آداب قضاء الحاجة وسنن الفطرة
د. محمد جعواني
آداب قضاء الحاجة:
قضاء الحاجة هو كِناية عن خروجِ البَول والغائط، وقد يُعبَّر عنه بالاسْتِطابة، أو التخلِّي، أو التبرُّز، وكلها عباراتٌ صحيحة.
ومن آدابه ما يلي:
‑ الاستِتَار والبُعْدُ عن الأنظار، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البَراز انطلق حتى لا يراه أحد”[1].
‑ لا يُستصْحَب ما فيه ذِكرُ الله، ولا يُتَكلّم إلا لحاجة.
‑ تَرْك استقبال القبلة أو استدبارها. لقول رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -: “إذا جَلَس أحدُكم لحاجتِه، فلا يستقبلِ القِبْلةَ ولا يَستدبِرْها”[2].
‑ تجنّب طريق الناس وظِلّهم، قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-“اتَّقوا الملاعِنَ الثلاثة: البَرَاز في الموارِد، وقارِعَةِ الطريق، والظِّل”[3].
‑ دخول الخلاء باليُسرى، وقول بسمِ الله، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الخُبُثِ والخبائث“[4]. و الخروج باليمنى مع قول “غُفرانك”.
‑ ترك التبوّل في الماء الرّاكد أو في المُسْتَحَمّ دَفْعًا للوَسواس. فقد “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الرَّاكِد”[5].
‑ جواز التبول قاعدا وقائما، والقعود أفضل لورود السُنّة به.
‑ الاستجمار والاستنجاء: والاستجمار هو المسح بمزيل طاهر، يابس، منق، غير مؤذ، ولا محترم، ويُسَنُّ أن يكون وِتْرا ثلاثا فأكثر. ويُشترَطُ لجَواز الاستجمار أن لا تنتشر النجاسة عن محَلّ الخروج انتشارا كثيرا. قال ابن عاشر رحمه الله:
وجاز الاستجمارُ من بَولِ الذَّكَر كغائطٍ لا ما كثيـرا انتشَـر
أما الاستنجاء: فهو الغسل بالماء الطهور. والجمع بينهما أفضل، وإن اقتصر على أحدهما فالاستنجاء أفضل. وقد نزَلَ قولُ الله تعالى:( فيهِ رجالٌ يُحبّون أن يتطهّرُوا واللهُ يُحبُّ المُطّهّرين( [6] يَمدحُ ويُثني على أهلِ قُباء لأنهم كانوا يستنجُون بالماء.
وينبغي استعمال اليد اليسرى للتطهر في الاستنجاء أو الاستجمار. كما ينبغي أن يحرصَ المؤمن على الاستبراء بالاطمئنان حتى ينقطع البول والغائط ويُنقي محلّ الأذى، لتَصِحّ عِباداتُه، ويَسْلَمَ من الوعيد الوارد في حديث المُعذّبَين في قبرهما.[7]
سنن الفطرة
سُنَنُ الفِطرة أو خِصالُ الفطرة هي خِلالٌ حميدة، وأخلاق رفيعة وعادات حسنة سَنّها الله لعباده، لأنها منسجمة مع خِلقتهم ومتلائمة مع جِبِلّتهم وبها يجمُلُ مَظهَرُ المؤمن وتحسُنُ هَيئتُه.
وقد ورد كثير منها في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك قولُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: خَمْسٌ مِن الفطرة: الاستِحْداد، والخِتان وقَصُّ الشارب، ونتْفُ الإِبْط، وتقليمُ الأظافِر”[8].
وفي رواية أخرى: “ عَشْرٌ مِن الفِطرة: قصُّ الشارب، وإعفاءُ اللِّحْية والسِّواك، واستِنشاقُ الماء، وقصُّ الأظافِر، وغَسْلُ البَراجِم، ونَتْفُ الإِبْط وحَلْقُ العانة وانتقاصُ الماء – يعني: الاستنجاء – قال مُصعَب راوي الحديث: ونَسيتُ العاشرةَ إلا أن تكونَ المضْمَضمة[9].
وتفصيل تلك الخصال كالتالي:
- قَصُّ الشّارب:
وردَتْ أحاديثُ بحَفّ الشارب، كما وردت أحاديث أخرى بقَصِّه وأخرى بجَزِّه، وكلّها تفيد تقصيرَه، فقد قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-“مَن لم يأخُذْ مِن شارِبِه، فليس منَّا”[10].
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: “جُزُّوا الشواربَ، وأرْخُوا اللِّحَى، خالفوا المَجُوس”[11].
قال النوويُّ رحمه الله: “المختارُ أنَّه يُقصُّ حتى يبدوَ طرفُ الشَّفَة، ولا يُحفِيه مِن أصْله، قال: وأمَّا رواية: “أحْفُوا الشوارِب”، فمعناها: أحْفُوا ما طالَ عن الشفتَيْن“[12]. وقد كان لسيدنا عمر رضي الله عنه سِبالان[13] وكان إذا كرَبَهُ أمْرٌ نفَخَ وفَتَل شارِبَه.
- إعفاء اللّحْية:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أحفوا الشوارِب، وأَعفوا اللِّحَى”[14]. فإعفاءُ اللحية واجب لورود الأمرِ بإطلاقها بعبارات مختلِفة (أعْفوا، أوْفوا، أرْخوا)، والأمر يُفيد الوجوبَ إلا لقرينة تنقله إلى الاستحباب، ولم توجد.
