منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

تقرير حول دورة تكوينية في «مهارات التحكيم العلمي»

تقرير حول دورة تكوينية في «مهارات التحكيم العلمي»/د. يونس المرابط

0

تقرير حول دورة تكوينية في «مهارات التحكيم العلمي»

د. يونس المرابط

باحث بمركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) – المغرب

 

نشر هذا المقال في مجلة ذخائر العدد التاسع 

يمكنكم الاطلاع عليه وتحميله من الرابط التالي

نظم مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) عبر تقنية التناظر المرئي دورة تكوينية في مهارات التحكيم العلمي يوم الأحد 21 مارس 2021م.

بعد الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم، وبعد ترحيبه بالحضور، أساتذة مؤطرين ومستفيدين من التكوين، قدم مُسيِّر هذه الدورة الدكتور ربيع حمو برنامج الدورة المتكون من عرض افتتاحي للدكتور عبد الباسط المستعين رئيس المركز المنظِم والأستاذ بجامعة محمد الأول (وجدة)، وأربع ورشات،

الأولى بعنوان: «التقويم المنهجي للأعمال العلمية» أطرها الدكتور محماد رفيع من جامعة سيدي محمد بن عبد ا لله (فاس)،

والثانية بعنوان: «تقويم محتوى الأعمال العلمية» من تأطير الدكتور رشيد كُهوس من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان،

فيما أطر الدكتور عبد الملك بومنجل من جامعة سطيف 2 (الجزائر) الورشة الثالثة بعنوان: «التقويم اللغوي والمفاهيمي للأعمال العلمية»،

أما الورشة الرابعة فكان موضوعها: «تقويم التوثيق العلمي وتقنياته» من تأطير الدكتور أحمد الفراك من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان.

في عرضه الافتتاحي، ذكَّر الدكتور عبد الباسط المستعين بأهمية التحكيم العلمي باعتباره عملية لا غنى عنها في المجالات العلمية، يضطلع بها شخص مؤهل يقوم بفحص العمل العلمي الذي يُعرض عليه وفق معايير وضوابط تمكنه من التصنيف للأعمال العلمية وإصدار الرأي في شأنها بكل حياد وتجرد. تتمثل أهمية التحكيم حسب ما أوضحه الدكتور عبد الباسط في كونه يسمح بتجويد المشاركات العلمية وإضفاء المصداقية عليها من خلال العمل على تفادي الأخطاء سواء المرتبطة بمقاييس وضوابط الكتابة العلمية أو تلك المرتبطة بمضمون المادة المعروضة للتحكيم.

كما أشار إلى إشكاليات وتحديات التحكيم العلمي وذلك من خلال ثلاث زوايا، زاوية شخصية الـمُحَكِّم، زاوية المادة الـمُحكَّمة، وزاوية الجهة المشرفة على التحكيم؛ فشخصية المحكِّم حاسمة في مصير المادة المحَكَّمة وفي عملية التحكيم برمتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجال العلوم الإنسانية حيث تضيق الحدود ما بين الذاتية والموضوعية. لهذا، فعمل المحكِّم إما أن يتسم بالتشدد، أو بالتراخي، أو بالتوسط بينهما. فقد نجد التركيز على نقاط الضعف وإغفال الإشارة إلى جوانب القوة والإيجابية في العمل المعروض للفحص والتحكيم. من هنا تتجلى أخلاقيات التحكيم من مسؤولية وأمانة ونزاهة وحضور ضمير، إذ تُعَدُّ شروطا أساسية من الضروري توافرها فيمن ينبري لعملية التحكيم العلمي. ومن التحديات ذات الارتباط دائما بشخصية المحكم ضرورة عدم إسقاطه لاتجاهاته الشخصية والإيديولوجية وجعلها منطلقا للحكم على أعمال الآخرين، كما أن العبارات التي يدبج بها قراره في الحكم على العمل المعروض عليه لا ينبغي أن تكون من نوعية الإساءة أو الانتقاص من شخص الباحث، بقدر ما ينبغي أن تركز على المقاييس العلمية والانضباط إليها بكل حياد وتجرد. ومن التحديات كذلك، إمكانية استخدام البيانات المتوصل إليها لأغراض شخصية وهذا مما لا ينبغي البتة. كما أوضح الدكتور عبد الباسط أن وجود المكافأة في التحكيم من عدمه قد يكون له الأثر في قيمة التحكيم التي قد تقل عندما يكون العمل تطوعا مصحوبا بضعف الحافز.

