الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
الكلام في هذه الآية طويل ولكن اختصرته وجعلته في نقاط حتى يسهل عرضه وبيانه.
معاني الكلمات
▪️قوله : ( يمحوا ) من المحو وهو إذهاب أثر الشئ بعد وجوده .
▪️وقوله : ( ويثبت ) من الإِثبات وهو جعل الشئ ثابتا قارا فى مكان ما .
▪️اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، وهو الكتاب المبين، وهو كتاب الأقدار.
▪️قال الله تعالى:{ بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} (البروج: 21-22)، وقال تعالى: {إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب} (الزخرف: 3-4)، وقال تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب} (لحج: 70) وقال تعالى{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} (لحديد: 22).
▪️وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين – الطويل – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض”.
▪️قال الحافظ ابن حجر أن المراد بالذكر هنا: هو اللوح المحفوظ.
من إعجاز كتابة حروف القرآن
- كتابة حرف الواو:
(أ): حذف الواو:
تحذف الواو لترمز إلى السرعة في حصول الشيء وتحققه ومجيئه..، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً}الإسراء11 فقد حذفت الواو هنا لترمز إلى عجلة الإنسان في طلبه الأمور التي تضره.
▪️وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الشورى24 فقد حذفت الواو هنا لترمز إلى سرعة محو الله للباطل.
(ب):زيادة الواو:
أما زيادة الواو فترمز إلى المبالغة في الشيء وأن هذا الفعل الذي زيدت فيه الواو يكون أكثر من المعتاد وتجاوز الحد، وفيه مزيد من الاهتمام، مثل قوله تعالى: {أَوَ مَن يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}الزخرف18.
▪️وقد أثبت هنا (الواو) في كلمة “يمحو” ليرمز إلى أن هذا المحو طويل الأمد، وليس محوا سريعا كما في محو الباطل، إنما هو محو واثبات ومتكرر على مدار التاريخ إلى يوم القيامة، حيث يكون محوا بالحق وإثباتا بالحق.. لكن عندما تحدث عن محو الباطل رمز إلى محوه بحذف الواو، ليدل على انه محو يتم على نحو سريع.
من مقال لنافذ الشاعر منشور بتاريخ 2014 / 2 / 22 دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
س: هل يتغير ما كتب من قدر العبد ، سواء كان في اللوح المحفوظ، أم في صحف الملائكة ؟ وهل هو عام في كل شيء، أم يستثنى منه الحياة والموت والسعادة والشقاوة ؟
ج:هذه المسألة ذكرها الإمام الطبري في “تفسيره” (13/564) ، واستقصى فيها أقوال السلف :
- فمنهم من يرى : أن ما كتب لا يتغير مطلقا .
- ومنهم من يرى : أن ما يتغير هو ما في أيدي الملائكة ، دون ما كان في اللوح المحفوظ .
- ومنهم من يرى : أنه قد يغير الله المكتوب ، سوى الحياة والموت والسعادة والشقاوة .
- ومنهم من يرى : أنه لا مانع من أن يغير الله القدر المكتوب مطلقا ، وهذا ينقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، واستظهره القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (9/329) .
س : هل ما في اللوح المحفوظ ثابت أم يتغير ؟
اختلف العلماء في ذلك وأكثرهم على أنه ثابت لا يتغير
فالكتابة نوعان :
نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ .
ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ ، وهو أحد معاني قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد / 39 .
▪️جاء في (فتح الباري) للحافظ ابن حجر: المحو والإثبات بالنسبة لما في علم المَلَك(الملائكة )، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق اهـ.
▪️ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق ، أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .
▪️قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (14/490) :” وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ: أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لِلْعَبْدِ أَجَلًا فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ ، فَإِذَا وَصَلَ رَحِمَهُ ، زَادَ فِي ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ ، وَإِنْ عَمِلَ مَا يُوجِبُ النَّقْصَ ، نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ .
س: هل يرد الدعاء القضاء؟
بما أن الله كتب كل شيئ في اللوح المحفوظ فهل يرد الدعاء من ذلك شيئ؟
ج: القضاء نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير.
وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما.
▪️وهو المراد بقوله تعالى: (لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)[الرعد:38-39] وهو معنى حديث الترمذي “لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.”
فلا بأس أن يدعو المرء برد القضاء.
وأيضا ورد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء” رواه الحاكم.
▪️روى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة”.
▪️قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجه : قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. اهـ.
▪️وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر.
جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها).
س: إذا كان كل شيئ مقدر و مكتوب فهل نحاسب عليه؟
ج: الإنسان يحاسب على فعله، لأنه يفعله باختياره، فيمكنه فعل الخير كما يمكنه فعل الشر، وليس له أن يحتج بأنه مكتوب عليه كذا؛ لأنه لا يعلم بالمكتوب إلا بعد وقوعه، ولا يعلم نهاية الأمر، فقد يكون مكتوبا أنه بعد وقوع المعصية مثلا يدعو ويستغفر فيتوب الله عليه ، ويستقيم ويصلح، وهكذا، ولهذا لما سأل الصحابة رضي الله عنهم : “أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟”
أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ) رواه البخاري (4949) ومسلم (2647).
والله تعالى أعلى وأعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .