منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أَشَارَتْ إِلَىَّ بِأُصْبُعٍ(قصيدة)

أَشَارَتْ إِلَىَّ بِأُصْبُعٍ(قصيدة)/ الشاعر أبو علي الصُّبَيْح

0

أَشَارَتْ إِلَىَّ بِأُصْبُعٍ(قصيدة)

بقلم: الشاعر أبو علي الصُّبَيْح

قادت خُطايا ذاتَ يومٍ نازِلَهْ
حتى انْتَحَيتُ بِرُكْنِ مَلْهَى طاوِلَهْ

وَبَسَطتُ أَوْراقِي أُجَلِّي سِرَّها
والذِّكْرَياتُ بَدَتْ لعيني ماثِلَهْ

فإذا فتاةٌ تستبيحُ خَواطِرِي
راحَتْ تُرَاقِبُني بِعَيْنٍ ذابِلَهْ

فاستوقفتني (طفلَةٌ) أزْرَى بها
ظلُّ المكانِ وخُطْوَةٌ متثاقِلَهْ

عَبثاً أحاولُ أن يُفارِقَ وَجْهُها
وَجْهي وَمِثلِي قد تكونُ محاوِلَهْ

فأشرْتُ أدْعُوها لِطاوِلَتي وما
أرجو سِوَى ما قدْ تُبيحُ النَّادِلَهْ

إنِّي لأَعْرِفُها وأعْرِفُ سَمْتَها
وتمايَلَتْ نَحْوي بخَطْوٍ عاجِلَهْ

جاءَتْ وقد غَلَبَ الأسَى أَحْزَانَها
فَمَضَتْ تُحَاوِلُ أَنْ تَرُدَّ غَوَائِلَهْ

قالَتْ وفي فَمِها بَقايا بَسْمةٍ
مَدَّتْ رَطِيبَ الظِّلِّ عِنْدَ القائِلَهْ

خُذْنِي إليكَ فلو تَشاءُ لقُلْتها :
رُوِحِي بَعِيداً وَاترُكِيني سافِلَهْ

ثمَّ استفاضَتْ في بُكاءٍ قاتِلٍ
إني افتقدْتُكَ في فيافٍ قاحِلَهْ

واليأسُ أَلْقانِي بِقاعِ مَذَلَّةٍ
وَمَضَى إلى هَدْمِي يَمُدُّ مَعاوِلَهْ

وَبَنُو عُمُومَتِنا على آبارِهِمْ
رَصَدٌ يَرُدُّ نَهارَنا وَأَصائِلَهْ

كالعِيسِ تَحْملُ ماءَهُمْ عَطْشَى فما
جَدْواهُ منْ ماءٍ لأتْعَسِ زامِلَةْ

لا بُدَّ من ثَمَنٍ ولو مِنْ لَحْمِها
فالمالُ لا يُهْدَى لأُنْثى سائِلَهْ

فخَرَجْتُ وَهْىَ بِرفْقَتي متوجساً
لَمَّا انفرَدْنا خاطَبَتْني قائِلَةْ :