أما التحديات المرتبطة بالمادة المحكَّمة، فتتمثل في إشكال انعدام أو ندرة تخصص المحكِّم مما قد يؤثر على نتيجة التحكيم، كما أنه بالنظر لتعدد أصناف العلوم قد تتعدد المناهج المناسبة لكل صنف على حدة. وفيما يتعلق بالتحديات المتعلقة بالجهة المشرفة على التحكيم، فقد ركز رئيس مركز «مفاد» على ضرورة اطلاعها المسبق على العمل قبل توجيهه إلى المحكِّم، وذلك لأجل العمل على استبعاد المواضيع البعيدة عن الموضوع المطلوب أو الضعيفة، كما يفترض فيها أن تحافظ على سرية التحكيم، وضبطها لمعايير علمية من خلال استمارة تتضمن المعايير القابلة للقياس، وعدم الاقتصار على محكم واحد، بل تعديه إلى شخصين على الأقل، فضلا عن التواصل مع المحكمين وإعطائهم مهلة كافية وتعهدهم بالتذكير.

بعد هذا العرض الافتتاحي التوجيهي، افتتحت أشغال الورشات، فكان البدء مع ورشة «التقويم المنهجي للأعمال العلمية» حيث كانت ورشة تفاعلية، بيَّن فيها الدكتور محماد رفيع المعايير العلمية المنهجية التي يمكن الاستناد إليها في تقويم الأعمال العلمية من الناحية المنهجية مع نماذج تطبيقية. وقد تأسس العرض على ست قضايا معيارية: عنوان العمل ومعايير صياغته، الإشكال العلمي وشروطه، المنهج وشروطه، القالب العلمي للأعمال العلمية، مرجعية الأعمال العلمية ونتائجها وتوصياتها. لكن قبل معالجته لقضايا هذه الورشة، لفت الدكتور الانتباه إلى أمر بالغ الأهمية، وهو مقومات المحكِّم، والتي حصرها في شرطين: الرسوخ في العلم والعدالة، إذ بدونهما لا يمكن الحديث عن عملية تحكيم سليمة وموضوعية. لينتقل بعد هذا إلى موضوع المعايير التي ينبغي أن تتوفر في عنوان الأبحاث العلمية عند صياغتها، والتي لخصها في: الوجازة (أي أن يكون وجيزا مختصرا تفاديا للإطناب)، السلامة، (أي أن يكون سليما من اللحن العلمي أو اللغوي)، الفصاحة، الوضوح (واضحا فيما يدل عليه)، المطابقة (أي أن يكون مطابقا للمضمون)؛ ليفتح المجال بعدها للحضور للتفاعل مع بعض النماذج من العناوين التي اقترحها للحكم عليها وبيان مدى استيفائها للمعايير المحددة. وفي حديثه عن الإشكال العلمي وشروطه، أبرز مؤطر هذه الورشة أن الإشكال ينبغي أن يستجيب لمعايير حددها في: الوضوح (أن يكون وضاحا وبارزا)، الجودة (يمكن التعبير عنه وصياغته)، الجدوى (هل سيضيف جديدا؟ وما النتائج المتوقعة منه؟)، الأصالة (ما هي الفجوة البحثية التي سيغطيها؟، هل فعلا فيه جدة ويكشف عن أمور جديدة بعد الاطلاع على ما سبق)، وقد توقف الدكتور محماد رفيع عند أهمية الاطلاع على الدراسات السابقة للبحث المعروض، أي الاطلاع على المجهودات العلمية التي سبقته ليس بغرض عرضها فقط، بل نقدها وتقويمها، هكذا يكون الدارس باحثا عن مكان لبحثه وعن الفجوة العلمية التي يروم سدها. أما فيما يتعلق بالقالب العلمي للأعمال العلمية، فقد ركز الدكتور على أهمية التصميم المحكم للبحث العلمي من مقدمة علمية يعرض فيها الباحث مضامين بحثه، ومدخل يتضمن التعريفات اللغوية وفذلكة تاريخية…وغيرها مما يخدم الموضوع ويمهد له، ثم الأبواب والفصول وهي تقسيمات العمل منطقيا بحيث تكون متفرعة عن عنوان البحث، ثم خاتمة وملحقات وفهارس؛ وقد أكد الدكتور على أهمية التوزان في القالب العلمي للأعمال العلمية من حيث المضمون والقضايا، والتطابق بين الـمُعْلَن والـمُنجَز، وملاءمة المنهج للإشكال…كما أكد على أهمية غنى وتنوع المرجعية فيها، وضرورة اتسام نتائجها وتوصياتها بالقلة والقابلية للتطبيق والدافعية للبحث العلمي.