- السّواك:
وهو مِن السُّنن المؤكَّدة لما ثبت أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “لولا أَنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهُم بالسِّواكِ عندَ كلِّ صَلاة”[15] وفي رواية: “مع كلِّ وضوء”[16].
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “السِّواك مَطْهَرَةٌ للفمِ، مَرْضاةٌ للرَّبِّ”[17].
ويَستاك العبد بعُود الأراك لما فيه من الاتباع للسنة والفوائد الصحية، وإن لم يجد فبكُلّ مزيل كالإصبع، والفرشاة، ونحو ذلك.
والسواك مستحب “عندما يَحصُل تَغيّر”، واختلف الفقهاء في السواك للصائم بعد منتصف النهار، فقال قوم بالكراهة، لأن “ذلك التّغيير مراد لأنه أثر عبادة فلا يُزال”، وقال آخرون: لا كراهة، لأن القصد من الثّناء على “خُلُوفِ فَمِ الصائم” هو بيان فضل الصوم ومنزلته في الإسلام.
- المضمضة والاستنشاق:
وسيأتي بيانُ أحكامهِما في أبوابِ الوضوء.
- تقليمُ الأظافر:
قصُّ الأظافر وتقليمُها وقَطْعها، وسواء في ذلك أظافر اليدين والرِّجلين وهو سُنَّة بالاتّفاق، ويستوي في ذلك الرَّجُل والمرأة.
- نتْف الإبْط:
وهو سُنَّةٌ بالاتِّفاق؛ قال النوويُّ رحمه الله: “والأفْضَل فيه النَّتْفُ إنْ قوِيَ عليه، ويحصُل أيضًا بالحَلْق”[18].
- حَلْقُ العانَة:
ويُقال له الاستِحْداد، وهو سُنَّةٌ بالاتِّفاق، والمقصود بالعانة: الشَّعْر الذي فوق ذَكَر الرَّجُل وحَوَاليه، وكذا الشَّعر الذي حوالَي فرْج المرأة، وسواء في ذلك البِكْر والثيِّب، والسُّنَّة فيه: الحلْق، ويحصل المراد بغيره كالقصّ.
- غَسْل البرَاجم:
البَراجم: جمع بُرْجُمَةٍ، وهي عُقَد الأصابع ومعاطِفُها، أي: التّجاعيد التي تظهر في ظهر الأصابع، وهي موضعٌ تتجمع فيه الأتْرِبة وغيرها، وغَسْلُها سُنَّة، وقد ألحق العلماء بالبراجم ما يجتمِع مِن الوَسخِ في معاطِف الأُذن وقَعْرِ الصِّماخ، ويُكتفى بمسحه بالأصابع المبلولة بالماء بَلاًّ خفيفا[19].
- الاستنجاء:
وقد سبَق الكلامُ عليه بالتفصيل في آداب قضاء الحاجة.
- الخِتان:
ويقصد به قطْع الجِلْدة المستديرة التي على الحشَفَة – وهي رأس الذّكَر – ويُقال لها: القلفة[20]. هذا بالنسبة للرِّجال، وأمَّا بالنسبة للمرأة فيُقطْع أدْنَى جزءٍ مِن الجِلْدة المستعلية فوق الفرْج والتي تشبه عُرْف الدِّيك، على ألاّ تُنْهَك، ويسمى كذلك “الخِفاض“[21]، لحديث أُمِّ عَطيةَ الأنصاريَّة رضي الله عنها أنّ امرأةً كانت خاتنةً بالمدينة، فقال لها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا خَفضْتِ فأشمِّي ولا تَنهَكي، فإنَّه أسْرَى للوجهِ، وأحْظَى عندَ الزَّوْج”[22]
[1] رواه أبو داود.
[2] رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
[3] رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وهو حديث حسن بشواهده.
[4] رواه البخاري ومسلم. والخُبُث ‑ بضم الخاء والباء ‑ هم ذُكور الشياطين، والخبائث: إناثهم. وتُنطَق أيضًا: الخُبْث‑ بسكون الباء‑ بمعنى: الشَّر، ويكون معنى الخبائث: النفوس الشِّريرة.
[5] رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
[6] سورة التوبة، الآية:108
[7] سبق تخريجه.
[8] رواه البخاري ومسلم.
[9] رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود.
[10] حديث صحيح، رواه أحمد والنسائي والترمذي.
[11] رواه مسلم وأحمد.
[12] شرح مسلم للنووي 3/149
[13] السبالان هما طرَفا الشارب.
[14] رواه مسلم.
[15] رواه البخاري ومسلم.
[16] حديث صحيح، رواه مالك وأحمد وابن أبي شيبة.
[17] رواه البخاري تعليقا، ورواه أحمد والنسائي وإسناده حسن.
[18] شرح صحيح مسلم 3/149
[19] انظر: نيل الأوطار للشوكاني 1/136
[20] اختلف الفقهاء في حكم الختان، فقال الشافعية والحنابلة بوجوبه في حَقّ الذكور والإناث، وقال المالكية والحنفية هو سُنّة للرجال ومَكْرُمَة للنساء.
[21] المعتبر في ختان الإناث هو رأي الطبيبة التي ستجري عملية الختان.
[22] حديث حسن لغيره، رواه أبو داود وله طرق وشواهد.