منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

عادات شعب بلاد شام في رمضان | اجتهاد بذل وجهاد فعل 

عادات شعب بلاد شام في رمضان | اجتهاد بذل وجهاد فعل / الأستاذ هشام كمال

0

عادات شعب بلاد شام في رمضان | اجتهاد بذل وجهاد فعل 

بقلم: الأستاذ هشام كمال

شهر رمضان ضيف كريم من رب كريم، لذلك نجد الأفراد والمجتمعات والشعوب تجدد وتجتهد لتحسن وفادته وإكرامه، فلكل شعب عوائد في الاستعداد لهذا الشهر الكريم، وبرامج ومشاريع للاستمداد الأمثل والأفضل لاغتنام بركة أوقاته ونفحات أيامه.

فكلما اقترب موسم الخيرات إلا وجدنا قلوبنا تقترب لتتشرب الخير، وشعوبنا تتقرب لله بقربات متعلقة بالمساجد، أو بعادات متعلقة بالإطعام والموائد، أو بعض السمات التي لا تخلو من فوائد، والله نسأل أن يحمينا من بعض الطقوس وما فيها من بدع وزوائد، فلكل دولة عربية ومسلمة موروثاتها في التعبير عن البهجة في استقبال رمضان، تتوارثها عبر الأجيال، بعضها قد يضمحل في بعض الأماكن، وبعضها قد يندثر بالكلية، ولكن في النهاية تمثل جميعها عادات وتقاليد رمضانية أصيلة.

موقع منار الإسلام وفي إطار فعالياته الرمضانية، قرر تسليط الضوء على بعض هذه العوائد من خلال سلسلة سميناها عادات الشعوب في رمضان، وسنقف في الحلقة الخامسة مع عادات شعوب بلاد الشام “سوريا ولبنان والأردن وفلسطين”، سائلين من المولى أن تكون هذه السلسلة مناسبة لتبادل التجارب الناجحة، ومحطة لجمع شمل الشعوب انجماعا واجتماعا على الله.

ونعرج ابتداء مع الشعب السوري عجل الله بفرجه ونصره، حيث يتفنن السوريون في استقبال شهر الصيام بإعطائه الاهتمام المميز

 

حيث تستعد العوائل بتهيئة عدد من الأكلات السورية المعروفة كالمقبلات نحو التبولة، والمنتوشة، وتقديم الوجبات الرمضانية الخاصة كفتة الحمص، وداوود باشا، والكوسة المحشوة والكبة المقلية وكبة لبنية، والباذنجان المحشو، وورق العنب، والمقلوبة، والملوخية بالدجاج.

أما الحلويات في سورية، فتزدهر محلات بيعها أيام رمضان، مثل القطايف بالجبنة، وبالجوز، والهريسة، والقشطلية، والمهلبية.

 

كذلك يجتمع أطفالهم قبيل آذان المغرب في رمضان تحت مئذنة المسجد في حيِّهم، وهم يحملون بأيديهم فطورهم، ينتظرون بفارغ الصبر انطلاق المؤذن بالآذان ويقولون:

يا مؤذن قولها رِيْت دّقْنَكْ طُولها- طول المئذنة-

وإنْ كنت ما بتقولها تُوْقَع من فوق الماْدِنَه!

وعقب تناول الفطور، يتجمع أطفال الحيّ، وبيد كلّ واحد منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور، ويقولون عند باب البيت:

محمّد على فَرسُه             ويقول لها دُورِي

يامَحْرَمَه من دَهَبْ             والشَّبَ غنْدُورِي

باريتني دُوْدِه على الحِيط مصْمُودَه

وعَرُوسْتَكْ يا محمّد مكحّله ومَصْمُودَه

ولولا محمّد ماجِيْنَا يحلّ الكِيس ويَعطِينا

يعطينا مِصْرِيَّه، ماكَفَتْنَا الخَرْجِيّه

أعطونا سحور أحسن

ما نخلع الباب والناجور!

في حين يبرز دور التكافل الاجتماعي بصورته الكبيرة خلال أيام الصوم المبارك في لبنان .. حيث تقوم الجمعيات الخيرية بدورها في مساعدة المحتاجين والمتعففين، كذلك يقوم المحسنون بتقديم وجبات الإفطار للصائمين والمحتاجين عن طريق أحد الموسرين.

ونجد حلقات حفظ القرآن الكريم تكثر في المساجد اللبنانية، حيث يقوم حفظة كتاب الله العزيز بإعادة ختمه على شكل حلقات..

