منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

سلسلة خطبة الحمعة: أثر الصحبة على الفرد إيجابا أو سلبا

سلسلة خطبة الحمعة: أثر الصحبة على الفرد إيجابا أو سلبا/ الأستاذ بن سالم باهشام

0

سلسلة خطبة الحمعة: أثر الصحبة على الفرد إيجابا أو سلبا

الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عباد الله، إن في عالمنا المعيش؛ كتابا قلما يلتفت إليه الناس فيقرؤونه و يستفيدون منه، إنه كتاب لا يباع في المكتبات ولا الأكشاك، وھو في متناول كل عاقل بصير، لأنه هو وحده الذي يعرف قراءته وإن كان أميا، ومن مميزات هذا الكتاب، أن حروفه قد كتبت بقلم القدرة، أتدرون ما هو هذا الكتاب؟ وما عنوانه؟ وبأية لغة كتب؟ ومن مؤلفه؟وفي أي مکان نجده لمن أراده؟

عباد اللہ، إن هذا الكتاب ھو الواقع الذي نعيش فيه، وأوراقه هي الأيام والشهور والأعوام، ومواقفنا هي حروفه، لا يقرأها إلا صاحب البصيرة، أما الغافل فلا يفهم منه إلا الشهوات والأهواء. فصاحب البصيرة وحده، هو الذي يقرأه فيتعظ بغيره ويدين نفسه قبل أن تُدان، ويعمل لما بعد الموت، إن الشخص العاقل يعمل على حماية نفسه من الأخطاء والعثرات، ويسعى للنجاة من مصير فاشل؛ لحق بغيره في حضوره وأمام ناظريه، قال تعالى في سورة النور: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ،إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]، وقال تعالى في سورة الحشر: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].

فيا عباد الله، ويا إماء الله، يا أصحاب الأبصار، تعالوا بنا لنقف على فصل من فصول هذا الكتاب، عسانا أن نعتبر فنزدجر، عنوان هذا الفصل نعرفه بعد إنهاء القصة، والتي هي كالآتي:

رجل يداوم على حضور دروس أحد الدعاة إلى الله، وبدأ يُحضر زوجته معه لتشاركه في الأجر، وتستفيد من مجالس العلم، فتأثرت بكلام هذا الداعية، وبادرت بالتوبة إلى الله عز رجل، ومن الأمور التي بادرت بالقيام بها والاستجابة لها – ولم تعتبرها شكلية كما يعتقد الكثير من النسوة، المتبعات لأهوائهن وعادات المجتمع وتقاليده السيئة – أنها غطت جميع جسدها، ولم تُظهر منه إلا الوجه والكفين، استجابة لقوله تعالى من سورة النور التي أنار الله بها قلبها: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31]

سمعت هذه المرأة كلام ربها، ووجد صداه في قلبها، فأرادت أن تكون من المفلحات الناجحات في حياتهن الدنيوية والأخروية،فبادرت بالتوبة إلى الله تعالى، وعلمت أنه لا خيار لها أمام أمر الله عز وجل الذي قال في سورة. الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36]

وهكذا استمرت هذه المرأة المؤمنة التائبة الطائعة، على حضور الدروس بالمسجد مع زوجها کل یوم خميس، فأحست بالسعادة الزوجية في ظل تعاليم الإسلام، ومبادئه السمحة، أما زوجها فقد حمد الله على نعمة هداية زوجته، إذ وجد السكن والمودة والرحمة التي يفتقدها الكثير ممن یدّعون الإسلام، و يحافظون على بعض مظاهره، ولا تجد في أسرهم إلا الشحناء والعداوة ہین الزوجين، وعدم التلاؤم والسكن، ونظرا لكون هذه المرأة التائبة لا زالت حديثة عهد بالالتزام، فإنها لم تُحصّل بعدُ القدر الكافي من أمور الدين لتُحصّن به نفسها من شياطين الإنس والجن، لهذا فوجیء زوجها في يوم من الأیام بما لم يكن يتوقعه، لقد وجدها بباب المنزل سافرة متبرجة ، تنتظر فرصة قدومه لتصب عليه وابل كلامها . وشتمها لذلك الواعظ الذي کان السبب الرئيسي في احتجابها، و لتخبره أن هذا الحجاب ما هو إلا حرمان للمرأة من حريتها، وأنه يُظهر المرأة وكأنها عجوز قد بلغت من الكبر عتيا، مما يغري الرجل فيُعجب بالمتبرجات، وأن المرأة لا تغطي جسدها إلا إذا كان به عیب، أما إذا كانت جميلة، فعليها أن تُظهر نعمة الله عليها، وتتحدث بها، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