خُذني إليْكَ فأَنْتَ آخِرُ مَلْجَئٍ
آوي إلَيْهِ وَباتَ هَمِّي شاغِلَهْ

ماكُنْتُ بنْتَ السُّوءِ يَوْماً أَوْ تُرَى
منِّي بَغِيٌّ بَعْدُ لَمْ أَكُ خاملهْ

وتَفرَّسَتْ منِّي شُرُودَ خُوَاطِرِي
فَبَكَتْ وَقَالَتْ وَهى لَيْسَتْ هازِلَهْ

ياسَيِّدي لا تَزْدَرِينِي مِثلَهُمْ
لِمَ لا تُصَدِّقُ أنَّني منْ عائِلَهْ ؟

فَأَبِي الذي سَطَعَ البيانُ بنظمِهِ
والدَّهْرُ يَمْضِي يَسْتَضيءُ مَشاعِلَهْ

وهوَ الَّذي رَهِبَ العُداةُ سُيُوفَهُ
والأُمُّ كانتْ تَقْتَفِيهِ مُناضِلَهْ

كانت تُبارِكُنا النُّجومُ ظهيرةً
وَالآنَ أَمْسَتْ في سمائِي آفِلَهْ

وأَدُورُ في جَوْفِ الشَّوارعِ ضَلَّةً
وأجُوسُ في الميْدَانِ أَجْنِي باطِلَهْ

في مَرْكَباتِ القَوْمِ ألْفُ وِسادَةٍ
مُدَّتْ ويُغْرِقُني زحامُ الحافِلَهْ

هذا يمُدُّ إلىَّ كفَّاً عابثاً
أَوْ ذاكَ يَشْرِينِي وَيَبْغِي نائِلَهْ

وعيونُهُمْ حَوْلي أظافِرُ مُجْرِمٍ
نصَبَتْ لِخَطْوي أينَ رُحْتُ حبائلهْ

فارَقْتُ دَارِي فافْتُضِحْتُ ولمْ أَعُدْ
أخْشى من اللَّيلِ الغَشُومِ جَحافلِهْ

حتى انتَهيتُ إلى حَفِيرِ مَذَلَّةٍ
في قسْمَةٍ غَيِري يراها عادِلَهْ

وأنا أغافلُ مسْمَعَىَّ وأتَّقي
وَطَناً أُباعِدُ لا أنالُ مَنازِلَهْ

دُوُرٌ غَدَا حُرَّاسُها أَوْباشَها
وَبِغاشِياتِ الذُّلِّ أمْسَتْ آهِلَهْ

حُملت بجُنْحِ الليلِ ميرةُ أهلهِ
وَرَمى إلى سُوقِ الرَّقِيْقِ أرامِلَهْ

حتى إذا انتصفَ النَّهار وأقبَلَتْ
للْجُبِّ لم تلقَ البَشِيرَ القافِلَهْ

والرَّوضُ صَوَّحَ والنَّشيدُ بساحهِ
(بُومٌ) يُبارِي بالنَّعيب (بلابِلَهْ)

وأخي تولى والدُّموعُ تنوشُهُ
وَقَضَى وحِمْلُ العار يُثْقِلُ كاهِلَهْ

لكنَّما أَمَلِي يداعِبُ خاطري
زَمَناً وَيَأْبَى أَنْ يُفارِقَ آمِلَهْ

خُذني إليك ومُدَّ لي كفَّاً بها
طُهْرُ السَّحائبِ تحتويني باذِلَهْ

فَلَعلَّ ما عَلِقَتْ بثوبِ قَبِيلَتِي
منْ زَلَّتي في طُهْرِ ذاتِكَ زائِلَهْ

قدَّت قَمِيصاً كانَ يسْتُرُ عُرْيَها
ورَمَتْ إلىَّ بكفِّها مُتَخاذِلَهْ

وَبَكَتْ بُكاءَ المسْتَكِيِنَةِ أنْ تُرَى
مَقْتولَةً في ثَوْبِ أفْعَى قاتِلَهْ

ويَشُقُّ قَلْبِي أنْ يَسيلَ حياؤُها
وَنَشِيجُها يُدْمي كأُمٍّ ثاكِلَهْ

لَمْلَمْتُ ثوباً لا تَزالُ بقيَّةٌ
مِنْ نَسْجِهِ في صَدْرها مُتَقابِلَهْ

وَأجَبْتُها والصَّمتُ يَحْرقُ أضْلُعِي
والقلبُ تَحْتَدِمُ المواجعُ داخِلَهْ

والعارُ يعْتَصِرُ المَرَارَةَ فِي فَمِي
بأواخر راحتْ تُعيدُ أوائِلَهْ

إنِّي لأَعْرِفُ ما بِقَلْبِكِ من ضَنى
وَأَرَى عُيُونَكِ بالمآسي حافلِهْ

لا زِلْتُ سَيِّدتي أراكِ عفيفةً
فالقاعُ لا يَهَبُ السَّماءَ أراذِلَهْ
أنثى على درَجِ الكمال منيفةً
عينُ المذَمَّةِ عَنْ جَلالِكِ غافلهْ