 

وتبرز مظاهر الاحتفالات برمضان من خلال أعلام الزينة التي ترتفع في كل مكان، وإطلاق الأسهم النارية. وأما المقاهي الشعبية فيؤمها مرتادوها بعد صلاة التراويح لقضاء ساعات من السمر الثقافي والاستماع إلى بعض الدروس، ومشاهدة بعض الفنون المحلية.

ومن مظاهر رمضان في لبنان في النصف الثاني منه مشاهدة الأطفال” الوداع” الذين يشكلون حلقة ذكر ” النوبة” تطوف بإدارة المسحراتي إلى كل بيوت المنطقة فيأخذون العيدية وهم يحملون الرايات الملونة والطبل والصنوج للإعلان عن وقت السحور في ليالي الصيام.

أما ما يميز شهر الصيام في الأردن فتلك الخيام التي تنصب في الأحياء لاستخدامها في الجلسات الرمضانية ويشهد السوق الأردني حركة شراء واسعة لتأمين احتياجات الناس من المؤن مثل الأرز والتمر هندي والحلويات وأنواع العصير. ويتم تبادل الأطعمة بين الجيران، علاوة على تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وتفطيرهم في البيوت حيث ينتظر الجميع إعلان أذان المغرب ومدفع الإفطار، ليبددوا فطورهم الجماعي، بعدما يؤدي الرجال والنساء صلاتي العشاء والتراويح في مساجد الأحياء القريبة.

 

وأخيرا نيمن وجوهنا وقلوبنا شطر مسرى رسول الله وأولى القبلتين وثالث الحرمين فلسطين أرض العزة والنصرة، حيث تتسِّم ليالي الصيام الرمضاني في المدن والقرى الفلسطينية بالسّهر والبهجة والترفيه البريء، فعقب غروب الشمس تُضاء الطرقات والشوارع والمآذن والمحلات التجارية في الأسواق، التي تعرض أنواعاً من الحلويات والبذورات والأشربة الخاصة بصائمي رمضان.

ولليالي الشهر الكريم في الأرض المحتلة طعمها الخاص للتواصل مع العادات المتوارثة بين الأجيال، ومن تلك العادات التي تقدم في ليالي رمضان المبارك تشكيل فرقة جوالة تعرف بـ ” الحوّاية”، أو” المدّاحة” التي تجوب الأحياء والأزقة بعد تناول الفطور. ويقف أفرادها في زاوية مظلمة من دهاليز أحد البيوت ويشرعون منشدين بصوت واحد:

لولا فلان ما جينا (يسمون صاحب البيت)،

حلُّو الكيس وأعطونا،

أعطونا حلاوانا، صحنين بقلاوة،

جاي علينا جاي،

بأيدنا العصاي نضرب الحواية،

وإرغيفين شلبيات،

وارغيفين حلبيات،

حي الله يا بلاد الشام،

فيها الخوخ والرمان،

دولابي يا دولابي،

يا سكر حلابي”.

وعندما يسمع نداء الأولاد يتجمع الأطفال الآخرون معهم، وسرعان ما ينفرد أحد الأولاد ليصبح رئيسا عليهم ويصعد على كتف أقواهم، وينادي بصوت عال مخاطبا صاحب الدار وعائلته:

الله يخلي له أمه

الله يخلي له أبوه

الله يخلي له ابنه

وتردد الجماعة بعده آمين. وما إنْ يسمع أهل الدار هذا الدعاء، حتى يخرج عليهم أحدهم ليوزع لكل واحد ما يحمل من حلوى كالزلابية والقطائف، بينما يتسلم رئيس الأولاد قطعا نقدية، فيغادرون هذا البيت، ليزوروا بيتا آخر يقيمون أمامه الحوايّة من جديد.

ولعلّ أهم أحداث ليالي رمضان في فلسطين المحتلة تقديم فصول القرقوز- الكراكوز-، ويعني باللغة التركية: ” العيون السُود”، وتهدف من خلال سردها لحكايات فكهة إلى توجيه النقد اللاذع لعدد من الظواهر الاجتماعية المحليّة، علاوة على تقديم السلوى البريئة والترفيه الذي لا يخلو للمشاهدين من فائدة، بقضاء ليالي رمضان في سهرات جماعية تضم الأهل والأصدقاء. ولا ننسى ما يتعاهد عليه أحبتنا في فلسطين من حرص على عمارة المسجد الأقصى والمرابطة فيه رغم التضييق والحصار، حماية وتحصينا له من اعتداءات الصهاينة المغتصبين حيث تنظم مسيرات وقوافل من أجل صلاة الفجر والاعتكاف والمرابطة، تقبل الله جهود المرابطين ورحم الله الشهداء، وفك أسر المأسورين، آمين يا رب العالمين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.