الإمام محور الإرتكاز
صلاح الدين المساوي
-1- منزلة الإمام في الإسلام:
و نقصد بالإمامة هنا من يصح الاقتداء به في الصلاة، وإلا فمفهوم الإمامة واسع وشامل.
وإننا إذا ما نظرنا إلى موقف النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وتمعنَّا في سيرته وصحبه الكرام ودوره كإمام مسجد, نجد أن القيام بمهام الإمامة هي مسؤولية عظيمة لما يترتب عنها من صحة أو بطلان صلاة المأمومين (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
فالإمامة تعليم وتذكير، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ولا يخفى ما لهذه الأمور من منزلة عظيمة، فبالعلم يزول الجهل, وبالتذكير تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسود طاعة الله في المجتمع وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.
ومن أجل هذا وغيره تعد الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق، وصفوة الخلق ، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق، وتقوم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فتحيا السنن، وتندرس البدع ويسعد الناس بالأئمة الأكْفَاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة صلى الله عليه وسلم .
ولما كان أمر الإمامة عظيماً فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- للأئمة بالرشد, فقال –عليه الصلاة والسلام-: (الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ) رواه أبو داود.
ومن المعلوم أن الإمامة رمز الاجتماع والائتلاف، لذا فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على اتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة نفر فقط، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ)رواه مسلم. فإذا كانوا مأمورين شرعاً باتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة فقط، فكيف إذا كانوا جمعاً كبيراً؟
لا شك أن الأمر أعظم، وهذا فيه من المصالح العظيمة، والمحامد الجليلة ما لا يخفى على أحد؛ فالناس يجتمعون على من يعلمهم الخير، ويفقههم في الدين، ويرغبهم تارة ويرهبهم أخرى، وينقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى التذكر والعبرة.
والناس محتاجون إلى من يقوم بهذه الرسالة خير قيام؛ لأن أمراض المجتمع الحقيقية تكمن في: الجهل والغفلة، والميل إلى الشهوات. فهل يفلح الإمام في أداء رسالته في أوروبا؟
-2- واقع الإمام:
تأملت كثيرا حال الإمام في أوروبا و إسبانيا خصوصا، فوجدته أقل الناس حظا من حيث الحقوق المادية والمعنوية؛ فهو لا يتمتع بحق التأمين الإجتماعي كباقي العمال والموظفين، -بحيث إذا طرد من وظيفته أو تعرض لآفة في صحته أو بلغ سن التقاعد وجد نفسه مرميا في الشارع كأنه مقطوعا من الشجرة كما يقال-.ولا يتقاضى أجرة مشرفة تسد حاجياته ونفقات أسرته، وتمكنه من العيش في أمن عائلي واستقرار مادي نوعا ما، ليترفع به عن النظر إلى ما عند الناس وانتظار اليد الحانية تجود عليه بصدقة .
إن الإمام في نظر كثير من رواد المسجد أنه رجل دين تقطعت به السبل فآوى إلى ركن المسجد ليقضي بعض مآربه ثم يرحل ويترك البيت لمن بعده. كما يعتبر أنه كتب عليه الفقر والخصاصة والرضى بأقل الأجور. وأنه عالة على الناس بحيث ينتظر إحسانهم وتبرعاتهم وإذا لم ينفقوا عليه فقد لقمة عيشه وطرد (ويده على قلبه).
سؤال إلى متى يظل هذا الوضع المزري ساريا في مساجدنا مما يعطي صورة دونية لمرشد روحي وقائد إيماني للمسلمين؟
ألم يان للمسلمين أن يرفعوا من شأن من يأمهم في الصلاة ويجعلوا له سهما مشرفا -على الأقل كسهامهم-؟
وأن يكفوا عن مقولتهم التي تحكي عن البخل في القلوب”إحنا جماعة ضعيفة فاصبر معنا من فضلك” !!!
ياللعجب جماعة من الناس – أصحاب أعمال ومشاريع- تطلب من الفرد البسيط أن يضحي من أجلها !!! هو له أن يصبر ويحتسب وهم ينعمون في دنياهم ويتقلبون في رغدها!!! ما هذا الدين أهو رأسمالية أم إشتراكية أم إستعبادية إستغلالية!!!!
ياسبحان الله !
-3- حزن المحراب والمنبر!
إنني أجزم بأن المسجد الذي لا يحظى بإمام كفؤ يسع الناس بخلقه وعلمه فهو قفر فقر.
كما لا يمكن للمسجد أن يؤدي وظيفته الدعوية والتربوية إلا بوجود إمام كامل الأهلية علما وتربية وسلوكا، لكن في إسبانيا خصوصا وأوروبا عموما، هناك أغلب الأئمة إما حافظ القرآن على ظهر القلب ولا علم له ولا أخلاق. وإما عليم اللسان والقلب فارغ.
وإما لا قرآن ولا علم ولا أخلاق(متطفل يملاء الفراغ) وهذا النوع من البشر رأيتهم بأم عيني وكان لي معهم صولات وجولات ورأيت منهم عجبا؛كان أحدهم ينصحني وأنا في بداية الطريق بضرورة تقمص شخصية المفتي، وإذا إستفتيت في مسألة ما فيجب علي أن أفتي ولو بدون علم ، لأن الناس لا يرحمونك!!! ؛فهذا النوع من الأئمة غثاء لا يستحيي ولا يبالي ولا يهمه سوى دريهمات يملأ بها جيبه!!!، وفي هذا السياق أذكر لكم قصة حقيقية تحكي واقعا فظيعا كنت نشرتها على منصة التواصل الإجتماعي سنة 2021 بعنوان:
“حزن المحراب والمنبر”!