أما مداخلة الدكتور رشيد كُهوس في الورشة الثانية فقد سلطت الضوء على تقويم محتوى الأعمال العلمية، أي تحكيمها الذي يعد الوسيلة الوحيدة المتاحة لتقييم الأبحاث؛ حيث تطرق في بداية مداخلته إلى مفهوم تقويم محتوى البحوث العلمية، معرجا على أهدافه التي أجملها في رصد مواطن الضعف والقوة في محتواها، وتوجيه الباحثين إلى مراعاة الضوابط والمعايير العلمية في بحوثهم، من أجل الرفع من جودتها، خدمة للبحث العلمي الرصين الذي يسهم في النهوض الثقافي والفكري والعلمي للأمة ويجيب عن أسئلة الواقع، ويواكب مستجداته، ويستنطق تراث الأمة ليستفيد منه في واقعها.

ثم تطرق الدكتور بعدها إلى الشروط المرتبطة بالـمُحَكِّم، فأجملها في:

معرفة ضوابط التقويم، والخبرة والكفاءة في مجال العمل المقدم للتحكيم، والابتعاد عن المحاباة والأهواء والمؤثرات الشخصية التي تؤثر على عملية التقويم، فضلا عن الالتزام بالضوابط والقيم الخلقية الموجهة لعملية التقويم كاستحضار مراقبة الله والنزاهة والعدالة والشفافية والسرية، وتقدير جهود الآخرين…لينتقل بعد ذلك إلى الكشف عن أوجه القصور في تقويم المحتوى العلمي، فذكر ما يتعلق بالمحكِّمين وما له علاقة بالباحثين…وذيَّل ذلك كله ببعض الأمثلة التطبيقية التي تدل على أوجه القصور تلك.

أما الدكتور عبد الملك بومنجل فقد ركز في الورشة الثالثة بعنوان: «التقويم اللغوي والمفاهيمي للأعمال العلمية» على أهمية اللغة ومقومات الإبانة التي يلزم أن تتوفر في الأعمال العلمية، من دقة وإيجاز، ومزاوجة بين العبارة والإشارة، واجتناب للغة الإنشائية، وانتقاء المصطلحات المناسبة بدل الجمل الإطنابية… توظيف لغة تدل على تمكن الباحث من رصيد لغوي معتبَر، يغديه باستمرار ويُغنيه بقوالب أسلوبية ملائمة للموضوع، ويتزود من علوم البلاغة خاصة من علم المعاني. وفي هذا المضمار، أكد المحاضر على ضرورة التحقق من دلالات الألفاظ، والمراجعة المنتظمة لما كُتِب قصد الوقوف على مقدار السلامة اللغوية صرفيا ونحويا، واستقامة التراكيب، واحترام علامات الوقف، فضلا عن ضبط المفاهيم والمصطلحات.

