ضمن خزانة التّوعيات جنبا إلى جنب مع التوعية السياسية والثقافية والفنية والجمالية.

وفي فهرستِه نقرأُ العناوينَ العريضةَ التالية: قضية المرأة المسلمة والتغيير الشامل، والمؤمنات في عالم مَوّار، والإيمان بالله واليوم الآخر، واستكمال الإيمان، والمؤمنات وطلب الكمال القلبي والعلمي، والمؤمنة في بيتها وحجابها، والمؤمنة زوجةً وأُمّا، والأمهات المؤمنات صانعات المستقبل، وحظ المؤمنات من الجهاد تعبئة الأمة.

في أواسط التسعينات من القرن العشرين، واستشعارا بالتغيرات السياسية العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، واستعدادا لرحيله الذي بدأت التقارير الطبية تؤشّرُ على قُربه، بدأ الملك الحسن الثاني يُعدّ الأجواءَ السياسية ليضمَن انتقالا هادئا للسلطة لـ“ولي عهده”، فقرّر تصفيةَ بعضِ الملفات التاريخية التي قَدّر أنها يمكن أن تشوّشَ على هذا الأمر، فأسّس هيئةَ المصالحة والإنصاف، التي فتحتْ جُزئيّا ملفَ حقوق الإنسان زمنَ ما سُميّ بـ”سنوات الرصاص”، واستفاد المُتضرّرون ـ وأغلبُهم من اليسار ـ من تعويضات مالية ومناصبَ إداريّةٍ. وبدأ الملكُ أيضا سلسلةً من “المُفاوضات” مع بعض الأحزاب الوطنية المُنضَوية تحت الكتلة الديمقراطية، خاصة حزبيْ الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، كي تُشكّل ما سمّي حينها بـ”حكومة التناوب”، وهو تناوب “ممنوح” ولم ينبثق عن صناديق الاقتراح.

في هذه الأجواء، بين سنتي 1994و 1997م، ومحاولة منه لتنبيه تلك الأحزاب للشَّرَك الذي ينصبُه لهم الحسن الثاني، ودعوة لهم لتشكيل “كتلة” سياسية ومجتمعية واحدة، تجمع الإسلاميَّ واليساريّ، لتوحيد المطالب والضّغط الموَجّهان للسلطات، نشر الأستاذ ياسين خمسةَ كتبٍ حوارية، هي: حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ومحنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، والشورى والديمقراطية، وحوار الماضي والمستقبل، وحوار مع صديق أمازيغي.

عمل الأستاذ ياسين، من خلال هذه الكتب، على تنويع مَداخله لقلوب الفاعلين السياسيين المغاربة وعقولِهم ونفوسِهم؛ مرةً من جهة الفكر، وثانية من ناحية السياسة: نظرية وعملية، وثالثة من زاوية تاريخِهمُ النّضاليِّ المُشرّف، ورابعة محاولة في استثمار صداقةٍ شخصية قديمة، وخامسة ضربا على وترِ المَظلومية التاريخية التي استبدّت بهم لسنوات، وسادسة تذكير بالمشترك الإنساني الرافض للظلم والاستبداد واحتكار السلطة والثروة. ولكن ردّ فعل هذه النخب كان صادما جدا، لم ينطقِ الكبارُ مطلقا، وتجاهلوا اليد الممدودة، في الوقت الذي شجّعوا فيه بعض مُثقّفيهم وكَتَبَةَ صُحفِهم على “تمييع” كلّ هذه المساعي والدعوات. كان التّشنّج سيد الموقف. لم يهتم هؤلاء أبدا بمناقشة الأفكار والاقتراحات والتقديرات التي طرحَها الأستاذُ ياسين، بل انْبَرَوا ـ في حملة واسعة ـ للتّعليق على أمور شكلية أو ثانوية أو جزئية، كما فعلوا ـ مثلا ـ مع صورة غلافِ كتاب “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين” أو كلمة “فضلاء” نفسها، حيث فهموا على أنها تَهَكُّمٌ من قبل الأستاذ ياسين وتَبْكيتًا من قِبَلِهِ. أما وجهةُ نظرِ الأستاذ ياسين المُركّبةُ حول الكلمة السحرية: الديمقراطية، فقد أُسيء فهمها منذ البداية.

كان الأستاذ ياسين في هذه الكتب واضحا إلى حدّ الصرامة، نطق بكلّ ما يعتقدُه دون لفّ أو دوران، وبعيدا عن اللغة المُحايدة، واجه تصوُّراتِهم وخطابَهم وممارساتِهمُ السياسةَ بنقد لاذع حارق، ووجّه لهم دعوةً لتشكيل “ميثاقٍ إسلاميّ” ينبثقُ عن حوار موَسّع على أعين الشعب وسمعه. جُنّ الفاعلون جنونا عظيما، لأنهم أحسّوا بالبساط يُسحب من تحت أقدامهم؛ لقد قلب الأستاذ ياسين المُعادلة؛ أصبح هو “صاحب الدار”، وهو من يبعثُ الدعواتِ ويَشْتَرِط، في الوقت الذي كانوا يعتبرونَه طارئا على الساحة السياسية.

