منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

جهود المنار في بيان سنة الله في إهلاك الأمم “يتبع” (13) سلسلة سنن في إهلاك الأمم

الدكتور رمضان خميس

0

جهود المنار في بيان سنة الله في إهلاك الأمم “يتبع” (13)

سلسلة سنن في إهلاك الأمم

بقلم: الدكتور رمضان خميس

ولصاحب المنار اختيار بديع وربط موضوعي رائق في بيان معنى المتقين والصالحين في قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)، وقوله تعالى: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).

حين يبين أثر الملك في بقاء الأمم وفنائها، وأن الملك إذا كان قويا في الخير كان سببا في سعادة أمته وبقائها، وإن كان قويا في الشر كان سببا في هلاكها وفنائها بأنه: (إذا أراد الله إسعاد أمة جعل ملكها مقويا لما فيها من الاستعداد للخير، حتّى يغلب خيرها على شرها، فتكون سعيدة، وإذا أراد إهلاك أمة جعل ملكها مقويا لدواعي الشر فيها حتى يتغلب شرها على خيرها، فتكون شقية ذليلة، فتعدوا عليها أمة قوية، فلا تزال تنقصها من أطرافها، وتفتات عليها في أمورها، أو تناجزها الحرب حتى تزيل سلطانها من الأرض، يريد الله تعالى ذلك فيكون بمقتضى سننه في نظام الاجتماع، فهو يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء بعدل وحكمة، لا بظلم ولا عبث؛ ولذلك قال: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) وقال: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) فالمتقون في هذا المقام -مقام استعمار الأرض والسيادة في الممالك – هم الذين يتقون أسباب خراب البلاد وضعف الأمم، وهي الظلم في الحكام، والجهل وفساد الأخلاق في الدولة والأمة، وما يتبع ذلك من التفرق والتنازع والتخاذل، والصالحون في هذا المقام الذين يصلحون لاستعمار الأرض وسياسة الأمم بحسب استعدادها الاجتماعي.

وفي بيان سنن الله تعالى في إرث الأرض وهلاك الأمم وتكوينها وأثر الجمع بين آيات الكتاب العزيز في إظهار ذلك وبيانه، يذكر صاحب المنار عن شيخه وعيه هذه القضية، واعتناءه بها بقوله: (وكان الأستاذ الإمام أوجز في الدرس بتفسير قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء) إذ جاء في آخره، وقد كتبت في مذكرتي عنه (رأي: أنه سنة في تهيئة من يشاء للملك) ومثل هذا الإجمال لا يعقله إلا من جمع بين الآيات الكثيرة في إرث الأرض وفي هلاك الأمم وتكونها، والآيات الواردة في أن له تعالى في البشر سننا لا تتبدل ولا تتحول وقد ذكرنا بعضها، ومنها قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فحالة الأمم في صفات أنفسها – وهي عقائدها ومعارفها وأخلاقها وعاداتها – هي الأصل في تغير ما بها من سيادة أو عبودية وثروة أو فقر، وقوة أو ضعف، وهي هي التي تمكن الظالم من إهلاكها، والغرض من هذا البيان أن تعلم أنه لا يصح لنا الاعتذار بمشيئة الله عن التقصير في إصلاح شئوننا اتكالا على ملوكنا؛ فإن مشيئته تعالى لا تتعلق بإبطال سننه تعالى وحكمته في نظام خلقه، ولا دليل في الكتاب والسنة ولا العقل ولا في الوجود على أن تصرف الملوك في الأمم هو بقوة إلهية خارقة للعادة، بل شريعة الله تعالى وخليفته شاهدان بعد ذلك فاعتبروا يا أولي الأبصار).

وكما هو بين من كلام صاحب المنار أنه لا يجوز لأمة أن تعتذر عن تقصيرها بالمشيئة الإلهية، فلا تعارض بين سنن الله تعالى في الحياة والأحياء وبين مشيئته فيهما، وأن المؤثر الأهم في تغيير الأمم وتبديل ما ها هو حالة الأمم نفسها وصفاتها النفسية التي تتغير فيتغير ما حولها.

ويبين أثر البذل والعطاء على مستوى الأمة في بقائها واستمرارها، وأثر البخل ومنع الحق في هلاكها وضياع أفرادها بــ (أن أمة يؤدي أغنيائها ما فرض الله عليهم لفقرائها ولمصالحها العامة لا تهلك ولا تخزى، ولا شيء أسرع في إهلاك الأمة من فشو البخل ومنع الحق في أفرادها.)

من كتاب سنن الله في إهلاك الأمم دراسة في تفسير المنار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.