حينما تطغى الجرأة الفاسدة والجهل المميع ، يحزن المنبر ويبكي المحراب تكاد تَسمع له أزيزا كأزيز المرجل !!!
يكفيك أن تستشعر هذا الموقف لما يأتي بك القدر على غير ميعاد ،فتدخل مسجدا جامعا ،ثم تلقي سمعك لشيخ يصرخ فوق المنبر، ويزمجر كريح عاتية ، يلتفت يمينا وشمالا ووجنتاه محمرتان ، يخاطب القوم بلسان عربي فاحش، يستنكره كل طفل بدأ يتهجى الحروف العربية، ولكي يغطي على منكر نطقه وهشاشة منطقه يحاول أن يأتي بشيئ من القصص والحكايات الشعبية (كمستملاحات كلامية)، لكن يفسد جماليتها ويغمط حقها حينما يكلف نفسه عناء قصها بلغة أهل الشرق كي يستميل السامعين .
وياللحسرة والشماتة لأهل العلم والبيان حينما تراه خارجا من بيته ،متخطيا رقاب المصلين ،قاصدا محراب الإمامة ،ملتحفا في أثواب بيضاء، وعلى رأسه قلنسوة حمراء، متشبها بأفذاذ العلم و العلماء ، حتى إذا أمّ المصلين وافتتح صلاته بالفاتحة ثم تلا شيئا من القرآن، كادت الجبال أن تخر هدا، أن نسب للإله قولا و زورا، وذلك في قول ربنا “
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَٰنًا مَّرِيدًا”
قرأها “شيطانا مريضا”!!!!
هذه واحدة مما أشعل في قلبي نيران الاستنكار ،وإلا فجل القراءة للقرآن فيها لحن جلي واعتداء كبير وظلم شنيع.
و هذا متطفل آخر، صعد المنبر يوم الجمعة وفي يده كتاب يقرأ منه على السامعين من حوله، فإذا به يتلو فسقا ،ويفتري على الله كذبا ، في قوله” وزينب تزوجها الله من فوق سبع سماوات”!!! قلت :”هذه طريفة ينبغي أن تضاف إلى كتاب أخبار الحمقى والمغفلين”!!
وخطيب آخر بينما كان يحدث الناس عن فضل ليلة النصف من شعبان ، إذا به يذكر حديثا في الباب، فألحن فيه جهلا وغفلة ولأنه ليس من أهل الفن، فاستبدل كلمة “”يطّلع” ربنا ليلة النصف من شعبان على أعمال عباده فيغفر لهم جميعا إلا لمشاحن ومشرك” بقوله “يَطْلُعُ” ربنا…،
وكان من محاسن الأقدار، أن حضر لخطبة هذا الرجل إمام القراء وشيخ العلم والحديث في هذا الزمن الشيخ المقتدر “أيمن السويدان” بارك الله في عمره، ولك أن تتصور حجم الخجل الذي شعر به الخطيب لما رآه جالسا أمامه يستمع بكل أدب واحترام!!… والحديث في الباب طويل ومحزن للغاية!!!.
أتدرون من الرجل الذي نحن بصدد الحديث عنه؟ إنه فقيه متطوع لبس سلهامه وأسدل لحيته ليتخذها ستارا وحجابا بين جهله وقومه ، غير آبه بمن حوله من البخلاء الأميين، الذين ينادونه شيخا وإماما، لأنه إستطاع أن ينجح في التدليس عليهم بالصوت والصورة. لكن الخدعة لن تنطلي على”المحراب” و”المنبر ” ؛لأنهما قد عهدا و صحبا و خبرا أهل العلم والفن، فهما اليوم يعانيان في صمت عميق ،من شدة الحزن والأسى غير المنقطع ،ينتظران فرجا قريبا، يطل عليهما بقدوم رجل عالم ،وفقيه ورع، يذكرهما بالإمام الأول صلوات ربي وسلامه عليه.
أما الفقيه المتكامل فقلما تظفر به هناك!!
لأن جل الأئمة تكوينهم العلمي جد متواضع ويطبعه عامل التقليد والنقل والإسقاط ، ولهذا غالبا ما تكون المردودية الخطابية والدعوية هزيلة جدا ، ولا تلامس هموم المسلمين وواقعهم تماما.و لأن الإمام يعيش ويقتات دائما على استيراد الخطاب الديني من الخارج الذي يفتقد إلى الإبداع والإنفتاح المطلوب على الواقع من حوله فهما واستيعابا وتأثيرا .
وإذا وُجد الإمام النموذجي في ناحية ما غالبا ما يحاصر ويُضيق عليه من طرف جهات مشبوهة تدعي (خدمة المسجد والسهر على تسييره)، وهذا صديق لي بمدريد كان إماما وداعية بامتياز ،يبدل قصارى جهده ويتفانى في أداء وظيفته عسى الله أن يهدي الخلق على يده، وأن يساهم في إظهار حقيقة الإسلام وإخراجه من زاوية ضيقة في المسجد، إلى الحضور في أنشطة حركية وثقافية واسعة تساهم في التعريف بالإسلام ودوره الإيجابي في الحياة العامة. لكن وللأسف الشديد تم توقيفه من طرف( رئيس المسجد) ،لأن الإمام بتكثيفه لأنشطة تربوية وأخرى دعوية تواصلية أصبح يعمل-في نظر الرئيس- خارج القانون وقد تجاوز صلاحيته المحدَّدة له والمحصورة في إقامة الصلاة وخطبة الجمعة!!!