منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

جهود المنار في بيان سنة الله في إهلاك الأمم”تابع” (11) سلسلة سنن في إهلاك الأمم

الدكتور رمضان خميس

0

جهود المنار في بيان سنة الله في إهلاك الأمم”تابع”  (11)

سلسلة سنن في إهلاك الأمم

بقلم: الدكتور رمضان خميس

وإذا قلبنا صفحات التفسير لدى صاحب المنار لنجدن اهتماما بالغا بسنة الله تعالى في إهلاك الأمم، بيانا لأسبابها، ووقوفا عندها، وإرشادا إليها، وتبصيرا للأمة بما يجب عليها نحو هذه السنة الماضية التي لا تتخلف ولا تتبدل ومن ذلك ما يلي:

بيانه لبعض مرادفات الإهلاك للأمم، فيذكر عند تناوله لقوله تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) أن معنى اللعن هنا: الإهلاك، ويؤكد ذلك بنقله عن شيخه الأستاذ الإمام فيقول: وقال الأستاذ الإمام: ورد في أهل السبت أن الله أهلكهم، فمعنى اللعنة هنا الإهلاك بقرينة التشبيه وبه صرح أبو مسلم، ويحتمل أن يكون معنى اللعن هنا عذاب الآخرة، والمعنى: آمنوا قبل أن تقعوا في إحدى الهاويتين:

-الخيبة والخذلان، وفساد الأمر وذهاب العزة باستيلاء المؤمنين عليكم، وقد كان ذلك في طائفة منهم أجلوا من ديارهم وخذلوا في كل أمرهم.

-أو الهلاك وقد وقع بقتل طائفة أخرى وهلاكها وكان أمر الله مفعولا أي: واقعا، أي: شأنه أن يُفعل حتما، والمراد هنا أمر التكوين المعبر منه بقوله عز وجل: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).

فهو هنا يري: أن الإهلاك قد يكون في الدنيا، وعليه تنطبق سنة الله -تعالى- في إهلاك الأمم، أو في الآخرة، ففي الدنيا يكون بفقد استقلالهم واستيلاء المؤمنين عليهم، أو بإهلاكهم حقيقة، وقد أيد الواقع والتاريخ سنة الله تعالى هذه فيمن عاند وأنكر حقية رسالة الرسول من اليهود.

وفي تفسيره لآية النساء: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )، يبين أثر توسيد الأمر إلى غير أهله، ويضعه عنوانا لبيان أثره في إهلاك الأمم، ويبين أن المراد بالساعة هنا نهاية الأمة كما يقال دنت ساعة فلان أي دنا موته ونهايته، ويبين أثر ذلك في هلاك الأمم بقوله: (أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة المرفوع إلى النبي ﷺ: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة) وتقدم في تفسير الآية السابقة أن الأستاذ الإمام، قال: إن المراد بالساعة في هذا الحديث ساعة الأمة التي تقوم فيها قيامتها أي: تدول دولتها على حد: من مات فقد قامت قيامته، وفي “إحياء علوم الدين”: أن القيامة قيامتان القيامة الصغرى وهي قيامة أفراد الناس بالموت، والقيامة الكبرى وهي قيامتهم كلهم بانتهاء هذا العالم والدخول في عالم الآخرة، وقد يقال: إن قيامة الجماعات كقيامة الأفراد، والتجوز بالساعة: في المقام أقرب إلى اللغة من التجوز بلفظ القيامة ، فإن القيامة من القيام، وهي: (يوم يقوم الناس لرب العالمين)، وأما الوقت المعين مطلقا، ولا يزال الناطقون بالعربية يقولون: جاءت ساعة فلان، أو جاء وقته، والقرينة تعين المراد بذلك الوقت وتلك الساعة).
ويستدل على وجهة نظره برأي الراغب الأصفهاني في تقسيم الساعة إلى كبرى ووسطى وصغرى (وإن خروج أمر الناس من يد أهله -القادرين على القيام به كما يجب- سبب لفساد أمرهم ومُدْن للساعة التي يهلكون فيها بالظلم، أو بخُرُج الأمر من أيديهم، ثم راجعت مفردات الراغب فرأيت له في تفسير الساعات تقسيما ثلاثيا: الساعة الكبرى بعث الناس للحساب، والوسطى موت أهل القرن الواحد، والصغرى متت الإنسان الواحد، وحمل على الأخير بعض الآيات).

ثم يربط هذا البلاء بعدم العلم المؤدي إلى عدم الاختيار: (توسيد الأمة الإسلامية أمرها إلى غير أهله لا يمكن أن يكون باختيارها، عالمة بحقوقها قادرة على جعلها حيث جعلها كتاب الله تعالى، وإنما يسلبها المتغلبون هذا الحل بجهلها وعصبيتهم التي يعلو نفوذها نفوذ أولي الأمر، حتى لا يجرؤ أحد منهم على أمر ولا نهي، أو يعرض نفسه للسجن أو النفي أو القتل.

ويبين أن الواقع المعيش المسلمين يؤكد هذا الرأي وتلك الوجهة: (هذا ما كان وهذا هو سبب سقوط تلك الممالك الواسعة، وذهاب تلك الدول العظيمة ووقوع ما بقي في أيدي المسلمين تحت وصاية الدول العزيزة، التي لم تعتز وتقو إلا يجعل أمرها بيد الأُمة، وتوسيد هذا الأمر إلى أهله، وهو هو الذي تركة المسلمون من إرشاد دينهم، وما تيسر لهم ترك أصول الشوري وتقديس الملوك والأمراء المستبدين إلا في الزمن الطويل بعد أن حجبوا الأمة عن كتاب ربها وسنة نبيها فجهلت حقوقها، ثم أفسدوا عليها بعض أولي الأمر منها، وأسقطوا قيمة الآخرين بضروب من المكايد الدينية والدنيوية)).

*من كتاب سنن الله في إهلاك الأمم دراسة في تفسير المنار*

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.