منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

واجب المواساة وتطبيب القلوب

الشيخ بن سالم باهشام

0

مقدمة

سيكون حديثنا في هذا المحور الذي هو تحت عنوان: “واجب المواساة وتطبيب القلوب”، عن ربط رمضان بالأشهر الحرم عموما، وبالعشر الأوائل من ذي الحجة والأضحية خصوصا، وعن إزالة الشبهة عن مسألة أساسية تتعلق بالأضحية والمواساة وتطبيب القلوب.

1 – كيف نربط بين رمضان والأشهر الحرم التي عظمها الله؟

قال تعالى في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 183، 184]، فالمسلمون جمعاء دخلوا طيلة شهر رمضان في دورة تكوينية ربانية، ليكونوا من المتقين، وختموا صيامهم بزكاة الفطر الواجبة، والتي هي زكاة للأبدان، وطهرة للصائم، ومواساة للفقراء والمساكين، لتشمل الفرحة جميع أهل البلد أغنياء وفقراء، والتقوى هي أن يجدك الله حيث أمرك، ويفقدك حيث نهاك، وكلما كان العبد لربه أتقى، كان لشعائره أكثر تعظيمًا، كما قال تعالى في سورة الحج: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب)[الحج:32].

ومن تعظيم شعائر الله، تعظيم الأشهر الحرم التي عرّفها الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، حين قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان). (البخاري في صحيحه، رقم:[ 3197])، وخص سبحانه وتعالى بالتعظيم ضمن هذه الأشهر الحرم، العشر الأوائل من ذي الحجة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِي – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لاَ يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيء)،

ومن  صور التعظيم الاجتهاد فيها بفعل أنواع المعروف وأبواب الخير، وليتخيَّر العبد أعظمها، فإنها أكثر من الأوقات، ولا يسعه فعلها كلَّها، فليكن من أولوياتها أولاه بالأجر العظيم، وخصوصا ما يتعلق  بجبر الخواطر، وتطبيب القلوب، وإدخال الفرحة والسرور على الفقراء والمساكين، ليزداد عظمة بهذه المضاعفة.

وقد جعل الله تعالى الحِرمة والمضاعفة خاصة بأربعة أشهر فقط، ليستطيع المسلم شدَّ إزاره، والاجتهادَ فيها أكثر ما يستطيع، ثم ليكون ذلك دربةً له في باقي الأشهر المخففة، وهكذا إذا اتقى العبد اللهَ تعالى وجاهد نفسه؛ وَجَد نفسه في سائر الشهور متقيًا محترسا متيقظًا، قد صار له ذلك عادة وسجيَّة، وحتى يعم فرح أيام العيد على جميع أفراد المسلمين،  كما تم في عيد الفطر بالمواساة بزكاة الفطر الواجبة، لهذا لابد من عدم التباهي في الأضاحي ونسيان الفقراء، فإذا كان الشرع الحنيف قد رغب في التصدق ببعض الأضحية على الفقراء والمساكين حتى تعم الفرحة الجميع، فإن الظروف اليوم قد تغيرت عن زمن الصحابة رضي الله عنهم، مما يقتضي وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان، إذ أن الظروف اليوم لا تتيح لذلك الفقير صاحب العيال أن ينتظر حتى يذبح من له القدرة على شراء الأضحية فيتصدق منها عليه، بل تجده يبيع الضروري من أثاث بيته حتى يسرع بإرضاء أبنائه وزوجته الذين ينتظرون هذه اللحظة للتمتع باللحم والفرح بالعيد، كما يتمتع به غيرهم طيلة السنة، لهذا يقتضي فقه الواقع عدم المبالغة في شراء الأضحية، والتصدق ببعض المال قبل عيد الأضحى على المحتاجين من أهل الحي أو ممن مع الفرد في حقل الدعوة من المحتاجين، ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا.