فرّطَتْ أحزابُ الكتلة في تاريخٍ شخصيٍّ وجمعيّ في غالبيتِه مُشرّف، وسرّعت في خطواتِها ووسّعَتْها نحو “فعلٍ سياسي” بدا لها “تاريخيا”، ولكن الفاجعةَ سرعان ما ظهرت بعد مرور “الانتقال” بشكل سلسٍ ودون مشاكل، حيث اُخْرِجوا من الباب الخلفي بشكل مُهين. لم يُعلّق أبدا الأستاذ ياسين كتابةً على هذا المسار، فقد كان يراه رأي العين، وكثيرا ما نبّه لخطورته.

في هذه الكتب قارن بين ميلاد العقل المسلم وبين ميلادِ العقل الفلسفي الغربي، ومصادرِهما، والآلياتِ التي يشتغلان بها، ومآلاتهما، وصداماتهما، والنتائج المترتّبة عن ذلك، ودعا لتحرير العقل المسلم، بالعودة للتّلمذة على الوحي، والاستفادة من الحكمة البشرية المتراكمة.

كما أنه هاجمَ العقلانية، ذلك المفهوم الذي يُحيل على “مذهبٍ فلسفيّ” يؤمنُ أنه “ليس هناك من شيء لا يُدرَك بالعقل” وشنّعَ على المثقفين الذين يُدلّسون حين يخلطونها بالعقلانية الأخرى باعتبارها “فعلا يعتمد على العقل والحكمة لا على العفوية والعشوائية”.

وفيها أيضا محاوراتٌ طويلة حول التنمية، والتعليم، وحقوق الإنسان، وأرضية الحوار التي ينبغي أن يجتمع حولها الفُرقاءُ السياسيون، وكيفية إعادة الثقة بينهم، وموقف الديمقراطيين من الدِّين، وعناصر الهوية… وحديثٌ أطول حول مفهوم الديمقراطية، وهل يمكن اعتمادها كمنهج للحكم في بلاد المسلمين دون فصلها عن “رَديفَتِها” العلمانية.

بعد انتهائه من نشر كتبه الحوارية قرّر مُخاطبةَ الغرب هذه المرّة، فخرج عام 1998م بكتابه Islamiser la modernité الذي تُرجم إلى العربية سنتين بعد ذلك تحت عنوان “الإسلام والحداثة”. ولأن الأستاذَ ياسين رجلُ تربيةٍ بل أن يكونَ رجلَ فكرٍ وسياسة فقد حدّد همَّهُ الأوّلَ هنا في كونه يريدُ “إسماعَ الرسالةِ القرآنية، رسالةَ السلام لعالمٍ عنيفٍ، رسالةَ المعنى لعالمٍ ضائع، رسالةَ الروح للإنسان المريض بحداثته”[20]، كما أنه يبتغي “تقديمَ مساهماتِه المتواضعةِ في التفكير لمستقبل الإسلام، أي لمستقبلٍ هادئ ومُستريح من الاضطرابِ الجنونيِّ الذي يَحْرِمُ الناسَ من العيش في سلام، متصالحين مع الله، منفتحين بالمودة والرحمة بالإنسان”[21]، مُدركا أن خطابَه هذا لا شكّ سيتعرّض “لسخرية الكُفر الحديثِ واستهزائه”، ولكنّه ـ كما عبّر ـ مستعدّ لسماع ذلك، لأن شرف المُهمة تستحق كلّ معاناة.

في الكتاب نقد للحداثة الفلسفية الناكرة لوجود الله، المُبدّدةِ للمعنى، المُضيّعةِ للروحانيات، المُحتفيةِ بمسلماتها العدميَّة أو الدّوابية. فيه تَهَكّمٌ بالقدّيسة اللائيكية. فيه هجومٌ على الغرب الذي يُدعّمُ الأنظمةَ المُستبدّةَ على حساب الشُّعوب المقهورة. فيه تحميلٌ للغرب للمسؤولية التاريخية لما يجري في فلسطين من علوّ وقسوة وعقوق. فيه نقاشاتٌ حول الطفولة والمرأة. وفيه ـ أيضا ـ دعوةٌ مِلحاحةٌ لابتكار مستقبلنا بعيدا عن النموذج الحداثي.