عباد الله، ماذا حدث بعد لقاء الزوجين؟ وما هذا الانقلاب الجذري الذي حدث لهذه المرأة ؟ و ما هو التصرف الحكيم الذي قام به هذا الزوج تجاهها؟ لقد ثبّت الله عز وجل هذا الزوج وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، فلم ينسق مع زوجته في هذا الموضوع، بل اتفق معها ألا يحضرا دروس هذا الواعظ الذي كان السبب في کل ما ذكرته، وأنهما سيستغلان الفرصة التي كانا يقضيانها في المسجد، في زيارة الأقارب والأصدقاء، ولا بأس أن ترجع إلى تبرجها كما كانت. وهكذا هدّأ غضب زوجته.

فيا عباد الله، هل هذا التصرف الذي قام به هذا الزوج؛ هو عجز منه واستسلام لأمر الواقع، کما هو الشأن بالنسبة للكثير من الأزواج الذين يرضون بتبرج نسائهم؛ و کشف شعورهن، وأجسادھن للأجانب، دون أن تتحرك فيهم الغيرة التي هي من الإيمان، أم أنه هو كذلك غیر مقتنع بتغطية المرأة لجسدها، ولو كان ذلك قرآنا يتلى إلى قيام الساعة؟ أم أن تصرفه فيه حكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه؟ الجواب على ذلك عباد الله ، سنعرفه في الخطبة الثانية بعد جلسة الاستراحة، وسنعرف معه بعض العبر التي يجب أن نستخلصها بعد استقائها من كتاب هذا الواقع.

عباد الله، لقد اتفق هذا الرجل مع صديق صالح له بعد أن عرض عليه مشكلته، فزاره في بيته في اليوم الذي كانا يذهبان فيه إلى المسجد لسماع الموعظة، إلا أنهما ذهبا ليتلقیا موعظة بأسلوب آخر ، وفي مکان آخر، إذ التقت المرأة بزوجة صديق زوجها، و بدأت تعظها بأسلوب لبق، ودون أن تشعرها بأنهاعلى علم بما حدث لها ، وبعد نهاية الزیارة والرجوع إلى البیت، اعترفت المرأة المؤمنة المضطربة الأحوال، بضعفها و خطئها ، و اعتذرت لزوجها، و عزمت على العودة إلى طريق الله والالتزام بما أمر الله عز وجل به، عندئذ سألها عن الدافع المفاجئ إلى هذا الانحراف المفاجئ عن طريق الله ، فأجابته بكل صدق، أن السبب هو جارتها المتبرجة التي تسكن معهم في نفس العمارة، فعلمت عندئذ خطورة وتأثير مصاحبة الأشرار، والاستماع لهم، و اتفقا على مقاطعتها والاحتراز منها، والتعامل معها في حدود حق الجوار. قال تعالی في محكم كتابه من سورة الكهف: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28]، وقال عز وجل في سورة النجم: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النجم: 29].
فياعباد الله، الكثير من الأحداث مما يقع في عالمنا المعيش، تحتاج إلى وقفة تأمل قصد الاعتبار ، وإلا فما ذكرناه نسمع عنه الكثير، ولكننا لا نتعظ.

