إختفى الزوج طوعا لسنوات واستقال من مهمة تربية الأبناء ،يقضي معظم وقته في المقاهي لا يغيب لحظة عن مجالس المؤانسة مع الأصدقاء ولا يعود إلى المنزل إلا وقت الغذاء أو العشاء. لا يطيق” الضجيج” الذي يحدثه أبناؤه أثناء لعبهم داخل المنزل ولم يعد يتحمل رائحة المطبخ، يكاد يختنق إن اشتم رائحة الثوم أو مساحيق النظافة، لكنه يجلس لساعات في المقهى حيث الضجيج يَصُمُّ الأذان و حيث سحب سجائر المدخنين تمر على الرؤوس يستنشق منها ما يملأ رئتاه سوادا وتنفذ نتانتها إلى معطفه فتعلق به مهما حاول جاهدا أن يُمَوِّهَها برشَّات عطره كل حين وقد يسمع كلاما نابيا ولا تشمئز نفسه، لقد تعود !… يسمع الأذان و لا يحرك ساكنا ولا تحدثه نفسه عن صلاة الجماعة، سيصلي العصر والمغرب والعشاء دفعة واحدة حالما يعود إلى المنزل . لا يهم !فهو رب البيت… يضع رجلا فوق أخرى يضحك ملئ شدقيه ويتفاخر أمام زملائه برجولته وهيبته يحدثهم عن سطوته وإحكام قبضته على أهل بيته. لا يهمه إن درس الأبناء أو لم يدرسوا طالما قد وفر لهم كل شيء، فالأم ستتولى كل شىء ستنظف وتطبخ وترعى الأبناء وتدرسهم.يعود الزوج المختفي اخر النهار ليجد ما لذ وطاب وقد يدعو زوجته آلى فراشه وإن كانت مكدودة، لا يهم فهو الاَمِر والناهي ولا يكون له إلا ما أراد.يريد زوجته أن تكون جميلة وفي كامل زينتها وأنوثتها ويريدها أن تكون فرسا لا تتعب، تنجز كل المهمات،وقد لا تسمع منه كلمة شكر أوتقدير على تضحياتها الجسام كما قد لا تجد منه يدا حانية تعطف.عجبا لأمره كيف يرتاح ضميره وقد نقض بنود الميثاق الغليظ واستهان بالعشرة وأهمل ما ولد.لكن يشاء الله أن يصبح حِلْسَ بيته هذه الأيام ،أرغمته كورونا أن يكون حاضرا مع أبنائه وزوجته طوال اليوم وقد سُدًّت المقاهي في وجهه.ماأتعس المسكين!يكاد قلبه ينفطر من هول ما يراه داخل بيته.الأولاد متوترون خائفون أنهكتهم الشاشة، لا يستوعبون الدروس الرقمية جيدا.يلحون عليه أن يشرح وأحيانا يرغبون في اللعب وقد يتحول اللعب إلى شجار .ما يزال الزوج مصدوما لكنه يتساءل كيف تحملت زوجته كل هذا لوحدها.ضاق ذرعا من الجلوس بين الجدران يقلب هاتفه صعودا ونزولا طوال اليوم يبحث عن بارقة أمل للعلاج من هذا الفيروس اللعين الذي أدخله قسرا إلى الحجر الصحي .الان فقط يشهد حجم الخراب الذي خلفه بغيابه المستمر عن منزله يرى بأم عينيه كم تتعذب زوجته في إرساء النظام داخل البيت ورعاية الأبناء .كم تتعب لتعد الطعام وتغسل الأطباق وتكنس وتنظف وترتب، ولا تكاد تنتهي من مهمة حتى تنخرط في مهمة أخرى و لا تبرح الأرض إلا و قدخارت قواها وذبل جسمها… سبحان مبدل الأحوال !أصبح الزوج الأن ينخرط في أعمال البيت ويساعد أبناءه في دراستهم يمازحهم ويلاعبهم ولا يضيره أن ينزع الشوائب من حبات السمسم كما لم يعد يزعجه اَلبَتَّة أن يدخل البهو ويعيد تصفيف النمارق ويرتب السُّرُرَ مع أولاده.
إكتشف الزوج أن له أولادا رائعين يحتاجون له وتعلم أن زوجته تفرحها كلمة طيبة تسمعها منه وأدرك أنه مسؤول عن نسله وأن أعظم عمل قد يستمر بعد وفاته ولد صالح يدعوله.
قد تفتك كورونا بالأرواح وقد تحدث أضرارا في الإقتصاد وتخلخل قواعد السياسة، لكن صدمتها القوية حتما ستعري واقعنا المزري وسترينا حجمنا الحقيقي وستكون صفعة- أسأل الله أن توقظ النفوس الكالة المالة- تردنا إلى جادة الصواب لنعيد لبيت الزوجية بهاءه ورونقه، لنزرع فيه بذور المحبة والرحمة ونغرس فيه قيم التعاون والتازر والتطاوع ،منه نستمد حلل النظافة والغنى والعافية والجمال فنشيعها في مجتمعنا لتكمل بذلك سفارتنا وخيريتنا.(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) لا شك أن كرونا محنة لكن في طيها منح كثيرة؛أقدار الله تسوقنا قسرا إلى غد أفضل بحول الله ،إنها سنة الله الماضية في خلقه لا تحابي أحدا. إنها إشارات الله اللطيفة أن عودوا إلى رشدكم وتوبوا إلى ربكم فهو التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيء الأسقام .اللهم ارفع هذا البلاء واصرف عنا الوباء واحفظنا واحفظ بلادنا والمسلمين كافة والناس أجمعين واجعل لنا من أمرنا رشدا.