وبالنظر لأهمية التوثيق والفهرسة، فقد خُصِّصَت الورشة الرابعة والأخيرة لـ: «تقويم منهجية التوثيق في البحوث العلمية». أثار مؤطر الورشة الدكتور أحمد الفراك الانتباه في البداية إلى أن الملاحَظ أحيانا في عملية التحكيم هو عدم إيلاء الاهتمام لمسألة التوثيق والفهرسة سواء من قبل المحَكِّم أو من قبل الجهة المشرفة على التحكيم، بحيث لا يتم تضمين معايير تقويمها في استمارة التحكيم؛ فالمفترض في المحكم أن يعرضها – أي عمليات التقويم والفهرسة – على ضوابط التوثيق وليس من خلال ما يرجحه هو. لذلك يجب أن يستصحب الشروط والمعايير التي تضعها الجهة الـمُشْرفة إن كانت لها معايير تشترط على الباحثين التقيد بها. فلا بد للبحث أن ينضبط لإحدى الطرائق المشهورة في التوثيق، والتي حصرها الدكتور الفراك في أربعة أنظمة:

نظام جمعية اللغات الحديثة MLA، نظام شيكاغو Chicago Style، نظام جمعية علم النفس الأمريكية APA، ونظام هارفارد The Harvard Style، موضحا قواعد وضوابط كل نظام على حدة مع أمثلة توضيحية. بعدها انتقل إلى بيان ما ينبغي أن يقوم به الباحث من ترتيب للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في إنجاز بحثه ترتيبا أبجديا أو هجائيا، مع فرزه للمجلات وحدها والمعاجم وحدها والمواقع الإلكترونية وحدها…وفي حال تعدد المؤلفين للمرجع الواحد يتم ذكر الاسم الأول وآخرون، ثم باقي معلومات الكتاب.

كما وضح الدكتور ضوابط التوثيق في مختلف المصادر والمراجع من قرآن كريم، وحديث نبوي، ومجلات علمية، وأشغال الندوات العلمية، وكتب غير منشورة، ومقالة مقبولة للنشر، ورسالة جامعية، ورسالة باللغة الإنجليزية، ومخطوطات، وصحف، ومصادر ومراجع إلكترونية، ومرجع سابق، ومرجع مؤلفه مجهول، وتوثيق من كتاب لا يتضمن معلومات النشر. وقد قدم في نهاية عرضه تنبيهات مرتبطة بعملية التوثيق من قبيل اكتفاء بعض الباحثين بذكر اسم الكاتب فقط في حال تكرار المرجع، أو الاكتفاء بذكر سنة الطبع فقط، أو الاكتفاء بذكر اسم الكاتب فقط إذا تكرر في الهوامش…ليختم بعرض الفهارس وأنواعها (الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية، الأعلام، الأشعار، المصطلحات، الأماكن…)، مؤكدا على ضرورة إيلاء الأهمية لتقويم منهجية التوثيق في البحوث العلمية المعروضة للتحكيم بكونها جزءا هاما يدل على رصانة هذه الأخيرة أو تذبذبها.

بعد هذه الورشات والمداخلات القيمة التي ذكَّر المسير عقب كل واحدة منها بأهم المضامين والأفكار التي تناولتها، فُتِح المجال لتفاعل المستفيدين من الدورة لإبداء الرأي وتبادل الخبرات والاستفسار…فكانت المداخلات دليلا على حسن تتبعهم وعميق فهمهم واستيعابهم، وكذا فرصة لطرح أسئلتهم بشأن بعض المواضيع التي أشكلت عليهم، والصعوبات التي واجهوها أو تلك التي قد يواجهونها في المستقبل في تحكيم الأعمال العلمية بمختلف أنواعها. وبعد تقديم السادة الأساتذة مؤطري الورشات التكوينية للتوضيحات والإجابات عن الأسئلة المطروحة، أُسدل الستار على هذه الدورة التكوينية التي تكللت بالنجاح وحققت أهدافها، مع ضرب موعد في المستقبل القريب لدورات تكوينية أخرى تركز على الجانب التطبيقي العملي، وذلك لتحسين وتجويد عملية التحكيم العلمي ارتقاء بالبحث العلمي وبجودته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.