ليس هدفنُا في هذه المقالة إحصاءَ كتبِ الأستاذ ياسين ووصفَها، ولا الوقوفَ بالتفسير والتحليل مع جميع تصوراته واجتهاداته وتقديراته التي غطّت مجالات عدّة، فذلك فوق طاقة هذه الصفحات وقدرتِها لأنها تحتاج إلى مجهودٍ أكبرَ يُصَبُّ في مجلدات، ولكنّ المنهجيةَ الذي اخترناها تدفعُنا لتقديم مزيدٍ من إنتاجاته حتى نقترب من رسم صورة شبه شاملة لمساره الفكري وتعرّجات ميراثه المعرفي.

كان الأستاذ ياسين صاحب مدرسة متكاملة؛ تربوية وفكرية ودعوية وسياسية، وكان حولَه تلامذةٌ كُثرٌ في المغرب وفي البلاد الإسلامية والغربية، في أوربا وأمريكا وغيرهما، مما كان يستوجبُ عليه دائما أن يُقدّمَ لهم نصائحه وتوجيهاته ومفاتيحَ للفهم؛ أصالةً أو بعدَ سُؤالٍ وطّلب. وقد اتَّخذت هذه التوجيهات أشكالا عديدة؛ لقاءات ومجالس في بيته في مدينة سلا غالبا، وتسجيلات في أشرطة مسموعة ومرئية، ومُختارات يتصيّدها من مقروءاته الكثيرة والمتنوعة، وكانت تُطبع في كُتيّبات صغيرة ـ بحجم الكفّ ـ توَزّع بأعداد كبيرة بعد كلّ لقاء مركزي جامع، ويقوم تلامذتُه بعد ذلك بنسخِها كلٌّ في مدينته.

كما اشتهر ببعث الكثير من الرسائل الخاصة والعامة، نُشر بعضها، وينتظر أغلبُها إلى أن يحينَ حينها، ومن أشهرها: رسالة الإرشاد (بعث بها إلى ابن شيخه السيد حمزة البودشيشي)، رسالة إلى كل طالب وطالبة (إلى تلامذته طلبة جماعة العدل والإحسان)، ورسالة تذكير(إلى كل أعضاء الجماعة في أحد رباطاتهم التربوية)، والرسالة العلمية (إلى الهيئة العلمية للجماعة).

ومن جهة أخرى استغلّ الأستاذ ياسين صدورَ ديوانه الشعري الموسوم بـ“المنظومة الوعظية” ليقدِّم له بمقالة حول رؤيتِه للفنّ والأدب “الإسلاميين”، ومن خلالها طرح أسئلة تؤرّقُه، خاصة وأنه يعرف الدور الذي يلعبه الفنّ والأدب في ترويج “رؤية” فكرية أو فلسفية ما لله والعالم والإنسان، مثل: “بأيّ صنعة أدبية، وبأية أداة لغوية، وبأية منهجية تعليمية يعالجُ الأدبُ الإسلاميّ والفنُّ الإسلامي والمسرحُ الإسلامي والنشيدُ الإسلامي نفوسا صبغتْها قليلا أو كثيرا الثقافةُ الماديةُ السائدةُ ليمسّ النبضَ العميقَ لفطرة طُمِسَتْ فديارُها خرابٌ، أو أخرى دُنّست من نَكْتِ الزنابير والذباب؟

كيف يلتمسُ الأدبُ الإسلاميّ، الروايةُ والقصةُ، طريقا ليُعانقَ الفطرةَ بعد طرقِ الأبواب والنَّفاذِ إلى اللباب؟ ثم ليُغذّيَ طفولةَ النفسِ حتى تكتملَ رجولةً ورُشدا”[22]

الفنُّ الإسلامي والأدب الإسلامي ينبغي ـ في عُرف الأستاذ ياسين وفهمِه ـ أن لا يكونا أداةَ تسليةٍ وبضاعةَ استهلاكٍ، بل يجبُ أن يُستخدما وسيلةً من وسائل التربية، لهما مَعزى ومعنى، ويبلِّغان رسالة.

المعنى، والمغزى، والرسالية؛ ذلك ما عاش من أجله الأستاذ ياسين، وذلك ما ربّى عليه تلامذتَه في مدرسة العدل والإحسان، وذلك ما ختم به حياته في توفيق وإصرار؛ فقد كان آخر ما كتبه قبل وفاته بعشر سنوات وصيَّتُه؛ نثرا ونظما، وهي وصيَّةُ مُحبٍّ مُذكّرِ مُوَدّع، سجّلها بصوته في جوف الليل، وستظهر لأوّل مرّة في الذكرى الأولى لوفاته رحمه الله تعالى.

بعد رحيله كان أوّل شيء فعله تلامذتُه أنْ أعلنوا على الملأ أنَّ أستاذَهم يحقّ أن يُكلّلَ اسمُه بـلقب “الإمام المجدّد”، وإنّ ميراثَهُ لجَديرٌ بهذا الاحتفاء والتّكريم.


[1]  . سيكتشف القارئ بعد الاطلاع على حياة الأستاذ عبد السلام ياسين أن أفضل كلمة تُعبّر عن التغييرات الانقلابية التي وقعت له في مسيرته التربوية والفكرية والسياسية هي “الولادة”، ولا تمتلك غيرها، من قبيل التحوّلات والانعطافات، أن تفي بالغرض المنهجي والتصويري الذي نقصده. الولادة تعني الانبثاق، الجديد، البصمة الشخصية، الصوت المفرد، وتعني أيضا المخاض الأليم بعد مراحل من التّشكّل والتكوين المُفضية إلى نتيجة غير مسبوقة في الكثير من تجلياتها، وهذا عين ما نريدُه من خلال استعمالنا لهذه الكلمة/ المفتاح، لأنها حاسمة في فهم شخصية الرجل وتصوراته وممارساته.

[2] .عندما سأله المُحاور عزّام التّميمي في الحلقة الأولى من برنامج مراجعات التي بثته قناة الحوار عام 2000م،عن مدى اهتمامه في هذه الفترة من عمره بأحوال الأمة وضياع فلسطين، صرّح الأستاذ ياسين قائلا:” كنتُ غائبا عن كل ذلك غيابا مطلقا، لا أقرأ الصحف ولا أهتم بالسياسة. كان اهتمامي منصرفا إلى شيء آخر: التحصيل في اللغات، والتحصيل في العربية… الوعي جاء بعد ذلك”.

[3]  . الشيخ الحاج العباس البودشيشي، توفي عام 1972م.

[4]  . في رواية الطيبون، الصادرة عام 1971، صوّر مبارك ربيع اهتمامات عبد السلام ياسين الجديدة والشّاغل الدعوي والتربوي الذي كان يضطلع به، من خلال الشخصية الرئيسية الشيخ النوري.

[5]  . في العامية المغربية تعني “البْرّاح” الرجل المنادي في الأسواق بالأخبار.

[6] . بعد مغادرة عبد السلام ياسين الزاوية كتب رسالة إلى ابن شيخة السيد حمزة البودشيشي، الذي “عيّنه” شيخا للزاوية قبل وفاته، سمّاها جماعة الإرشاد. يوضّح له فيها وجهة نظره في العمل الإسلامي المعاصر. وقد تكفّل الأستاذ أحمد الملاخ بقراءتها على الشيخ صباح الاثنين 27 غشت 1973مبمقر الزاوية بمداغ ناحية وجدة.

[7] . عبد السلام ياسين، الإسلام غدا، ط1، 1973م، مطابع النجاح، الدار البيضاء، ص5

[8]  . مثل: عمر بن عبد العزيز مع رجاء بن حيوة، ويوسف بن تاشفين مع عبد الله بن ياسين.

[9]  ـ أبو حزم، محمد العربي، عبد السلام ياسين: الإمام المجدد، ط1، 2016، مطبعة إفريقيا الشرق، ج1، ص337.

[10]  ـ في جنازته بأحد مساجد الرباط، لم يكلّف الإمام نفسه، وقد وافق ذلك صلاة الجمعة، أن يُصرّح باسم الرجل الميت، أو يدعو معه على مسمع من تلامذته الذين حجوا بالآلاف لوداعه. لقدكان معذورا، لأن تعليمات السلطة وردت عليه صارمة بذلك.

[11]  .ياسين، عبد السلام، حوار شامل، حاوره:منير الركراكي وعبد الكريم العلمي. دار العدل والإحسان للنشر أمريكا.ط1. 2014م، ص 45.

[12]  ـ كان الأستاذ ياسين غزير الإنتاج خلال الفترة التي عاشها محاصرا في بيته، بين عامي 1990 و 2000م، وسيؤلّف الكثير من الكتب والرسائل.

[13] ـ أنظر، ضريف، محمد، الدين والسياسة في المغرب: من سؤال العلاقة إلى سؤال الاستتباع، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، ط1، 2000، ص 131/137.

[14] . ياسين عبد السلام، مذكرة إلى من يهمه الأمر، ص31.

[15]  ـ ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العربية، دار البشائر، ط 2، 1995، ص 5

[16]  ـ ياسين، عبد السلام، الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية، ص 8

[17]  ـ  ياسين، عبد السلام،  الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1998م، ج1، ص27.

[18]  . ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، الشركة الأوروبية اللبنانية للنشر، بيروت، ط1، 1990، ص10 (قبل ذلك طبع الكتاب عند مطبعة فضالة بالمحمدية عام 1989م)

[19]  ـ المرجع نفسه، ص55

[20]  . ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة،  مطبوعات الهلال، وجدة، ط1، 2000، ص: 8

[21] ـ نفس المرجع، والصفحة.

[22]  ـ ياسين، عبد السلام، المنظومة الوعظية، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1996، ص: 5

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.