2 – كيف نرفع الالتباس عن شبهة الأضحية والتصدق بثمنها في إطار المواساة وتطبيب القلوب؟

في إطار تعظيم شعائر الله بشراء الأضحية أولا، ومواساة الفقراء والمساكين ثانيا، يطرح سؤال أيهما أفضل، شراء أضحية وذبحها، أم الاكتفاء بتوزيع مبلغها على الفقراء؟

لقد انتشرت في هذه الآونة الأخيرة طرح مثل هذه الأسئلة، فلنكن على حذر، كقول بعض الناس: اتركوا الطواف حول الكعبة وطوفوا حول الفقراء، وقول آخرين: التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها، وقول غيرهم: لقمة في فم جائع، أفضل من بناء ألف جامع… وغيرها من التساؤلات التي ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبلها المكر والخديعة وطمس شعائر الإسلام، فهذه الكلمات، سواء يعلم هؤلاء خطورتها أو لا يعلمون، فإن الغرض منها أصلا هو تزهيد المسلمين في الشعائر الإسلامية الظاهرة، والتي يظهر بها الإسلام، ويتميز بها المسلمون عن غيرهم، كما يروج لهذه الأقوال من يجهل حقيقةَ الدين وأحكامَه الحكيمة، وترتيبَ الأولويات، فالفقراء موجودون في كل زمان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا، ولم يقل أحد مثل هذا الكلام، ولماذا هؤلاء جعلوا المقارنات فقط بين هذه الشعائر التي لا يستغنى ببعضها عن الآخر، العمرة والأضحية وبناء المساجد وشعائر الإسلام التي أُمرنا بتعظيمها وبين الفقراء؟ ولم لا يقولوا: لا تشتر لحما مرتين في الأسبوع، واشتر مرة واحدة بالشهر، وتصدقوا على الفقراء؟ لماذا لم يقولوا: لا تدخنوا السجائر، وادفعوا ثمنها للفقراء؟ لماذا لم يقولوا: اتركوا قاعات الأفراح الباهظة وطوفوا حول الفقراء؟ لماذا لم يقولوا: اتركوا المصايف أوقات العطل وطوفوا حول الفقراء؟ لماذا لم يقولوا: لا تنفقوا الأموال في الترف والغناء والأفلام والمسلسلات والمباريات، وطوفوا بهذه الأموال الطائلة حول الفقراء؟، لهؤلاء الذين ينصب تركيزهم على شعائر الإسلام التي أمرنا الله تعالى بتعظيمها.

نقول: اتركوا لنا شعائرنا نعظمها ونتمتع بها، واعلموا أنه لا مجال للمقارنة بين عبادتين كلتاهما ذات فضل، وكأنه يشار للناس أن يتركوا كل شيء ويهتموا بعبادة واحدة، إن هذه الأسئلة قد تدبر بالليل ممن يكيدون لهذا الدين، ثم تخرج بالنهار للمسلمين، فيتلقفها السذج منهم فينخدعون بظاهر العبارة ورونقها، ولا يعلمون ما وراءها من عوامل هدم شعائر الإسلام الظاهرة والخفية، ثم إن أكثر من يردد مثل هذه العبارات غالبا ما تجده لا يطوف حول الكعبة ولا حول الفقراء.

وخلاصة القول: إن في الأضحية أجر عظيم، وهي شعيرة من شعائر الدين يجب تعظيمها، فلنحافظ عليها حتى من قبل الذين يمنع عليهم أكل اللحم أصلا، يشترون الأضحية، دون مبالغة في ثمنها، ويوزعونها على الفقراء والمساكين، فقد روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا). ودون الاقتراض بالربا المحرم لشرائها، ودون نسيان للذين ليس لهم القدرة على شرائها، بالتبرع بالمال في حدود المستطاع، والتعاون على نشر الفرح بين أفراد الأحياء، كعربون على نجاحهم في دورة التقوى الرمضانية التي تجعلهم يعظمون شعائر الله، بإعانة المحتاجين وتطبيب قلوبهم، وإدخال الفرح عليهم، وشراء الأضحية والتجرد من الرياء والافتخار بها على الغير، وابتغاء وجه الله دون مبالغة في ثمنها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.