منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المعرفة حاجة إنسانية (1) تبسيط المعرفة

عبد الصمد الخزروني

0

المعرفة حاجة إنسانية (1) تبسيط المعرفة

إعداد: عبد الصمد الخزروني

تقديم

تبسيط المعرفة حلقات نقدمها للقارئ والقارئة في مجال المعرفة والفهم، نتمنى أن تكون مفيدة وممتعة، وترقى إلى مستوى تطلعاتهم.

لماذا تبسيط المعرفة؟ وما معنى المعرفة؟ وما الفرق بين المعرفة وبين الفهم والعلم والثقافة؟ وما هي مصادر أو طرق المعرفة؟ وما هي الأدوات المساعدة عليها؟ وماذا عليّ أن أعرف قبل كل شيء؟

هذه الأسئلة وغيرها هي الإطار، وهي التي سنحاول من خلال هذه السطور في حلقات أن نجيب عنها إن شاء الله تعالى.

مقصود العنوان

في البداية دعونا نقوم بوقفة مع العنوان: تبسيط المعرفة. إن التحدي الكبير اليوم أمام المعرفة هو الكيفية التي يمكن للمُتحدث بها أمام الناس والمخاطِب بها في المناسبات ومن على المنابر، هل يستطيع أن يبسطها بالشكل المطلوب حتى تُفهم عنه بدل التعقيد و”الأستاذية”. والتحدي الأكبر بعد التبسيط هو الكيفية التي يجعل هذه المعرفة المبسطة قابلة للتطبيق والإجرائية، ولا تبقى في دائرة النظر والتجريد، فيذكر الطرق والوسائل المعينة على ذلك.

أما المعرفة فهي العلم بالشيء، أو هي مجموعة من المعارف (أسماء للإنسان، للحيوان، للأشياء…)، ومن الأفكار (أفكار عن الحياة سعيدة/شقية/جميلة، عن الدنيا فانية/قصيرة/فاتنة، عن الآخرة خالدة/حساب/جنة ونار، عن الإنسان مخلوق/مكرم/حرّ…)، ومن المعلومات (الأرض كرة، المغرب في شمال افريقيا، السنة من اثني عشر شهرا، النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء…)، ومن التجارب (النار تحرق، الثلج بارد، السكين يقطع، السّم يقتل…)، استقرت كلها في الذهن وتراكمت فيه عبر الزمن عن طريق الإدراك.

المعرفة والفهم والثقافة

إن الهدف من هذه الحلقات هو القيام بخطوات حثيثة نحو الفهم، أو هو الانتقال من المعرفة العامية التي اكتسبت بالتقليد والتلقائية إلى المعرفة العلمية. لأن المعرفة شيء والفهم شيء آخر. فإذا اعتبرنا أن المعرفة يأجورا، فإنه بوَحده لا يصلح للسكن، فإذا صار بناءً تاما صالحا للسكن فذلك هو الفهم. أما إذا صار تصميمُ هذا البناء مُعتمَدا من طرف جميع الناس يبنون به مساكنهم، سُمي ذلك علما أو معرفة علمية.

نأخذ مثالا على ذلك سورة العصر، إن كنت تحفظها على ظهر قلبك، فأنت عرفت سورة العصر، وإن كنت تدرك معانيها بأن كل إنسان في خسران إلا من توفرت فيه شروط أربعة، فأنت تفهم سورة العصر. أما إن كنت تطبق ما جاء فيها من إيمان بالله وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر، فأنت عالم بسورة العصر، وإلا بقيت ثقافة ذهنية فقط.

فإذن المعرفة تبدأ عامية ثم تتطور وتترقى وتسمو حتى تصبح معرفة علمية. وإذا صارت المعرفة علما وجب العمل به. إذ لا قيمة لعلم لا يُعمل به. فكما يقول أهل العلم: العلم إمام العمل. وإلا بقي ثقافة ذهنية فقط. لأن المثقف له معرفة لكنها بقيت حبيس العقل ولم تُترجم إلى واقع عملي. ولذلك الطبقة المثقفة هي الغالبة والواسعة في المجتمع بينما الطبقة العالمة العاملة بعلمها هي القليلة. ذلك أنّ الأصعب في العملية ليس اكتساب العلم بل العمل به في الحياة الفردية والجماعية.