عباد الله؛إن إصلاح النفوس، و تقویم اعوجاج الأفراد، وتطهير المجتمع، يحتاج إلى تظافر الجهود، ولا يقتصر الأمر على الخطباء والوعاظ، بل لابد من إعانة الأفراد لهم، إذ لا تكفي دروسهم ومواعظهم و توجيهاتهم، کما هو الشأن بالنسبة لهذه المرأة التي وجدت من یأخذ بيدها؛ ويردها إلى جادة الصواب، و سواء السبيل، لهذا عباد الله، يجب أن تعلموا أن دوركم لا يقتصر على الاستماع إلى خطبة الجمعة مدة نصف ساعة تقريبا في الأسبوع، إن کان الأمر کذلك، فإنما يوجد في الواقع ما له على الأفراد أثر فعال و خطير ، فلا بد من التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى في سورة البقرة: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، وقال تعالى في سورة التوبة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71]

واعلموا عباد الله خطورة الصحبة السيئة على هذه المرأة، وأثرها على الكثير من نسائنا وبناتنا وأبنائنا، بل علينا نحن كذلك، فكم من صاحب سيء الأخلاق، زين لصاحبه المعصية، وسهلها عليه حتى ارتكبها، فوهنت مشاعره، و تهدمت حياته، و انسلخ من دينه وقيمه وأخلاقه، وأصبح فردا فاسدا مفسدا، ونسي ربه وعق والديه، و ترک أهله وذويه، وانغمس في الملذات والشهوات، وتعاطى للمخدرات، وأضاع الصلوات، بل فشل في حياته الزوجية أو الدراسية أو الوظيفية أو التجارية، قال تعالى في سورة الأنعام: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام: 68]، وقال عیسی عليه السلام : (تحببوا إلَى اللَّهِ تَعالى‏ بِبُغضِ أهلِ المَعاصي، وتَقَرَّبوا إلَى اللَّهِ بِالتَّباعُدِ مِنهُم ، والتَمِسوا رِضا اللَّهِ بِسَخَطِهِم، قالوا : يا روح اللہ، فمن نجالس؟ قال : جالسوا من تذكركم اللهَ رؤيتُه، ومن يزيد في عملكم كلامه، ومن يُرغّبكم في الآخرة عمله).

فيا عباد الله، لينظر كل واحد إلى أصدقائه وأصحابه، ليرى هل هم أهلا لهذه الصحبة، أم يجب مقاطعتهم والتحرز منهم، وإلا فستبقى المواعظ والخطب التي تلقى لا أثر لها في حیاتکم، واعلموا أن حالتكم تعرف من خلال من تصاحبون. روى الترمذي في سننه بسند حسن غريب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) أي على سيرة صاحبه، فإن مخالطة أهل الخير ومجالستهم تزرع في القلب محبة الخير والعمل به، ومخالطة أهل الشر ومجالستهم تغرس في القلب حب الشر والعمل به،

مجالسة السفيه سفاهُ رأي ***** ومن عقلٍ مجالسةُ الحكيم

فإنك والقرينَ مقاس ســـــواءٌ ***** كما قُدَّ الأديم مــــن الأديــــــــــــــــــــــــم

والصديق الصالح هو ما وصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه سعید بن المسيب رحمه الله، قال: (علیک بإخوان الصدق، تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعُدة في البلاء، وضع أمر أخیک على أحسنه، حتى يجيئك ما يغلبك منه، و اعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين من القوم، ولا أمين إلا من خشي الله، فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرک، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى)

فیا عباد الله، و يا إماء الله، ابحثوا على هذه الأصناف من الناس المتصفة بهذه الصفات الحميدة، و كونوا لهم أصدقاء مخلصين، فإنهم سينفعونكم في الدنيا والآخرة، واسمعوا إلى الإمام علي رضي الله عنه، إذ يقول: (علیکم بالإخوان، فإنهم عُدّة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار : “وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ”) [الشعراء: 99 – 101]).

فاللهم ألف بين قلوبنا حتى نصبح بنعمتك إخوانا، وانزع الغل من صدورنا، حتى نظل في الدنيا أصدقاء، وإخوانا في الآخرة رفقاء وخلانا، اللهم اهدنا إلى رفقة صالحة، واهدنا واهد أبناءنا وبناتنا وزوجاتنا إلى من يصلح حالهم آمين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.