في طول النفس واليقين أن الدعوة منصورة (13) الأربعون حديثا الدعوية
بقلم: يعقوب زروق
الحديث التاسع والثلاثون:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت قلت يَا رَسولَ اللهِ، هلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ فَقالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ وَكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ علَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا بقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بسَحَابَةٍ قدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَما رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، قالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بأَمْرِكَ، فَما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا[1].
مع استفراغ الجهد، والدعاء والصبر على أذى الجاهلين، يلزم الداعية أن يكون ذا نفس طويل، فلا ييأس أو يستعجل قطف الثمرة قبل ينعها. لسان حاله يقول مقتديا بسيد الدعاة: ” أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”.
الحديث الأربعون:
عن خباب بن الأرث رضي الله عنه قال: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتّى يَسِيرَ الرّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلّا اللَّهَ، والذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.[2]
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرون تقلب الذين كفروا في البلاد، اعتراهم من الجزع ما يعتري البشر. غير أنهم فزعوا إلى مصدر اليقين والسكينة صلى الله عليه وسلم يشكون إليه ويسألون الدعاء. فيأتي الجواب منه صلى الله عليه وسلم شافيا كافيا. يعرض عليهم نماذج السابقين الصابرين وما تلقوه من أذى لم يصدهم عن دينهم. ليكونوا قدوة لهم وليستصغروا ما يلحقهم من أذى أمام أذى من سبقهم. ثم يعلمهم اليقين في نصر الله ويبشرهم بالفتح القريب. فإن سنة الله أن يأتي النصر مع الصبر وأن يلحق اليسر العسر.
“قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ” [عبس: 17]
ما أكفره رأى بعينه تحقق كل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته من نصر الدين وإظهاره. ولا زال الشك يراوده، ولا زال يستعظم قوة المستكبرين ويذهله كيدهم ومكرهم.
ما أكفره ينسى أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وأنه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.
ما أكفره يصدق إعلام المفسدين المرجفين في البلاد، إذ يزعمون أنهم هم الغالبون, وينسى أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وينسى أن مكر أولئك هو يبور.
خاتمة
إن أخوف ما ينبغي أن يخاف منه كل مسلم أن يحاجه عند الله أناس كان بوسعه أن يبلغهم رسالة الله فلم يفعل. وإنه لأسعد الناس أن يجد في صحيفته، أناسا كان سببا لهم في توبتهم. إما توبة إسلام من كفر، أو توبة طاعة من معصية، أو توبة يقظة من غفلة. وكل ذلك دعوة.
إننا بحاجة إلى أن تتكاثف جهود الدعاة وتتظافر مساعيهم لمواجهة الدعوة المضادة الهاجمة على بيوتنا، وقلوبنا.
إننا بحاجة أيضا إلى استثمار كل ما فتحه الله على البشرية من إمكانات، في الدعوة. من علوم حديثة، ومن تقنيات ووسائط.
إننا بحاجة إلى استثمار ما يحدثه الله في كونه من أحداث لبيان حاجة البشرية إلى هذا الدين. بعدما عجزت قوانين الأرض، وفلسفات البشر، عن تلبية حاجات الإنسان. وأولى حاجاته، حاجته إلى معرفة خالقه وعبادته ومحبته. وما تلي هذه الحاجة من حاجات أخرى روحية وفكرية. ومن حاجاته كذلك حاجته إلى الأمن والعدالة والكرامة والحرية الحقيقية.
إننا مدعوون إل تمثل قولة ربعي بن عامر رضي الله عنه: “إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”
يحدث هذا قريبا إن شاء الله ولكن ليس قبل أن نعلنها توبة جماعية صادقة لله رب العالمين. نعود بها إلى الله نصطلح معه، نذكره، نعبده، نتحاكم إلى هديه.
وما ذلك على الله بعزيز.
والحمد لله رب العالمين.
هوامش:
[1] – صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير- الحديث : 1795
[2] – صحيح البخاري – كتاب الإكراه – الحديث: – 6943