منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

هل يجوز أن تمدح الإنسان في وجهه وهو يسمع؟ | سلسلة يسألونك

الشيخ عبد الله بنطاهر السوسي التناني

0

هل يجوز أن تمدح الإنسان في وجهه وهو يسمع؟ | سلسلة يسألونك

بقلم: الشيخ عبد الله بنطاهر السوسي التناني

*نص السؤال*

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ورشده.

وبعد؛ فقد سألني إمام مسجد من آسفي فقال: هل يجوز أن تمدح الإنسان في وجهه وهو يسمع؟ ألم ينه النبيﷺ عن ذلك والناس يفعلونه؟

نص الجواب والله الموفق للصواب

مدح الغير في وجهه من الوسائل التي توظف كثيرا في أسلوب المجاملات بين الناس؛ وهو حسب أمرين: سبب المدح، وأثره؛ وله في الحكم أربع حالات: مذموم لا يجوز في ثلاث، ومحمود جائز في واحدة:

  • الحالة الأولى

إن كان المادح يمدح الشخص بما فيه من عمله وأخلاقه وصفاته تذللا وتزلفا وتملقا للحصول على ما لدى الممدوح من مال وسلطة؛ فهو مدح مذموم لا يجوز؛ لما فيه من الذل والمسكنة؛ قال الله تعالى: {‌وَلَا ‌تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِ}(1).

  • الحالة الثانية

إن كان المادح يمدح الشخص في فراغ وبما ليس فيه؛ فهو مدح مذموم لا يجوز للمادح؛ لأنه كذب وشهادة زور، كما لا يجوز للممدوح قبوله؛ لقوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَن ‌يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِ}(2)؛ فهذه الآية الكريمة وإن نزلت بخصوص المنافقين كما قال أبو سعيد الخدري، أو بخصوص اليهود كما قال ابن عباس(3)؛ فإنها قد تجر ذيلها بعموم لفظها على من فيه هذه الصفة من عصاة المسلمين(4).

  • الحالة الثالثة

إن كان الممدوح مغرورا يغتر بالمدح ويتكبر فهو مدح مذموم لا يجوز؛ لأن الغرور والإعجاب بالنفس حرام؛ لقوله تعالى: {إِذۡ ‌أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ}(5)، ولقول النبيﷺ: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»(6).

وبهذه الحالات الثلاث يفسر ما جاء عن النبيﷺ من النهي عن المدح؛ ومن ذلك:

ما روى البخاري ومسلم عن أبي بكر رضي الله عنه قال: «أثنى رجل على رجل عند النبيﷺ فقال: ويلك (وفي رواية: «ويحك»)؛ قطعت عنق صاحبك -ثلاثا- ثم قال: من كان منكم مادحا أخاه لا محالة؛ فليقل: أحسب فلانا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، أحسب كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه»(7).
وما روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «أن رسول اللهﷺ سمع رجلا يثني على رجل، ويطريه في المدح فقال: أهلكتم -أو قطعتم- ظهر الرجل»(8).

  • الحالة الرابعة

إن كان المادح يمدح الشخص بما فيه من عمله وأخلاقه وصفاته اعترافا له بالجميل دون تزلف ومن غير أن يغتر به الممدوح فهو مدح محمود جائز لا حرج فيه؛ بل يكون مطلوبا؛ وعلى هذا الأساس مدح النبيﷺ عددا من الصحابة في وجوههم؛ وهم يسمعون؛ وعلى سبيل المثال:

ما روى البخاري ومسلم: أنهﷺ قال في مدح أبي بكر: «إن من ‌أمن الناس ‌علي في صحبته وماله أبا ‌بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا ‌بكر خليلا؛ ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي ‌بكر» وفي رواية: «سدوا عني ‌كل ‌خوخة في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر»(9).

وما روى البخاري ومسلم: أنهﷺ قال في مدح عمر: «إيه يا ابن الخطاب؛ والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا ‌غير ‌فجك»(10).
وما روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبيﷺ مدح أشج عبد القيس فقال: «إن ‌فيك ‌لخصلتين يحبهما الله عز وجل الحلم، والأناة»(11).

قال النووي: “ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهي عن المدح؛ وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه؛ قال العلماء: وطريق الجمع بينها أن النهي محمول على ‌المجازفة ‌في ‌المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح. وأما من لايخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته؛ فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة؛ بل إن كان يحصل بذلك مصلحة، كنشطه للخير والازدياد منه، أو الدوام عليه، أو الاقتداء به؛ كان مستحبا والله أعلم”(12).

  • وأخيرا أقول

أنت أعلم بنفسك من غيرك؛ فلا يغرَّنَّك كثرة المادحين ولا يضرَّنَّك كثرة القادحين. والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.


الهامش:

(1) سورة طه: (الآية 130).
(2) سورة آل عمران: (الآية 188).
(3) صحيح البخاري: كتاب التفسير: باب {لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ}: (رقم4291 و4292)، وصحيح مسلم: أول كتاب صفات المنافقين: (رقم 2777 و2778).
(4) انظر: فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان: (2/398).
(5) سورة التوبة: (الآية: 25).
(6) رواه البزار والطبراني والبيهقي؛ وقال المنذري: “هو مروي عن جماعة من الصحابة وأسانيده وإن كان ‌لا ‌يسلم شيء منها من مقال فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى”. مسند البزار: (13/486): (رقم: 7293)، والمعجم الأوسط للطبراني: (5/328): (رقم: 5452)، وشعب الإيمان للبيهقي: (1/471): (رقم: 745)، والترغيب والترهيب للمنذري: (1/174).
(7) صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب إذا زكى رجل رجلا كفاه: (رقم2519)، وصحيح مسلم كتاب الزهد: باب النهي عن المدح: (رقم 3000).
(8) صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما يكره من الإطناب في المدح وليقل ما يعلم: (رقم2520)، وكتاب الأدب: باب ما يكره من التمادح: (رقم5713)، وصحيح مسلم كتاب الزهد: باب النهي عن المدح: (رقم 3001).
(9) صحيح البخاري: كتاب المساجد: باب الخوخة والممر في المسجد: (رقم455)، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي ‌بكر: (رقم 2382).
(10) صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النبيﷺ: باب مناقب عمر بن الخطاب: (رقم 3480)، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر بن الخطاب: (رقم 2390).
(11) صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسولهﷺ: (رقم 18).
(12) شرح النووي على مسلم: (18/126).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.