الكمال المعرفي 

فكما يعلم الجميع أن المعرفة اليوم صارت تيارا جارفا، منافذها ونوافذها ومداخلها كثيرة، هذا منفذ الواتساب، وهذه نافذة الفيس، وهذا مدخل اليوتيوب، وهكذا… فبعدما كان تحصيل المعرفة يتم بالبحث عنها عند أهلها وفي الكتب، أصبحت اليوم وبفضل وسائل الإعلام وتقنيات التواصل والاتصال تهجم على الإنسان هجوما شرسا من كل حدب وصوب. فتحولت بسبب هذا إلى خليط هجين من المعارف ومن المعلومات ومن الأفكار، تارة تكون سطحية لها قيمة معينة، وتارة تكون مجزأة لا يربطها رابط، لا تعدو أن تكون مُشتِّتة للعقل والفهم معا. مَثل ذلك كمن ينقب للبحث عن الماء داخل الأرض حتى يجد منبعه الصافي ومن يكتفي بالماء الذي يجمعه في حوض من المجاري. لا يستويان في الصفاء والطعم والطهارة.

إنّ الإنسان كما خلقه الله تعالى هو ذلك الكائن المعرفي والأخلاقي بامتياز، [وعلّم آدم الأسماء كلها]. في البداية يُولد صفحة بيضاء ثم مع مرور الزمن يكتسب المعرفة ويُطورها ويبنيها لتصبح فهما ثم علما قائما بذاته.  وهي تتفاوت بين الناس حسب الاستعداد والاجتهاد والإقبال على طلب العلم، [وقل ربي زدني علما]. المعرفة رحاب واسع جدا، تاريخ من التراكمات، إرث ثقيل وكبير وواسع. عمِل عليه أجيال من المفكرين والعلماء والفلاسفة. السابق فيهم يؤسس للاحق، أمة ترث أخرى. بما بدأت المعرفة بنقطة ثم تطورت حتى صارت بحرا زاخرا من العلوم والأصول والفروع والتخصصات والمذاهب والتصورات التي تجمعها كتب ومجلدات، وتضمّها مكتبات ومتاحف وخزانات.

المعرفة نشاط تفاعلي أو علاقة تفاعلية بين ذات عارفة وموضوع للمعرفة. بين الإنسان والكون. بين إنسان يريد أن يعرف وشيء مقصود للمعرفة. وأسمى ما في المعرفة أن تعرف الله تعالى، لأن معرفته هي المقصود من وجود الإنسان في هذا الكون. يقول الله تعالى: [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]. قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “ليعبدون” أي ليعرفون.

المعرفة حتى وإن كانت هي أول ما يحتاجه الإنسان وهو جديد على هذه الدنيا، حتى يُتقن فنّ تدبير عيشه وإدارة حياته، لكنها مادامت غير محدودة وأنها تتطور وتتجدد فإنها تبقى دائما هي ذلك الكمال الذي يسعى الإنسان إلى تحقيقه في مرحلة من مراحل حياته المعروفة بالوعي واليقظة. بمعنى أن يعرف كل شيء. إذا استحضرنا “هرم ماسلو” لحاجات الإنسان، نجد أن آخر ما يحتاجه الإنسان وهو يعيش مرحلة الذروة واليقظة والوعي في حياته هو الكمال المعرفي وإدراك الجمال. أو القيم المعرفية والقيم الجمالية.

إلى هنا تنتهي الحلقة الأولى، انتظرونا في الحلقة الثانية قريبا إن شاء الله عن “مصادر المعرفة”. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

والحمد لله رب العالمين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.