إنِّي رأيْتُكِ فوق ما قالتْ بهِ
سُودُ الصَّحائِفِ والرِّقاعُ النَّاقلَهْ

وأَرَاكِ في الثَّوْبِ المُمَزَّقِ دُرَّةً
أصدافُها عُدَّت لأجلِكِ حامِلَهْ

تعلو على قاعِ الرَّذيلَة حُرَّةً
سادَتْ بها عَبْسٌ وعَزَّتْ باهِلَهْ

وَأَرَاكِ فَوقَ قَصَائِدِي وَمَشاعِري
إنِّي جُنِنتُ وأنْتِ وحْدَكِ عاقِلَهْ

باعَدْتِ ثُمَّ رجَعْتِ ما مِنْ غِلَّةٍ
في حَيِّهِمْ تُرجى وما مِنْ واصِلَهْ

والقومُ بينَ منافِقٍ ومُقامِرٍ
أوْ جاهِلٍ باعَ الزِّمامَ وجاهِلَهْ

أَتُرى الخَليِفَةُ ثَمَّ يَدْري بؤْسَنا ؟
لوْ كانَ يدري هلْ يُعاقِبُ عامِلَهْ ؟

من للمُضَيَّعَةِ الَّتي أودَى بها
منْ كُلِّ راميةِ السهامِ ونابِلَهْ ؟

يا بِنْتَ ذي يَزَنٍ ومأرِبُ حاجِزُ
والغيثُ كمْ شَـهِدَتْ ديارُكِ وابِلَهْ

في كُلِّ أطْرافِ البِلادِ مواكِبٌ
فَضَحَتْ خَفِىَّ نِفَاقِنا ومَسائِلَهْ

وأراكِ تنتحبينَ في جُرْحِ الأسَى
بالصِّدْقِ ما هَذي دُمُوعُ مُخاتِلَهْ

خَوفي وقدْ تَرَكُوا الحِمَى لِذِئابهمْ
أنْ يَسْـتَبِيْحُوا فِي الخَفاءِ أَيائِلَهْ

إنِّي وهَبْتُكِ حُسْنَ ظنِّي كُلَّهُ
لَمْ أَخْشَ سُوءَ عواقِبٍ أوْ غائِلَهْ

فالشاعِرُ المِسْكيِنُ تلْوي جُرْحَهُ
في حَبْلِهِ السُّرِّيِّ كَفُّ القابِلَهْ

عَقَدَتْ بِهِ عُقَدَاً فما عادت تُرى
إلا بقايا نُقْطَتَينِ وفاصِلَهْ

إنِّي رأيْتُكِ حُلْمَ أيَّامي الَّتِي
أوْدَعْتُها سُدَفَ اللَّيالي الآجِلَهْ

قالتْ وقد فَتَحَتْ مغالِقَ شُرْفَتي
يا سَيِّدِي عُذراً فإنِّي راحِلَهْ

ثمَّ انْثَنَتْ تَرْمِي بِجِسْمٍ هالِكٍ
فَهَوَتْ فَدَاسَتها نِعالُ السَّابِلَهْ

فأَخَذْتُ أهْتِفُ يا لها مِنْ مائِلَهْ
زَلَّت بها الأقْدامُ لَكِنْ فاضِلَهْ

أقْسَمْتُ رغْمَ خطِيئتيكِ وزَلَّةٍ
أنْتِ الَّتي طَهُرَتْ فَعادَتْ كامِلهْ

ولقدْ رَأَيتُكِ تشْبِهينَ الشَّمْسَ في
حُلَلِ الضِّياءِ وفي ثِيابِكِ رافِلَهْ

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أصائل : جمع أصيل وهو الوقت الذي يسبقُ غروب الشمس .
(٢) زاملة : الزاملة هى الناقة أو البعير الذي يُحمل عليه الماء والطعام للقافلة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.